عرض مشاركة واحدة
  #142  
قديم 27-06-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث

الحلقة (142)
صــــــــــ 243 الى صـــــــــــ249







الإقرار بشيء محدود .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو قال رجل لفلان علي أكثر من مال فلان لرجل آخر وهو يعرف مال فلان الذي قال له علي أكثر من ماله أو لا يعرفه أو قال له علي أكثر مما في يديه من المال وهو يعرف ما في يديه من المال أو لا يعرفه فسواء ، وأسأله عن قوله فإن قال أردت أكثر ; لأن ما له علي حلال والحلال كثير ومال فلان الذي قلت له علي أكثر من ماله حرام وهو قليل ; لأن متاع الدنيا قليل لقلة بقائه ، ولو قال قلت له علي أكثر ; لأنه عندي أبقى فهو أكثر بالبقاء من مال فلان وما في يديه ; لأنه [ ص: 243 ] يتلفه فيقبل قوله مع يمينه ما أراد أكثر في العدد ، ولا في القيمة وكان مثل القول الأول وإن مات أو خرس أو غلب فهو مثل الذي قال له عندي مال كثير ، ولو قال لفلان علي أكثر من عدد ما بقي في يديه من المال أو عدد ما في يد فلان من المال كان القول في أن علمه أن عدد ما في يد فلان من المال كذا قول المقر مع يمينه فلو قال علمت أن عدد ما في يده من المال عشرة دراهم فأقررت له بأحد عشر حلف ما أقر له بأكثر منه وكان القول قوله .

ولو أقام المقر له شهودا أنه قد علم أن في يده ألف درهم لم ألزمه أكثر مما قال إن علمت من قبل أنه يعلم أن في يده ألفا فتخرج من يده وتكون لغيره ، وكذلك لو أقام بينة أنه قال له أو أن الشهود قالوا له نشهد أن له ألف درهم فقال له علي أكثر من ماله كان القول قوله ; لأنه قد يكذب الشهود ويكذبه بما ادعى أن له من المال وإن اتصل ذلك بكلامهم وقد يعلم لو صدقهم أن ماله هلك فلا يلزمه مما لغريمه إلا ما أحطنا أنه أقر به . ولو قال : قد علمت أن له ألف دينار فأقررت له بأكثر من عددها فلوسا ، كان القول قوله .

