عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-06-2010, 08:54 PM
الصورة الرمزية جوهرة مصر
جوهرة مصر جوهرة مصر غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 385
الدولة : Egypt
59 59 " أروع القيم الحضارية في سيرة سيد البرية"




القيم الحضارية النبيلة في جهاد النبي الكريم

من الشبهات المثارة حول رسول الله r وسيرته الكريمة هي (أنه دموي) متهور في قتل الأنفس وإزهاق الأرواح، وهذه التهمة متهافتة كأختها أمام الحقائق التاريخية في سيرة رسول الله، في غزواته وسراياه، وفتوحات خلفائه من بعد، وساقطة أمام مقررات الشريعة الإسلامية، وما توجبه من آداب وضوابط في ممارسة الجهاد (القتال)، وإليك تفصيل ذلك في المباحث التالية:






. مشروعية الجهاد
إن الحرب أو القتال عمل يقوم به أغلب شعوب العالم إن لم نقل كلها، يلجأ إليه المتحضر منها عندما تخفق الوسائل والأساليب السلمية في ما يطلبه أو يدفعه عنه، والذي يحكم على هذا العمل بالحسن أو القبح هو شرعية رايته، ونبل أهدافه، وسلامة أساليبه ووسائله.

وقد دل على مشروعية الجهاد (القتال) القرآن والسنة والإجماع والعقل.

أما من القرآن فمنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:111)، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190)، وقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة:193).

ودل على مشروعة الجهاد من السنة أحاديث كثيرة، ومنها ما روي عن أبي هريرة t قال سئل رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله قال: ((إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم أي؟ قال: ((جهاد في سبيل الله)) قيل: ثم أي؟ قال: ((حجج مبرور)) رواه البخاري ومسلم، وعنه أيضا t عن رسول الله r قال: ((من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه)) رواه مسلم وغيره.

وهذه النصوص كلها متضافرة في الدلالة على فضل ومشروعية الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، ولا جرم أن المفسرين وشراح الحديث النبوي والفقهاء اختلفوا في حكم القتال في سبيل الله هل هو فرض كفاية أم فرض عين، وذلك بعد إجماعهم على مشروعيته، وليس هذه الدراسة موضع التفصيل في هذه المسألة.

أما دلالة العقل على مشروعية الجهاد في الإسلام فمنها ما ذكره الأستاذ مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في محاضرته القيمة عن نظام السلم والحرب في الإسلام، إذ يقول: (وأما نظام الحرب في الإسلام فلا ريب في أنه يقوم على النظرة التي يقوم عليها كل شريعة واقعية أقرت فكرة الحرب وهي أن في الناس من لا تردعهم التربية ولا القانون عن العدوان والطغيان، وأن في الأمم من تغريها قوتها وضعف جيرانها بالعدوان والاستعمار، لا جرم إن كان من الخير أن يشرع استعمال القوة حينئذ...).

فليس الإسلام إذن أول من شرع القتال والحرب بل سبقه وتلاه غيره من الأديان والحضارات، والحاصل أن الإسلام يتميز على غيره في هديه في القتال فيحرص على نبل أهدافه ونزاهة وسائله وأساليبه، وشرعية رايته.




. مراتب تشريع القتال
ليس الإسلام رسالة يكره الناس على قبولها والتصديق بها، بل هي دعوة ذات قوة ذاتية بما تشتمل عليه من حقائق ناصعة وتعاليم سامية، قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:256)، غير أن العادات والتقاليد الموروثة لاسيما إذا اقترنت بها أهواء أصحابها فإنها تمثل عقبات جسيمة تمنع من قبول الحق وترك الباطل، وقد يبلغ الصلف بالملأ المستكبر ممن يستعبدون الناس بغير الحق، أن يعلن الحرب على دعاة الحق وأهله، ويؤلب عليهم من ليس له في قتال أهل الحق أي مصلحة، وما دامت هذه سنة الله في الدعوات فليس من المعقول أن يبقى الدعاة مكتوفي الأيدي، لا يردون ظالما ولا يرهبون عدوا.

