عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-08-2019, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجموعة كلمات للشيخ عبدالكريم الخضير عن تدبر القرآن مستلة من دروسه العلمية

مجموعة كلمات للشيخ عبدالكريم الخضير عن تدبر القرآن
مستلة من دروسه العلمية


من جمع العبد الفقير إلى الله إبراهيم السكران..




5-كتابٌ عظيم لا تَنْقضِي عَجائِبُه:
ابن القيم يقول: "أهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب-، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم" هذا الموضوع يحتاج إلى بسط، يحتاج إلى وقفة طويلة، ويحتاج إلى مزيد من العناية؛ لأنه يلاحظ على كثير من طلاب العلم هجر القرآن، هجر القرآن، كثير من الإخوان نعم، قد تجده حافظ حرص في أول عمره على حفظ القرآن ثم ضمن الحفظ وترك القرآن يكفي هذا؟ لا يكفي.

وتجد بعض الإخوان -مع الأسف الشديد- عوام المسلمين أفضل منه بالنسبة لكتاب الله، بعض الناس لا يفتح المصحف إلا إذا قُدر أنه حضر قبل الإقامة بدقائق بدل ما يضيِّع الوقت يقرأ القرآن، فالقرآن كأنه عنده فضلة على الفرغة، وبعض الناس من رمضان إلى رمضان؛ لكن الإنسان إذا التزم ورداً معيناً لا يفرط فيه سفراً ولا حضراً، وقد عرفنا من الناس وهو مسافر في طريقه من بلد إلى بلد إذا جاء وقت الورد على جنب، يقرأ حزبه إذا انتهى واصل سفره، الدنيا ملحوق عليها يا أخي، ما هناك أمر يفوت، المسألة أنفاس معدودة بتتوقف مثلما انتهت، وخير ما تصرف فيه الأعمار كتاب الله -جل وعلا-.


هو الكتاب الذي من قام يقرأه *** كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ
كتاب عظيم لا تنقضي عجائبه، فيه حلول لجميع المشاكل، فيه عصمة من الفتن، والناس أحوج ما يكونون في هذه الظروف إلى الرجوع إلى كتاب الله -جل وعلا-.

على كل حال بعض الناس يشق عليه جداً أن يرتل وتعود الهذ هذا يهذ ما في بأس؛ لكن على ألا يهمل التدبر، لا أقول: مع الهذ لأن هذا ما يصل إليه إلا بعد مراحل؛ لأنا عرفنا أناس يقرؤون القرآن في يوم ويبكون من قراءته، هؤلاء تجاوزوا مراحل، هذا الشخص اللي في البداية ويقول: الترتيل صعب عليه..؛ لأن بعض الناس إذا عرف النتيجة والمحصلة التي قرأها في هذا اليوم خمسة أجزاء، ستة، عشرة، نشط؛ لكن إذا رتل وتدبر في النهاية جزء هذا يكسل، نقول: هذا لا بأس هذّ، وحصّل أجر الحروف، وخلّي لك ختمة تدبر، ولو كانت في السنة مرة، اقرأ في هذا اليوم ورقة واحدة بالتدبر، وامش على طريقك.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ترجم لشخص يقرأ القرآن في ثلاث، ديدنه عمره كله، وله ختمة تدبر أمضى فيها عشرين سنة، وبقي عليه أقل من جزء من القرآن، توفي ولما يكملها، فلا هذا ولا ذاك، يعني المسألة تحصيل الحروف والنشاط لقراءة القرآن يحصل بالهذ بلا شك، لاسيما من تعود عليه، والتدبر يجعل له وقت ولو يقرأ في كل يوم ورقة واحدة بالترتيل والتدبر والتفكر والاستنباط، ويتفهم كلام الله، ويراجع على هذه الورقة ما يعينه على فهم كتاب الله -جل وعلا-، نعم في حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) حمله أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، وأما من استغل الأوقات الفاضلة، والأماكن الفاضلة في أوقات المضاعفات مثل هذا لا يتناوله مثل هذا الحديث.

