عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-12-2020, 12:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي مذهب اليزدي الصرفي في شرح الشافية

مذهب اليزدي الصرفي في شرح الشافية





قصي جدوع رضا الهيتي





إنَّ المتتبِّعَ لكتاب اليزدي يستطيعُ أنْ يحكم عليه بأنه بصريُّ النزعة والمذهب؛ وذلك لأنَّه:
1- يُسمِّي البصريين بـ"الأصحاب":
في حديثه عن معاني "فَعُلَ" قال: "اختلفوا في توجيه ضمِّ الفاء من الماضي من الأجوف الواوي، وكسرها منه من الأجوف اليائي، عند اتصال الضمير المرفوع البارز المتحرك به، مثل: قُلْتُ وبِعْتُ، وكانا في الأصل: قَوَلْتُ وبَيَعْتُ، فقلبت الواو والياء ألفًا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، فاجتمع ساكنان، فحذفت الألف، فبقي الفاءان مفتوحتين، فضُمَّت الواوية، وكُسرت اليائية، فالصحيح عند المصنف[1] أن الضَّمَّ للدلالة على الواو، والكسرة للدلالة على الياء، والأكثرون - وهو مذهب سيبويه[2] وما عليه الأصحاب - على أنهما للنقل، يعنون أن العرب قد نقلوا مثل "قال" عند اتصال المذكور به إلى باب "فَعُلَ" المضموم العين، فلمَّا حذفت العين نُقلت حركتها إلى الفاء بعد حذف حركتها؛ إذ لا يحتمل الحرفُ الواحد حركتين، ونقلوا مثل "باع" إلى "فَعِلَ" المكسور العين، فلما حُذفت العين نقلت حركتها إلى الفاء كما عُمل في "قُلْتُ"[3].

وقال في باب تخفيف الهمزة المتحركة التي قبلها ساكن صحيح في شرح قول ابن الحاجب: (نحو مَسَلَةٍ والخَبِ)[4]: "وأمَّا مثل المَراةِ مما ذهب إليه الكوفيون، فعند الأصحاب من الشواذ"[5].

وقال في قلب الواو والياء "عينين" همزة، في نحو: أوائل، وبوائع، مما وقعتا فيه بعد ألف باب مساجد وقبلهما واو أو ياء: "اعلم أن هذا رأي الخليل وسيبويه[6]، أمَّا الأخفش[7] فلا يهمز إلا في الواوين، وحجَّته السماع؛ لقولهم: "ضَياوِنُ" جمع "ضَيْوَنٍ"، وهو السِّنَّورُ الذكر، والقياس هو أن ثقل الواوين أشدُّ، أجاب الأصحاب عن السماع بأن "ضياون" شاذٌّ، وأن المازني[8] سأل الأصمعي عن "عَيِّل"، كيف تكسره العرب؟ فقال: عيائل بالهمز، وعن القياس بأنهم حملوا الاكتناف بالياءين والاكتناف بالياء والواو على الاكتناف بالواوين، وكما لم يفرقوا بين الياء والواو في "كساء" و"قباء"؛ حيث قلبوهما همزة؛ لكونهما متطرفتين بعد ألف زائدة، فكذا ههنا"[9].

2- موقف اليزدي من البصريين والكوفيين:
من خلال مناقشاته التي أجراها في كلامه على المسائل الخلافية، غالبًا ما نراه يقف إلى جانب البصريين، ويدافع عن مذهبهم، ويستدل له، فمما وافقهم فيه:
أ- أصل الاشتقاق[10]:
قال في علَّة عدم جواز زيادة الفعل على الرباعي بأنه: (لو وصل إلى الخماسي لكان مساويًا للاسم في الرتبة، وهو أَحطُّ درجة من الاسم، فوجب أن يقتصر على الرباعي؛ لئلا يلزم المساواة، وأمَّا كونه أحطَّ درجة منه؛ فلأنَّه مشتق من الاسم، ولأنَّهُ محتاج إليه، فكما أنَّ درجة الاسم أعلى من درجته في المعنى، وجب أنْ تكون درجته أعلى في اللفظ؛ ليتناسب اللفظ والمعنى"[11].

وجاء في شرح قول ابن الحاجب: "ويعرف القلب بأصله"[12]: قوله: "لما ذكر القلب وشرع فيه أراد أنْ يذكر أمَارات تدلُّ كلُّ واحدة عليه، وهي ست: الأولى: الأصلُ؛ أي: المشتقُّ منه، وقوله: "بأصله"؛ أي: أصل المشتق أو المقلوب، والأصل المصدر"[13].

وقال في شرح قول ابن الحاجب: "وفاعَلَ لنسبة أصله إلى أحد الأمرَين متعلقًا بالآخر للمشاركة صريحًا..."([14]): "أي: الأصل في بابه أنْ يكون لنسبة أصل الفعل؛ أي: الذي اشتق منه "فاعَلَ" إلى أحد الأمرَين الذي هو الفاعل، متعلقًا بالآخر الذي هو المفعول؛ لمشاركة واقعة في الأصل الذي اشتقَّ منه "فاعَلَ" بين الأمرَين المذكورين تعلقًا صريحًا"[15]، في حين يرى الكوفيون أنَّ المصدر مشتَقٌّ من الفعل وفرعٌ عليه[16].

