عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-01-2021, 05:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من قِصص الأطفال الإسلامية

وبينما نَجِد التعليقَ الأوَّل والثانيَ في مُنحنًى واحدٍ، وهو ذم السائق المُسرِع؛ فإن التعليق الثالث يَتَّسم بالهدوء والسكينة بطَلَب الرحمة من الله للمُتوفَّى؛ لأن أيَّ تَعلِيق آخرَ لا جدوى فيه؛ فلا يَنفعُه سوى الدعاء بالرحمة، ولكنَّ فيه إيصالَ العِبرة للأحياء.



وقصة (الرجُل الصغير) تُمثِّل المجموعة التي تَضمُّ قيماً تربوية مُتعدِّدةً، اجتماعيةً ومدرسيةً.



فالطفل الكبير همام يَبدُو مهموماً وكأنه مريض، وأمام إلحاح والده لمعرفة ما يُزعِجه؛ يَبُوح لوالده عن ثلاثة أسباب، هي:



1- أستاذ التاريخ البديلُ عن الأستاذ الذي أَخَذ إجازة طويلة لمَرضه، ومُشكِلة الأستاذ الجديد "لا يَشرَح الدرس جيِّداً، ولا يَسمَع من الطلاب، ولا يُجرِي اختباراتٍ ألبتةَ، وهو يَتأخَّر عن دروسه، وأسوأُ من ذلك كله: أنه -بخلاف الأستاذ السابق- لا يَحمِلهم على الاعتزاز والفَخر بتاريخ الأجداد، ويَقُول: إنهم أُناس عاديُّون، وهم رجال ونحن رجال! وهذا ما جعل هماماً يَكرَه درْسَ التاريخ بعد أن كان يُحبُّه". ص7-8.




2- الجزَّار الجديد من المطفِّفين؛ فهو يَنقُص الوزنَ، ولَحْمُه سَيِّئ، بالإضافة إلى تَصرُّفاته الطائشة، وكلامه البذِيء... وفوق هذا كلِّه يَزِيد في السعر. ص10-11.




3- صديقه عمرانُ في المدرسة أَوقَع بينه وبين صديقه الآخَرِ عليٍّ، وعندما وَجَد تَغيُّراً من ناحيته؛ تَحدَّث همَّام معه؛ فأخبره عليٌّ عما قاله عِمرانُ على لسانه، من كلام لم يَقُله (ص12), وإذ يأتي الحَلُّ مقروناً بالمُشكِلة الثالثة؛ إذ يقول همَّامٌ: "ولكنَّ هذا المَوضوعَ انتهى؛ لأنني كلَّمتُ عمرانَ، واعتذر عمَّا فَعَلَه، وتَصافَتِ القلُوبُ، والحمد لله" ص12.




فإن والد همَّام يَتولَّى حَلَّ المشكِلتَيْن الأُولى والثانية دون أن نَعرِف شيئاً من التفاصيل: "وبعد مدة؛ شَعَر همَّام أن مَدرِس التاريخ الجديد أَصبَح يَتكلَّم بطريقة تُشبِه طريقة الأستاذ السابق..." ص14، "ورأى همَّامٌ أن الجزَّار قد تَحسَّنتْ معامَلته, واعتدل مِيزانه, وسَمِع منه كلاماً جميلاً عن الصدق, والأمانة, والعدل". ص16.




وفي نَظَري أن الكاتب أَثقَل هذه القصَّةَ بثلاث قَضايا، وكان بإمكانه أن يُلغِي ما حَدَث بين همَّامٍ وعِمرانَ وعليٍّ؛ لأنه عالج هذه المشكِلةَ بقصة (عِبرة لن أنساها) علاجاً مُفصَّلاً، كما أن الفِقرة جاءتْ قَصيرةً جدّاً، وفي قضية مُدرِّس التاريخ الجديد؛ نَجِد الكاتب وَضَع مجموعة من الأمور, كل واحد منها بحاجة إلى مُعالَجة، ومن طبيعة الحياة ألا تَزُول كلُّ المُشكِلات دَفعةً واحِدة, وبهذه السهولةِ؛ فقد وَصَفَ المدرِّسَ بأنه:



"1- لا يَشرَح الدرس جيداً.


