عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-08-2019, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرط والقسَم وواو الحَال عند النحَاة وفي كلام البُلَغاء

الشرط والقسَم وواو الحَال عند النحَاة وفي كلام البُلَغاء
- صَلاح الدين الزعبَلاوي


الحال

تعريفه: الحال في تعرف النحاة وصف (فضلة) وقد عنوا بفضلة أنها ليست مسنداً أو مسنداً إليه، وهم ركنا الجملة من الوجهة النحوية. كالفعل والفاعل في الجملة الفعلية، والخبر والمبتدأ في الجملة الاسمية، فالحال تأتي في الأصل بعد استيفاء هذين الركنين في الجملة، تقول (جاء خالد راكباً) فتأتي بالفعل والفاعل ثم تذكر بعدهما (الحال –راكباً) لبيان هيئة صاحب الحال وهو الفاعل (خالد). ويقول الشاعر (أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي) فيأتي بالمبتدأ والخبر ثم يأتي بـ (الحال –معروفاً) تأكيداً لمضمون الجملة.

وإذا قلنا (الحال فضلة) فليس يعني ذلك أنه يمكن الاستغناء عنها لتمام المعنى المقصود دونها، ذلك أنها تأتي لأداء دلالة خاصة. وإلا فهل يمكن الاستغناء عن (الحال) في قوله تعالى: )وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين –الأنبياء /16(، أو الاستغناء عن (الحال) في قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون –النساء /44(.

قال ابن هشام في كتاب (شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب /244(: "السابع من المنصوبات –الحال –وهو وصف فضلة مسوق لبيان هيئة صاحبه، نحو قوله تعالى: فخرج منها خائفاً –القصص /21، أو تأكيده نحو قوله تعالى: )لآمن من في الأرض كلهم جميعاً –يونس /99، أو تأكيد عامله، نحو قوله تعالى: فتبسم ضاحكاً –النمل 19، أ وتأكيد مضمون الجملة، نحو قوله تعالى: )وأرسلناك للناس رسولا –النساء /98، وقول الشاعر: أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي(.

والحال وصف نكرة أي اسم مشتق في الأصل، وصاحبها معرفة. قال ابن هشام في كتابه المشار إليه: "وحقها، أي الحال، أن تكون نكرة منتقلة مشتقة وأن يكون صاحبها معرفة.." والمراد بمنتقلة ألا يكون وصفاً ثابتاً لازماً، وربما كان الحال وصفاً ثابتاً كقوله تعالى: )هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصَّلاً –الأنعام( أي مبيناً.

وإنما يقع الوصف على صاحب الحال، ويكون صاحب الحال فاعلاً أو مفعولاً لفظاً أو معنى. والمراد بالفاعل اللفظي والمفعول اللفظي ما يكون فاعلاً أو مفعولاً في التركيب، والمراد بالمعنوي ما لا يكون كذلك كأن يكون مبتدأ أو خبراً، أو يكو مفعولاً مطلقاً أو مفعولا معه، أو مضافاً إليه للمفعول، بشرط أن يصح المعنى بحذف المضاف كقوله تعالى:

)بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً –البقرة /135( فإن حنيفاً حال من إبراهيم ولو حذف المضاف فقيل: بل نتبع إبراهيم حنيفا. لصح المعنى. قال ابن هشام في كتابه المشار إليه:

"ويأتي الحال من الفاعل، ومن المفعول، ومنهما مطلقاً ومن المضاف إليه إن كان المضاف بعضه نحو: أن يأكل لحم أخيه ميتاً –أو كبعضه نحو: بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، أو عاملاً فيها نحو: إليكم مرجعكم جميعاً –يونس /4..." فـ (جميعاً) حال من الضمير وهو الكاف المجرورة بإضافة (مرجع) إليه. والعامل ف الحال هنا هو (مرجع) وقد صح عمله لأنه مصدر وهو بمنزلة الفعل، كما لو قلت: إليه ترجعون جميعاً، والأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال. ولا يشترط في عامل الحال أن يكون فعلاً أو شبهه إذ يحوز أن يعمل فيه معنى الفعل كالظرف والجار والمجرور وحرف التنبيه واسم الإشارة وحرف التنبيه واسم الإشارة وحرف النداء والتمني والترجي وحرف الاستفهام، لأن فيها معنى الفعل.

