عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-07-2020, 02:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي القلق مرض العصر وأساس كل المتاعب

القلق مرض العصر وأساس كل المتاعب


محمد رجاء








إنَّ حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، ولا تمضي على نَمطٍ واحد، وإنَّما هي في العادة ممتلئة بالتجارب، مُفعمَة بالخيرات المُتنوِّعة، التي تبعث فيها العديدَ من الانفعالات، والعواطف المختلفة.













والإنسانُ قد يشعر بالحبِّ حينًا، وبالبغض والكره حينًا آخر، وهو يشعرُ بالخوف والقلق تارة، وبالأمن والطمأنينة تارة أخرى، ويُحسُّ بالفرح والسُّرور بعض الوقت، وبالحزن والكآبة في بعض الأحيان.







وقد تنتابُ الإنسانَ في بعض الأحيان الغَيْرةُ الشديدة، وقد يتملكه في بعض الأحيان الشُّعور بالإخلاص، والتفاني، والتضحية.







وقد يستولي عليه أحيانًا الغضب الشديد فيَثور ويُقاتل، وقد يخلد أحيانًا أخرى إلى الهدوء والسَّكينة، فينعم ببهجة الحياة ولذتها.







وهكذا تَمضي حياةُ الإنسان في تغيُّر مُستمر، وتقلُّبٍ دائم، وهذا – بلا شك – يضفي على الحياة جزءًا كبيرًا مما لها من قيمة، وما لها من مُتعة، فبغير هذه الإحساسات الوجدانيَّة، والانفعالات، والعواطف المختلفة، تصبحُ حياة الإنسان مُملَّة، لا متعةَ فيها، وتصبح شبيهةً بحياة الجماد الذي لا يُحسُّ، ولا يشعر، ولا ينفعل.







ونحن في حياتنا اليوميَّة والاجتماعيَّة نشعرُ بالكثير من الانفعالات والعواطف المتباينة، في الظُّروف والمواقف المختلفة، وتُؤثر هذه الانفعالات والعواطف المتباينة تأثيرًا كبيرًا في علاقاتنا الاجتماعية.







وقد تكون الانفعالات والعواطف المتبادلة بين الأصدقاء، وبين أفراد الأُسْرة الواحدة، وبين المجتمع الواحد - من أقوى الرَّوابط الاجتماعيَّة، التي تديم المحبة بين الأصدقاء، وتحفظ كيان الأسرة، وكيان المجتمع.







وقد تكون الانفعالات والعواطف في بعض الأحيان أسوأَ ما في حياة الإنسان، فتسبب له الكثير من الآلام والشَّقاء، فالغَيْرة الشديدة والقلق من أهم ما يُسبب للإنسان التَّعاسة والشَّقاء.







ويُعد القلق من الأحاسيس المؤلمة، التي يصعُب على الفرد تَحمُّلها؛ ولذا فهو يُحاول بشتَّى الطرق ومُختلف الأساليب أن يتخلَّص منها، وأنسب طريقة للتخلُّص من القلق أن يلجأ الإنسانُ إلى حلِّ كل ما يواجهه من مشاكل حلاًّ إيجابيًّا فعَّالاً، إنْ كانت هي مصدرَ القلق عنده.







أساس كل المتاعب:



إنَّ القلقَ هو أساسُ كل المتاعب النفسيَّة التي يُعانيها الفرد، وهو الذي يُؤدِّي إلى المواقف الحرجة، وإلى التصرُّف فيها بصورة تزعجه، وتُزعج غَيْره من النَّاس، فلو كان ربَّ أسرة مثلاً، فإن القلق يدفعه إلى إفساد عَلاقَتِه مع زوجته وأبنائهما، وإن كان طالبًا، فإنَّ القلق يدفعه إلى اضطراب، وعدم القُدرة على التركيز، فلا يكونُ منتبهًا في دروسه، ولا قادرًا على استيعابها، ولا يقدر على الانتظام في حضور مُحاضراته، ولو كان موظفًا، فإنَّ القلق يدفعه إلى السُّلوك بطريقة مُعيَّنة، لا يُحس فيها بالسَّعادة، أو الراحة النفسيَّة.







