عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-10-2019, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بناء القصيدة في شعر لسان الدين بن الخطيب

بناء القصيدة في شعر لسان الدين بن الخطيب

غازي أحمد البنواني[1]

منهج الدراسة:
وتَتَبَنَّى هذه الدراسة - حسب ما رأى الباحث - "المنهج التكامُلي لبناء القصيدة، الذي يستعين بكافة المناهج والإفادة منها وَفْق المادة، وطبيعة رصدها، كما أنه ينظر إلى النص الأدبي، وظروف إعداده نظرة شمولية متكامِلة، لا يَتَغَلَّب فيها جانبٌ على جانب؛ ولذلك فإن هذا المنهج يمتاز بإقامته توازنًا فنيًّا بين المحتوى والشكل، ويحكم على العمل الأدبي بمقدار ما في صياغته ومضمونه من فن، ومن خلال هذا المنهج يتم تفسير العمل الأدبي في ضوء عصره، وظروفه الحضارية والتاريخية، وفي ضوء ظروف مبدع النص وأحواله الشخصية، مما يسهم في صحة النظرة، وسلامة الحكم".

خطة الدراسة:
وقدِ اقتضتْ طبيعة البحث أن يقسمه إلى بابين، كلّ باب منهما يشتمل على ثلاثة فصول، تسبقهما مقدمة، وتتبعهما خاتمة.

أما عن المقدِّمة، فإنها تشتمل على بيان مكانة الأندلس حضاريًّا، وتعريف بابن الخطيب ومكانته، ثم أهم آثاره الأدبية، ثم بيان أسباب اختيار هذا الموضوع، ثم منهج وتقسيم الدراسة.

وأما عن الباب الأول، وهو بعنوان "هيكل القصيدة عند ابن الخطيب فهو يأتي في ثلاثة فصول:
الفصل الأول منها جاء بعنوان: "المطالع والمقدمات في شعر ابن الخطيب":
أولاً: المطالع، وقسَّمَها حسب جودتها أو عدمها وفق مقياسين هما: المقياس النفسي، والمقياس الفني.

ثانيًا: المقدمات، وأثبت بالإحصاء أن "مقدمات القصائد لديه قد تعددتْ وتنوعتْ، فمنها المقدمات الطَّلَلية، ومنها الغزلية والخمرية، ومقدمة وصف الطيف، ووصف الظعن، والشيب والشباب... إلخ، مما يدل على أنه خطا خطوات نحو شعرنا العربي القديم، وسار على نَهْجِهم في بدء القصيدة، ولكن ليس بصورةٍ كبيرةٍ في قصائده، إذا ما قيستْ مثلاً بمقدماته التي جاءتْ من وحْي المناسبة، وكأنه بمقدماته الطللية والغزلية الخمرية وغيرها التي استخدمها، إنما أراد أن يظهرَ قدرته وموهبته الشِّعريَّة في السَّير على نهجِ شعرائنا القدماء، وأنه لم يكتفِ بعصره وأسلوب الشُّعراء فيه، وإنما ليسلك طريق من سبقه، وقد أجاد، أما عنِ المقدمات التي جاءتْ من وحي المناسبة - وهي كثيرة - فهي التي أملاها عليه الموقف أو المناسبة، التي هو بصدد الحديث عنها؛ سواء أكان مدحًا، أم غزلاً، أم رثاءً... إلخ.

والفصل الثاني جاء بعنوان: "التخلُّص في شعر ابن الخطيب"، وفيه تكلم عن معنى التخلُّص، وشروط النقاد التي وضعوها لاستحْسانِه؛ وذلك لما كان للتخلُّص من أهمية كبرى في بناء القصيدة العربيَّة، وفي ضوء هذه الشروط التي وَضَعَها النُّقَّاد حاول أن يدرس شعر ابن الخطيب، موضحًا إلى أي مدى "سهل له الانتقال منَ المقدمة إلى الغرض الرئيس في القصيدة، وهي في الغالب أساليب متنوعة لم تقفْ عند أسلوب واحد أو اثنين أو ثلاثة، وإنما تعددتْ بشكلٍ يدل على مدى تحكُّم ابن الخطيب وتملكه ناصية اللغة".