الجملة الحالية وافتقارها إلى رابط يربطها بصاحب الحال:

تقع الحال مفردة كما رأينا، ولكنها تقع كذلك جملة خبرية فعلية أو اسمية، فتكون الجملة في تأويل المفرد، ولا بد حينئذ من رابط يربطها بصاحب الحال: أي بالاسم الذي تصفه الحال. ويكون الرابط أما الواو وحدها كقولك (جاء خالد الريح تعصف) وقوله تعالى: )ولئن أكله الذئب ونحن عصبة –يوسف /14(، أو الضمير وحده، نحو (خرج زيد يركض)، وقوله تعالى: )وجاءوا أباهم عشاءً يبكون -يوسف /16(، وأما الواو والضمير معاً كقولك (لِمَ ضربته وهو يأكل)، وقوله تعالى: )ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف - - البقرة /243(.

واو الحال متى تجب:

يشكل على الكتاب متى تجب واو الحال ومتى تمتنع، وهي تجب في مواضع ثلاثة:

-الأول: أن تكون جملة الحال اسمية خالية من ضمير يربطها بصاحب الحال، كقولك: (جئت والناس نيام) وكقوله تعالى: )ولئن أكله ؟؟ ونحن عصبة(.

-الثاني أن يتصدر الجملة الاسمية الضمير العائد لى صاحبها، كقولك (لا تتكلم وأنت تأكل)، وقوله تعالى: )لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى –النساء /43(.

فقد جاء ربط الجملة الاسمية بصاحب الحال في غاية القوة باجتماع الواو والضمير معاً

وقد ناسب ذلك الجملة الاسمية لقوتها في الاستقلال. وهذا الربط بالواو وحدها أو بها مع الضمير إنما يكون الحال المبينة التي تُذكر للتوضيح والتبيين، وأما في الحال المؤكدة فلا يجوز الواو تقول –هو الحق لا شك فيه –وذل لأن الواو لا تدخل بين المؤكد والمؤكد لشدة الاتصال بينهما، كما جاء في شرح كافية ابن الحاجب للإمام عبد الرحمن الجامي. وسيأتي الكلام على امتناع الواو في الحال المؤكدة.

-والثالث أن تتصدر الجملة الفعلية الحالية، المثبتة أو المنفية، فعل ماض، وهي تخلو من ضمير يعود إلى صاحبها. فإذا كانت مثبتة وجبت معها قد، وجيء بـ (قد) بعد الواو ها هنا، لأنها تقرب الماضي من الحال فيصح أن يقع حالاً، كقولك: (جئت وقد انصرف الناس). وإن كانت منفية انفردت الواو كقولك: (جئت وما طلعت الشمس).

واو الحال متى تمتنع:

الأولى: أن يتصدر الجملة عاطف كقوله تعالى: )فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون –الأعراف /3( أي ليلاً أو نهاراً.

الثانية: أن تقع مؤكدة لمضمون جملة نحو (هو الحق لا شك فيه)، وقوله تعالى: )ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين –البقرة /2 و3(. وتمتنع الواو هنا لأن المؤكِد نفس المؤكد فتكون معها في صورة المعطوف على نفسه.

الثالثة: أن تكون ماضية بعد (إلا) فتمتنع الواو وقد منفردين ومجتمعين، ويكتفى بالضمير، نحو قوله تعالى: )يا حسرة على العبادة ما يأتيهم من رسول ألا كانوا به يستهزئون –يس /30( وقوله تعالى )وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين –يوسف /46(. ونحو قولك (ما تكلم إلا ضحك).