وهكذا لو قال : أقررت بأكثر من عددها حب حنطة أو غيره كان القول قوله مع يمينه ، ولو قال رجل لرجل لي عليك ألف دينار فقال لك علي من الذهب أكثر مما كان عليه أكثر من ألف دينار ذهبا فالقول في الذهب الرديء وغير المضروب قول المقر . ولو كان قال لي عليك ألف دينار فقال لك عندي أكثر من مالك لم ألزمه أكثر من ألف دينار وقلت له كم ماله ؟ فإن قال دينار أو درهم أو فلس ألزمته أقل من دينار أو درهم وفلس ; لأنه قد يكذبه بأن له ألف دينار وكذلك لو شهدت له بينة بذلك فأقر بعد شهود البينة أو قبل ; لأنه قد يكذب البينة ، ولا ألزمه ذلك حتى يقول قد علمت أن له ألف دينار فأقررت بأكثر منها ذهبا وإن قال له علي شيء ألزمته أي شيء قال ما يقع عليه اسم شيء مما أقر به .
الإقرار للعبد والمحجور عليه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أقر الرجل لعبد رجل مأذون له في التجارة أو غير مأذون له فيها بشيء أو لحر أو لحرة محجورين أو غير محجورين لزمه الإقرار لكل واحد منهم وكان للسيد أخذ ما أقر به لعبده ولولي المحجورين أخذ ما أقر به للمحجورين وكذلك لو أقر به لمجنون أو زمن أو مستأمن كان لهم أخذ به فلو أقر لرجل ببلاد الحرب بشيء غير مكره ألزمته إقراره له ، وكذلك ما أقر به الأسرى إذا كانوا مستأمنين ببلاد الحرب لأهل الحرب وبعضهم لبعض غير مكرهين ألزمتهم ذلك كما ألزمه المسلمين في دار الإسلام . قال : وكذلك الذمي والحربي المستأمن يقر للمسلم والمستأمن والذمي ألزمه ذلك كله .
الإقرار للبهائم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أقر الرجل لبعير لرجل أو لدابة له أو لدار له أو لهذا البعير أو [ ص: 244 ] لهذه الدابة أو لهذه الدار على كذا لم ألزمه شيئا مما أقر به ; لأن البهائم والحجارة لا تملك شيئا بحال ، ولو قال علي بسبب هذا البعير أو سبب هذه الدابة أو سبب هذه الدار كذا وكذا لم ألزمه إقراره ; لأنه لا يكون عليه بسببها شيء إلا أن يبين ، وذلك مثل أن يقول علي بسببها أن أحالت علي أو حملت عني أو حملت عنها وهي لا تحيل عليه ، ولا يحمل عنها بحال ، ولو وصل الكلام فقال علي بسببها أني جنيت فيها جناية ألزمتني كذا وكذا كان ذلك إقرارا لمالكها لازما للمقر . وكذلك لو قال لسيدها علي بسببها كذا وكذا ألزمته ذلك ، ولو لم يزد على هذا ; لأنه نسب الإقرار للسيد ، وأنه قد يلزمه بسببها شيء بحال فلا أبطله عنه وألزمه بحال ولو قال لسيد هذه الناقة علي بسبب ما في بطنها كذا لم ألزمه إياه ; لأنه لا يكون عليه بسبب ما في بطنها شيء أبدا ; لأنه إن كان حملا فلم يجن عليه جناية لها حكم ; لأنه لم يسقط فإن لم يكن حمل كان أبعد من أن يلزمه شيء بسبب ما لا يكون بسبب غرم أبدا .
الإقرار لما في البطن .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل هذا الشيء يصفه في يده عبد أو دار أو عرض من العروض أو ألف درهم أو كذا وكذا مكيالا حنطة لما في بطن هذه المرأة لامرأة حرة أو أم ولد لرجل ولدها حر فأبو الحمل أو وليه الخصم في ذلك ; وإن أقر بذلك لما في بطن أمة لرجل فمالك الجارية الخصم في ذلك . فإذا لم يصل المقر إقراره بشيء فإقراره لازم له إن ولدت المرأة ولدا حيا لأقل من ستة أشهر بشيء ما كان ، فإن ولدت ولدين ذكرا وأنثى أو ذكرين أو أنثيين فما أقر به بينهما نصفين ، فإن ولدت ولدين حيا وميتا أقر به كله للحي منهما فإن ولدت ولدا أو ولدين ميتين سقط الإقرار عنه .

وهكذا إن ولدت ولدا حيا أو اثنين لكمال ستة أشهر من يوم أقر سقط الإقرار ; لأنه قد يحدث بعد إقراره فلا يكون أقر بشيء ( قال الشافعي ) : وإنما أجيز الإقرار إذا علمت أنه وقع لبشر قد خلق وإذا أقر للحمل فولدت التي أقر لحملها ولدين في بطن ، أحدهما قبل ستة أشهر ، والآخر بعد ستة أشهر فالإقرار جائز لهما معا ; لأنهما حمل واحد قد خرج بعضه قبل ستة أشهر وحكم الخارج بعده حكمه فإذا أقر لما في بطن امرأة فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا سقط الإقرار ، وإن ألقته حيا ثم مات فإن كانت ألقته بما يعلم أنه خلق قبل الإقرار ثبت الإقرار وإن أشكل أو كان يمكن أن يخلق بعد أن يكون الإقرار سقط الإقرار .

( قال الشافعي ) : وإنما أجزت الإقرار لما في بطن المرأة ; لأن ما في بطنها يملك بالوصية فلما كان يملك بحال لم أبطل الإقرار له حتى يضيف الإقرار إلى ما لا يجوز أن يملك به ما في بطن المرأة وذلك مثل أن يقول أسلفني ما في بطن هذه المرأة ألف درهم أو حمل عني ما في بطن هذه المرأة بألف درهم فغرمها أو ما في هذا المعنى مما لا يكون لما في بطن المرأة بحال . قال : ولكنه لو قال لما في بطن هذه المرأة عندي هذا العبد أو ألف درهم غصبته إياها لزمه الإقرار ; لأنه قد يوصي له بما أقر له به فيغصبه إياه ; ومثل هذا أن يقول ظلمته إياه ومثله أن يقول استسلفته ; لأنه قد يوصي إليه لما في بطن المرأة بشيء يستسلفه . وهكذا لو قال استهلكته عليه أو أهلكته له ، وليس هذا كما يقول أسلفنيه ما في بطنها ; لأن ما في بطنها لا يسلف شيئا ، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف أوصى له بها أبي كانت له عنده ، فإن بطلت وصية الحمل بأن يولد ميتا كانت الألف درهم لورثة أبيه .