2- لا يَسمَع من الطلاب.


3- لا يُجرِي اختباراتٍ ألبتةَ.


4- يَتأخَّر عن دروسه.


5- يَنظُر إلى التاريخ الإسلامي بازدراء".



وكان من الأَولى أن يَكتفِي بمَوضُوع التَّعامُل مع دَرْس التارِيخ وأثَرِه في نُفُوس الطلاب الناشئين منذ الصِّغَر.




ومِثْلُ هذا مع الجزار الجديد، فقد جَمَع عليه مجموعةَ مآخِذَ متداخِلة, ومِثْلُ هذا النوع من الناس يَصعُب مُعالَجتِهم بهذه السرعةِ؛ فهو:



"1- يَنقُص الوَزنَ.


2- يَبِيع اللَّحمَ السَّيِّئ.


3- يَزِيد في السعر.


4- تَصرُّفاتُه طائشة.


وكلامه بَذِيء".



وهنا كان الأَولى أن يكتفي بمشكِلة تَطفِيف المِيزان, وعَدَم الالتزام بالسعر ليَترُك لنا مِن دماثة خُلُقه, وحُسْن مُعاشرته مع الناس مَدخلاً لإصلاحه، وبذلك يَتناسَق سَير الحدث.



هذه وِجهة نَظَر، وللمُبدِع نَظْرَته ومُعالَجاته الخاصَّة فيما يَكتُب ويُقدِّم للأطفال الأحِبَّاء.



نظرة:



الأساليب الأدبية في قِصص (الحياة الحُلوة للأطفال):


يُنوِّع الكاتب أسلوبَه بين السرد الوصفي، والحوار، وهذان الأسلوبان موجودان في هذه المجموعة كلِّها، ويَستغِل الكاتب الحوار للإقناع، كما في قصته (مرحباً أيها المبكِّرُ):



"لؤيّ: لا يا أبي، أرجوكَ دعْنا نُسافِر اليوم، لماذا التأخُّر؟ أنت وَعَدْتَني!!



الأَبُ: يا ولدي! بين يديَّ أوراق ومعاملات للناس، كيف أُسافِر للسياحة والاستمتاع بالمَناظر الجميلة، والناسُ تَنتظِر مُعاملاتها على أَحَرَّ من الجَمْر، ولا سيَّما القضايا المُستعجِلة؟".



ومما يَقُوله الأبُ:



"تَصوَّر يا بُنيَّ لو أن أستاذكَ في المدرسة سافر ليقضِي عُطلته السنوية على البحر, أو في مكان آخرَ قبل أن يُجهِّز نتيجتكَ التي بين يديه، وبقِيتَ بعْض عطلة الصيف مُتحيِّراً؛ لا تَعرِف نتيجتكَ ولا ترتِيبَكَ، أكان هذا يُحزِنكَ أم لا؟!



لؤيٌّ: أَبقَى بلا نتيجةٍ؟! مُصيبةٌ!




وهنا بَدا واضحاً أن لؤيّاً اقتنع بما قاله والده تَمَاماً..." ص8-12.




ونَجِد أن جُمَل الحوار تَطُول كما هنا، وعلى كل حال أَعطتِ الحواراتُ حيويَّةً للقِصص, وخروجاً عن رتابة الوصف السردي.




اختيار عبارات أدبية جميلة:



عادة تَميِل قِصص الأطفال إلى العبارات السهلة البعيدة عن المَجازات، ولكن ذلك لا يَعنِي خُلوَّ القِصص من التعابِير الأدبية المُتوهِّجة؛ حتى يَكتسِب الطفل مما يَقرأُ ما يُحسِّن به تعبيرَه هو. ونَجِد مِثْلَ هذه العباراتِ الأدبية -في هذه القِصص- التي تَجعَلها (حُلوةً) في أساليبها, كما هي حُلوةٌ في مضامينها.