وهذه المشاعر والاتجاهات في مُحاولاتها المختلفة السَّابقة تفسد على الإنسان حياته، وتجعله يشعر كأنَّها عبء ثقيل على كاهله.







ومن طبيعة النفس البشريَّة أنَّها تحاول السَّيطرة على هذا القلق الذي تُعانيه النفس، وتُحاولُ التخلُّص منه بشتَّى الطرق، حتَّى تحتفظَ لنفسها بالتكيُّف والتوافُق اللاَّزمين، والذي لا غنى عنهما؛ من أجل أن يعيش الإنسان في سعادة وراحة.







وهناك أساليبُ مُختلفة ومتعددة للسيطرة على هذا القلق، وإن كانت هذه الأساليب في مجموعها ليست أساليبَ سويَّة مألوفة صحيحة؛ بل إنَّ البعض منها ملتوٍ غير سليم، من وجهة نظر الصِّحَّة النفسيَّة.







فإذا عجز الإنسانُ عن مواجهة المُشكلات التي تعترضُ طريقه، فإنَّ ذلك يُؤدي به إلى أساليبَ مختلفة من التكيُّف، يقصد بها التخفيف من حِدَّة التوتر الناتج عن الإحباط، وهذه الأساليب وإنْ كانت تتعدَّد بتعدُّد الأفراد، وتصلُ أحيانًا إلى درجة كبيرة من التعقيد، فإنَّنا يُمكن أن نضعها تحت تعريف محدد، وهو "الحيل الدفاعيَّة"، التي تشترك في أنَّها نوعٌ من تشويه الحقيقة.







و"الحيل الدفاعيَّة" بأجمعها تقوم على تشويه الحقيقة؛ ابتغاء تجنُّب الفرد لحالات القلق، وما يُصاحبها من شُعُورٍ بالذَّنب، وحفظ الفرد اعتبارَه لذاته وتشويه الحقيقة إنَّما يكون عن أحد طريقين اثنين، هما:



1 – إنكار الدَّوافع، أو الذِّكريات: وذلك مثلما يَحدث في حالات فُقدان الذاكرة، التي يُمكن شفاؤها.



2 – مسخ هذه الدَّوافع، أو الذكريات وتشويهها: وذلك مثلما يَحدث في "التبرير"، و"الإسقاط".







القرآن الكريم يقي من القلق ويعالجه:



إنَّ المتأملَ في كتاب المولى - سبحانه تبارك وتعالى - لَيُدرك من أوَّل وهلة أنَّ القرآنَ الكريم تناوَلَ القلق، وأسبابه، ونتائجه، ووضع له العلاج المناسب.







وأسباب القلق كثيرة ومُتعددة، ومن أهمها:



1 – الخوف، والتوجُّس، وتوقع السُّوء، تجاه أشياء معروفة أو مُبهمة.



2 – الصِّراع بين نوازع الإنسان من جهة، والقيود التي تحول دون هذه النَّوازع من جهة أخرى.







وهناك أسبابٌ عامَّة تكمُن وراء هذين السببين، منها: التفكُّك العائلي، والفردية، والوحدة، والانحلال الخلقي، والإغراق في المادة، وقبل هذا كله افتقارُ الصِّلة بالمولى - سبحانه تبارك وتعالى - والقرآن الكريم يتناولُ هذه العوامل جميعًا بالوقاية أو بالعلاج.







فمن ناحية الوقاية، فإنَّنا عندما نتأمل كتاب المولى - سبحانه جلَّ شأنُه - فلسوف نجد مفهومين أساسيين:



أولهما: أنَّ الحياة التي نعيشها - بكل ما فيها، وبكل ما حولها - متصلة بالمولى - سبحانه عز وجل - يصرفها كيفما شاء بقُدرته وحِكْمته.



ثانيهما: أنَّ الدين الإسلامي - كمنهج حياة، ودستور تعامُل - لا يقتصرُ على أداء الشَّعائر؛ بل – في نفس الوقت – يُحدد مسالكَ حياتِنا، وديننا، وعلاقاتنا، ومُعاملاتنا.