على أن الناس يتفاوتون في هذا، يعني إذا وجه هذا الكلام لعموم المسلمين نعم لعموم المسلمين لا يفقهون إذا قرؤوا، لكن شخص متفرغ لقراءة القرآن، يقول: أنا عندي استعداد أجلس بعد صلاة الصبح وأقرأ خمسة أجزاء، وأجلس بعد صلاة الظهر واقرأ خمسة، وأجلس بعد صلاة العصر وأقرأ خمسة نعم من غير مشقة بحيث يختم في يومين، نقول: لا يا أخي أنت خالفت الحديث لا تقرأ الظهر، اترك القراءة على شان تختم في ثلاثة أيام، هذا حل؟ هل هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الحديث؟ نعم، نعم يحل المسألة لو قيل له: اقرأ القرآن، اقرأ بدل خمسة بعد صلاة الصبح ثلاثة، بس على الوجه المأمور به، بعد صلاة الظهر بدل خمسة اقرأ ثلاثة، أما أن يقال له: اترك القراءة في وقت من هذه الأوقات لتقرأ القرآن في ثلاث ما هو بهذا المراد قطعاً، نعم.

أما الذي يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به ويكون ديدنه، قراءة ترتيل وتدبر ولو قلت قراءته هذا أفضل، هذا أفضل واختيار أكثر أهل العلم؛ لكن بعض الناس ما يستطيع يقرأ بالترتيل، الذي تعود على الهذ ما يستطيع يقرأ بالترتيل، لا بأس يقرؤه في شهر، إيش المانع؟ يقرأ على الوجه المأمور به كل يوم جزء أنفع له بكثير، أنفع لقلبه؛ لأن هذه الطريقة هي المحصلة للإيمان واليقين كما قال شيخ الإسلام، وهذا هو الذي..، أُنزل القرآن من أجل هذا؛ لكن من فضل الله -جل وعلا- أنه رتّب الأجر على مجرد النطق بالحروف، إذا فاته طريقة أدرك طرائق -إن شاء الله تعالى-، وهو على خير على كل حال.

6-لا يفرط به إلا محروم:

إذا عرفنا منزلة القرآن علينا أن نهتم به، وأن نديم النظر في كتاب الله، وأن نليه عناية تامة، فإذا كان عموم المسلمين ينظرون في الصحف والمجلات الساعات الطوال، وليس لكتاب الله نصيب، هذا مسخ للقلوب، نسأل الله العافية، فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، الأمر ليس بسهل، فلا بد من إدامة النظر في كتاب الله، وحفظ ما يمكن حفظه منه، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] .

القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، فعلينا أن نعتني بحفظ القرآن، وإدامة النظر فيه، وملازمة تلاوته، وأن نجعل لنا حزب يومي، لا تغيب شمس اليوم إلا بعد قراءته، وعلينا أيضاً أن نقرأ مع الفهم والتدبر؛ لأنه كلام الله، وكلام موجه إليك، افعل أو اترك، فكيف تفعل أو تترك وأنت لا تفهم؟ والعلوم كلها تحت تدبر القرآن، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:


فتدبر القرآن إن رمت الهدى*** فالعلم تحت تدبر القرآنِ
الآن لو جاء نظام موجه إلي عموم الموظفين لتطبيقه، تجد أول ما يرد هذا النظام مدير الدائرة ووكلاؤه ورؤساء الأقسام، يحتجبون عن الناس لمدارسة هذا النظام وفهمه، وهو نظام بشر، لكن تمر عليهم الآيات والكلمات التي تحتاج إلى فهم، تحتاج إلى توضيح واستيضاح من أهل العلم، أو بالرجوع إلى الكتب تمر كأنها لا تعني القارئ، أو لا تعني السامع.

فعلى كل إنسان أن يحفظ من القرآن ما يتيسر له حفظه، ما لا يعجز عنه يحفظه، وإذا عرفنا فضل القرآن، وفضل تلاوته القرآن، له في كل حرف عشر حسنات، يعني لو تقرأ جرايد الدنيا وش لك من الحسنات؟ كتب الدنيا كلها ما فيها أجر مرتب على حروفها إلا هذا الكتاب، حتى السنة ليس فيها مثل هذا الأجر، نعم من قرأ السنة ليتفقه ويتعلم يرجى له ما يرجى لأهل العلم، ويرجى له ما يرجى لمن سلك طريق يلتمس فيه علماً، لكن كل حرف عشر حسنات! الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة بل أكثر، هذا شيء عظيم، ولا يفرط به إلا محروم، لكن الذي لا يستطيع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، شخص يعالج نفسه الأيام والشهور والأعوام ليحفظ القرآن ما أستطاع، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ لكن عليه أن يحفظ ما يستطيع.