كما جاء الفصل الثالث بعنوان "خاتمة القصيدة في شعر ابن الخطيب".

وأما الباب الثاني، وهو بعنوان "بنية القصيدة عند ابن الخطيب فإنه يأتي في ثلاثة فصول يسبقها مدخل:
أمَّا المدخل، فكان عن التجربة الشعرية، وفيه ميَّز بين التَّجربة الشعورية، والتجربة الشعرية؛ "إذ تظل التجربة شعورية ما دامت تتأجج داخل نفس الشاعر، وتملك عليه حسَّه ومشاعره، فإذا خرجت وصيغت في قالب شعري يترجم المشاعر والانفعالات، سميتْ حينئذ تجربة شعرية"، وأثبت بعد ذلك بما لا يدع مجالاً للشكِّ: أن التجربة الشعرية عند ابن الخطيب "جاءتْ صادقةً في أغلب قصائده، وبخاصة في قصائد المديح والرثاء، ووصف الطبيعة، والمدائح النبوية، والحث على الدِّفاع عن الدين، أما قصائده في الغزل والخمر، ومجالس الأنس والهجاء، فإنها بعدت عن الصدق الفني شيئًا ما، وقد برز في هذه الأغراض تقليده للشعراء، وقدرته علي نظم الشعر، والتجربة الشعرية فيها تتفاوَت من حيث القوةُ والضعف، والموقف الذي قيلتْ فيه".

والفصل الأول جاء بعنوان: "اللغة والأسلوب في شعر ابن الخطيبوتحدث فيه عن المصادر التُّراثية في شعر لسان الدين، والتي تنوعتْ وتعددتْ ما بين القرآن الكريم والحديث الشريف، ونماذج من الشعر العربي القديم والأمثال والمأثورات النثرية، ولم تقف اقتباسات ابن الخطيب واستلهاماته عند المصادر الأربعة السابقة الذكر؛ بلِ امتدتْ لتشمل المعارف والعلوم العامة من أمثال النحو والصرف والعروض والفلك والمنطق... إلخ، حيث يقول مستلهمًا بعض المصطلحات النحوية[9]:
هَنيئًا لِضَيفٍ فِي ذَرَاكَ قَرَارُهُ
بِحَيْثُ النَّوَالُ الغُمْرُ والكَرَمُ الجَمُّ

فَآمَالُهُ لِلْفِكْرِ نَصْبٌ وعَيْشُهُ
كَما شَاءَهُ خَفْضٌ وطاعتُهُ جَزْمُ



ويقول مُوَرِّيًا بالمصطلحات الفلكية[10]:
هَابَتْ مَقَامَكَ فَاطَّبَبْتُ صِعَابَهَا
حَتَّى غَدَتْ ذُلُلاً عَلَى التَّدْرِيبِ

إنْ كُنْتُ قَدْ قَارَبْتُ فِي تَعْدِيلِهَا [11]
لَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ مِنْ تَقرِيبِ




وعقب على ذلك بقوله: "غاية الأمر أننا نستطيع القول بأن علماء العربية ذهبوا إلى حتمية خلو اللغة الشعرية من مفردات العلم ومصطلحاته، حتى تبقى موحية متوترة، قادرة على الإثارة؛ لأنها تثير فينا الإحساس بالصور، وتستخدم الألفاظ استخدامًا مجازيًّا في نسق معين، كما أنها تصدر عن وجدان عميق".

