عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-09-2020, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لنهلكن الظالمين


أيها المصلون الراكعون الساجدون: إنَّ ليل الظلم لن يستمر، وثوب العار سوف يتمزق، وشمس الحق سوف تشرق، وأعداءُ الله مهما مكروا فإنَّ الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 183].



يقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجلَ لترفعُ له يومَ القيامةِ صحيفةٌ حتى يرى نفسه أنَّه ناجٍ فما تزالُ مظالمُ بني آدم تتْبعه حتى ما يبقى له حسنة، ويحمل عليه من سيئاتهم).



﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ﴾ [الكهف: 29]، وقال: ﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإنسان: 31]، وقال: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]، وقال: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59] وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ [هود: 102]، وقال: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227].



إنَّ عصابة الظلم والطغيان في كل مكانٍ وزمان، تُحسن تقديم المبررات والأعذار، حتى يوم القيامة يظنون أنه سينجيهم تذرُّعهم بــ: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ [الأحزاب: 67]. وأين كانت عقولكم إذن؟.. أما كنتم تقرؤن قوله تعالى: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14، 15]؟



لكن الباري يبين لنا خزي أولئك القوم بقوله: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25].

فيا ويح أهلِ الظلمِ و الفحشِ والعدا ♦♦♦ إذا أقبلت يومَ الحسابِ جهنمُ



دخل طاووس بن كيسان على هشامِ بن عبد الملك فقال له: إنَّي أُحذِّرُك يوم الأذان، فقال هشام: وما يوم الأذان؟ قال طاووس: ﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44]، فصعق هشام بن عبد الملك.



قال بعض السلف: لا تظلمنَّ الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء.

فكم قد رأينا ظالماً متمرداً ♦♦♦ يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه



قال شريحٌ القاضي: سيعلم الظالمون حق من انتقصوا، إنَّ الظالمَ لينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النَّصر والثواب..!!



يا أحبابنا: لقد أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - عن امرأةٍ "دخلت النَّار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".



فكيف بمن يصادر حقوق أمة، ومقدرات شعب؟

كيف بمن يحارب الناس في رزقهم وقوت يومهم؟

كيف بمن يضيق على الناس الخناق، ويجعلهم في خلاف وشقاق؟

والله.. والله.. والله: لن يفلتوا أبداً من بين يدي الجبار جل جلاله، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].

واستغفروا الله العظيم وتوبوا إليه، إنه هو الغفور التواب الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله القائل:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27].



إنَّ إعطاء الملك هبة من الله، ولذلك قال: ﴿ تُؤْتِي ﴾ [آل عمران: 26]، لكن! تأمل يا عبد الله كيف يُسلب الملك؟ قال الله: ﴿ وَتَنْزِعُ ﴾ [آل عمران: 26] إنَّها صورة الأخذ الإجباري الذي يُنزعُ كما تُنزعُ الرُّوح.. فهل تأمله الملوك، وتصوروا ذاك الأخذ، وتذكروا ساعةَ الانتزاع؟ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21].



إنه مهما بلغت قوة الطاغية وقبضته الحديدية على شعبه، فإن سقوطه إذا أراد الله تعالى سيكون من حيث لا يتوقع، وتلك سنة الله تعالى في الظالمين: أن يذلهم ولو على أيدي أقرب الناس إليهم، ويسقطهم بأهون الأسباب عليهم، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100] ﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ﴾ [الحشر: 2].



لقد كان ذاك الطاغية هو وأسرته وحاشيتُه: في النعيمِ غافلين، وفي لحافِ الرَّغدِ دافِئين، وفي بستانِ الترفِ مُنعَّمِين، فجاءهم أمرُ اللهِ ضُحىً وهم يلعبون، وبياتاً وهم نائمون، فخُرِّبت دُورُهم، وهُدِّمَت قصورُهُم، وهُتكت سُتُورهُم، وفُضِحوا على الملأ، وأُورِدوا موارد الهالِكين، لا إله إلا اللهُ! ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

هذا المصابُ وإلاَّ غيرُه جللُ ♦♦♦ وهكذا تُمحقُ الأيَّامُ والدُّولُ



اطمأنوا في سِنةٍ من الدهْر، وأمْنٍ من الحدَثان، وغفْلةٍ من الأيامِ ﴿ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ﴾ [إبراهيم: 45].



خفقَتْ على رؤوسِهِمُ البنودْ، واصطفَّتْ على جوانِبِهم الجنودْ.. يا سبحان الله!

كأنْ لم يكُن بين الحَجُونِ إلى الصفّا ♦♦♦ أنيسٌ ولم يسْمُرْ بمكَّة سامِرُ



رتعُوا في لذَّةِ العيشِ لاهين، وتمتَّعُوا في صفْو الزمان آمنِين، ظنُّوا السراب ماءً، والورم شحْماً، والدنيا خُلُوداً، والفناء بقاءً، وحسِبوا الوديعةَ لا تُستردّ، والعاريةَ لا تُضمن، والأمانةَ لا تُؤدَّى، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39].



فجائعُ الدهرِ ألوانٌ مُنوَّعةٌ

وللزَّمانِ مَسَرَّاتٌ وأحزانُ



وهذه الدارُ لا تُبقي على أحدٍ

ولا يدومُ على حالٍ لها شأنُ






إن الظلم كلما زاد واستشرى، فإنه مؤذِنٌ بزواله: ﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴾ [الحاقة: 11].. ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59].. ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 103].



رحم الله ابن تيمية، فقد صاغ قاعدةً نورانية في حفظ الحضارة الإنسانية: "إن الله لينصر الدولةَ العادلةَ ولو كانتكافرة، ويهدم الدولةَ الظالمةَ ولو كانت مسلمة، وتلك سنة منسنن الله، ثم تلا: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 52]، فالظلم مؤذن بالزوال، والعدل طريق الخلود والبياء.



ونصيحةً لكل من ولاه الله رقاب شعب، وذمة أمة، أن يتأمل جيداً قوله: ﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾ [المرسلات: 16 - 18]، وليتذكرَ الملوك قول ملك الملوك: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 42 - 46]




اللهم أصلح من في صلاحه صلاحٌ للإسلام والمسلمين، وللبلاد والعباد، ونسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ونسألك أن تجعلنا من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، ونسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، اللهم هب لنا توفيقاً إلى الرشد، وقلوباً تتقلب مع الحق، وألسنة تتحلى بالصدق، ونطقاً يؤيد بالحجة، وعزائم تقهر الهوى، اللهم أسعدنا بالهداية، وتولنا فيمن توليت، ولا تضلنا بعد الهدى يا ذا العلا، وصلِّ على محمدٍ وآله ومن تلا..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]