يَقُول الكاتب في قِصة (القرار الأخير)، وهو يَصِف حالة سامِرٍ:



"وفي المساء كان يَشعُر -في أثناء تَمدُّده فوق فِراشه- كلَلاً يَنتاب ذِراعيه وكتفيه وجِسمَه كلَّه، بعد أن أعياه التفكيرُ، وبرغم هذا التعبِ والاضطراب الذي أصابه بسبب الزعزعة التي حدثت لقراره، برغم هذا كلِّه؛ ظلَّ مستيقِظاً أرِقاً, لا يَقرَب النومُ منه, ولا يَجِد النعاسُ طريقاً إلى جفنيه، وهو يَتقلَّب على فراشه...". ص14.



ويقول في قصة (مكبِّر الصوت) عن زيارة والد عدنانَ إلى مدرسته:



"هذه الزيارة أَيقظَتْ عدنانَ من غفوته قبل فوات الوقت، وقبل أن يُقلِّب كَفَّيه ندَماً على ما فاته، فنفض عن عينيه غشاوة التقصير...". ص16.



ويقول في قصة (المتأخر) واصفاً انفراجَ مشكلة عادل، وأثرَ ذلك عليه:



"خرج عادل من المدرسة مسروراً بهذا الحل، وبهذا الكلام الذي يُريح القلْب، ويَشرَح الصدر، ويَبعَث الهمة في الحياة، ومن حوله صَخَبُ الأولاد، وضَحِكاتهم العالية, غيرَ مُبالٍ بها". ص16.



ويقول في قصة (عنب لذيذ... ولكن) مُصوِّراً الجو الجميل:



"بدأت حباتُ المطر تتناثر، وصارت تَغسل الدروب، وتُنعِش القلوب.. أَسرعَ الصديقان القريبان، والأيدي مَشدودة، مُتشابِكة في هذا الدرب الجميل". ص16.



مراجعات في بعْض قِصص المجموعة:



العمل الأدبي بحاجة إلى إعادة النَّظَر، وإجراء التعديلات عليه مرة بَعْد أخرى، قليلةً كانت أم كثيرةً. ولا يَنقُص من قدر العمل الأدبي أن يُسجِّل عليه القرَّاءُ مَلحوظاتِهم، كما لا يَضِير الأديبَ نفْسَه أن يَأخُذ بما يَقتَنِع به من تلك المَلحوظاتِ؛ فالعَلاقة بين القارئ والإبداع تَختلِف عن العَلاقة بين الإبداع وصاحبه.



في قصة (عنب لذيذ.. ولكن) مُراجعة الدروس والامتحان، يَقُول الكاتب:



"وفي اليوم التالي خرج صلاحٌ من فصله بعد الامتحان النصفي مُرتاحاً مَسروراً..." إلخ. كيف يكون الامتحان النصفي في موسم العنب الذي أكثر (عمَّارٌ) الأكْلَ منه؟! إذ المعروف أن الامتحان النصفي يَكُون في شهر كانون الثاني (يناير)، في الشتاء البارد، وإذ ذاك لا عنبَ ولا تِين!! لأن موسم العنب صيفيٌّ يَنتهِي مع الشهر الثاني من الخريف!!



في قصة (الرجل الصغير) يقول الكاتب في بداية القصة:



"تَنفَّس الصباح، وأشرَقَت الحارةُ القديمة التي يَقطُن فيها همَّامٌ.. تَهيَّأ للخروج إلى المدرسة، وبَدَأ يأكُل ببُطء، ثم أَخَذ يَلبَس بكسل، وهو شارد الذهن...". ص4.



- لماذا الإشراقة في الحارة القديمة التي يَقطُن فيها همَّامٌ، وليست شاملة للحياة كلها؟!



- جملة: "بدأ يأكل ببطء, ثم أخذ يَلبَس بكَسل" بعد قوله: "تهيأَ للخروج إلى المدرسة" جعلت السياق غير مَنطقيٍّ، وأرى أن يقول: "وبدأ يَتهيَّأ للخروج إلى المدرسة؛ ولكن ببطء وكسل... إلخ" لأن جملة (تهيأ) تعني: الجاهزية بعد تناول الطعام، وارتداء الثياب!.