وجاء الفصل الثاني بعنوان: "الإيقاع الموسيقي في شعر ابن الخطيب"، وفي تناول دور الموسيقى الداخلية والخارجية في توضيح المعاني والدلالات جنبًا إلى جنب، مع الصور والأخيلة أيضًا، ولا شك أنها كانتْ من أبرز ما يُميز بنية القصيدة عند هذا الشاعر العظيم.

كما جاء الفصل الثالث بعنوان: "الصورة الشعريةومن خلالهاحاول أن يتناول الصورة (الشعرية) لدى ابن الخطيب، ويدرسها وفق ما احتوتْه أشعاره مِن مضامين ذات مرجعيَّة تراثيَّة أو إبداعية، "محاولاً التعرُّف على مصادر الصورة في شعره، كما أحدد أصالة الشاعر في ذلك"، وحاول أيضًا أن يدرس الصورة الشعرية عند شاعرنا من وجهين: الأول الحسي، والثاني: البياني.

وأخيرًا تأتي الخاتمة.

خرج الباحثُ من هذه الدراسة إلى استخلاص مجموعة منَ النتائج المهمة، ومنها:
1- جاءت مطالعه موافقة للمقياسين النفسي والفني، حسبما اشترطهما النقاد، ولم يشذَّ عن ذلك إلا نادرًا.

2- برع ابن الخطيب في تخلُّصاته إلى الغَرَض الأساسي في القصيدة، عن طريق الربط الأسلوبي، باستخدام إحدى أدوات الربط، أو عن طريق الربط المعنوي على نحو ما أوضحناه في الدراسة.

3- سار على نهج القُدماء في بعض قصائده، وقلَّت المقدمات الطلليَّة، وتنوَّعت المقدمات عنده ما بين طللية، وغزلية، ووصف الطيف، وغيرها من المقدمات.

4- وجود قصائد بلا مقدمات، ونستطيع تسميتها بـ"قصائد من وحي المناسبة".

5- تنوعت خاتمة القصيدة عنده من حيث الكمُّ؛ إذ تراوحت ما بين بيت إلى خمسةَ عشرَ بيتًا، وقد غلب عليها الكثرة في معظم الخواتيم.

6- التجربة الشِّعرية عنده جاءت صادقة في الأعمِّ الأغلب، وهي صادرة عن حسٍّ مرهف، وبخاصة في قصائد المديح والرثاء والغزل، وقد تحققتْ في معظم قصائده الوحدة العضوية والشعورية معًا.

7- اتسمتْ لغته بالسهولة والوضوح، والبُعد عن الغموض، والتعقيد، وجاءت ألفاظه ومعانيه معبرة تعبيرًا صادقًا عنْ أفكاره، وملبية لنداء بيئة حضارية لعبتْ دورًا كبيرًا في تهذيب أخلاقه، وصقل طباعه.

8- وقد كان لعُمق ثقافته، وتنوع روافدها، وطبيعة الصراع الذي شهدته غرناطة طوال تاريخها - أثرٌ كبير في احتفاء معجمه الشعري بمفردات وتراكيب تنتمي لعدد من الروافد التراثية، التي راح ابن الخطيب يتَّكئ عليها، مستلهمًا إياها إشارة واقتباسًا وإعادة تشكيل، موظفًا إياها توظيفًا أثرى تجاربه الشعرية وبناء القصيدة عنده.

9- ظاهرة التلوين الأسلوبي منَ الظواهر البارزة في شعره؛ كأسلوب الأمر، والنهي، والاستفهام، والنداء، والقصر، والتلوين في الأفعال بين المضارعة والمضي... إلخ، وقد كان لهذه الظاهرة أثرها في البناء الجيد للقصيدة عنده.

10- تأثير عناصر إيقاع الموسيقى الخارجية والداخلية على بناء القصيدة عنده، جاء واضحًا وملائمًا للغرض الذي يتناوله، والجو النفسي للقصيدة.

11- أبدى عنايته بالقافية لوعْيه بما لها من دور في إثراء الإيقاع، فآثر استخدام القافية المطلقة على القافية المقيدة.