وما جاء بالواو أو قد مخالف للمشهور.

الرابعة: أن تكون الجملة ماضية قبل (أو) نحو قولك (لأضربنّه عاش أو مات) وقول الشاعر (كن للخليل نصيراً جار أو عدلاً). وتمنع الواو هنا لأنها في تقدير الشرط أي (إن عاش أو مات) و (أن جار أو عدل).

الخامسة: أن يتصدر الجملة الحالية مضارع مثبت دون قد، فتربط بالضمير وحده، كقولك (ومضى زيد يكتب رسالته)، فقد جاءت الجملة الحالية كالوصف فعوملت كذلك. فإذا وجدت (قد) اقترنت الجملة بالواو، تقول (قدمت المدرسة وقد يزورني فيها زائر) وعليه قوله تعالى: )وإذ قال موسى لقومه يا قوم لِمَ تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم –الصف /5( فوجب اقتران الواو هنا لأن دخول (قد) نقض شبه الجملة بالوصف، لامتناع دخولها على الوصف.

السادسة: أن يتصدر الجملة الحالية مضارع منفي بلا، فتمتنع الواو وقد منفردين ومجتمعين، ويكتفي بالضمير وحده، كقوله تعالى: )وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق –المائدة /84(. وتقول على هذا (جاء زيد لا يركب)، وهو في تأويل: جاء زيد غير راكب. وهكذا إذا كان النفي بما على ما هو المشهور. أما إذا كان بلم فإنه يجوز إثبات الواو وحذفها ودليل إثباتها مع الضمير قوله تعالى: )ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إليّ ولم يُوح إليه شيء –الأنعام /93(. ودليل حذفها قوله تعالى: )فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء –آل عمران /174(. وإذا كان النفي بلمّا كان الأكثر إثبات الواو كقوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين _آل عمران /142(.

واو الحال: متى يجوز إثباتها وحذفها:

يجوز إثبات الواو وحذفها في مواقع ثلاثة، فقد مر بنا:

أولاً: أن الأصل في الجملة الحالية الفعلية المرتبطة بالضمير، أن تمتنع فيها واو الحال، إذا تصدرها منفي بما الحالية، هذا هو المشهور، لكن من الأئمة من أجاز إثباتها في هذا الموضع وحكم بصحة قول القائل (جاءني زيد وما يتكلم غلامه). جاء هذا المثال في شرح الإمام الجامي لكافية ابن الحاجب. وقد ساوى بينه وبين حذف الواو في قولك (جاءني زيد ما يتكلم غلامه). وهكذا فعل الإمام جلال الدين السيوطي في (همع الهوامع) إذ قال: "والمنفي بما فيه الوجهان أيضاً نحو: جاء زيد وما يضحك، أو جاء زيد ما يضحك".

ثانياً: وقد تقدم أن الأصل في الجملة الفعلية المثبتة إذا تصدرها فعل ماض، وخلت من ضمير رابط، وجوب إثبات الواو الحالية وقد، كقولك (جاء زيد وقد طلعت الشمس) ويعني هذا أنه إذا وجد الضمير الرابط لم تجب الواو. تقول (جاءني زيد وقد خرج غلامه) و(جاءني زيد قد خرج غلامه)، وقد ساوى الجامي في شرح الكافية بين المثالين.

وأورد النحاة على ربط الجملة بالضمير وقد فقط دون الواو، قول الشاعر:

وقفت بربع الدار قد غيَّر البلى معارفها والساريات الهواطل

والساريات هي السحب تأتي ليلاً.

ثالثاً: ذكرنا الأصل في الجملة الحالية الفعلية المنفية إذا تصدرها فعل ماض، وقد خلت من ضمير رابط وجوب إثبات الواو منفردة، كقولك (جئت وما طلعت الشمس).

