عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 19-04-2011, 02:18 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الثامنة:

بعنوان

طيف الذكريات

عادت نور وفاطمة وقد ملأت قلبيهما الطمأنينة والأمل بعد صلاة خاشعة ودعاء من قلب مضطر، وكيف لا تغمرهما السكينة وقد قال تعالى:أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)

سورة النمل.

ذهب عمر بدوره إلى المسجد للاستعانة بالصبر والصلاة، بينما جلست نور وفاطمة ترتقبان أخبار الغالي على قلبيهما أحمد.

توالت طيور الذكريات أمام ناظري نور، وكأنها رحلت من أوكار الزمن لتحلق من جديد في مخيلتها، فتنثر حبات السلوى على فؤادها، وتشعرها بأن الرحيل قدر مؤقت، وأن رحلة الخلود تبدد كل الأحزان بجوار العلي الودود، فتنهدت بعمق وكأنها تستنشق نسيم الجنة التي تتوق إليها، وتسأل الله أن يجمعها فيها بأسرتها وأهلها. وبدأت الطيور تتراءى تباعا، فهذا طير أول لقاء للرؤية الشرعية، حين سلك أحمد دائرة طويلة ليخبرها بأنه يود الزواج بها. فأخبر صديقه المقرب الذي بدوره أخبر أخته، التي طلبت من زميلتها أن تخبر نور بحكم قربها منها. ابتسمت نور لهذا الطيف من الذكرى وتوردت وجنتاها حياء وكأنها تعيش الحدث لتوها بعد ثلاثة وعشرين عاما من الحياة الطيبة في كنف الله.

تذكرت يوم الخطبة، ونظرات أحمد التي كانت تلمع فرحا بقدومها، فتعثرت وأسقطت طبق الحلوى من شدة الارتباك والحياء. تذكرت ابتسامة حماتها الحانية حين أخذت بيدها وأجلستها بجوارها لتدارك الموقف. تذكرت كل ذلك وكأنه حدث بالأمس القريب.

أما طائر العرس فحلق بها على مشارف حياتها الجديدة التي بدأتها بعرس يرضي الله ورسوله، كانت سمته الأبرز البساطة في كل شيء، راضية قانعة وموقنة أن السعادة في القلوب، وليست في البذخ والتبذير. ابتسمت نور فرحا بتلك الأيام التي كانت أول أيام سعادتها الزوجية...

تذكرت استشعارها وزوجها الحبيب أحمد لمعاني المودة والألفة والرحمة في الآية الكريمة:

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم

خاصة أنهما ومنذ الأيام الأولى للخطبة، قررا أن يكاشفا بعضهما بالعيوب قبل المزايا حتى يكملا بعضهما ويبنيا حياتهما على صدق المشاعر والصراحة والوضوح والثقة المتبادلة، وذلك لبناء أسرة سوية المنشأ قوية العقيدة متينة الترابط، وأن يجعلا من بيتهما جنة غناء يغمر قلبيهما فيها الحب والوئام والمودة والعشرة الطيبة. والأهم التسابق فيها إلى رضا الله عز وجل والمنافسة في حبه. فتسدل ظلالها الوارفة عليهما لتظلهما وذريتهما، وتقيهم لهب الفتن، وتمتد بهما بإذن الله تعالى إلى جنة عالية قطوفها دانية لا نصب فيها ولا وصب...

ومر طير أول فرحة حين حملت بعمر، فكان أحمد يصر على إطعامها التمر بيده، بعد أن علم أهمية ذلك للمرأة الحامل من أمر الله عز وجل لمريم عليها السلام أن تهز جذع النخلة لتسقط الرطب حين ولدت نبي الله عيسى عليه السلام. وكان يوصيها بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن الكريم. فولد عمر حليما لطيف المعشر، وحفظ القرآن بسهولة ويسر بفضل الله في سن مبكرة.

وها هو طير الخلافات العابرة بينهما، حين كانا يتسابقان إلى الاعتذار لينالا ثواب البدء بالصلح. والإحساس الرائع بقيام الليل الذي يؤلف بين قلبيهما ويسقيهما بالمودةوالحب كالوادي الجاري الذي يذهب بالزبد ويبقي حب الله صافيا نقيا يوحد مسارهما، ويرسل نوره على بصيرتهما، فتتنحى أشواك الابتلاء وتنبت أزهار الأجر والثواب، تتطلع برأسها مؤذنة بموعد قطافها.

مر السرب الضيف على ذاكرة نور فاستسلمت لخيالها، أما عمر فقد كان يقرأ القرآن في ركن من غرفة الانتظار، وقد بدأت الآيات تفك أسر دموعه، لتنهال محررة أوجاعه وأحزانه. أما فاطمة فقد وجدت في الذكر والاستغفار والدعاء ضالتها.

لم تتنبه نور إلا إلى صوت حماتها، التي يبدو أنها اتصلت ببيت أحمد فأخبرها الأولاد بمصابهم في أبيهم، فجاءت متلهفة إلى المستشفى وقلبها ضارع إلى الله أن ينقذ ابنها من الموت.

حضنتها نور بحرارة وقبلت يديها، حتى تخفف من نظرة عتاب كانت في عينيها. لكون نور آثرت عدم إخبارها نظرا لحالتها الصحية التي لا تحتمل نبأ سيئا مثل خبر طعن أحمد. لكن قلب الأم دلها فجعلها تتصل لتسأل عن فلذة كبدها.

كادت أم أحمد أن تفقد جلدها وصبرها وبدأت الدموع تنهمر على وجنتيها ونور تبذل جهدا مضاعفا لتبقى متماسكة وتهدئ من روعها.

وفي هذه اللحظات، خرج الطبيب من غرفة العمليات الطارئة وهو يجفف عرقه الغزير، فانطلق صوبه الجميع مستفسرين وابتدرته فاطمة قائلة :

- خيرا يا دكتور؟

أجابهم بعد تنهيدة قوية:
- الحمد لله .. فالطعنة كانت أسفل الضلع الأيسر والأخير مباشرة مما أدى إلى تمزق الطحال. وهذا ما سبب النزيف الكبير الذي جعلنا نقوم بنقل الكثير من الدم له، كما اضطررنا لاستئصال هذا الطحال بشكل كامل إنقاذا لحياته.
بإذن الله سيسترد عافيته تماما ويعود أفضل مما كان.. ومن حسن قدره أن الطعنة لو ارتفعت قليلا لأصابت القلب مباشرة.. فالحمد لله على كل حال.

تنفس الجميع الصعداء، وكأن صخرة أفسحت الطريق للهواء، بعد طول كتم للمشاعر، والأنفاس، فسجدوا شكرا لله على هذه البشرى، وابتهج قلبا الأم والزوجة وأرسلت عيونهما الدموع وكأنها تفترشها للفرح المحرر، وتحركت شفاههما بالحمد والشكر لله اللطيف العليم، وتهللت الأسارير وانطلقت الضحكات، وعادت الحياة للغرفة ورحلت خيام الحزن بعد اقتلاع أوتادها،وسكن الأمل والسرور محلها.

فما أروع حسن الظن بالله، فمنعه عطاء، وفضله ابتلاء، وحبه للعباد يظهر بجلاء، فما أشد ظلمة الوجود بدونه، وما أحلك الأفئدة لولا نور الإيمان، وما أتعس البشرية لولا الأمل في ربهم سبحانه.

يتبع بعون الله

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.83 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]