عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-02-2009, 12:05 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي الحديث السادس من شرح الأربعين النووية

الحديثالسادس


عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الحلال بين ، وإن الحـرام بين ، وبينهما أمـور مشتبهات لا يعـلمهن كثيرمن الناس ، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ، ومن وقع في الشبهات وقـعفي الحرام ، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه،ألا وإن لكل ملك حمى ، ألاوإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله ، وإذافـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ، ألا وهي الـقـلب " رواه البخاريومسلم.
هذا الحديثحديث عظيم،كما انه احد الاحاديث التي عليها مدار الاسلامعَدَّه العلماء ثلث الدين أو ربع الدين ؛فقد روى أبو يعلى عن الإمام أحمد أنه قال :أصول الدين ثلاث :
( إنما الأعمال بالنيات ...)
( الحلالبين و الحرام بين ....)
( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد





وقال ابو داوود: الاسلام يدور على اربعة واضاف الى هذه الاحاديثالثلاثة قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يـؤمـن احـدكـم حـتي يـحـب لأخـيـه مــايـحـبـه لـنـفـسـه".



وقد جمعها بعضهم : بقوله



عــمــدة الـديـنعندنا كلمات ... اربع من كلام خير البريـة
اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيكواعـملـن بنية



يدل هذا الحديث على أن الأشياء منقسمة إلى حلال بَيِّن،وإلى حرام بَيِّن ، وإلى مشتبه. فالحلال البَيِّن والحرام البَيِّن واضح الحكم،والمشتبه جاء حكمه في هذا الحديث.
قوله صلى الله عليه وسلم( ان الحلال بين ) اي ظاهرواضح منكشف لاغموض فيه قد انتفت عن ذاته الصفات المحرمة ،فالحلال الخالص ظاهر لا اشتباهفيه ، مثل أنواع المأكولات المباحة وأكل الطيبات من الزروع والثمار و أنواعالعلاقات المالية المباحة، البيع الواضح ,الزواج الواضح، وأشباه ذلك مما اكتملت فيهالشروط ولا شبهة فيه، فهذا بين يعلمه الناس.
وقوله صلى الله عليه وسلم(والحرام بين )فالحرام هومامنع من تعاطيه دليل على مذهب الشافعي ومالم يرد دليل بحله على مذهبابي حنيفة. والحرام بين -أيضا- واضح مثل حرمة الخمر، وحرمةالسرقة، وحرمة الزنا، وحرمة قذف الغافلات المؤمنات، وحرمة الرشوة، وأشباه ذلك مماالكلام فيها واضح لا اشتباه فيه .
القسم الثالث: قال: وبينهما أمور مشتبهاتوقد اختلف العلماء في تعريف المتشابه على أقوال :
1- هو ما تضادت فيه الأدلة .
2- ما وقع فيه الخلاف بين العلماء .
3- هو المكروه ، لأنه يُنازعه الإباحة والترك .
قوله - صلى الله عليه و سلم : و بينهما أمور مشتبهات لايعلمها كثير من الناس.
في هذا بيان لفضل العلم و العلماء ، لأن فقدالعلماء يؤدي إلى اتباع المتشابه ، و لأن من وقع في الشبهات فقد و قع في الحرام .
و قوله : لا يعلمها كثير من الناس يدل على أن الذين يعرفون المتشابه قليل ، وهم العلماء ، و لهذا أمر الله جل وعلا بسؤال أهل الذكر فقال :
)فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(




قال -عليه الصلاة والسلام-: "وبينهما" فجعل هذا القسم بين الحلال والحرام؛ فهو الأمور المشتبهة ,قد اكتسبالشبه من الحلال والحرام ، فتنازعه الطرفان يجتذبه الحلال تارة، ويجتذبه الحرامتارة عند من اشتبه عليه، فالذي اشتبه عليه هذا الأمر يكون عنده بين الحلال والحرام،لا يدري هل هو حرام أو هو حلال، إن نظر فيه من جهة قال هو حلال، وإن نظر فيه من جهةجعله حراما، وهذا عند كثير من الناس، وأما الراسخون في العلم فيعلمونه، يعلمونحكمه، هل هو حلال أو حرام؟


(هو الذي أنزل عليكالكتاب منهآيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فيقلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابهمنه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاالله والراسخون في العلميقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوالألباب( آل عمران7