أما إذا وجد الضمير الرابط فلا تجب الواو، وعلى ذلك تقول (جاءني زيد وما خرج غلامه) و(جاءني زيد ما خرج غلامه)، وقد ربط الأول بالواو والضمير. وربط الثاني بالضمير وحده وهكذا قولك (رجع خالد وما صنع شيئاً) و(رجع خالد ما صنع شيئاً)، كما أورده الشيخ مصطفى الغلاييني في كتابه (جامع الدروس العربية).

رابعاً: كما ذكرنا أن الأصل في الجملة الحالية الاسمية، المثبتة والمنفية، أن تربط بالواو والضمير معاً إذا تصدر الجملة الضمير العائد إلى صاحبها. ومثال الجملة الحالية الاسمية المثبتة، قوله تعالى: )فلا تجعلوا الله أنداداً وأنتم تعلمون –البقرة /22(، ومثال المنفية نحو قولك "رجعت وما في يدي شيء". أما إذا لم يتصدر الجملة الضمير العائد إلى صاحبها فقد أجاز النحاة الوجهين إثبات الواو وحذفها، والمشهور الحذف كقوله تعالى في الجملة الحالية المثبتة "اهبطوا بعضكم لبعض عدو –البقرة /36" ومثال المنفية قوله تعالىوالله يحكم لا معقب لحكمه –الرعد /43(.

امتناع واو الحال بعد الا عند النحاة إذا تلاها فعل ماض:

الأصل أن تمتنع الواو بعد الا، إذا تصدر الجملة الحالية فعل ماض، كقوله تعالى: )وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون –الحجر /13(، وقوله تعالى:

)ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون –الأنبياء /2(. وقد تقدم بحث ذلك فتقول على هذا مثلاً (ما من أحد إلا جزع) فتمتنع الواو بعد الا. وجاء في شرح الأشموني على ألفية ابن مالك أن هناك سبع مسائل تمتنع فيها الواو ومنها الماضي التالي لـ (الا) نحو (ما تكلم الا قال خيراً).

ولكن هل ثمة من يجيز دخول (الواو) بعد (الا) في مثل هذا الموضع؟

أقول: قال الصبيان في تعليقه على الأشموني وتعليله سبب امتناع الواو ها هنا:

"أي لأن ما بعد الا مفرد حكماً"، أي هو مفرد في الأصل لا جملة، لكنه استدرك فقال:

"وذهب بعضهم إلى جواز اقترانه بالواو تمسكاً بقوله:

نعم امرأً هرمٌ لم تعر نائبة * إلا وكان لمرتاع بها وزراً

وحكم الأول بشذوذه، وهذا يعني ذهاب بعضهم إلى جواز اقتران الواو أخذاً بقول الشاعر، أما الأكثرون فقد حملوا بيت الشاعر على الشذوذ.

مجيء واو الحال بعد الا في كلام البلغاء إذا تلاها فعل ماض:

الذي عندي أن الحكم بامتناع الواو أو جوازها بعد إلا إذا تلاها فعل ماض، مرهون باستعمال الفصحاء، فهل جاء في كلامهم اقتران الواو بالفعل الماضي بعد الا.

أقول قد ورد ذلك فيما أُثر عن الفصحاء مورداً متعالماً، ومن ذلك ما جاء في نهج البلاغة، إذ قال:

ووأى على نفسه ألا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح إلا وجعل الحمام موعده والفناء غايته (2 /92 و93). والوأي هو الوعد والحمام هو الموت. وقال:

ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلى وجعل له عَلَماً بادياً وآية محكمة (2 /133)، وقال:

ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً (3 /210) ونحو ذلك كثير في نهج البلاغة.

ومما جاء من ذلك في كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي، قال:

وما رأَّس الله أحداً إلا وفرض عليه الافضال والإحسان (ص /265) وقال:

وما رأيت أحداً سكت عن أحد من سفائهم تغافلا عنه.. إلا ورأيته يقول ويطنب في ابن عباد غير خاشٍ ولا متحاشٍ (ص /474).

فصح بذلك قولك في المثال السابق: (ما من أحد وجزع) باقتران (الواو) بالفعل الماضي.