في قصة (المتأخر) يقول الكاتب:



"دخل -أي: عادلٌ- صَفَّه، وأَغلَق الباب بهدوء، ووقف خَلْفَه يَنظُر إلى مُعلِّمه الذي قَبِل سبب تأخُّره مراتٍ". ص4.



كلمة (خَلْفَهُ) لا تَخدُم العبارة؛ والأَولى حذفُها؛ لأن الطالب عادلاً والمعلمَ وسائر الطلاب الآخَرين عندما يَكُونون داخلَ الفصل، والبابُ مُغلَق؛ لا داعي أن نَقول: يَقِف الطالب خلْف الباب! فالخلف والأمام نِسبيَّانِ مُرتبِطانِ بجهتين متبادِلتين للظرفيَّة.




وفي هذه القصة -أيضاً- وَصْفُ المُعلِّمِ عمَّ عادل بأنه (عَجوز) غَيرُ مُناسِب؛ لما في كلمة (العجوز) من معنى (العجز, وعدَم القدرة على العمل), والرجُل ما زال على رأس عَمَله، ويُقدِّم عطاءه، وعادةً المعلِّم أو الموظَّف يُحال إلى التقاعد قبل سِن (العجْز)!!




الإسلامية في قصص (الحياة الحلوة للأطفال):



تَنبُع الإسلاميَّة في قِصص المجموعة من موضوعاتها، التي تضمنت قيماً تربوية مدرسية واجتماعية يَحثُّ عليها الإسلامُ، ومن العفوية، التي بَثَّتْ رُوح الإسلامية فيها بالحوارات القصيرة، والكلمات التي تتردد على لسان شخصيات القِصص.



ففي قصة (زيارة سعيدة)، ص4:



"يَقترِب أَيْهَمُ من أخيه الكبير أحمدَ، ويَسألُه: إلى أين إن شاء الله؟ ثم يقول أحمدُ لأخيه: أَتُحِبُّ أن تُرافِقني؟ فزيارة المريض واجبة".



والمعروف أن هذا الوجوبَ من حق المسلم على المسلم, كما في الحديث.




وعندما يَصِل الأخوان لزيارة سليم المَريض؛ نَجِد في كلمات الحوار الارتباط الإيمانيَّ العفويَّ بالله سبحانه، وكأنه الهواء الذي يَجرِي مع النفَس:




• أُمُّ سليم: الحمد لله، بخير يا بُنيَّ.



• أُمُّ سليم: الحمد لله, لقد تَحسَّن قليلاً، عافاه الله. وعندما يخطئ أَيْهَمُ يَهمِس أحمدُ في أُذُنه: اسكت أصلحكَ الله. ص8.



وفي قِصة (القرار الأخير) نَجِد أن مَطلع القصة، ص4:



"طَرَق خالد بابَ صديقه عُمَرَ، وهو يُتمْتِم:


لا حول ولا قوة إلا بالله!


ويفتح عُمَرُ الباب، فيقول مرحباً بخالد:


أهلا يا خالدُ، خيراً إن شاء الله, ما بكَ؟


خالد: أخي، يا عمَرُ.


عُمَرُ: ما به، هل أصابه مكروه، لا قدر الله؟!"



وفي قصة (عبرة لن أنساها)، ص16:



"في هذه الأثناء رَنَّ الجَرْس، فقال همَّام:


نتابع غداً إن شاء الله".



فالكاتب -فضلاً عن معالجة المشكلات على نحو إيجابي- يُقرِّر قيم الصدق, والأمانة, والإخلاص, والإتقان, وطلب العلم, والإصلاح بين الناس, يَبثُّ ما يَربِط السياق إيمانيّاً بالله سبحانه وتعالى- بطريقة غير مباشرة، ولعل هذه الطريقةَ تَكُون أجدى في كثير من الأحيان من الخطاب المباشر الذي يُبنَى على أفعال الأمر والنهي (افعل، ولا تفعل، أو قل، ولا تقل)، في سياقات الأعمال الأدبية.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]