ب- "أيمن" في القسم، مفرد لا جمع[17]:
قال في باب الابتداء: "اعلم أنَّ "أيمن" عند سيبويه[18] من اليُمن، فإذا قال المقسم: أيمن الله، فكأنه قال: بركةُ اسم الله قسمي، مفرد على "أفعل"، كآجُرٍ وآنُكٍ، وهو الأسْرُبُّ[19]، جاءت فيها: أيْمُ وإيمُ، بفتح الهمزة وكسرها، والكوفيون على أنَّها جمع "يمين"؛ لعدم "أفعل" في الإفراد، وآجُرٌّ وآنُكٌ أعجميان، وهمزتها في الأصل للقطع، حُذفت في الوصل لكثرة الاستعمال، ولا يُقاوم شيء مما ذكر كونَ المفرد أسبق، فيحمل عليه حيث لا تحقق للجمعية"[20].

ج- وزن "أوَّل"[21]:
قال في شرح قول ابن الحاجب في باب ذي الزيادة "والأوَّلُ: أَفْعَل؛ لمجيء: الأُولى والأُوَلِ..."[22]: "اختلف النحاة في "أوَّل"، ذهب البصريون إلى أنَّه "أَفْعَل"، وقال الكوفيون: أنَّه "فَوْعَل"، والصحيح الأول"[23].

د- مُوسًى "مُفْعَل"، لا "فُعْلَى"[24]:
قال في باب ذي الزيادة: "اختلف البصريون والكوفيون في قولهم: "مُوسى"، ومعناه المِحْلَقُ؛ فقال البصريون: إنَّهُ "مُفْعَل" من "أَوْسيت"؛ أي: حلقت، فالميم زائدة والألف أصلية؛ لأنها منقلبة عن الياء؛ قال سيبويه عقيب ذكر "أفْعى" و"مُوسى"([25]): فالألف فيهما بمنزلتها في "مَرْمًى"، وذهب الكوفيون إلى أنَّه "فُعْلى" مشتقٌّ من "المَيْسِ"، وإنَّما قلبت الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها، فتكون الميم أصلية والألف زائدة، ومعنى المَيْسِ التبختر، وظاهر أنَّ المرجَّح ما عليه البصريون؛ لأنَّ نسبة هذه الآلة إلى الحَلْقِ أقوى من نسبتها إلى الحُسْنِ؛ إذ الحلق معناها، وأمَّا الحسن فليس إلا كملازم لها؛ لكونها محتوية على صفاءٍ ما، وقيل: قد جاء المَيْسُ بمعنى الحلق، وعلى هذا أيضًا كونه "مُفْعلاً" أولى من كونه "فُعْلى"؛ إذ لو كان "فُعْلى" منع صرفه؛ لكنَّه مصروف"[26].

هـ- وزن "إِنْسَان" وأصل اشتقاقه[27]:
قال في باب ذي الزيادة: "اختلف في اشتقاق "إنسان"، فقال طائفة: إنَّه من الإنس، فيكون وزنه "فِعْلانًا"، وذهب قوم إلى أنه من النسيان، وكان في الأصل "إنسيانًا" على زنة "إفعلان"، فحذفت اللام منه اعتباطًا، فصار إنسانًا، فيكون على زنة "إفعان"، والأول أصح"[28]، وهو مذهب البصريين وبعض الكوفيين[29].

و- أصل وزنة ما كان رباعيًّا مضاعفًا نحو: زَلْزَل وصَرْصَرَ[30]:
رجح اليزدي في باب ذي الزيادة مذهب البصريين الذين يرون أن نحو "زَلْزَل وصَرْصَرَ" رباعي الأصول، وزنته "فَعْلَلَ"، خلافًا للكوفيين الذين يرون أن الفاء مكررة، فيكون على زنة "فَعْفَل".

قال اليزدي: "والأقرب بناء على هذا الجواب أن يقال: مثل "زَلْزَل" أصليٌّ لا زائد فيه؛ إذ الأصل وجود الأصل، فما لم يَثبت ثبتٌ على الزيادة، لا يُقال بها، وههنا لا ثبت؛ فوجب القول بالأصالة"[31].

ز- وزن "سَيِّد" و"مَيِّت" ونحوهما، "فَيْعِل"[32]:
قال في باب الإعلال: "قولهم: "سَيِّدٌ"، كان "سَيْوِدًا" بكسر العين عند المحققين البصريين أصلاً وحالاً، وذهب البغاددة[33] إلى أنَّه كان "فَيْعَلاً" بالفتح كـ"ضَيْغَم" و"صَيْرَف"؛ لفقدان الكسر في أمثلته في الصحيح، فقُلبت الفتحة كسرة، وهو ضعيف؛ إذ قد يكون للمعتل من البناء ما لا يكون للصحيح، كـ"فُعَلَة" في جمع "فاعل"، نحو: قُضَاة في قَاضٍ، قال سيبويه[34]: "لم يكن فَيْعِل في غير المعتل؛ لأنهم قد يختصون المعتل بالبناء لا يختصون به غيره، ألا تراهم قالوا: كَيْنُونَة"، وقال[35]: "أصلها فَيْعَلُولةٌ، وليس في غير المعتل فَيْعَلُول"، وهو على أنهم حذفوا العين من مثل "مَيْتٍ" و"هَيْنٍ"، وكذا من "كَيْنُونَة" فتكون زنتهما "فَيْلاً" و"فَيْلُولة"، وكان "كَيْنُونَةٌ": "كَيْوَنُونَةً"[36].