ولو قال أوصى له بها فلان إلي فبطلت وصيته كانت الألف لورثة الذي أقر أنه أوصى بها له ، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف درهم أسلفنيها أبوه أو غصبتها أباه كان الإقرار لأبيه فإن كان أبوه ميتا فهي موروثة [ ص: 245 ] عنه ، وإن كان حيا فهي له ، ولا يلزمه لما في بطن المرأة بشيء ، ولو قال له علي ألف درهم غصبتها من ملكه أو كانت في ملكه ، فألزمته الإقرار فخرج الجنين ميتا فسأل وارثه أخذها المقر فإن جحد أحلفته ، ولم أجعل عليه شيئا . وإن قال : أوصى بها فلان له فغصبتها أو أقررت بغصبها كاذبا ردت إلى ورثة فلان فإن قال قد وهبت لهذا الجنين داري أو تصدقت بها عليه أو بعته إياها لم يلزمه من هذا شيء ; لأن كل هذا لا يجوز لجنين ، ولا عليه ، وإذا أقر الرجل بها لما في بطن جارية فالإقرار باطل .
الإقرار بغصب شيء في شيء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل غصبتك كذا في كذا يعتبر قوله في غير المغصوب ، وذلك مثل أن يقول غصبتك ثوبا أو عبدا أو طعاما في رجب سنة كذا فأخبر بالحين الذي غصبه فيه والجنس الذي أقر أنه غصبه إياه فكذلك إن قال غصبتك حنطة في بلد كذا أو في صحراء أو في أرض فلان أو في أرضك فيعني الذي أصاب الغصب أن الذي فيه غير الذي أقر أنه غصبه إياه إنما جعل الموضع الذي أصاب الغصب فيه دلالة على أنه غصبه فيه كما جعل الشهر دلالة على أنه غصب فيه كقولك غصبتك حنطة في أرض وغصبتك حنطة من أرض وغصبتك زيتا في حب وغصبتك زيتا من حب وغصبتك سفينة في بحر وغصبتك سفينة من بحر وغصبتك بعيرا في مرعى وغصبتك بعيرا من مرعى وبعيرا في بلد كذا ومن بلد كذا وغصبتك كبشا في خيل وكبشا من خيل يعني في جماعة خيل وغصبتك عبدا في إماء وعبدا من إماء يعني أنه كان مع إماء وعبدا في غنم وعبدا في إبل وعبدا من غنم وعبدا من إبل كقوله غصبتك عبدا في سقاء وعبدا في رحى ليس أن السقاء والرحى مما غصب ، ولكنه وصف أن العبد كان في أحدهما كما وصف أنه كان في إبل أو غنم .

وهكذا إن قال غصبتك حنطة في سفينة أو في جراب أو في غرارة أو في صاع فهو غاصب للحنطة دون ما وصف أنها كانت فيه وقوله في سفينة وفي جراب كقوله من سفينة وجراب لا يختلفان في هذا المعنى قال وهكذا لو قال غصبتك ثوبا قوهيا في منديل أو ثيابا في جراب أو عشرة أثواب في ثوب أو منديل أو ثوبا في عشرة أثواب أو دنانير في خريطة لا يختلف كل هذا قوله في كذا ومن كذا سواء فلا يضمن إلا ما أقر بغصبه لا ما وصف أن المغصوب كان فيه له . قال : وهكذا لو قال غصبتك فصا في خاتم أو خاتما في فص أو سيفا في حمالة أو حمالة في سيف ; لأن كل هذا قد يتميز من صاحبه فينزع الفص من الخاتم والخاتم من الفص ويكون السيف معلقا بالحمالة لا مشدودة إليه ومشدودة إليه فتنزع منه .