اقتران واو الحال بعد بعد إلا إذا تلاها فعل ماض:

قد جاء مما تمتنع فيه الواو وقد منفردين ومجتمعين ويكتفي بالضمير أن تقع الجملة الحالية الفعلية بعد إلا ويتصدرها فعل ماض، كقوله تعالى: )ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون –يس /30(. وجاء في شرح الأشموني (3 /22) أن (قد) تمنع مع الماضي الممتنع ربطه بالواو وهو تالي الا، وندر قوله:

متى يأت هذا الموت لم يُلف حاجة * لنفسي إلا قد قضيت قضاءها

لكنه جاء في حاشية الصبان: "في شرح الرضي أنهما يجتمعان بعد الا نحو: ما لقيته إلا وقد أكرمني –3 /22". فما الرأي في ذلك؟

أقول جاء في كلام الفصحاء اقتران الواو بقد بعد (الا) قبل الفعل الماضي، كما جاء انفرادها بالفعل الماضي على ما تقدم. ومن شواهد اقتران الواو بقد قبل الفعل الماضي التالي لـ (الا)، ما جاء في نهج البلاغة، قال:

ولا جُعلتْ لهم الأفئدة في ذلك الأوان الا وقد أُعطيتم مثلها في هذا الزمان (1 /156)، وقال:

ما منهم رجل الا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعاً غير مكره (2 /104).

وقال ابن جني في الخصائص:

لسنا نراك الا وقد أغلقت العينين جميعاً (2 /65). وجاء في شرح الحماسة لأبي علي المرزوقي:

فلا يمكنهم تجاوزه الا وقد فرغوا منه (ص /192) وقال:

لا تكون راشدا الا وقد رشد جارك معك (ص /438).

فساغ بذلك قولك في المثال السابق (ما من أحد الا وقد جزع)، وقولك (ما حدثني أحد الا وقد استمعت إليه)، استناداً إلى ما ذهب إليه الإمام الرضي وجاء في كلام الفصحاء.

مجيء واو الحال بعد الا إذا تلاها فعل مضارع:

الأصل أن تمتنع الواو إذا تصدر الجملة الحالية مضارع مثبت دون (قد)، فترب بالضمير وحده، كقولك (جئت أحمل ثيابي) وقوله تعالى )وآية لهم الليل نسلخ منه النهار –يس /31(. فإذا اقترن بقد جاز ذل كقوله تعالى )لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم –الصف /5(. والحكم في هذا جاء بعد الا ودونها.

وقد أخذ الدكتور مصطفى جواد عضو المجتمع العراقي في كتابه (المباحث اللغوية) على زميله الأب ماري أنستاس الكرملي قوله (لا ندع ديواناً... الا ونورد فيه شيئاً من المصطلحات)، قال الدكتور جواد: "والصواب نورد بحذف الواو" مستشهداً بقوله تعالى )وان من شيء الا يُسبح بحمده –الإسراء /44(.

كما أخذ الأستاذ علي نجدي ناصف على الدكتور شوقي ضيف في كتابه (المدارس النحوية) مثل ذلك. قال الأستاذ ناصف في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (25 /190):

"ويدخلها –أي واو الحال –الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في كتابه، المدارس النحوية –على المضارع المثبت غير المقرن بقد حين تقع جملته حالاً، كقوله: لا يسجل قاعدة الا ويرى –ص /100. ويوجب النحويون أن تربط هذه الجملة بالضمير لا بالواو، ويؤولون ما ورد مقروناً بها".

وقد بحث هذا أبو البقاء الكفوي في (الكليات) فقال: "ودخول الواو في المضارع المثبت كالممتنع أعني الحرام إذا أجري على ظاهره. وأما إذا قدر معه مبتدأ فدخول الواو جائز ومسموح كثيراً –5 /165". وهذا يعني أنك إذا قلت (وليس شيء مما يضطرون إليه إلا ويحاولون به وجهاً) بإثبات الواو قبل المضارع كان كالممتنع في الأصل، فإذا قدرت فيه المبتدأ على أن المراد (الا وهم يحاولون به وجهاً) كما أثبته ابن جني في الخصائص (1 /52) جاز ذلك.

