الموضوع: أزماتنا والحل
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-07-2020, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,666
الدولة : Egypt
افتراضي أزماتنا والحل

أزماتنا والحل


مراد باخريصة







عباد الله:

لا زالت الأحداث في البلد تتابع والمسلسل المكرر يدور ويتكرر ولا زالت الأوضاع تزداد سوءًا يوماً بعد يوم.. كل يوم نسمع أخباراً ونرى أحداثاً تحدث ولكن للأسوأ بل للهاوية والمصير المجهول الذي لا يعلم نهايته إلا الله وهذا هو المتوقع أصلاً عندما يغيب الدين وتُحكمنا شريعة الغاب ويبتعد الناس عن دين الله والمطالبة به والأمر بتحكيمه.



كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم "وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ".



لسنا بصدد تكرار ما يحدث والإخبار عما يقع فكلنا نسمع الأخبار ونتابع الأحداث ولا حاجة لإعادتها ولكن ما يهمنا هو أنفسنا وسؤالها إلى متى سيبقى حالنا في سفول وانحدار وإلى متى سيبقى المصلحون والعقلاء والوجهاء والكبراء واقفون حيارى تجاه ما يحدث ولا يقدرون أن يفرضوا أنفسهم على هذا الواقع المرير فيصلحوه.



إنها والله حيرة آخر الزمان التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ فِتَنٌ بَاقِرَةٌ، تَدَعُ الْحَلِيمَ حَيْرَانًا".



فإذا كانت لطمات هذه الفتن وتناقضاتها تجعل الرجل الحليم العاقل الرشيد حيراناً فكيف بالرجل العامي العادي الذي ليس عنده من العلم والخبرة شيء ولا يستطيع أن يفرق بين الخيوط المتشابكة والمتشابهة بشيء.



هذا هو المتوقع عندما نبتعد عن منهج الله وتغيب عنا شريعة الله تختلط الأمور ويتحير الناس وتشتد الظلمة وتزيد الفرقة ويكثر التناقض والاضطراب ويعيش المجتمع في تهاوش وتناوش وقلق وحيرة لا يدرون ماذا يدور وما الذي يحدث بالضبط ومن هم الصادقون حقاً لأن الكل يتحدث عن نفسه أنه صادق ويقدّم نفسه على أنه هو المنقذ والمخلص ويتكلم بكلام معسول مقنع ومصدق.



غابت الشريعة الربانية فغابت البصيرة وضاعت الحقيقة وضعف النور الذي يضيء للناس الطريق ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد فصرنا نمشي في الظلمات ونعيش في أوهام المتاهات وبحار الظلمات.



﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257].



ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].



عباد الله:

لقد مللنا من الأحداث المكررة علينا وأصابنا الهم والغم مما يجري في واقعنا وسئمنا من الترقيعات والحلول التي لا تجدي عنا شيئاً وما علينا إلا أن نعلم أن كل طريق غير الطريق المؤدي إلى الله فإنه طريق مقطوع وكل حبل ممتد غير حبل الله وهديه فإنه حبل مفصول وكل حزب أو راية لا تجعل دين الله حكماً ومرجعاً وحيداً لها فإنها راية عمية وطريقة جاهلية.



﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].



إن مصيبتنا تكمن في أمور كثيرة منها أنّا لا ندري عدونا من صديقنا؟ ومن معنا ومن ضدنا؟ ومن هو الصادق فينا ومن هو المتآمر علينا؟ ولهذا نستغفل ونتبع ونضطرب فيوماً نشرق ويوماً نغرب ويوماً نمدح هذا ويوماً نذمه ويوماً نذمه ويوماً نميل إلى هنا ويوماً نميل إلى هناك...



كل هذا لأننا لم نجعل منهج الثبات منهج لنا ولم نتمسك حق التمسك بالثوابت التي أمرنا بالتمسك بها والثبات عليها يقول الله جل وعلا: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82] ويقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66].



فهذا الشتات الذي نعانيه والتقلب في المواقف والتناقض والحيرة في التعامل مع الأحداث سببه الرئيسي البعد عن منهج الثبات منهج كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ...".



ومن الأمور التي أصبنا بها فوقعنا في هذا التيه هو أننا ربما ندرك عدونا ونفهمه ولكن بعد سنوات طويلة من ضربه لنا وعبثه بنا وضحكه علينا فحينها نستيقن أنه عدو لنا وخصم لدود متآمر علينا.



وبعد معرفته والتيقن من عداوته نقف أمامه مكتوفي الأيدي لا نستطيع أن نعمل شيئاً ولا أن نفعل شيئاً ويبقى الجميع إلا من رحم الله يرى الخطر ويدرك أنه قادم إليه وأن هذا العدو واصل نحوه وعازم على القضاء عليه ولكن ليس عنده ما يدفعه به ولا يملك غير الحوقلة والاسترجاع وتنكيس الرؤوس.



وهذا ما وقع ويقع فإذا سمعنا بخطر من الأخطار أو حدث من الأحداث قلنا لاحول ولا قوة إلا بالله الحمد لله حسبنا الله ولكن بدون عمل وننكس رؤوسنا لحظات أو ساعات وبعدها ننسى ونغفل وكأن شيئاً لم يكن.



ومن هنا يتجرأ علينا أعداؤنا ويزيدوا من حجم المؤامرات والدسائس ضدنا لأنهم يعلمون أننا لا نملك غير الحوقلة والاسترجاع فيزيدوا من شرهم ويكثروا من بطشهم ومؤامراتهم ويعملوا فينا ما يريدون لأنهم يعلمون أننا مخدرين وكأننا سكارى ولسنا بسكارى ولكن أصابتنا الغفلة وحب الدنيا وكراهية الموت.



يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ. قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.



ومع هذا كله فإنه يجب علينا أن نعود إلى الله ونعلن التوبة والرجوع إليه ونعود إلى المطالبة بإقامة دينه وتحكيم شريعته حتى يعود لنا عزنا وترجع إلينا أمجادنا ويرفع الله الذل والهوان عنا فإن ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53] ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].



الخطبة الثانية


ومن الأمور العظيمة التي أصبنا بها في زماننا هذا هو أن خذلاننا يأتي من داخلنا ومصائبنا من أنفسنا ونحرنا يتم من أوساطنا فعصانا مشقوقة وصفوفنا غير متراصة وعنفوانا وشجاعتنا لا تأتي إلا فيما بيننا.



أذلة أمام أعدائنا أعزة متجبرون على بعضنا متحيرون في أنفسنا لا نقف على شيء ولا نسعى إلى ما فيه عزنا وفلاحنا ونصرنا ونتآمر على بعضنا ونكيد ببعضنا وكأننا أعداء وليس إخوة مع أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].



وأعظم من هذا كله هو أننا نسعى إلى إفشال من يريد إعزازنا ورفع الذل عنا وتتسلط ألسنتا الحداد على من يريد أن يقف معنا أو يسعى إلى توحيد صفوفنا ويحاول أن يجمع شتاتنا وإزالة فرقتنا وتقوية ضعفنا ففشل في إصلاحنا العلماء والمصلحون ويئس من العمل معنا العاملون وكلما قام أحد بشيء يريد أن يرفع به الذل والضعف تركناه وخذلناه وتكالبنا عليه فبقينا ندور في هذه الحلقة المفرغة ونعيش في هذا التيه ولا مخرج لنا إلا بالاعتصام بحبل الله المتين ومنهجه القويم.



﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]