عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-03-2019, 04:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي الاعتناء بأحكام النساء في الشريعة الإسلامية

الاعتناء بأحكام النساء في الشريعة الإسلامية
د. الجوهرة بنت محمد العمراني


قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }[1].



في الوقت الذي كانت تعاني فيه المرأة ما تعانيه من الذل والقهر المتمثل في وأدها وهي حية، وفي سلبها جميع الحقوق المدنية، ونحو ذلك من أنواع الإهمال والاحتقار لشأنها في بعض القبائل الجاهلية، والديانات الأخرى يشع الإسلام بنوره وهداه، ويبزغ فجر الحرية الحقة لينقذها من الظلام والضلال، وليقرر لها من الحقوق والواجبات ما يجعلها مساوية للرجل في الإنسانية[2].



ونادى بأن المرأة من جنس الرجل، والرجل من جنس المرأة، فلم يكن الرجل زوجاً إلا بالمرأة، ولم تكن المرأة زوجاً إلا بالرجل؛ فالنساء شقائق الرجال[3] كما أخبر بذلك النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، والحقوق التي فرضها الإسلام للمرأة هي بالكثرة التي يطول حصرها في هذا المطلب، وحقيقة أن موضوع هذا البحث في جملته ما هو إلا جزء من هذه الحقوق التي مَنَّ الإسلام بها على المرأة إذ أن لها حق الاعتناء والرعاية كما أوصى بذلك النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم..."[4].

فحفظت للمرأة كرامتها، وحُررت إنسانيتها روحاً وجسداً، وحفظت حقوقها وارتفعت مكانتها في ظل الإسلام[5]. وأصبــــحت المرأة المسلمة ذات مسؤولية مستقلة أمام الله عز وجل، فقد أمر الله تعالى نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - بمبايعة النساء بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[6].

وإذا كانت المرأة قد حظيت بحق البيعة في الإسلام فإنها كذلك مسؤولة أمام الله عز وجل عن أعمالها فتجازى عليها قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ ...}[7] فالله - عز وجل - يجازي عباده على أعمالهم ذكراناً وإناثاً قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[8].

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ وَالْمُتَصَدِّق َاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }[9].

إضافة لما ذُكِر فإن المرأة مسؤولة أمام الله عز وجل عن ما استرعاها الله تعالى عليه قال عليه الصلاة والسلام: "والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عن رعيتها".

مما يدل على عظم مكانتها في الإسلام وهذا الأمر يستلزم العناية بها، وتقديم الإحسان إليها بالتوجيه والنصح والتقويم لكي تستمر المرأة لبنة بناءه في المجتمع.

وهذا يتطلب عدة مسائل على النحو التالي:

المسألة الأولى: العناية بالتأسيس الاجتماعي للأسرة:

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }[10] الزواج سنة ربانية ضمن الله عز وجل استمرارها بين الكائنات الحية سواء كانت إنساناً أم نباتاً أم حيواناً، وجعل الله عز وجل الزواج بين الناس على شريعة الإسلام تكريماً للناس، وتعظيماً يتناسب مع القدر الرفيع الذي رفع الإسلام الجنس البشري فيه بين سائر المخلوقات. فإذا نظرنا إلى سائر الحيوانات التي تدب على الأرض لوجدنا أن الإنسان متميز ومتفرد عنها جميعاً بنعمة العقل، المكلف بتعمير الأرض في ظل لا إله إلا الله. وقد سخر الله تبارك وتعالى للإنسان في سبيل تحقيق هذا التكليف كل ما في الكون قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ }[11].

فالله عز وجل سخر للناس من مخلوقاته، وما أسبغه عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة وجعل ذلك أساساً للإيمان به[12]، مما يدل على أهمية الإيمان بالله تعالى والإخلاص لله عز وجل بالقول والعمل.

والإنسان مطالب بتحقيق العبودية لله تعالى بنفسه وفي أسرته. ومما يُساعده على ذلك التأسيس الصحيح لهذه الأسرة بدءً بالاختيار؛ فحسن الاختيار بين الزوجين من الأسس الهامة لتحقيق البناء الصالح للأسرة.

فللرجل حق الاختيار لزوجته وهو مدعو لاختيار الزوجة الصالحة التي تُعينه على نفسه، وتعينه على تربية أولاده وإعدادهم لحمل الرسالة. وللمرأة كذلك حق الاختيار لزوجها، وهي مدعوة لاختيار الزوج الصالح الذي يعينها على نفسها، وعلى تربية أولادها وإعدادهم إعداداً صحيحاً ليكونوا لبنات صالحة في المجتمع[13].