7-تدبر القرآن:

وأما بالنسبة لقراءة القرآن كثيرٌ من الناس تعلم القراءة هذّاً بسرعة، هذا يصعب عليه أن يتدبر، لكن عليه أن يأطر نفسه على التدبر، التدبر: يكون بقراءة القرآن على الوجه المأمور به، يعني يرتل القرآن ولا يسرع، ومع ذلك يكون بيده قلم يدون الألفاظ التي تشكل عليه، ويراجع فيها كتب الغريب، فإذا انتهى من القرآن على هذه الطريقة الآن لا يشكل عليه اللفظ، قد يشكل عليه معنى من المعاني، يراجع فيه كتب التفاسير الموثوقة حتى تنحل لديه هذا الإشكالات، ثم بعد ذلك يقرأ القرآن بدون إشكالات، ويتدبر، وفي كل مرة يعرض فيها القرآن يتكشف له من العلوم ما لم يكن عنده من قبل، والهدى كله في تدبر القرآن.

8-القرآن في شهر رمضان:

قال -جلا وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} ماذا يرجون؟ {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}[(29) سورة فاطر] يرجون تجارة لا يسطو عليها لص ولا سارق، ولا يخاف عليها من كساد، إنما هي رابحة لن تبور {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ}[(30) سورة فاطر] تجارة رابحة -أيها الإخوان- لو حسبنا القرآن الكريم الذي جاء الترغيب في قراءته، وأن لكل حرفٍ عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) .

والقرآن على الخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف، هل المراد به حرف المبنى، أو حرف المعنى، فالأكثر على أن المراد به حرف المبنى، وذلك اللائق بفضل الله -جل وعلا-، وعلى هذا فالقرآن بالحسابات العادية التجارية، الحرف بعشر حسنات، وهو أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، حرف المبنى.
إذاً الختمة الواحدة كفيلة بتحصيل ثلاثة ملايين حسنة، هذا على أقل تقدير، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، حتى جاء في المسند أن الله -جل وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، مليوني حسنة، والحديث فيه مقال، لا يسلم من ضعف؛ لكن فضل الله لا يحد.

وعلى القول الثاني: وهو أن المراد بالحرف حرف المعنى، يكون عدد حروف القرآن حروف المعاني، يعني كلمات القرآن، تزيد على سبعين ألف يعني الربع، على هذا تكون الختمة الواحدة فيها سبعمائة ألف حرف، شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح القول الثاني؛ لكن ثقتنا بفضل الله -جل وعلا- أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام -رحمه الله-، فالمرجح أن المراد بالحرف حرف المبنى، وهذا هو اللائق بفضل الله -جل وعلا- وكرمه، فإذا قلنا: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}[(29) سورة فاطر] أقل ما يقال في الختمة الواحدة: ثلاثة ملايين حسنة.

وجاء الحث على قراءة القرآن، وتعلم القرآن، وتعليم القرآن، وتدبر القرآن، وفهم القرآن، والعمل بالقرآن، النصوص في ذلك كثيرة جداً، ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) ((لا حسد إلا في اثنتين)) (لا حسد) يعني لا غبطة ((إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به)) يعني يتعلمه ويعلمه، تعلم هذا الكتاب العظيم، ولذا يغبط كثيرٌ من الناس من إذا تخرج واصل الدراسة، وهذا مع النية الصالحة لا شك أنه مغبوط، يصرف وقته فيما ينفعه؛ لكن الحسد الحقيقي والغبطة الحقيقية إنما تكون في هذين الأمرين، ولذا قال في الحديث الصحيح: ((لا حسد إلا في اثنتين)) وجاء في الحديث الصحيح: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) تعلم القرآن، وتعليم القرآن، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أهل القرآن هم العاملون به، العالمون به، المعلمون له" حتى قال: "ولو لم يحفظوه" يعني بعض الناس يصل إلى حد قارب من اليأس من حفظ القرآن؛ لأنه فرط في أول الأمر، ثم كثرت مشاغله، فعليه أن يعنى بكتاب الله، قراءة وإقراءً وتدبراً، التدبر له شأن عظيم، وإن كان تحصيل أجر الحروف يحصل ولو لم يتدبر الإنسان، ولو قرأ القرآن هذاً، يحصل أجر الحروف؛ لكن القراءة على الوجه المأمور به أفضل عند جمهور أهل العلم، وإن قلت الحروف، قراءة الهذّ تحصل أجر الحروف، والدليل على ذلك ما في مسند الدارمي بإسناد حسن: ((يقال لقاري القرآن: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذّاً كان أو ترتيلاً)) فدل على أن قراءة الهذّ شرعية، إلا أنها دون قراءة الترتيل المأمور به {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[(4) سورة المزمل].

وجاء الأمر بتدبر القرآن، والحث عليه في أربع آيات: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}[(82) سورة النساء]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[(24) سورة محمد]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[(29) سورة ص].