على أننا إذا عدنا إلى كلام الفصحاء، كما فعلنا قبل، رأينا أن اقتران الواو بالمضارع المثبت هنا جائز، ولو امتنع تقدير المبتدأ. وشاهد ذلك ما جاء في نهج البلاغة، قال: "واعلموا أن ليس من شيء الا ويكاد صاحبه أن يشبع منه ويمله الا الحياة 2 /23"، فقد دخلت الواو على المضارع المثبت مع تعذر تقدير المبتدأ، فتأمل.

موجز القول في الجملة الحالية، المثبتة، إذا تلت الا:

ويحسن أن نوجز الحكم في الجملة الحالية، الفعلية المثبتة، بعد الا، من حيث اقترانها بالواو وقد أو امتناعها عنهما، بما يلي:

الأول: الأصل في الجملة الحالية بعد إلا إذا تصدرها الماضي المثبت أن تكتفي بالضمير وحده، ولكن جاء في كلام الفصحاء اقترانها بالواو وقد مجتمعين، كما اتفق ذلك في كلام علي، كرم الله وجهه، وقد قال به بعض الأئمة. وجاء إلى ذلك في كلامهم اقترانها بالواو وحدها.

الثاني: الأصل في الجملة الحالية إذا تصدرها المضارع المثبت أن تكتفي بالضمير وحده، فإذا اقترنت بالواو فلا بد أن تضم إليها قد، سواء تلت الجملة (الا). أو جاءت دونها.

لكنه جاء في كلام الفصحاء اقترانها بالواو وحدها، كما اتفق ذلك في كلام علي كرم الله وجهه.

***

وبعد فهذا ما رأيت أن أبسط القول فيه للكشف عن المسلوكة إلى تبين جواب الشرط من جواب القسم وتحري الواجب منهما إذا اجتمعا، وتعرّف مواضع ربط الجملة بواو الحال وجوباً وجوازاً وامتناعاً. وقد اعتمدت في ذلك آراء النحاة وأقلام أرباب البيان شعراً ونثراً فهؤلاء وأولئك أصحاب الصناعة. وأرج أن أكون قد أوضحت البحث فأفصحت عن مضمونه وجلوت غامضه في المسألتين. التماساً لوجه الرأي فيهما وابتغاء للصواب، ومن الله العون.

ثبت بمصادر البحث:

1-الكليات الأبي البقاء الحسيني الكفوي.

2-حاشية الشيخ حسن العطار على شرح الأزهرية للشيخ خالد الأزهري.

3-شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب لابن هشام الأنصاري.

4-مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري.

5-الضرائر لمحمود شكري الألوسي.

6-خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي.

7-الضرائر لعلي بن عصفور الاشبيلي.

8-ديوان الإمام الشافعي.

9-ديوان المتنبي، وأبي تمام، وأبي فراس الحمداني.

10-العقد الفريد لابن عبد ربه.

11-الخيال في الشعر العربي لمحمد الخضر حسين التونسي.

12-نهج البلاغة.

13-همع الهوامع للإمام جلال الدين السيوطي.

14-البيان في إعراب القرآن لمحب الدين أبي البقاء العكبري.

15-الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد.

16-شرح شواهد المغني للإمام جلال الدين السيوطي.

17-شرح كافية ابن الحاجب لعبد الرحمن الجامي.

18-جامع دروس اللغة العربية للشيخ مصطفى الغلايني.

19-شرح علي بن محمد الأشموني لألفية ابن مالك.

20-حاشية محمد بن علي الصبان على شرح الأشموني.

21-أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي.

22-الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني.

23-المباحث اللغوية للدكتور مصطفى جواد.

24-شرح ديوان الحماسة لأبي علي المرزوقي.

25-مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (25 /190).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]