الموضوع: الانحراف
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-05-2020, 12:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي الانحراف

الانحراف
زينة علي مرعي


يتألف المجتمع من أُسر تشكّل أساساً في بنائه وأعمدة في تطوره وتقدمه، لذا فأي خلل يصيب أسرة معينة يمكن أن يؤثر سلباً على المجتمع، لأنها خلية من خلايا النسيج الاجتماعي. وعلى هذا الأساس أُعطيت أهمية كبيرة. فالأسرة لها دور أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية، وهي تتألف من عناصر عدة كلما كانت متماسكة وسليمة أمّنت الصحة النفسية والجسدية لسائر أفراد الأسرة وتالياً للمجتمع كلاًّ.
إن ما نعانيه اليوم من ظواهر غريبة تصيب شبابنا يعود غالباً إلى تربية خاطئة يعتمدها الأهل وتساهم فيها القوانين والمجتمعات، أو إلى خلل يصيب بناء الأسرة من تفكك وعدم تفاهم بين أفرادها. وأبرز ما يذكر عن هذه الظواهر هو الانحراف، وخصوصاً انحراف الشباب، كونهم الفئة الأضعف والأكثر تأثراً من غيرها رغم قوتها وحيويتها وقدرتها على العطاء.
والانحراف الذي يميل إليه معظم الشباب ما هو إلا طريق سلكوه لأنهم لم يجدوا أمامهم بديلاً منه، فالتربية التي يتلقاها الطفل في مجتمعنا لا تقوم على أسس سليمة أو على صداقة بين الشاب وأهله، بل على عادات وتقاليد أو تربية موروثة، لذا يشعر الشاب المتحدّر من أسرة كهذه بالضياع ولا يرى أمامه إلا الانحراف والانضمام إلى جماعات يعتبرها أسرة له، يلقي فيها جميع مشاكله التي يخجل بالتحدث عنها في أسرته الحقيقية، وغالباً ما تكون هذه المشاكل ناتجة من هذه الأسرة. لكن هذا لا يعني أن جميع الشباب الذين هم من أُسر كهذه معرضون للانحراف، ذلك بأن النوع البشري يحكمه نظام معين هو الفروق الفردية والاختلاف في الشخصيات. وهذه الفئة من الشباب غالباً ما تكون تعاني حرماناً عاطفياً في مرحلة معينة من مسيرتها العائلية والاجتماعية أو تصل إلى مرحلة تحتاج فيها إلى نصيحة يمكن أن تكون جواباً عن أسئلة كثيرة تدور في خاطرها أو تطرحها، أو تكون قد عاشت في أسرة مفككة من حيث العناصر المكونة، أو ساهمت الظروف في فقدانها لهذه العناصر، كالموت مثلاً.
وتمتد المساهمة في انحراف الشباب من الأسرة إلى المجتمع الذي يضطلع بدور مهم في تفاقم المشكلة بمشاركة جميع العناصر التي تكونه، إن على صعيد العلاقات بين الأفراد، أو على صعيد الإعلام، أو على صعيد الحياة العملية والتعليمية، وهو غالباً ما يرفض المنحرف أو المتمرد على قانون معين ويعتبره ولداً عاقاً، وهذا ما يزيد المشكلة تعقيداً. هذه العوامل -مجتمعة كانت أم منفردة- تساهم في دفع الشباب إلى الانحراف أو إلى غيره من المشاكل، فعدم الرقابة على الإعلام ووسائله، وخصوصاً المرئي، يزيد من تفاقم المشكلة ويجعلها تنمو في شكل أسرع مما نتوقع، ذلك بأن الشاب -كما سبق وذكرنا- لا يتلقى تربية سليمة، نفسية كانت أم جسدية في الأسرة، لذا فمن الخطر أن يتلقاها من الخارج لأنها قد تكون خاطئة أو بالأحرى مدمرة وهذا ما يحدث، ويا للأسف، فالجماعات التي ينتمي إليها يمكن أن تنقل إليه بعض المفاهيم، أو يبث التلفاز برنامجاً يحمل في طياته العنف أو ما يحرك في نفس الشاب من أحاسيس هي في طور النمو، عندئذ يبدأ الضياع وتبدأ المعاناة.
أما على صعيد العمل والتعليم، فإن عدم التوجيه الجامعي إلى اختصاص معين والبطالة والتوظيف على أساس الدعم وليس على أساس الكفاية، كلها عوامل تؤثر في شبابنا وتجعله يصل إلى درجة من الإحباط تقوده إلى سلوك طريق يؤدي به ليس إلى الانحراف فحسب وإنما إلى الهاوية.
فمثلاً: يثابر الشاب منا على التعلّم ويبلغ أعلى المراتب الدراسية ليصطدم عند انتهائه بحقيقة هي البطالة، فيجد نفسه عاطلاً عن العمل بعدما بنى أحلاماً ورسم خططاً لمستقبله ويكتشف بين ليلة وضحاها أنها مجرد أوهام لا أكثر، ويدرك أن ما وصل إليه من علم وثقافة لا ينفعه ولا يعيله. لذلك تجد الإحباط يخيّم على فئة معينة منهم وربما يؤدي بهم في النهاية إلى سلوك طريق الانحراف.
يبقى أن انتماء الطفل إلى أسرة مبنية على أسس سليمة واختيار موفق وتفاهم بين أعضائها، يمنح هذا الطفل فرصة لنمو سليم وصحي نفسياً وجسدياً في مجتمع يتألف نسبياً من أسر من هذا النوع فيكون أقل تعرّضاً للانحراف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.71%)]