ومن هذا المنطلق نجد أنَّ القرآنَ الكريم يهدينا إلى الوسائل السليمة لاتقاء القلق، ويفرش لنا أرضًا صلبة، نقف عليها بثبات وطمأنينة، إذا ما تدبَّرناه وعقلناه؛ يقول المولى - سبحانه جلَّ وعلا -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].







ومن ناحية العلاج، فبالنسبة لسبب الأَوَّل، وهو "الخوف، والتوجُّس، وتوقُّع السُّوء، فلماذا يخاف المؤمن؟ وممَّ يتوجَّس؟ ولِمَ يتوقَّع السُّوء؟ طالما أنَّه يُدرك تمامَ الإدراك أنَّ كل سيِّئ بيد الخالق - سبحانه جلَّ شأنه.







إنَّ المؤمن المخلص في إيمانه، عليه أنْ يتَّخذَ من الأسباب ما يبعدُ عنه غوائل الجوع، ويقيه من الفقر، ويدفع عنه المرض، ويعطي هذه الأسباب والأساليب حقَّها، ثم يترك الأمرَ بيد الخالق - سبحانه جلَّ وعلا - ويعتمد عليه كلَّ الاعتماد، ولا يعيشُ خائفًا يترقب؛ يقول الحق - سبحانه عزَّ وجل -:﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31].







ويقول - سبحانه - وهو أصدقُ القائلين: ﴿ وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].



ويقول - سبحانه تبارك وتعالى - مبيِّنًا أنَّه هو المتكفل بالرِّزْق لجميع مَخلوقاته، وليس هناك أحد غيره: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].



ويقول - سبحانه جل شأنه -: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3 - 4].







فعلى الإنسانِ إذا كان يَحذرُ مصائبَ الحياة، ويَخشى مصاعِبَها - أنْ يتَّقِيَ أسبابها على قَدْرِ إمكاناتِه واستطاعته، ثُمَّ يترك الباقي على خالقه - سبحانه جل جلاله - ويطرحُ عنه أثقالَ الخوف؛ يقول - سبحانه عزَّ وجل -: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].







ويقول - سبحانه عز وجل -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [غافر: 67 - 68]



ويقول - سبحانه تبارك وتعالى -: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].







الأخذ بأسباب الوقاية:



وإذا كان الإنسانُ يَخشى المرض، فعليه أنْ يأخذَ بأسباب الوِقَاية، ويسلكُ طُرُقَ العلاج، وذلك في حدود إمكاناته واستطاعته كبشر، ثُمَّ يسلِّم أمرَه إلى الله - سبحانه عز وجل - يقول الحق - سبحانه جل شأنه -: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ [الشعراء: 80 - 81].







ويقول - سبحانه جلَّت حكمته -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 79 - 80].







ومن بعد هذا فإنَّ مُقدرات الكون كلِّه بمن فيه بيده - سبحانه جلَّت حكمته - يقول المولى - سبحانه تبارك وتعالى -: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [المؤمنون: 84 - 85].







وهذا لا يعني التَّواكُل، وإنَّما يعني أنْ يتوكَّلَ الإنسانُ على الله - سبحانه جل شأنه - يقول - سبحانه جل وعلا -: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].







ويقول - سبحانه - وهو أصدق القائلين: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].







إنَّ الإنسانَ المعاصر يُعاني الوحْدَة والفرديَّة، وهما مَدعاة للتركيز على الذَّات، ومِن ثَمَّ القلق، وفي دعوة الإسلام إلى التآلُف والتعاطُف، والتراحُم والمَحبَّة، والبذل والعطاء - الدعامات الأساسيَّة للصِّحة النفسيَّة السَّليمة، ولو أحْسَسْنا تطبيقَها لأصبحنا أكْثَر اتِّصالاً بالحياة، ولأصبحت لنا غاياتٌ كبرى تعفينا من الاستغراق في الذَّات، ومن المضي في دائرة مُغلقة، وهي دائرة "الأنا".







يقول المولى - سبحانه تبارك وتعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].



ويقول - سبحانه جل جلاله -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].