المقصود أن التدبر أجره قدرٌ زائد على مجرد أجر تحصل الحروف، والقراءة على الوجه المأمور به، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "تورث من العلم والعمل واليقين والطمأنينة والإيمان ما لا يدركه إلا من فعله" فلا شك أن القراءة بالتدبر والترتيل عند عامة أهل العلم أفضل من قراءة الهذّ، ولو كانت أقل في عدد الحروف؛ لأنه وإن كانت قراءة الهذّ محصلة لأجر الحروف، إلا أن كون العمل يأتي على مراد الله -جل وعلا- يفوق ما جاء مما رتب عليه الأجر الكبير أضعاف مضاعفة.

ألا ترى أن الذي أصاب السنة أفضل بمراحل ممن له الأجر مرتين: ((والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه له أجران)) له أجر القراءة، وأجر المشقة، ((والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)) فلا يستوي أجر عُدَّ وحسب على ما عند الله -جل وعلا- مما يوافق مراده -عز وجل-، هذا من جهة فإذا افترضنا أن شخصاً قال: أريد أن أجيد في ساعة، هل أقرأ في هذه الساعة خمسة أجزاء أو أقرأ جزئين؟ نقول له: إن كنت تريد مجرد أجر الحروف فاقرأ الخمسة، وهو مرجحٌ عند الإمام الشافعي، وإن كنت تريد ما هو أعظم من ذلك لتحقق الهدف الذي من أجله أنزل القرآن فاقرأ جزئين، وأجرك أعظم عند جمهور أهل العلم.

ونحن مقبلون على شهرٍ عظيم مبارك، هو شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[(185) سورة البقرة] هو شهر القرآن عند أهل العلم، ولذا إذا دخل رمضان أقبل كثيرٌ من السلف على كتاب الله -عز وجل-، وتركوا أعمالهم، وارتباطاتهم الخاصة والعامة؛ لينكبوا على كتاب الله -جل وعلا-.

وذكر في سيرهم شيءٌ هو في عداد كثيرٍ من طلاب العلم مع الأسف الشديد ضربٌ من الخيال، أو من الأساطير، حتى كان بعضهم يختم القرآن في يوم، وبعضهم مرة في النهار، ومرة في الليل، وهذا ثابت عن بعض الصحابة، وهو كثيرٌ في التابعين ومن بعدهم.

قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) يعني لو قرأ القرآن في أقل من سبع زاد وخالف، وجاء في الحديث الذي في السنن وهو صحيح: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) هذه النصوص أولاً حديث عبد الله بن عمرو جاء ليعالج مشكلة، وهي أن عبد الله بن عمرو كان مندفعاً؛ ليفرغ نفسه للعبادة ليقوم الليل فلا ينام، ويصوم النهار فلا يفطر، ويقرأ القرآن في كل لحظةٍ من لحظاته، فمثل هذا المندفع يعالج بالتخفيف، ولذا جاء العرض عليه بأن يقرأ القرآن في كل شهرٍ مرة، في كل شهرٍ مرتين، ثم قيل له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) فمثل هذا علاج لبعض المندفعين، يبدأ بالأخف الأخف؛ لكن لو جاء شخص مفرط معرض إذا قيل له: اقرأ القرآن في كل يوم وعسى أن يقرأه في كل شهر، فمثل هذا يورد له من أعمال السلف ما ثبت عنهم عله أن يندفع لقراءة القرآن، عله أن تشحذ الهمة لقراءة كتاب الله -عز وجل-.

أما حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) فهو محمول عند أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، أما من استغل المواسم الزمانية والمكانية فلا يدخل في هذا، على أن ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو يحمله أهل العلم على أنه للرفق به، وما جاء بالرفق بالشخص فإنه لا يدل على ظاهره من الأمر، بل يحمل على حاله وحال من يشبهه كمن ذكره من المندفعين.

القرآن هو كلام الله الذي لا يشبع منه طالب العلم، وفيه الأعاجيب، لا تنقضي عجائبه، عجباً لهذا الكلام الذي يردد في كل يومٍ عند بعض الناس، وفي كل ثلاث وفي كل سبع عند كثير، ويقرأه الإنسان في كل وقت ولا يمله، بينما لو ردد كلام البشر مرتين أو ثلاث لن يطيق أكثر من ذلك، فالقرآن كما ذكرنا كلام الله -جل وعلا-، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- في كل وقت، وقراءة القرآن في سبع لا تكلف شيئاً، من جلس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس في كل يوم قرأ القرآن بسبع ولم يحتاج إلى المزيد على ذلك.

