عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12-03-2019, 05:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (9)السنابلة الفارغـة تشمخ برأسها عالياً

د.وليد خالد الربيع


من الآفات الاجتماعية الخطيرة، والمظاهر السلوكية المقيتة، ما يقوم به بعض الناس من استكبار وتعاظم ؛ فتجده مزهوا بنفسه، يختال في مشيته تيها، يجر أذياله كبرا، قد استطال عجبا، ونأى بجانبه تعاظما، ينظر إلى غيره شزرا، وهي حالة بغيضة تستجلب كراهية الناس ومقتهم، فإذا كان المتكبر خاليا من أسباب الكبر كالغنى والحسب والنسب والعلم ـ مع أن ذلك لا يسوغ الكبرـ كان الاستكبار أقبح وأبشع وأفظع.
وسبب الكبر جهل الإنسان بنفسه وبربه، ولهذا فإن من الأقوال الحكيمة قولهم: (السنابلة الفارغة تشمخ برأسها عاليا)، فالسنابل التي حملت الحب تميل برؤوسها تواضعا لثقل ما تحمل، أما السنابل التي خلت من الحب ولم تنوء بحمل شيء فإنها ترتفع عاليا، وكذلك فإن من عرف حقيقة نفسه في بدايتها ونهايتها ومصيرها، وعرف آفاتها وأمراضها، وعرف ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وفضله وإحسانه، تواضع وتطأطأ، وتجافى عن مقاعد الكبر، ونأى عن مذاهب العجب، أما الجاهل فإنه لخفة عقله ونقص علمه وضعف تمييزه يتعالى ويتعاظم ويتكبر كالسنبلة الخالية.والكبر آفة خطيرة، ومرض عضال، يستجلب كل خلق ذميم، ويفوت كل خلق محمود. قال ابن حجر:«الكبر الحالة لتي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق والإذعان له بالتوحيد والطاعة». ويكفي الكبر والمستكبرين ذما أن الله تعالى وصف في كثير من الآيات المعرضين عن دينه المعارضين لرسله (بالاستكبار) كما قال عز وجل: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه}، وقال سبحانه: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}، وقال عز وجل: {إنه لا يحب المستكبرين}، وآيات كثيرة في ذم الكبر والمستكبرين. وأما الأحاديث فكثيرة، منها حديث ابن مسعود أن النبي [ قال:« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة»، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» أخرجه مسلم، قال النووي: «غمط الناس: معناه احتقارهم، أما بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا» إلى أن قال: «هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق». وعن حارثة بن وهب أنه سمع النبي [ قال: «ألا أخبركم بأهل الجنة ؟» قالوا: بلى، قال:«كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره»، ثم قال:«ألا أخبركم بأهل النار؟» قالوا:بلى، قال: «كل عتل جواظ مستكبر» متفق عليه قال النووي:« متضعف معناه: متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، قال القاضي:وقد يكون الضعف هنا: رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء، كما أن معظم أهل النار القسم الآخر، وليس المراد الاستيعاب في الطرفين» ، والعتل: الجافي الفظ الغليظ شديد الخصومة، والجواظ فهو الجموع المنوع وقيل: كثير اللحم المختال في مشيته، والمستكبر: فهو صاحب الكبر. وحديث البخاري أن النبي [ قال: « بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته ـ الجمة هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين ـ إذ خسف الله به، فهو يتجلجل ـ أي ينزل في الأرض مضطربا متدافعا ـ إلى يوم القيامة». وعن ابن عمرو أن النبي [ قال:«كلوا وتصدقوا وألبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» أخرجه النسائي وحسنه الألباني، قال العلماء: « هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة، فإن السرف في كل شيء يضر بالجسد، ويضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف، ويضر بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب، وتضر بالآخرة حيث تكسبها الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس». ومما يتناول الصورة التي ذكرت في المقال ما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله[ قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» أخرجه مسلم، وفي رواية النسائي التي صححها الألباني: «أربعة يبغضهم الله عز وجل: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر»، قال القاضي عياض مبينا سبب الوعيد المذكور في الحديث: «سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه، وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يعذر أحد بذنب « إلى أن قال:«وكذلك العائل الفقير قد عدم المال، وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء (الثروة في الدنيا ) لكونه ظاهرا فيها، وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره؟ فلم يبق فعله وفعل الشيخ الزاني والإمام الكاذب إلا لضرب من الاستخفاف بحق الله تعالى والله أعلم». قال بعض العلماء: «التواضع في الخلق كلهم حسن، وفي الأغنياء أحسن، والكبر في الخلق كلهم قبيح، وفي الفقراء أقبح «. قال أبوعلي الجوزجاني:« النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد، فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه - أي لم يوفقه -التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيرا لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى، وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النصيحة مع توفيق الله عز وجل، وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عز وجل».قال مالك بن دينار: «إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره - أي ألزمه التواضع - وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا ». فعلى المسلم أن يكون متواضع النفس، خافض الجناح، دمث الطباع، رضي الأخلاق، لين الجانب، أسلس من الماء، وألين من العهن، يستعين على ذلك بسؤال الله تعالى والاستعانة به وصدق اللجوء إليه، مع أخذ نفسه بالمجاهدة والدربة، والله الموفق لكل خير.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]