عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 27-07-2009, 09:25 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أشكُو إليكَ زَوْجي

بخيل، وكثير الخصام، واللوم والنقد
لا يعفو عن الهفوات، والأخطاء البسيطة

البخل آفة ذميمة، والمرأة التي أصيبت بزوج بخيل امرأة مسكينة كان الله في عونها، وهدى الله لها زوجها.
إن نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة، ويزداد الرجل سوءًا إن كان يُقتِّر على زوجته وهو موسر، أو يُقتِّر في الأمور الواجبة في الوقت الذي ربما يسرف فيه البعض هنا وهناك بلا داع لاسيما على رفاق السوء.
وكم من بيوت يجثم عليها البؤس، وتخيم عليها سحائب الشقاء والنكد والحزن بسبب تقتير الزوج وتقصيره في النفقة.
إن من حق الزوجة على زوجها ـ وليس فضلاً ـ أن ينفق عليها بالمعروف وفي حدود طاقته ووسعه، وليتق الله تعالى فيها وفي أولادها، وإلا ادعى البخيل أن هذه هي طاقته ووسعه، إن لم يكن عنده وازع من دين وخوف من الله تعالى، حيث قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
ثم ما هو ذنب هذه المرأة التي كانت لا تعاني في بيتها من أمر الإنفاق عليها شيئًا، حتى تصاب بزوج يُقتر عليها، وإلا فلماذا تزوجها؟!
روى مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: ((اتقوا الله في النساء فإنهن عوان([1]) عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)).
فيا أيها البخيل المسكين، أنفق على أهلك تؤجر إن شاء الله، قبل أن تموت وتأثم بسبب بخلك، ثم يتمتع أهلك، وأولادك بمالك، فماذا كسبت إذن؟!
أما الزوج الذي يكثر من لوم زوجته وانتقادها في كل صغيرة وكبيرة، تستحق أو لا تستحق، فليس هذا بصاحب الخلق الكريم، الذي يعفو ويصفح، بل يزيد من الجفاء بينه وبين زوجته، ويورث النفرة والكراهية.
إن على الزوج الكريم، صاحب القلب النقي أن يلتمس لزوجته المعاذير ويحسن بها الظن، وإذا ما وجد ما يستوجب العتاب عليها، فليعاتب عتاب المحب، وهو العتاب الرقيق دون إسفاف أو بذاءة أو سوء معاملة. وأحسن من ذلك أن يتغافل ويتغاضى، وإلا عاش حياة كلها نكد وتعاسة إن كان ممن يحاسب على كل شيء ولا يترك أي شيء بدون محاسبة.
وإن مما يعين الزوج على سلوك طريق الاعتدال في لوم زوجته وعتابها:
1ـ ألا ينسى أن زوجته بشر، تخطئ وتصيب، لذلك فهو لن يجد فيها كل ما يريد، فيلتمس لها المعاذير كما يلتمس لنفسه، فهو أيضًا يخطئ ويصيب، والكمال لله وحده.
2ـ أن يتحلى دائمًا بحسن الخلق، ويستحضر ثواب حسن الخلق ومكانته عند الله.
3ـ ألا ينسى طبيعة المرأة، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بها إيصاءً شديدًا كما في الحديث: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه))([2]).
4ـ أن يبادر إلى الاعتذار إلى زوجته، إن صاحب عتابه لها لفظًا جارحًا، أو كلمة بذيئة، أو إهدارًا لكرامتها، وليعترف بخطئه دون أن تأخذه العزة بالإثم، فإن ذلك من شيمة النبلاء.
قال ابن حبان رحمه الله: (من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء)([3]).
وعن آداب العتاب يقول الأستاذ محمد عبد الحليم حامد: "فإن كان لابد من العتاب، فعليه أن يتحلى بهذه الآداب:
1ـ عدم تهويل الأمر محل العتاب، بحيث يجعل من الحبة قبة، ويتصعد الأمر، فينبغي أن نعطي الأمر حجمه فلا نجعل من الفرع أصلاً، ولا من الذَّنَب رأسًا... وليتجنب الأخ كثرة التحليلات، واختراع مقدمات لا وجود لها ويبني عليها نتائج عجيبة واستنباطات غريبة.
2ـ البدء بالتلميح قبل التصريح لأن التصريح قد يجرح والنفوس متفاوتة التحمل. ويراعي التلميح إذا كانت الزوجة ستفهمه ومراده، وإلا صرح الزوج وأمره إلى الله لكن بلطف لا بعنف.
3ـ الإسرار بالعتاب، فلا يجعله أمام أحد من الناس حتى ولو كانوا أقارب، ففي ذلك ستر يعين المخطئ على التصحيح، وفي غيره فضيحة.
4ـ اختيار الوقت المناسب، فلا يعاتب عند العراك والغضب، بل يتريث حتى تهدأ الأمور، وتصفو النفوس... حينئذ يوجه عتابه برفق.