من المتقدمين من يقرأ -معروف عند أهل العلم- من يقرأ قراءة الهذّ لتحصيل الحروف ويكثر من ذلك ويجعل له ختمة تدبر، يفيد منها في قلبه وفي علمه وفي عمله.


فتدبر القرآن إن رمت الهدى*** فالعلم تحت تدبر القرآنِ
لكن لو خصص الإنسان ساعة بعد صلاة الصبح ونصف ساعة بعد صلاة العصر، وهذا الوقت لا يعيقه عن شيءٍ من أمور دينه ودنياه، كفيلٌ أن يقرأ القرآن بسبع بالتدبر المناسب، لو زاد نص ساعة زاد الأمر تدبراً وتفكراً وإفادةً.

وعلى طالب العلم أن يقرأ ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، من كلام أهل العلم الموثوقين حول القرآن، من التفاسير المختصرة، ويغني من ذلك تفسير الشيخ ابن سعدي أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، أما من يريد أن يقرأ ويفيد من جميع أنواع علوم القرآن، ويمكنه أن يستنبط من القرآن فعليه بالمطولات، والتفاسير الموثوقة موجودة، ولله الحمد.

المقصود أن طالب العلم يعجب من حاله إذا زهد بكتاب الله، مع الأسف الشديد أن بعضهم لا يفتح القرآن إلا في رمضان، أو إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس أو عشر دقائق فتح القرآن، بل الأعجب من ذلك من يتعجب ممن يقرأ القرآن، يأتي طالب ينتسب إلى العلم لبعض المشايخ ويقول له: إنه يريد أن يقرأ عليه كتاب في العلم في الحديث أو في الفقه أو في العقيدة أو في غيرها من التخصصات الشرعية التي تعينه في سيره إلى الله والدار الآخرة، ثم يجد الشيخ يقرأ القرآن في المسجد، فيعتذر الشيخ بأنه مشغول، فيتعجب الطالب كيف يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن؟ هذا كلام له دلالته، دلالة خطيرة، كأن بعض طلاب العلم ليس في قاموسهم وفي ترتيبهم نصيب من كتاب الله -عز وجل-، وهذه سمعت ما هو بكلام افتراضي، هذا كلام مسموع، وملاحظ ومشاهد، نعم الإقبال على الحفظ موجود، والحفظة فيهم كثرة -ولله الحمد- أكثر من ذي قبل، كما جاء في الحديث الصحيح: ((يكثر العلم ويقل العمل)) ولذا نجد آثار ذلك ظاهرة من وجود الجفاء عند كثيرٍ ممن يطلب العلم لا سيما ممن لم يتمكن العلم إلى قلبه، ولذا تجد نصيب الكبير منهم في القيل والقال، أخطأ فلان، زل فلان، أفتى فلان، قال فلان، وهل جعلك الله حكماً بين العباد؟! مثل هذا في الغالب أنه لا يفلح، وفي الغالب أن يحرم بركة العلم والعمل، كما نص على ذلك ابن عبد البر وغيره.

فالمقصود أن على طالب العلم أن يلزم خاصة نفسه، وأن يحرص على ما ينفعه من كسب الحسنات ودرء وترك السيئات، ويحافظ على ما اكتسبه، ولا يأتي مفلساً يوم القيامة، يأتي بأعمالٍ أمثال الجبال، ثم يفرقها بين فلان وعلان، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسرق مال هذا، وقذف هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته إلى آخره في الحديث المعروف في حديث المفلس.

مع الأسف أنه يوجد في صفوف طلاب العلم من هذه صفته، فاكهتهم الأعراض، لا سيما أعراض أهل العلم، هم يفترضون في أهل العلم العصمة، ولا عصمة لأحد، كلٌ يخطئ، وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، وما عدا ذلك يخطئ، إذا كنت بالفعل مشفق على صاحبك الذي أخطأ امنحه النصيحة، اكتب له، قابله، ناقشه إلى غير ذلك، وإلا فالتعريض فيه لا يغني عن التصريح لا سيما إذا خشي الضرر من انتشار هذه الفتوى التي هي خلاف الصواب، فلا مانع أن يقال: من غير تسمية، بعض الناس يفتي بكذا، والمرجح عند أهل العلم كذا، حتى لا ينسب إلى نفسه شيء وهو ما زال صغيراً، والله المستعان، ولا أريد أن أطيل عليكم، وكلكم يعرف مثل هذا الكلام؛ لكن الشيخ -حفظه الله- طلب هذه الكلمة المختصرة عن كتاب الله، وإلا كلكم يعرف مثل هذا الكلام، والله المستعان.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

انتهى كلام الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]