وعلى ذلك فإن اختيار الزوجين لابد وأن تراعى فيه الأمور التالية:

أولاً: اختيار الزوجة:

قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ... }[14].

في هذه الآية جاء التأكيد من الله عز وجل على نكاح المؤمنات حيث ورد فيها التحريم الصريح للزواج من المشركات من عبدة الأوثان[15].

وبين النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لأمته أهمية نكاح ذات الدين بقوله عليه الصلاة والسلام: تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك[16].

وجاء تأكيد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - على ضرورة اختيار الزوجة الصالحة من المؤمنات حيث قال: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".

مما يدل على أهمية الاعتناء عند اختيار الزوجة، ففي صلاحها صلاح للأسرة بأسرها - إن شاء الله تعالى - لعظم أثرها على زوجها، وأولادها. فالأسرة المسلمة القائمة على أسس إسلامية علماً وعملاً لها أثرها البناء على المجتمع.

ثانياً: اختيار الزوج:

قال تعالى: {...وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ...} [17].

بين الله عز وجل من خلال هذه الآية الكريمة تحريمه على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك ومن أي أصناف الشرك كان[18].

وحينما كرم الإسلام المرأة منحها حق الاختيار للزوج؛ فعليها أن تُحسن هذا الاختيار وأن تُغَلِب فيه جانب الإيمان والخلق إتباعاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد"[19].

ففي هذا الحديث الشريف توجيه من النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - للزواج من صاحب الدين والخلق.

وحينما تحسن الزوجة اختيار زوجها، ويُحْسِن الزوج اختيار زوجته وفق الأسس الإسلامية فإنهما يؤسسان بذلك قاعدة اجتماعية قوية الأساس قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[20].

والزوج حينما يحظى بالزوجة الصالحة فإنه يأمن على بيته وأولاده ويجد المعين له في حياته.

وكذلك المرأة المسلمة فإنها حينما يُنعم الله عليها بالزوج الصالح فإنها تطمئن على وجود المناخ الإسلامي في بيتها وتجد المقوم لسلوكها الموجه لها حين فتورها وتقصيرها. كما تجد المربي لأولادها المعلم لهم داخل بيتها.

وعلى هذين الأبوين يقع ثقل التربية والتوجيه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }[21].

وأكد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - هذه المسؤولية بقوله: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "[22].

وبقـولــه: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه وُيَنِّصرانه ويُمَجِّسانه"[23].

فرب الأسرة مسؤول أمام الله تعالى عن تنشئة أسرته التنشئة الصحيحة، وهذا يتطلب منه مراقبة العوامل المؤثرة على سلوكيات أفراد أسرته، يُساعده في ذلك الزوجة الصالحة التي تحفظ بيتها في غيبة زوجها وتُعينه على متابعة أولادها وتنشئتهم نشأة إسلامية صحيحة.

وهما بهذا يحققان البناء الصحيح للبيت المسلم والذي تنعم الزوجة في ظله بالأمن والاستقرار.

المسألة الثانية: إحياء دور المرأة الإصلاحي:

قال تعالى: { والْمؤمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[24] من خلال هذه الآية الكريمة يتبين أهمية دور المرأة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر؛ فليس الأمر محصــوراً في الرجال فقط، وإنما هو عام للأمة قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[25].

فالله عز وجل بين أن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على الأمة يشترك في ذلك الرجال والنساء.

وأكد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - عموم هذا الأمر بقوله: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"[26].

وجاء التخصيص للنساء في التوجيه الإلهي لأمهات المؤمنين بإبلاغ ما يسمعن من الآيات الكريمــة، وما يرينه في بيوتهــن من هــدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعــالى:

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }[27].

وأمر الله عز وجل النساء بالقول المعروف في قوله تعالى: {... وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }[28].

وفي هذا دليل على ضرورة قيام النساء بالأمر والنهي. وحذر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من ترك هذا الأمر بقوله: "والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم" وهذا الخطاب عام وموجه للجنسين معاً الرجال والنساء.

وإذا نظرنا إلى سلف هذه الأمة فإننا نجد أن المرأة المسلمة في الجيل الأول ضربت أروع الأمثلة في التطبيق العملي للقيام بأمر الرسالة فكان للصحابيات عليهن رضوان الله تعالى الدور الفاعل في مجالات التربية والتعليم، والإصلاح، والأدب، وتخريج الرجال، وحتى الجهاد والقتال للذب عن حياض الدين[29].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]