عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28-08-2021, 03:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس مستفادة من صلح الحديبية

دروس مستفادة من صلح الحديبية (10)
مقاومة اليأس والإحباط وبث الأمل


أحمد الشحات


سطَّر القرآن الكريم الدروس والفوائد التي تضمنها صلح الحديبية في ثنايا سورة الفتح، وقد جعل -الله -تعالى- ذلك الصلح فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روي عن ابن مسعود، -رضي الله عنه-، وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية، واليوم مع الدرس التاسع وهو الصحابة هم الأساس الذي قام عليه صرح الإسلام.

سطَّر القرآن الكريم الدروس والفوائد التي تضمنها صلح الحديبية في ثنايا سورة الفتح، وقد جعل الله -تعالى- ذلك الصلح فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. واليوم مع الدرس العاشر وهو مقاومة اليأس والإحباط وبث الأمل.


ختمت سورة الفتح بخاتمة عظيمة، تفتح آفاق الأمل وأبواب الرجاء لهذا الجيل العظيم من الصحابة ولمن جاء بعدهم، ولترسخ الحقيقة الثابتة التي لا تتخلف من أن وعد الله صادق، وأن النصر لأوليائه من المؤمنين وإن طال بهم الزمان، {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الفتح: ٢٧ - ٢٨).

يقين الصحابة -رضوان الله عليهم

قال ابن كثير:- «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أري في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت؛ فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، في ذلك، فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: «بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟» قال: لا. قال: «فإنك آتيه ومطوف به». وبهذا أجاب الصديق - رضي الله عنه -، أيضا حذو القذة بالقذة؛ ولهذا قال -تعالى-: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله}، وهذا لتحقيق الخبر وتوكيده، وليس هذا من الاستثناء في شيء.


إثبات الأمن وعدم الخوف

وقوله: {آمنين} أي: في حال دخولكم، وقوله: {لا تخافون}: حال مؤكدة في المعنى، فأثبت لهم الأمن حال الدخول، ونفي عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد لا يخافون من أحد. وقوله: {فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا} أي: فعلم الله -تعالى- من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم ذلك ما لم تعلموا أنتم، {فجعل من دون ذلك} أي: قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، {فتحا قريبا}: وهو الصلح الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين.

تبشير المؤمنين بالنصر

ثم قال -تعالى-، مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- على عدوه وعلى سائر أهل الأرض: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} أي: بالعلم النافع والعمل الصالح؛ فإن الشريعة تشتمل على أمرين: علم وعمل، فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعي مقبول، فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل، {ليظهره على الدين كله} أي: على أهل جميع الأديان من سائر أهل الأرض، من عرب وعجم ومليين ومشركين، {وكفي بالله شهيدا} أي: أنه رسوله، وهو ناصره»، فوعد الله صادق وإن تأخرت معالمه أو أماراته، وينبغي للمسلم أن يوقن أن إرادة الله غالبة ومشيئته نافذة كما قال تعالى:- {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (الفتح: ٧). فالله -عز وجل- قدر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أن يرجعوا عن البيت، وهم أحق الناس به، وليس هذا الأمر مرده إلى العجز أو الضعف أو الجبن، فلله في السماوات والأرض جنود لا يعلمها إلا هو -عز وجل-، ولو سلطها على أعداء أوليائه ورسله لأبادوهم عن بكرة أبيهم في لحظات معدودة.

وقد هلكت أقوام قبل ذلك بحشرات ضعيفة حقيرة مثل الضفادع والقمل وغيرها، ولكن الله عليم فيما يقدره، حكيم في أفعاله، يقول ابن كثير: - «لو أرسل الله عليهم ملكا واحدا لأباد خضراءهم، ولكنه -تعالى- شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال، لما له في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة، والبراهين الدامغة، ثم قال مؤكدا لقدرته على الانتقام من الأعداء (أعداء الإسلام من الكفرة والمنافقين): {ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما}».

النهاية القوية والبشارة الرائعة

بهذه النهاية القوية وتلك البشارة الرائعة خُتمت السورة، لتبقى النفوس مستبشرة، والقلوب مطمئنة بنصر الله وبصدق وعده، وأنه مهما صال الباطل وجال، ومهما طالت به حياة، فإنه إلى زوال ونهاية، فالله -عز وجل- وعد أن النصر النهائي والجولة الأخيرة للمؤمنين، وهذا أمر تكرر كثيراً قبل ذلك كما حكى الله عن بني إسرائيل في صراعهم مع فرعون:- {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف: ١٣٧).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]