عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 11-01-2020, 12:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية


الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (6)



- مسائل فقهية في ابتلاء الله تعالى لإبراهيم عليه السلام


للكاتب: د.وليد خالد الربيع



قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله -: «يخبر -تعالى- عن عبده وخليله إبراهيم -عليه السلام- المتفق على إمامته وجلالته، الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدعيه، بل وكذلك المشركون: أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات, أي: بأوامر ونواهٍ, كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده, ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق, الذي ترتفع درجته, ويزيد قدره, ويزكو عمله، وكان من أجلِّهم في هذا المقام, الخليل عليه السلام، فأتم ما ابتلاه الله به, وأكمله ووفاه, فشكر الله له ذلك, ولم يزل الله شكورا»، وهذه الآية الكريمة فيها جملة من المسائل الفقهية، منها:

المسألة الأولى

ما المراد بالكلمات المذكورة في الآية؟ اختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال، منها: أنها شرائع الإسلام، قال ابن عباس: ما ابتلى الله أحدًا بهن فقام بها كلها إلا إبراهيم عليه السلام، ابتلي بالإسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال: {وإبراهيم الذي وفى} وقال بعضهم: بالأمر والنهي، وقال بعضهم: بذبح ابنه، وقال بعضهم: بأداء الرسالة، والمعنى متقارب. وعلى هذا القول فالله -تعالى- هو الذي أتم.

قال القرطبي: «وأصح من هذا ما ذكره عبد الرزاق عن ابن عباس قال: ابتلاه الله بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الشعر، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والاختتان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء، وعلى هذا القول فالذي أتم هو إبراهيم، وهو ظاهر القرآن.

قال القرطبي: «وهذه أحكام يجب بيانها والوقوف عليها والكلام فيها»، والمقصود بهذه الأحكام (خصال الفطرة) إجمالا وتفصيلها فيما يأتي:

المسألة الثانية

ما الختان؟ وما حكمه؟ الختان في اللغة: اسم مصدر من الفعل (ختن) يختن ختنا بمعنى (قطع)، والمراد به قطع القلفة من الذكر، وفي الاصطلاح: الختن قطع مخصوص من عضو مخصوص. ويطلق الختان على موضع القطع كما في حديث عائشة مرفوعا: «إذا التقى الختانان», والأول هو المراد هنا»، قال القرطبي: «أجمع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن»، وذلك لما جاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ»، و(الْقَدُوم) هو آلة النجار. وقيل: هو مكان بالشام قال الحافظ ابن حجر: وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث الآلَة».

حكم الختان

وقد اختلف العلماء في حكم الختان:

المذهب الأول

الختان مستحب للذكور والإناث، وهو قول الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد وهو اختيار الشوكاني، ومما استدلوا به:

حديث ابن عباس - رضي الله عنه

حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الختان سنة للرجال مكرمة للنساء». ودلالته ظاهرة حيث وصف الختان بأنه سنة، وهي غير واجبة فدل على أن الختان غير واجب.

ونوقش هذا الاستدلال بأن الحديث ضعيف، قال الشوكاني: «ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج، لا حجة فيه على المطلوب؛ لأن لفظة (السنة) في لسان الشرع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين»، أي: أنهما تشمل ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الواجبات والمستحبات.

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خمس من الفطرة؛ الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأطفار، وقص الشارب»، قال ابن حجر: «واحتجوا بأن الخصال المنتظمة (أي: المذكورة) مع الختان ليست واجبة إلا عند بعض من شذ، فلا يكون الختان واجبا، ونوقش بأن الاستدلال بالحديث قائم على دلالة الاقتران وهي ضعيفة، قال الزركشي: «دلالة الاقتران أنكرها الجمهور، فيقولون: القرآن في النظم لا يوجب القران في الحكم، كقوله -تعالى-: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}». فإيتاء الحق واجب، والأكل مباح.

المذهب الثاني

الختان واجب على الرجال والنساء، وهو قول الشافعية والحنابلة، ومما استدلوا به: قوله -تعالى-: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} وقد جاء فى الحديث: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالقَدُّوم». وقد أمرنا باتباع إبراهيم عليه السلام، وفعل تلك الأمور فكانت من شرعنا، وتعقب بأنه لا يلزم وجوب الختان إلا إن كان إبراهيم عليه السلام فعله على سبيل الوجوب، فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب، وقد تقرر أن الأفعال لا تدل على الوجوب.

وأجيب: بأن إبراهيم عليه السلام لا يفعل ذلك في مثل سنه إلا عن أمر من الله.

حديث عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ

حديث عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلْقِ عَنْكَ شِعْرَ الْكُفْرِ، وَاخْتَتِنْ»، قال في عون المعبود: «فيه دليل على أن الاختتان على من أسلم واجب، وأنه علامة للإسلام، لكن الحديث ضعيف»، حديث عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ»، قالوا: فيه دليل على أن النساء كن يختتن، وتعقب بأن المراد بالحديث (موضع الختان) وليس وجوب الختان.

المذهب الثالث

الختان واجب على الرجال، مكرمة في حق النساء، وهو قول الجمهور، ودليل الوجوب على الرجال عندهم فهي أدلة المذهب الثاني، أما دليل عدم الوجوب على النساء فأشار إليه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- بقوله: «ووجه التفريق بينهما: أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة؛ لأنه إذا بقيت هذه الجلدة: فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع، وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب كلما تحرك، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك، وأما في حق المرأة: فغاية فائدته: أنه يقلل من غلمتها، أي: شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى»، وهو المذهب الأظهر؛ لقوة أدلتهم ولأن الختان شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر؛ فلو وجد المختون ميتا بين غير مختونين حكمنا بإسلامه فيصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.

المسألة الثالثة

وقت الختان، للختان وقتان: وقت وجوب: وهو عند البلوغ حيث تجب الطهارة والصلاة، قال شيخ الإسلام: «ويجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة»، أما وقت الاستحباب فهو في الصغر إلى سن التمييز؛ وكلما كان في الصغر فهو أولى لأنه أرفق بالطفل وأسرع في البرء.

المسألة الرابعة

مسقطات الختان:

1- أن يولد مختونا

قال ابن القيم: «فهذا مستغن عن الختان؛ إذ لم يخلق له ما يجب ختانه، وهذا متفق عليه»، ورد على من قال: يستحب إمرار الموسى على موضع الختان: «والصواب أن هذا مكروه، لا يتقرب إلى الله ولا يتعبد بمثله، وتنزه عنه الشريعة؛ فإنه عبث لافائدة منه».

2- الموت قبل الختان

قال النووي: «ولو مات إنسان غير مختون فالصحيح المشهور: أنه لا يختن؛ صغيرا كان أم كبيرا؛ لأن المعنى الذي لأجله شرع في الحياة قد زال بالموت، فلا مصلحة في ختانه».

3- إذا أسلم الرجل كبيرًا


فيستحب له الختان ولا يجب: قال ابن قدامة: «لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه فهذا أولى». ونقل أن الحسن يرخص فيه ويقول: أسلم الناس؛ الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختنوا»، وقال ابن عبد البر: «وعامة أهل العلم على هذا».

4- ضعف المولود

إذا ضعف المولود عن احتمال الختان بحيث يخاف عليه من التلف ويستمر به الضعف على ذلك؛ فهذا يعذر في تركه، إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]