قال : وهكذا إن قال غصبتك حلية من سيف أو حلية في سيف ; لأن كل هذا قد يكون على السيف فينزع . قال : وهكذا إن قال غصبتك شارب سيف أو نعله فهو غاصب لما وصفت دون السيف ومثله لو قال غصبتك طيرا في قفص أو طيرا في شبكة أو طيرا في شناق كان غاصبا للطير دون القفص والشبكة والشناق ومثله لو قال غصبتك زيتا في جرة أو زيتا في زق أو عسلا في عكة أو شهدا في جونة أو تمرا في قربة أو جلة كان غاصبا للزيت دون الجرة والزق والعسل دون العكة والشهد دون الجونة والتمر دون القربة والجلة . وكذلك لو قال غصبتك جرة فيها زيت وقفصا فيه طير وعكة فيها سمن كان غاصبا للجرة دون الزيت والقفص دون الطير والعكة دون السمن ، ولا يكون غاصبا لهما معا إلا أن يبين يقول غصبتك عكة وسمنا وجرة وزيتا ، فإذا قال هذا فهو غاصب للشيئين .

والقول قوله إن قال غصبته سمنا في عكة أو [ ص: 246 ] سمنا وعكة لم يكن فيها سمن فالقول قوله في أي سمن أقر به ، وأي عكة أقر له بها ، وإذا قال غصبتك سرجا على حمار أو حنطة على حمار فهو غاصب للسرج دون الحمار والحنطة دون الحمار . وكذلك لو قال : غصبتك حمارا عليه سرج أو حمارا مسرجا كان غاصبا للحمار دون السرج ، وكذلك لو قال غصبتك ثيابا في عيبة كان غاصبا للثياب دون العيبة ، وهكذا لو قال غصبتك عيبة فيها ثياب كان غاصبا للعيبة دون الثياب .
الإقرار بغصب شيء بعدد وغير عدد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل للرجل غصبتك شيئا لم يزد على ذلك فالقول في الشيء قوله فإن أنكر أن يكون غصبه شيئا ألزمه الحاكم أن يقر له بما يقع عليه اسم شيء ، فإذا امتنع حبسه حتى يقر له بما يقع عليه اسم شيء ، فإذا فعل فإن صدقه المدعي وإلا أحلفه ما غصبه إلا ما ذكر ثم أبرأه من غيره ، ولو مات قبل أن يقر بشيء فالقول قول ورثته ويحلفون ما غصبه غيره ويوقف مال الميت عنهم حتى يقروا له بشيء ويحلفون ما علموا غيره ، وإذا قال غصبتك شيئا ثم أقر بشيء بإلزام الحاكم أن يقر به أو بغير إلزامه فسواء ، ولا يلزمه إلا ذلك الشيء ، فإن كان الذي أقر به مما يحل أن يملك بحال جبر على دفعه إليه ، فإن فات في يده جبر على أداء قيمته إليه إذا كانت له قيمة ، والقول في قيمته قوله وإن كان مما لا يحل أن يملك أحلف ما غصبه غيره ، ولم يجبر على دفعه إليه .

وذلك مثل أن يقر أنه غصبه عبدا أو أمة أو دابة أو ثوبا أو فلسا أو حمارا فيجبر على دفعه إليه وكذلك لو أقر أنه غصبه كلبا جبرته على دفعه إليه ; لأنه يحل ملك الكلب ، فإن مات الكلب في يديه لم أجبره على دفع شيء إليه ; لأنه لا ثمن له ; وكذلك إن أقر أنه غصبه جلد ميتة غير مدبوغ جبرته على دفعه إليه ، فإن فات لم أجبره على دفع قيمته إليه ; لأنه لا ثمن له ما لم يدبغ فإن كان مدبوغا دفعه إليه أو قيمته إن فات ; لأن ثمنه يحل إذا دبغ .

( قال الشافعي ) : وإذا أقر أنه غصبه خمرا أو خنزيرا لم أجبره على دفعه إليه ، وأهرقت عليه الخمر وذبحت الخنزير ، وألغيته إذا كان أحدهما مسلما ، ولا ثمن لهذين ، ولا يحل أن يملكا بحال . وإذا أقر أنه غصبه حنطة ففاتت رد إليه مثلها فإن لم يكن لها مثل فقيمتها ، وكذلك كل ما له مثل يرد مثله ، فإن فات يرد قيمته .