فدلت الآية على أن المحكم ما كان واضحا بَيّنًا، والمشتبه ما يشتبه علمه علىالناظر فيه.
على أن وجود هذه المشتبـهات لا ينـافي ما تقرر في النصوص من وضوح الدين ،كقول الله عزوجل : ( ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) النحل ، وقوله) : يبيّن الله لكم أن تضلّوا والله بكل شيء عليم ) ( النساء)
وكذلك ماورد في السنّة النبويّةعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول اللهصلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول اللهإن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم منسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداحبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد."
فهذه النصوص وغيرها لا تنافي ما جاء في الحديث الذي بين أيدينا ، فأحكامالشريعة واضحة بينة ، وبعض الأحكام يكون وضوحها وظهورها أكثر من غيرها ، أماالمشتبهات فتكون واضحة عند حملة الشريعة خاصة ، وخافية على غيرهم ، ومن خلال ذلكيتبيّن لك سر التوجيه الإلهي لعباده في قوله : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ) ( الأنبياء ) لأن خفاء الحكم لا يمكن أن يعم جميع الناس ، فالأمة لا تجتمععلى ضلالة .
وقوله صلى الله عليه وسلم "فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنهوعـرضه" فمن ترك هذه الشبهات وابتعد عنها فقد استبرأ لدينه اي طلب البراءة لدينه , فقد برأ دينه منالنقـصوسلم من الشبهة, فمن توقف عن الحلال المشتبه أو عنالحرام المشتبه فقد استبرأ للدين,لأن من اجتنب الأمور المشتبهات سيجتنب الحرام من باب أولى ، كما فيرواية أخرى للبخاري وفيها : ( فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم ، كان لما استبان أترك ) وقد قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم لرجلين مرا عليه ومعه زوجته صفية رضي الله عنها أسرعا في المشي "علىرسلكما إنها صفية" خوفا عليهما أن يهلكا , فقالا سبحان الله ، فقال الرسول صلى اللهعليه وسلم : "ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وقد خشيت ان يقذف في قلوبكماشرا "
وفي الحديث تأصيل لقاعدة شرعية مهمة ، وهي : وجوب سد الذرائع إلى المحرمات ،وإغلاق كل باب يوصل إليها ، فيحرم الاختلاط ومصافحة النساء والخلوة بالأجنبية ؛لأنه طريق موصل إلى الزنا ، ومثل ذلك أيضاً : حرمة قبول الموظف لهدايا العملاء سدالذريعة الرشوة.
(ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام ) اي من لم يترك هذهالشبهات وانغمس فيها واكثر من تعاطيها صادف الحرام وان لم يتعمد ذلك ، وقد ياثمبذلك . فهو سيعتاد التساهل بالشبهات ،فتمر عليه الشبهة فيفعلها ثم تمر عليه اخرىاغلظ فيفعلها ، واخرى اغلظ فاغلظ فيقوم بها الى ان تجتمع عليه الشبهات فيهلك ويقعفي المعاصي ، والمعاصي تؤدي الى الكفر والعياذ بالله . وقد قال الحق سبحانه وتعالى" تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَا‌ۗ كَذَٲلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ( البقرة. )



فيجب علينا الابتعاد عنالشبهات وتركها لانها تقودنا الى الحرام . والاصل في الاشياء الاباحة ، وفيالعبادات التوقيف بدليل من الكتاب والسنة .