5ـ ألا يؤدي العتاب إلى ضرر أكبر، فالقصد من العتاب علاج الخطأ، فإن كان يفتح جرحًا جرحًا أخطر تركه حتى يأتي الوقت المناسب. وتقدير هذا الأمر يحتاج إلى فهم ثاقب، وعقل راشد، وتقوى ونور وبصيرة.
6ـ المحافظة على المعاتَب بحيث لا يحرجه ولا ينتقصه؛ بل يظهر له الحب والتقدير، والحرص على استمرارية الإخاء والصفاء، فإنه يبقى الود ما بقي العتاب.
7ـ البعد عن الاستعلاء والتشفي، والإصرار والعناد.
تلك بعض الآداب الهامة في فقه العتاب، على الزوج أن يراعيها، وينبغي أن يعلم أن العتاب مع الزوجة لا يكون إلا في أمر ذي بال، لا أمر تافه؛ كأن تتأخر في إعداد الطعام قليلاً، أو تنقل كتابًا أو أوراقًا هامة أو غير هامة من مكان إلى جواره، ويسهل إرجاعه بلا جهد، أو تغير في تنظيم الأثاث... أو تعطي جارتها عارية، فيأتي الزوج كثير العتاب فيقول لها معاتبًا: يا فلانة...، الله يهديك!! لماذا نقلت هذا؟ ولماذا غيرتِ هذا؟ ولماذا أعطيت هذه؟ ولماذا تأخرتِ في هذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
وإذا قيل له: لماذا العتاب في هذا الأمر التافه؟!
قال: حتى تتعود الانضباط!!
وإذا رأت بعثرة وتركتها، أو بكرت قليلاً في تجهيز المائدة، أو منعت عن محتاج حاجته حتى تستأذن...، قال لها: لماذا لم تنظمي هذا؟ ولماذا تعجلت في هذا؟ ولماذا منعت عن هذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
وتنهال على المسكينة سيول من الرمي بسوء التصرف!! مع أن الأمر يسير، والاستدراك إن كان ـ غير عسير ـ لا يحتاج إلى هذه العتابات، و"اللماذات": ولماذا ولماذا...
وليعلم الزوج أن كثرة العتاب وبخاصة في الأمور التافهة تنغص على الزوجة عيشتها، فليكن الزوج حكيمًا في إنزاله على منازله، وفي المناسب، بالأسلوب الملائم... والعتاب في الأمور التافهة يصيب المرأة بالتوتر وقلق الأعصاب؛ لأن سياط العتاب تلاحقها، وعصا التأنيب أمام ناظرها، وهي معاتبة على كلا الأمرين؛ إن أقدمت، قال: الإحجام هو الصحيح، وإن أحجمت، قال: الإقدام هو الصحيح.
فيصيبها شلل في التفكير، وتخلف في تدبير الأمور، وقتل لطاقات الإبداع. ومن ثم يكون النفور بدل حب القدوم... فأين هذا من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه قال: ((خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتُه: لمَ فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟))([1]). يا أيها الأزواج، العفو العفو، والصفح الصفح، وإلا فليلتزم بآداب العتاب"([2]).
وينبغي للزوج أيضًا ألا يكثر الخصومة مع زوجته لاسيما إن كان بدون مبرر مقبول، أو يفجر في خصامه بدون ضوابط شرعية ولأسباب تافهة أو بسبب العند أو الكبر.
إن على الزوج العاقل أن يترفع عن السفاسف والمحقرات، وأن يكون واسع الصدر، يسعى في حل مشاكله بتؤدة وسكينة ونظرة عميقة في الأمور دونما تهوين أو تهويل. إن طول مدة الخصام بين الزوجين تسقط الهيبة، وتقتل الاحترام، وتغتال المودة والرحمة، وربما تفاقم الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.
وعلى الزوج العاقل أيضًا ألا يعطي الأمور أكثر مما تستحق، ولاسيما وهو يدرك أن الخلافات لا يخلو منها أي بيت، ولكن بالحب وغض الطرف عن الهفوات والأخطاء، والمبادرة بالصلح والإصلاح تزول الشحناء وتقل الخلافات داخل البيت.
ثم ما ذنب الأولاد الذين يعيشون في جو خانق مشحون دائمًا أو غالبًا بالشجار والخصام والسباب والفضائح أمام الجيران؟! ما ذنبهم أن ينشأوا معقدين، أو كارهين للزواج بسبب والديهم أو أحدهما؟!
وعلى الزوج العاقل أيضًا، ألا يطيل النقاش مع زوجته إذا وجدها وصلت إلى درجة من الغضب أو العصبية التي من شأنها زيادة المشاكل وليس حلها. بل يعرض عن الحديث أثناء ذلك، ويصرف النظر إلى موضوع آخر حتى يجد وقتًا مناسبًا آخر للنقاش أو العتاب اللطيف أو النصيحة الجميلة.


([1]) متفق عليه.

([2]) كيف تسعد زوجتك ص152ـ 155.



([1]) عوان: أي أسيرات.

([2]) رواه البخاري ومسلم.

([3]) روضة العقلاء ص72.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]