الموضوع: وصايا لقمان 2
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-08-2019, 02:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي وصايا لقمان 2

وصايا لقمان 2
محمد موسى عياد



بعد أن ذكر - سبحانه - ما وصَّى به لقمان ابنه من شكر المنعم الحقيقي الأول، ونهاه عن الإشراك به، وذكر ما في الشرك من الشناعة والبشاعة، وضمن ذلك الأمر بتوحيد الله - تعالى -، الذي هو أعظم الحقوق وأجلها وأخطرها، أتبع ذلك ببيان حق الوالدين؛ لأنهما السبب بعد الله - تعالى -في وجود الإنسان في هذه الحياة.
فقال - تعالى -: (ووصينا الإنسان بوالديه) أي أبيه وأمه، والوصية هي: العهد بالأمر المهم، ولما كان حق الأم أعظم من حق الأب نصَّ عليه، وبين سببه فقال: (حملته أمه وهنا على وهن) أي ضعفا على ضعف، ضعف الحمل، وضعف الوضع، ثم مشقة الرضاعة، وعناء التربية، ولهذا قال: (وفصاله في عامين) أي وفطامه من الرضاع بعد وضعه في سنتين، كما قال - تعالى -: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، فهي تكابد في ولدها المشقة بعد المشقة، فلا غرابة أن يكون حقها مضاعفا على حق الأب، ولهذا لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ أبَرُّ؟ قال: ((أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب)) رواه أبو داود والترمذي [حسن / صحيح الجامع]، فجعل حق الأب واحدا، وحق الأم ثلاثا؛ لعظيم جهدها، وكبير مشقتها.
وفي الآية دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر، وذلك بضم هذه الآية إلى قوله - تعالى -: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)، فإذا كان الفصال في عامين بقى للحمل ستة أشهر.
ثم فسر هذه الوصية بقوله: (أن اشكر لي) وذلك بالاعتراف له - سبحانه - بالنعمة أولاً وآخِراً، قلبا وقالبا، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، وقدم حقه - تعالى -؛ لأنه خالق كل مخلوق، فهو الذي أوجده وأعده وأمده بأسباب الحياة والبقاء، وأسبغ عليه النعمة ظاهرا وباطنا، ثم إليه مرجعه فينبئه بما قدم وأخَّر.
و (اشكر أيضا) لوالديك (ببرِّهما والإحسان إليهما، اعترافا بحقهما، ورداً لبعض جميلهما، وذلك بالقول اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، وإكرامهما وإجلالهما، والقيام بمئونتهما، واجتناب الإساءة إليهما بالقول أو الفعل، كما قال - تعالى -: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وكثيرا ما يقرن الله - تعالى - حق الوالدين بحقه - جل وعلا -، كما في قوله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
ثم بين السبب لوجوب الامتثال فقال: (إليَّ المصير) أي المرجع والمآب، لا إلى غيره، فيجازي كلاًّ بعمله من الشكر أو الكفر، ويسأله هل امتثل ما وصاه الله به أوْ لا؟ كما قال - تعالى -: (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم)، وقال: (إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون)، وقال: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون).
(لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوْقٍ فِيْ مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)
وبعد أن ذكر - سبحانه - وصيته بالوالدين وأكَّد حقهما، ووجوب طاعتهما استثنى من ذلك حقوقه - تعالى -، فإنها مقدمة على حقوق الوالدين، ولهذا قال: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم) أي وإن اجتهدا في الطلب، وألحفا عليك بأن تشرك في عبادة الله - تعالى - شيئا من الأشياء، مما لا تعلم أنه شريك لله (فلا تطعهما) أي فيما أمراك به من الإشراك بي، لأنه (لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري.
والقيد في قوله: (ما ليس لك به علم) صفة كاشفة، لبيان تعليل الحكم؛ لأنه قد عُلِم أنه ليس هناك شرك عليه أثارة من علم، كما قال - تعالى -: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى).
وقال - تعالى -: (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون)، فالقيد هنا كالقيد في قوله - تعالى -: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) فليس المعنى: أنه يوجد من الآلهة غير الله من له برهان، ولكن المعنى: فإنما حسابه عند ربه؛ لأنه لا برهان له به.وإذا كان الوالدان لا يطاعان في معصية الله - تعالى - مع عظيم حقهما، وكبير قدرهما، فغيرهما من باب أولى وأحرى.
(وُجُوْبُ الإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَوْ أَمَرَا بِالشِّرْكِ)
ومع هذا لو قُدِّر أنهما أمرا بالإشراك فإن ذلك لا يسقط حقهما من البر بهما، والإحسان إليهما، ومن المعاشرة لهما بالمعروف، ولهذا قال: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) وهي المصاحبة التي يرتضيها الشرع، وتقتضيها المروءة والكرم في أمور الدنيا، وذلك بإطعامهما، وكسوتهما، وإسكانهما، وعيادتهما إذا مرضا، والرفق بهما، والاجتهاد في دعوتهما إلى الخير، والدعاء لهما بالهداية والتوفيق، وعدم جفائهما، والإغلاظ عليهما.
رُوِيَ أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: لما أسلمت حلَفَتْ أمي لا تأكلُ طعاما ولا تشربُ شرابا، فناشدتها أول يوم فأبتْ وصبرتْ، فلما كان الثاني ناشدتها فأبت، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: والله لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أودع ديني هذا، فلما رأت ذلك، وعرفت أني لست فاعلا أكلتْ.
ولما كان ذلك قد يجر إلى نوع من الوهن والمداهنة في الدين نفاه - تعالى - بقوله: (واتبع سبيل من أناب إلي) أي واسلك طريق (من أناب) أي رجع إلى الله - تعالى - بالتوبة النصوح، والإقبال عليه بفعل الطاعات، والأعمال الصالحات، والاجتهاد في ترك المعاصي والمحرمات، وأعظم ذلك تحقيق التوحيد والإخلاص فيه، واجتناب الشرك والحذر منه، صغيره وكبيره، ظاهره وباطنه.
(ثم إليَّ مرجعكم) تعليل للأمر السابق، كقوله فيما تقدم: (إلي المصير)، أي إليه وحده - لا إلى غيره - مرجع جميع الخلائق، صغيرها وكبيرها، عاقلها وبهيمها.
(فأنبئكم بما كنتم تعملون) في الحياة الدنيا من خير أو شر، ثم أجازيكم عليه، وهكذا حيث ورد الإخبار بأنه - تعالى - يعلم ما يعمله العباد، أو ينبئهم بما كانوا يعملون، فليس المقصود مجرد العلم بذلك أو الإخبار به، ولكنه مع المجازاة عليه، كما في قوله - تعالى -: (ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]