( قال الشافعي ) : وإذا قال الرجل الكثير المال غصبت فلانا لرجل كثير المال شيئا أو شيئا له بال فهو كالفقير يقر للفقير ، وأي شيء أقر به يقع عليه اسم شيء فلس أو حبة حنطة أو غيره فالقول قوله مع يمينه .

فإن قال : غصبته أشياء قيل أد إليه ثلاثة أشياء ; لأنها أقل ظاهر الجماع في كلام الناس ، وأي ثلاثة أشياء قال هي هي فهي هي مختلفة فإن قال هي ثلاثة أفلس أو هي فلس ودرهم وتمرة أو هي ثلاث تمرات أو هي ثلاثة دراهم أو ثلاثة أعبد أو عبد ، وأمة وحمار ; لأن كل واحد من هذا يقع عليه اسم شيء اختلفت أو اتفقت فسواء ، ولو قال غصبتك ، ولم يزد على ذلك أو غصبتك ما تعلم لم ألزمه بهذا شيئا ; لأنه قد يغصبه نفسه فيدخله المسجد أو البيت لغير مكروه ويغصبه فيمنعه بيته فلا ألزمه حتى يقول غصبتك شيئا ، ولو قال غصبتك شيئا فقال عنيت نفسك لم أقبل منه ; لأنه إذا قال غصبتك شيئا ، فإنما ظاهره غصبت منك شيئا ، ولو قال غصبتك وغصبتك مرارا كثيرة [ ص: 247 ] لم ألزمه شيئا ; لأنه قد يغصبه نفسه كما وصفت . قال : ولو سئل فقال : لم أغصبه شيئا ، ولا نفسه لم ألزمه شيئا ; لأنه لم يقر بأنه غصبه شيئا .
الإقرار بغصب شيء ثم يدعي الغاصب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أقر الرجل أنه غصب الرجل أرضا ذات غرس أو غير ذات غرس أو دارا ذات بناء أو غير ذات بناء أو بيتا فكل هذا أرض والأرض لا تحول ، وإن كان البناء والغراس قد يحول ، فإن قال المقر بالغصب بعد قطعه الكلام أو معه إنما أقررت بشيء غصبتك ببلد كذا فسواء القول قوله ، وأي شيء دفعه إليه بذلك البلد مما يقع عليه اسم ما أقر له به ، فليس له عليه غيره وإذا ادعى المقر له سواه أحلف الغاصب ما غصبه غير هذا والقول قوله ، فإن مات الغاصب فالقول قول ورثته فإن قالوا لا نعلم شيئا قيل للمغصوب ادع ما شئت من هذه الصفة في هذا البلد فإذا ادعى قيل للورثة احلفوا ما تعلمونه هو ، فإن حلفوا برئوا ، وإلا لزمهم أن يعطوه بعض ما يقع عليه اسم ما أقر به الغاصب ، فإن نكلوا حلف المغصوب واستحق ما ادعى .

وإن أبى المغصوب أن يحلف ، ولا الورثة وقف مال الميت حتى يعطيه الورثة أقل ما يقع عليه اسم ما وصفت أنه أقر أنه غصبه ويحلفون ما يعلمونه غصبه غيره ، ولا يسلم لهم ميراثه إلا بما وصفت . ، ولو كان الغاصب قال غصبته دارا بمكة ثم قال أقررت له بباطل وما أعرف الدار التي غصبته إياها قيل إن أعطيته دارا بمكة ما كانت الدار وحلفت ما غصبته غيرها برئت ، وإن امتنعت وادعى دارا بعينها قيل احلف ما غصبته إياها فإن حلفت برئت وإن لم تحلف حلف فاستحقها ، وإذا امتنع وامتنعت من اليمين حبست أبدا حتى تعطيه دارا وتحلف ما غصبته غيرها .

( قال الشافعي ) : وإذا أقر أنه غصبه متاعا يحول . مثل عبد أو دابة أو ثوب أو طعام أو ذهب أو فضة فقال غصبتك كذا ببلد كذا بكلام موصول وكذبه المغصوب وقال ما غصبتنيه بهذا البلد فالقول قول الغاصب ; لأنه لم يقر له بالغصب إلا بالبلد الذي سمى فإن كان الذي أقر أنه غصبه منه دنانير أو دراهم أو ذهبا أو فضة أخذ بأن يدفعها إليه ما كان ; لأنه لا مؤنة لحمله عليه وكذلك لو أسلفه دنانير أو دراهم أو باعه إياها ببلد أخذ بها حيث طلبه بها .