ح- في مسألة "يا هناه"[37]:
قال في شرح قول ابن الحاجب في باب الإبدال: "وفي "يا هناه" على رأيٍ"[38]، قال: "أي: وكذا تبدل من الألف في "يا هناه" على الشذوذ، ويختص بحال النداء، ومعناه: يا رجل سوء، وأصله: "هناوٌ" بدليل مجيء "هَنَوات"، قلبت الواو ألفًا، كما قالوا في "كساء"، فالتقى ألفان، فقلبت الأخيرة هاءً[39]، وفيه أقوال للبصريين غير الأخفش، وله وللكوفيين قول واحد.

فمن أقوال البصريين ما ذكرنا، وإليه أشار بقوله: "على رأي".

ومنها: أنَّه بدل عن الهمزة المنقلبة عن الواو، وكان "هناء" كـ"كساء"، وهو أقرب[40]؛ لما ذكرنا في "كساء" من استحالة تلاقي الألفين في التقدير، وقيل: لم يقلب همزة لئلا يتوهم أنه "فَعَال" من التهنية.

ومنها: أنه بدل عن الواو، وليس ببعيد؛ إذ لا ارتكاب فيه لمستحيل[41].

ومنها: أنه أصل لا بدل، وضعف بقلة باب سلس[42].

ولك أن تقول: لو كان أصلاً لقالوا في تصغير "هَنَةٍ": "هُنَيْهَةٌ"؛ لكن التالي باطل؛ لأنهم يقولون "هُنَيَّةٌ"، والملازمة ظاهرة؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصلها، ولكان الجمع "هَنَهات"؛ لا "هَنَوات"، وهذا باطل باتفاق[43].

ومنها: أنَّ ألفه منقلبة عن الواو[44] الأصل: "هَنَوٌ"، والهاء للسكت، وهو مدفوع بما يدفع به قول الأخفش والكوفيين[45]؛ إذ قالوا: اللام محذوفة كما في "هَنٍ"، والألف زائدة، والهاء للسكت، وهو مردود؛ لأن هاء السكت لا تُحرَّك في السَّعة، وههنا قد حُرِّكت في السعة، قال امرؤ القيس[46]:
وقد رابني قولُها يا هَنَا هُ وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرّْ


وأجابوا عنه بأنه حركها حالة الوصل، تشبيهًا لها بـ"هاء" الضمير[47].

ولك أن تقول: فيه ارتكاب أمورٍ الأصلُ عدمُها؛ أحدها: حذف اللام، الثاني: زيادة الألف، الثالث: لحاق هاء السكت في الوصل، وحقها الوقف، الرابع: تحريكها[48]، والتشبيه المذكور أمر واحد، فلا يقوى على مقاومتها[49].

ط- حذف التاء الثانية تخفيفًا من "تَتَفَعَّلُ" و"تَتَفَاعَلُ"[50]:
قال في باب الحذف: "واختلف في المحذوف، فسيبويه على أنه الثانية، قال[51]: وكانت الثانية أولى بالحذف؛ لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله: ﴿ فَادَّارَأْتُمْ ﴾ [البقرة: 72]، ووافقه البصريون، وقيل[52]: هو الأُولى؛ لأن الثانية جيء بها لمعنى كالمطاوعة؛ ولأنَّ الإدغام في مثل: قال تنَزَّلُ من حيث الصورة حذف الأُولى.

وأقول: الجواب عن الأول منع المجيء بها لمعنى؛ لأنه ملحق، والإلحاق ينافي ذلك.

سلَّمنا لم يُفوَّت ذلك المعنى بفوات التاء؛ إذ من الجائز أن يكون باقيًا بالتكرير، وعن الثاني أنَّ المدغم ليس كالمحذوف، سلَّمنا يكون معارضًا بما ذكره سيبويه في قوله: ﴿ فَادَّارَأْتُمْ ﴾ [البقرة: 72]، والحق أنَّ مراعاة حرف المضارعة أهم؛ لأنهم حذفوا الفاء، ولم يحذفوه، وحذفوا همزة "أَفْعَلَ" مع كونها جيء بها لمعنى باتفاق، ولم يحذفوه نحو: يَعِدُ، ويُكْرِمُ، فمع الزائد الإلحاق أولى أنْ يراعوه[53].

والملاحظ أن اليزدي رجَّح مذهب سيبويه والبصريين بعد أنْ ذكر رأي الكوفيين وفنَّده، إلا أنَّه لم ينسبه إليهم صراحةً.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]