عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20-06-2021, 06:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس مستفادة من صلح الحديبية

دروس مستفادة من صلح الحديبية (4)
الجزاء من جنس العمل


أحمد الشحات




الحكم والفوائد التي تضمنها صلح الحديبية أكبر وأجَّل من أن يحيط بها أحد إلا الله الذي أحكم أسبابها، وقد سطَّر القرآن هذه الدروس والفوائد في ثنايا سورة الفتح؛ حيث أنزل الله -عز وجل- هذه السورة فيما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر الكافرين، وجعل ذلك الصلح فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روي عن ابن مسعود، -رضي الله عنه-، وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية، واليوم مع الدرس الرابع وهو: الجزاء من جنس العمل.
المؤمنون الذين تحملوا الضيم وصبروا عليه، فضبطوا أعصابهم من أن تندفع إلى أعمال غير محسوبة، وقيدوا أنفسهم بالإذعان والاتباع قبل أن تظهر لهم الحكم الجلية من الصلح، هؤلاء لا يمكن أن يتساووا مع من أساؤوا الظن بربهم وضنوا بأرواحهم، ولم يُتعبوا نفوسهم، فنأوا بها عن النصب والتعب والمشقة.
بين الصحابة والمنافقين
لذا فإن القرآن بعدما ذكر الصورة الوضيئة التي كان عليها الصحابة، ونالوا بها هذا الشرف والتكريم والرفعة، ذكر الصورة المضادة لها وما ينتظرها من مصير موحش، ما بين غضب ولعنة في الدنيا، وعذاب ونار في الآخرة، {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} الفتح: ٦.
المنافقون وسوء الظن بالله
وقد جمع القرآن بين المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات في صفة ظن السوء بالله وعدم الثقة بنصرته للمؤمنين، وفي أنهم جميعا {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} فهم محصورون فيها، وهي تدور عليهم وتقع بهم، ذلك أن النفاق صفة مرذولة لا تقل عن الشرك سوءا، بل إنها أحط؛ لأن أذى المنافقين والمنافقات للمسلمين لا يقل عن أذى المشركين والمشركات، وإن اختلف هذا الأذى وذاك في مظهره ونوعه.
خطر المنافقين
ومع أن النفاق لم يكن له دور بارز في هذه القصة، إلا أن السورة حذرت منهم بشدة، لأن خطرهم على المجتمع الإسلامي ربما يفوق خطر الكافرين الصرحاء الذين يعلنون الحرب ويظهرون العداوة، وما أقبح هذه المكانة التي وُضع فيها المنافقون جنباً إلى جنب مع الكافرين! ولكن سبحان الله! تشابهت القلوب فاتحد المصير.
سبب ذكر المنافقين في السورة
كما أن سبب ذكر المنافقين في السورة رغم خلو معسكر المسلمين من المنافقين في عمرة الحديبية، أنهم تصوروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المسلمين ذاهبون إلى حتفهم، وأن قريشا سوف تفتك بهم وتقطع دابرهم، وبالتالي رفضوا أن يخرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحديبية ليقينهم أن الإسلام سيضمحل، وأن الكفر سينتصر، وقد كشف الله سريرتهم وفضح باطنهم مع أنهم حاولوا أن يخفوه بأعذارهم الواهية.
أصل مرض المنافقين
وأصل مرض هؤلاء المنافقين هو ضعف ثقتهم في الله، بل سوء ظنهم به في أنه سيسلم أوليائه ويخذل جنده ويترك دينه، والأمر ليس كما ظنوا ولا كما أوحت لهم خيالاتهم المريضة فإن النصر والهزيمة سجال، فهي تدور على المسلمين وعلى غيرهم، ولكن المنافقين عليهم دائرة السوء فهي محكمة عليهم لا مجال للهرب منها أو الخروج عنها إلا أن يطهروا قلوبهم، ويخلصوها من سوء الظن والهزيمة النفسية، وإلا فستظل قلوبهم خرابا هالكة لا أمل في إصلاحها ولا خير يرجى منها.
حال المنافقين
لذلك وصف الله حال المنافقين في موطن آخر فقال:- {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران: ١٥٤
جزاء الله للمنافقين
وتأمل كيف جازى الله المنافقين على حميتهم الجاهلية وعلى غطرستهم الكاذبة، فإنهم قد صدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المسلمين حتى لا يتحدث الناس بأن المسلمين دخلوا عليهم مكة عنوة، فكان جزاء ذلك أن دخلها المسلمون عليهم عنوة في أقل من عامين، ولما انتفش الباطل في قلوبهم وأصر سهيل بن عمرو على الشرط الجائر غير المعقول بوجوب تسليم المسلمين لمن فر من قريش إليهم، قدر الله عليهم أن يسارعوا بأنفسهم ليناشدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكف عنهم شر هؤلاء الخارجين عن قريش المرابطين في طريق تجارتهم وقوافلهم، وهذا من أعظم ما يطمئن قلوب المؤمنين حين يعلموا أن الله يدبر لهم ويهيئ لهم من أمرهم رشدا.

الغرور القرشي
وتأمل في رفض سهيل بن عمرو كتابة اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ديباجة الاتفاقية، وقال له لو نعلم أنك رسول الله حقاً ما قاتلناك، وكيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتشدد أمام هذا الغرور القرشي ومحا بيده اسمه الشريف رغبة في إتمام الصلح؟ ها هو ذا القرآن يثبت ما رفض سهيل بن عمرو أن يقر به، فقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}الفتح: ٢٩ شهادة علوية وتكريم خالد، وتشريف وسمو في أفضل كتاب أنزله الله على البشر، ذلك ليعلم الناس أن {اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]