( قال الشافعي ) : وكذلك فص ياقوت أو زبرجد أو لؤلؤ أقر أنه غصبه إياه ببلد يؤخذ به حيث قام به فإن لم يقدر عليه فقيمته ، وإن كان الذي أقر أنه غصبه إياه ببلد عبدا أو ثيابا أو متاعا لحمله مؤنة أو حيوانا أو رقيقا أو غيره فلحمل هذا ومشابهه مؤنة جبر المغصوب أن يوكل من يقتضيه بذلك البلد ، فإن مات قبض قيمته بذلك البلد أو يأخذ منه قيمته بالبلد الذي أقر أنه غصبه إياه بذلك البلد الذي يحاكمه به ، ولا أكلفه لو كان طعاما أن يعطيه مثله بذلك البلد لتفاوت الطعام إلا أن يتراضيا معا فأجيز بينهما ما تراضيا عليه .

( قال الشافعي ) : ومثل هذا : الثياب وغيرها مما لحمله مؤنة . قال ومثل هذا : العبد يغصبه إياه بالبلد ، ثم يقول المغتصب قد أبق العبد أو فات يقضى عليه بقيمته ، ولا يجعل شيء من هذا دينا عليه وإذا قضيت له بقيمة الفائت منه عبدا كان أو طعاما أو غيره لم يحل للغاصب أن يتملك منه شيئا ، وكان عليه أن يحضره سيده الذي غصبه منه ، فإذا أحضره سيده الذي غصبه منه جبرت سيده على قبضه منه ورد الثمن عليه فإن لم يكن عند سيده ثمنه قلت له بعه إياه بيعا جديدا بما له عليك إن رضيتما حتى يحل له ملكه فإن لم يفعل بعت العبد على سيده ، وأعطيت المغتصب مثل ما أخذ منه فإن كان فيه فضل رددت على سيده وإن لم يكن فيه فضل فلا شيء يرد [ ص: 248 ] عليه ، وإن نقص ثمنه عما أعطاه إياه بتغير سوق رددته على سيده بالفضل .

( قال الشافعي ) وإن كان لسيده غرماء لم أشركهم في ثمن العبد ; لأنه عبد قد أعطى الغاصب قيمته . قال : وهكذا أصنع بورثة المغصوب إن مات المغصوب ، وأحكم للغاصب العبد إلا أني إنما أصنع ذلك بهم في مال الميت لا أموالهم وهكذا الطعام يغصبه فيحضره ويحلف أنه هو والثياب وغيرها كالعبد لا تختلف ، فإن كان أحضر العبد ميتا فهو كأن لم يحضره ، ولا أرد الحكم الأول وإن أحضره معيبا أي عيب كان مريضا أو صحيحا دفعته إلى سيده وحسبت على الغاصب خراجه من يوم غصبه وما نقصه العيب في بدنه ، وألزمته ما وصفت .

( قال الشافعي ) : ولو أحضر الطعام متغيرا ألزمته الطعام وجعلت على الغاصب ما نقصه العيب ، ولو أحضره قد رضه حتى صار لا ينتفع به ، ولا قيمة له ألزمته الغاصب وكان كتلفه وموت العبد وعليه مثل الطعام إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولو قال الحاكم إذا كان المغصوب من عبد وغيره غائبا للغاصب أعطه قيمته ففعل ثم قال للمغصوب حلله من حبسه أو صيره ملكا له بطيبة نفسك وللغاصب : اقبل ذلك كان ذلك أحب إلي ، ولا أجبر واحدا منهما على هذا .
الإقرار بغصب الدار ثم ببيعها .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا قال الرجل غصبته هذه الدار وهذا العبد أو أي شيء كان من هذا كتب إقراره ، وأشهد عليه وقد باعها قبل ذلك من رجل أو وهبها له أو تصدق بها عليه وقبضها أو وقفها عليه أو على غيره ففيها قولان . أحدهما : أن يقال لصاحب الدار إن كان لك بينة على ملك هذه الدار أو إقرار الغاصب قبل إخراجها من يده إلى من أخرجها إليه أخذ لك بها وإن لم يكن لك بينة لم يجز إقرار الغاصب في ذلك ; لأنه لا يملكها يوم أقر فيها وقضينا المغصوب بقيمتها ; لأنه يقر أنه استهلكها وهي ملك له وهكذا لو كان عبدا فأعتقه . وهكذا لو ادعى عليه رجلان أنه غصب دارا بعينها فأقر أنه غصبها من أحدهما وهو يملكها ثم أقر أنه غصبها منه وهو يملكها ، وأن الأول لم يملكها قط قضى بالدار للأول ; لأنه قد ملكها بإقراره وقيمتها للآخر بأنه قد أقر أنه قد أتلفها عليه .