فكل الاشياء مباحة مالم يرد دليل علىحرمتها ، فالانترنت مثلا او الشبكة العنكبوتية الأصل فيها الاباحة مالم يرد دليلعلى حرمتها فان جاءنا دليل بذلك اصبحت محرمة . والاشياء المباحة ان استعملت فيمعصية الله وفي نشر الشر اصبحت حراما . والخمر مثلا جاء دليل على حرمته واكل الميتةوغصب المال...كلها جاءت ادلة من الكتاب او السنة او هما معا علىحرمتها.
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لإيضاح ما سبق ذكره ، وتقريباًلصورته في الأذهان ، فقال : ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )،والحمى هو المكان من الارضالممنوع فيه الرعي ،أي : كالراعيالذي يرعى دوابّه حول الأرض المحمية التي هي خضراء كثيرة العشب ، فإذا رأت البهائمالخضرة في هذا المكان المحمي انطلقت إليها ، ، الماشية من طبيعتها أنها -في بعضالأحيان- تخرج عن مجموع الماشية وتذهب بعيدا، فإذا قارب حمى محمية، مثلا: أرض محميةللصدقة، أو محمية في ملك فلان، أو ما أشبه ذلك، أو قد يغفل عن ماشيته فترتع هناك , فإن مقاربته بماشيته للحمى لا بد أن يأخذ من حق غيره , فالإنسان العاقل الذي يبحثعن السلامة يبتعد عن ذلك الحمى ، كذلك المؤمن يبتعد عن ( حمى ) الشبهات التي أُمرناباجتنابها ، ولذلك قال : ( ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه)فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقاً ، وقد حمى الشريعة بسياج محكم متين ، فحرّم علىالناس كل ما يضرّهم في دينهم ودنياهم .. وقوله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن لكل ملك حمى ) اي لكل ملك مكان منالارض يحجزه ويحميه لرعي خيله ومصالحه ويمنع غيره من الدخول اليه ، هذا مثل محسوس لتكونالنفس متيقظة متفطنة فتتادب مع الله كما تتادب مع اكابر القوم ،فالملك له حمى يحميهعن الناس ومن تعدى هذه الحمى عوقب ، ولله المثل الاعلى فالله تعالى ملك الملوكوصاحب الجبروت جعل حماه محارمه فمن تعداها ناله من الله الباس الشديد . وهذا تمثيل عظيم في أن حِمَى اللهمحارمه وما هو داخل هذا الحمى هو الدين، وهذه المحارم حمى، فمن قارب فلا بد أن يحصلمنه مرة أن يتوسع، فيدخل في الحرام، حتى في الأمور التي يكون عنده فيها بعضالتردد.
فلهذا مَثَّلَ -عليه الصلاة والسلام- بهذا المثال العظيم، فقال: كالراعييرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه لأنه قَارَب. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمىالله محارمه فحمى الله محارمه، بها يقوَى دين المرء.
فهذا الحديث واضحالدلالة في أن من قارب الحمى ، من قارب الحرمات فإنه يوشك أن يقعفي المحرم من جرّاء تساهله .
فيجب على صاحب الدين، يجب على المسلم ألايأتي شيئا إلا وهو يعلم حكمه، إذا لم يعلم فليسأل، فتكون إذن المسألة مشتبهة عليه،ويزول الاشتباه بسؤال أهل العلم، فإن بقيت مشتبهة على أهل العلم، -يعني حتىيحكموا فيها- فإنه يتوقف معهم حتى يعلم .



(ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلحالجسد كله ، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ، ألا وهي الـقـلب(
القلب هو ملك الاعضاء وهو الذي يحرك الجوارح وحركات الانسان واعماله ،وهو اشرف اعضائه وسمي قلبا لسرعة الخواطر فيه وترددها عليه وتقلبهكما جاء في الحديث : ( لقلب ابنآدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا ) رواه أحمد و الحاكم ؛ لذلك كان أكثردعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي : ( يا مقلب القلوب ثبّت قلبي علىدينك ) وقد قيل : ماسمي الانسانالا لنسيه ***ولا القلب الا انه يتقلب
وانشدوا :
ماسمي القلب الا من تقلبه ***فاحذر علىالقلب من قلب وتحويل



فالقلب كالملك ، والجسد واعضاؤه كالرعية ، فالرعية تصلح بصلاحالملك وتفسد بفساده .
وقد يعبر عن القلب بالعقل لقوله تعالى " إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَذِڪۡرَىٰ لِمَنكَانَ لَهُ ۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٌ۬ (٣٧) "ق .القلب هنامعناه العقل .



فاذا صلح القلب صلح الجسد كله واذا فسد فسد الجسد كله . وصلاح القلب -الذي هو معدنالإيمان- به يكون التورع، به يكون التوقف عن الشبهات، فإن مدار صلاح الإنسان وفساده على قلبه، ولا سبيل للفوز بالجنة ، ونعيم الدنيا والآخرة ، إلا بتعهّد القلب والاعتناءبصلاحه :{ يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم } ( الشعراء
والمؤمن التقي يتعهد قلبه ، ويسد جميع أبواب المعاصي عنه ، ويكثر منالمراقبة ؛ لأنه يعلم أن مفسدات القلب كثيرة ، وكلما شعر بقسوة في قلبه سارع إلىعلاجه بذكر الله تعالى ؛ حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه من الهدى والخير ،نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا ، ويصرّفها على طاعته ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنااتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .



فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمنولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " معنىالحديث ان الزاني عندما يزني او السارق او الشارب للخمر عند فعله مايفعله يكون قلبهبعيدا عن الله ، يكون ايمانه ناقصا في تلك اللحظة ،في لحظة ارتكابه لتلك المعصية .
__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]