ولذلك شرع القتال في سبيل الله على أربع مراحل وهي:





الأولى: المنع من القتال

وقد استغرقت هذه المرحلة جميع العهد المكي أي طيلة ثلاث عشرة سنة من الظلم والاضطهاد والتضييق والمحاصرة، وكان الصحابة يراجعون فيها رسول الله rr وهو متوسط بردة له في الكعبة، فقلنا له ألا تستنصر لنا؟ ألا تدع الله لنا؟ قال: ((كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)) رواه البخاري ومسلم، ولم يكن شخص الرسول الكريم r بمنأى عن الأذى والظلم من قومه فقد كان يصيبه من ذلك ما يصيب أصحابه، ومع ذلك لم يأذن الله له ولا لأتباعه بالقتال ولو لهدف الدفاع عن أنفسهم. ليستأذنوه برد الظلم عنهم فيمنعهم عن ذلك، ويأمرهم بالصبر وباستكمال مراحل التربية الإيمانية الواجبة في الطلائع الأولى من حملة الدعوة، ولننصت إلى حديث الصحابي الجليل خباب بن الأرت t وهو أحد السابقين الأولين في الإسلام، ومن الذين ذاقوا مرارة هذه المرحلة وويلاتها، وهو شاهد عيان على فصولها الأليمة، يقول t: (شكونا إلى رسول الله





المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

وبدأت هذه المرحلة بعد الهجرة إلى المدينة، وذلك لمنع الظلم عن أنفسهم، وتوفر القدرة في العدد والعدة، وذلك لما نزل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج:39)، حيث إن الطمع في القضاء على الدعوة لم يزل يراود صناديد الكفر من قريش، يقول الدكتور مهدي رزق الله أحمد: (وعندما أذن الله لنبيه والمؤمنين بالقتال، أخذوا في إعداد القوة لرد عدوان قريش، ومن على شاكلتها، فلما أرادت قريش أن تري المسلمين أن لها يدا في داخل المدينة، أراد المسلمون أن يروا قريشا أن المسلمين ليسوا بذلك الهوان الذي تتصور قريش، وأنهم قادرون على كسر شوكة قريش وحصارها سياسيا واقتصاديا ورد حقوقهم المسلوبة).

وليس بعيدا أيضا أن يكون من أسرار الإذن بالقتال في هذه المرحلة وحكمها إرهاب حركة النفاق المتربصة في المدينة، والتي كان رئيسها عبد الله بن أبي متحسرا من فوات ملك كان يرجوه ويطمع فيه، وفي هذه الفترة وقعت غزوة بدر وغزوة أحد وسبقتها مناورات عسكرية في شكل سرايا وبعوث.







المرحلة الثالثة: الأمر بقتال من يقاتلهم

وذلك منذ نزل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190)، وهذه مرحلة مناسبة لتقدم الدولة الإسلامية وتطورها، وكون جيشها في طور الجيوش المنظمة والمدربة لاسيما بعد معركة بدر وأحد.

المرحلة الرابعة: الأمر بقتال جميع الكفار:

وذلك منذ نزل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: من الآية36)، ونظرا للبعد الدولي للدعوة الإسلامية حينئذ، وسماع الملوك بها ووقوفهم في طريقها نحو تحرير الشعوب من الظلم والاضطهاد.

والجدير بالإشارة هنا أن ليس بين هذه المراحل تناسخ، بل لكل مرحلة ظروفها الخاصة ومبرراتها الموضوعية، من حيث القوة والضعف، وتغير موقف العدو في السلم والحرب، ونوعية الكفار من أهل كتاب وغيرهم، إلى أمور عديدة ليس هنا موضع تفصيلها.

يقول الأستاذ مصطفى السباعي رحمه الله: (وتاريخ الرسول في حروبه أوضح دليل على المعنى النبيل الذي خاض من أجله رسول الله r حروبه ومعاركه، فما أعلن الرسول الحرب إلا بعد أن اضطهد هو وجماعته في عقيدتهم، وأخرجوا من أوطانهم، فجاءت معركة بدر وما تلاها من معاركه في سبيل الحرية الدينية، وإقرار السلام والأمن في ربوع الجزيرة العربية، ذلك السلام الذي حاربه الوثنيون من العرب، فأحالوا بطاح مكة ورمالها إلى ميادين لتذبيح المؤمنين وتعذيبهم ومطاردتهم في أرزاقهم وأوطانهم وأموالهم).






يتبع


__________________




رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.65 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]