قال : وهكذا كل ما أقر أنه غصبه رجلا ، ثم أقر أنه غصبه غيره . والقول الثاني : أنهما إذا كانا لا يدعيان أنه غصبهما إلا الدار أو الشيء الذي أقر به لهما فهو للأول منهما ، ولا شيء للمقر له الآخر بحال على الغاصب ; لأنهما يبرئانه من عين ما يقر به ، ومن قال هذا قال أرأيت إن أقر أنه باع هذا هذه الدار بألف ثم أقر أنه باعها الآخر بألف والدار تسوى آلافا أتجعلها بيعا للأول وتجعل للآخر عليه قيمتها يحاصه بألف منها ; لأنه أتلفها ، أو أرأيت لو أعتق عبدا ثم أقر أنه باعه من رجل قبل العتق أتجعل للمشتري قيمته وينفذ العتق ؟ أو رأيت لو باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه قبل بيعه أينقض البيع أو يتم ؟ إنما يكون للعبد عليه أن يقول له قد بعتني حرا فأعطني ثمني أرأيت لو مات فقال ورثته قد بعت أبانا حرا فأعطنا ثمنه أو زيادة ما يلزمك بأنك استهلكته أكان عليه أن يعطيهم شيئا أو يكون إنما أقر بشيء في ملك غيره فلا يجوز إقراره في ملك غيره ، ولا يضمن بإقراره شيئا ؟ .
[ ص: 249 ] الإقرار بغصب الشيء من أحد هذين الرجلين .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا أقر الرجل أنه غصب هذا العبد أو هذا الشيء بعينه من أحد هذين وكلاهما يدعيه ويزعم أن صاحبه الذي ينازعه فيه لم يملك منه شيئا قط وسأل يمين المقر بالغصب قيل له إن أقررت لأحدهما وحلفت للآخر فهو للذي أقررت له به ولا تباعة للآخر عليك وإن لم تقر لم تجبر على أكثر من أن تحلف بالله ما تدري من أيهما غصبته ثم يخرج من يديك فيوقف لها ويجعلان خصما فيه فإن أقاما معا عليه بينة لم يكن لواحد منهما دون الآخر ; لأن إحدى البينتين تكذب الأخرى وكان بحاله قبل أن تقوم عليه بينة ويحلف كل واحد منهما لصاحبه أن هذا العبد له غصبه إياه فإن حلفا فهو موقوف أبدا حتى يصطلحا فيه فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان للحالف وإن أقام أحدهما عليه بينة دون الآخر جعلته للذي أقام عليه البينة ، ولا تباعة على الغاصب في شيء مما وصفت .

ولو قال رجل : غصبت هذا الرجل بعينه هذا العبد أو هذه الأمة فادعى الرجل أنه غصبه إياهما معا قيل للمقر احلف أنك لم تغصبه أيهما شئت وسلم له الآخر فإن قال أحلف ما غصبته واحدا منهما لم يكن ذلك له وقيل : أحدهما له بإقرارك فاحلف على أيهما شئت فإن أبى قيل للمدعي احلف على أيهما شئت فإن حلف فهو له ، وإن قال : أحلف عليهما معا قيل للمدعى عليه إن حلفت وإلا أحلفنا المدعي فسلمناهما له معا فإن فاتا في يده أو أحدهما فالحكم كهو لو كانا حيين إلا أنا إذا ألزمناه أحدهما ضمناه قيمته بالفوت فأن أبيا معا يحلفا وسأل المغصوب أن يوقفا له وقفا حتى يقر الغاصب بأحدهما ويحلف قال ، وإن أقر الغاصب بأحدهما للمغصوب فادعى المغصوب أنه حدث بالعبد عنده عيب فالقول قول الغاصب مع يمينه إن كان ذلك مما يشبه أن يكون عند المغصوب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]