12- آثر بناء قصائده على الصور التامة للأبحر الشعرية، وقد جاء اعتماده على الصور المجزوءة للأبحر، محدودًا للغاية، وفي إطار ضيقٍ.

13- جاءتْ ظاهرة التضمين في شعره وسيلة من وسائل الالتحام بين الأبيات بعضها البعض، حتى غدت القصيدة عنده كلاًّ لا يتجَزَّأ.

14- تمتاز صور ابن الخطيب بالجدة والابتكار، وإن كان قد صار في بعضِها على منوال القُدماء في تشكيل الصُّورة، كما جمع بين التصوير الكلي القائم على الصوت واللون والحركة، والخيال الجزئي من تشبيه واستعارة، وكناية ومجاز، ومعظمها صور جديدة تعتمد على التشخيص، وبث الحياة في الكائنات الجامدة في بعض شواهده الشعرية.

وهكذا، "فقد جاء بناء القصيدة في شعر ابن الخطيب متكاملاً؛ من حيث هيكلها المتمثِّل في المطالع والمقدمات، والتخلُّص، وخاتمة القصيدة، وكذلك بنيتها المتمثِّلة في اللغة والأسلوب، والإيقاع الموسيقي، والصورة: بيانيةً، وحسية".

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

[1] الباحث من مواليد محافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية، تَخَرَّجَ في دار العلوم 1984م، وقد عمل بالتربية والتعليم إلى أن وَصَلَ مُدَرِّسًا أول للغة العربية، ثم مختص تدريس اللغة العربية بجمهورية مصر العربيَّة، كما أنه الآن المُشرف التربوي على مجموعة "مدارس التوحيد الأهلية" في الرياض بالمملكة العربية السعودية.

[2] المقري: أحمد محمد التلمساني: "نفح الطيب من غُصن الأندلس الرطيب": 1/125، تحقيق/ إحسان عباس، دار صادر بيروت، 1388 هـ - 1968م.

[3] "تاريخ الفكر الأندلسي"، ترجمة/ د. حسين مؤنس، ص 252، مكتبة النهضة المصرية: 1955م، وانظر: "الصيب والجهام والماضي والكهام"؛ لابن الخطيب، تحقيق/ د. محمد الشريف قاهر، ص 126 - 130، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1973م.

[4] لسان الدين بن الخطيب، "الإحاطة في أخبار غرناطة"، 1/17، 18، محمد عبدالله عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1393هـ - 1973م، وانظر: محمد عبدالله عنان: "لسان الدين بن الخطيب" (حياته وتراثه الفكري) ص15، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1388هـ - 1968م.

[5] لَوْشة - بالفتح ثم السكون وشين معجمة -: مدينة بالأندلس غربي البيرة قبل قرطبة منحرفة يسيرًا، وهي تقع علي نهر سنجل (نهر في غرناطة)، وبينها وبين قرطبة عشرون فرسخًا، وبين غرناطة عشرة فراسخ، انظر ياقوت الحموي: "معجم البلدان"، 5/26، دار صادر، بيروت، ط2/ 1995م.

[6] أحمد ضيف: "بلاغة العرب في الأندلس"، ص 242، دار المعارف للطباعة والنشر، سوسة، تونس، ط2 / 1988 م.

[7] "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، 1/ 77 وما بعدها، 9/303.

[8] لسان الدين بن الخطيب: "الديوان"، 1/7، تحقيق: محمد مفتاح بلغزواني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المغرب، 1409ه - 1988م.

[9] الديوان: 2 /546.

[10] الديوان: 1 /133.

[11] تعديلها: الضمير هنا يعود على قصيدته في ممدوحه؛ أي: إنه قوَّمها فاستقامتْ، فخرجت إلى الممدوح في أبهى صورها، أما عن التعديل والتقريب، فهما من مصطلحات علم الحساب والفلك، الديوان: 1/331.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]