ويقول رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه -: ((مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتَرَاحُمهم، وتعاطُفِهم كمَثَلِ الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمى)).



ويقول - عليه أفضلُ الصَّلاة وأزكى السلام -: ((المؤمن للمُؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضُه بعضًا)).



ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((كلُّ المسلمِ على المسلم حرام: دَمُه، وعِرْضُه، ومَالُه)).







ويُعلِّمنا القرآنُ الكريم أنَّ النجاحَ المادي في الحياة ليس هو كلَّ شيء، ولا ينبغي أن يكونَ هو كل شيء، وإنَّما هناك جوانبُ أخرى يَجِبُ على الإنسانِ أنْ يُحقِّقها؛ ليكتملَ له النجاح، ثم إنَّ المالَ قد يكون فتنة، ومن هنا يَجبُ أن يكون هناك حدود لطلبه، فإذا ما تجاوزناها انقلب الميزان.







يقول المولى - سبحانه جل وعلا -: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].



ويقول - سبحانه عزَّ من قائل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].



ويقول - سبحانه - وهو أصدق القائلين: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15].







الصراع داخل النفس:



وأمَّا بالنسبة للسبب الثَّاني، وهو الصراع داخل النفس، بين رغباتِها من جهة، وبين القُيُود التي تحدُّ من هذه الرَّغبات من جهة أخرى، قيود من المفاهيم الدينية والاجتماعيَّة، ومن وازع الضمير - فإنَّنا نجد القرآنَ الكريمَ يُربِّي المسلم على أنَّ الحقَّ يعلو دائمًا، ولا يُعلى عليه.







يقول المولى - سبحانه تبارك وتعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [يونس: 108].



ويقول - سبحانه تقدست أسماؤه، وجلَّت حكمته -: ﴿ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الحجر: 64].







إنَّ كلَّ إنسان مُعرَّض من حين لآخر، ومن وقت لوقت، لوازع النفس وأهوائها، يُصارِعُها وتُصارِعُه، وذلك طبيعة من طبائع البشر، بيد أنَّ هذا الصِّراع صراعٌ مُؤقَّت، طالما أنَّه متبع هدى المولى - سبحانه تبارك وتعالى - أمَّا إذا حاد عن الطريق القويم، فعندئذ يلتقي وجهًا لوجه بالحيرة والضَّياع والقلق، فالطريقُ المستقيمُ هو: ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]، والانحرافُ عنه انحراف عن الفطرة، يورث القلق.







وبعد:



فإنَّ هناك أسبابًا ذاتية، وأسبابًا موضوعيَّة، تحول بين الفرد وبين أن تكونَ جميعُ تصرُّفاته معقولةً وملائمة، وحتَّى يكونَ التكيُّفُ والتَّوافُق معقولَيْن ومُلائمين، فلا بُدَّ للفرد من أنْ يقوم بحلِّ مشكلاته حلاًّ يعتمد كلَّ الاعتماد على وزن جميع التصرُّفات المحتملة وغير المحتملة، وتقدير ما قد يترتَّب على كلِّ تصرف منها من نتائج، ثم اتِّخاذ الإجراءات التي يُتوصَّل بها إلى نتائج، ثُمَّ اتِّخاذ الإجراءات التي يُتوصَّل إليها بالتدبُّر العقلي السليم، ومُجابهة المواقف التي تعترض الفرد، على ضوء ما يعلم عنها فعلاً، وعلى حسب ما تبدو لحظة التصرُّف، مستندًا إلى المولى - سبحانه وتعالى - ومستعينًا بقوة إيمانه.







ومن هنا تكونُ تصرُّفاتُ الإنسانِ معقولة ومَقبولة، ويستطيعُ أنْ يوجد الحلولَ المناسبة والنَّاجحة لكلِّ المشاكل التي تُواجهه، وتعترضه في مسيرة حياته، فيتلاشى التوتُّر البدني، ويظل الفرد معتدلاً متزنًا، ويتَّصف بالقُدرة على ضبط النَّفس في المواقف التي تُثير الانفعال، ومِن ثَمَّ ينعدم القلق، ويمضي في حياته هادئًا مطمئنًا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.77 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]