عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-01-2020, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي النجش (الزيادة في ثمن سلعة ممن لا يريد شراءها)

النجش








(الزيادة في ثمن سلعة ممن لا يريد شراءها)


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم






الحمد لله الذي أغنانا بالحلال، وأوضح الطريقَ حتى لا يكون المسلمُ في وهم وإيهام، أحمده - سبحانه - وأشكره على عموم فضلِه وجزيل الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، شرَع لأُمَّته كلَّ ما فيه الأُلفة والوئام، ونهاهم عن كلِّ ما فيه زرْع الأحقاد ومَقطع الأوصال وضرر الأجسام، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خير مَن بادر إلى الامتثال والمعظِّمين لسُنَّة خير الأنام.








أما بعد: فيا أيها الناس:



اتقوا الله تعالى وآمنوا برسوله، يؤتِكم كِفلين من رحمته، ويجعل لكم نورًا تَمشون به ويغفر لكم، والله غفور رحيم، واتقوا يومًا يجري فيه النقاش والحساب، ويجد الإنسان فيه ما قدَّمت يداه، واتقوا ظُلْم الناس كما أرشدكم إلى ذلك نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فمما نهانا وحذَّرنا عنه أشدَّ التحذير (النَّجْشُ)؛ ففي الحديث الشريف: ((لا تَحاسَدوا ولا تَناجَشوا))، فحُكْم النجش مُحرَّم، كما صرح بالنهي عنه في حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النجش، ومعنى النجش: الزيادة في ثمن السلعة، ومُدَّعي الزيادة لا يريد شراءها، ولكنه يَهدف من ذلك إلى إضرار المشتري بزيادة الثمن عليه، أو يريد نفع البائع بتكثير الثمنِ له، وكلا المرادين مُحرَّم؛ لما يترتَّب عليه من المفاسد العظيمة، والأضرار الكثيرة التي لا تُحصى، فإن أراد ضررَ المشتري، فقد ضارَّ مسلمًا، ومَن ضارَّ مسلمًا، فهو ملعون، ومن أراد نفْعَ البائع، فقد أدخل عليه بابًا من أبواب الربا، فتسبَّب في أكله الحرام، ووضع الزائد نفسَه موضِع الخائن الكاذب؛ لأنه يَزيد في السلعة ولا يريد شراءها، فعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنهما - قال: ((الناجش آكل ربا خائن))، ومن العلماء مَن فسَّر النَّجشَ بما هو أعم من ذلك؛ فجعل كلَّ مكرٍ بأخيك المسلم نجشًا، وكلَّ خداع يَزيد عليه الثمن أو له نجشًا، وكُلَّ حيلة تأكل بها شيئًا من مال أخيك أو تَستخرِج بها جزءًا من ماله فهو نجش، على هذا يا عباد الله يكون معنى قوله: ((ولا تناجشوا))؛ أي: لا تُخادِعوا ولا يَختِل بعضكم بعضًا بالمكر والاحتيال، وإنما يُراد بالمكر والمخادعة إيصال الأذى إلى المسلم إما بطريق الاحتيال أو بأي طريق يَلزَم وصول الضرر إليه ودخوله عليه.








وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن غشَّنا فليس منا، والمكر والخِداع في النار))[1]، وفي حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - المرفوع: ((ملعون مَن ضارَّ مسلمًا أو مكَر به))؛ خرَّجه الترمذي.








فيدخل في هذا التحذير النجش المنهي عنه وجميع أنواع المعاملات المنهي عنها، كتدليس العيوب وكِتمانها، وغش المبيع الجيد بالرديء، وثمن المسترسِل، وهو الذي لا يُحسِن أن يُماكِس؛ كالصغير، والأبله، والغافل عن الأسواق، والمرأة، فكل غَبْن هؤلاء مُحرَّم، وليس فيه فخر للبائع، ولا يفرح بما كسبه منهم، ومن هذا القبيل اغتنام ثِقة أخيك إذا وثِق بك لمعرفته لك، أو لحُسْن ظنِّه بك، سواء اشترى منك أو وكَّلك بالشراء، فكل هذه المسائل من باب المكر والخداع التي هي من أقبح الصفات.








فيجب على المسلم أن يتنزَّه عنها؛ لأنها من صفات الكفر والمنافقين، ولا بد أن تُحيط بصاحبها، قال - جل ثناؤه -: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43].








فليخشَ معصيةَ الله تعالى وإيذاء خلْق الله الذين لا يجوز إدخال الأذى عليهم، وإنما يجوز إدخال الأذى على الكفار المُحارِبين.








فاتقوا الله تعالى، واتقوا كلَّ عمل وكل خُلُق يُفكِّك روابطَ الأخوة، ويُحدِث التباغض، ويزرع الأحقادَ، أو يُشتِّت الشملَ، أو يُعين على الإثم والعدوان.








قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].








فالنجش يجب علينا أن نحذَره بأي مبيع كان؛ سواء كان في السيارات أو الأراضي أو سائر البضائع، وسواء كان في عقود البيع أو الاستئجار.








فالحذر من أن يَزيد الإنسان في الثمن أو الأجرة وهو لا يريد ذلك، وعقوبات هذه المعصية منها العاجل؛ كنقْص البركة، والتسبب بهلاك المال؛ إما لتجشُّمه الحرام أو الاستجابة لدعوة المظلوم، ومنها فساد العقد للبيع والأجرة عند كثير من العلماء، ومنها إن كان مسلمًا فإنه لا يَهضِم هذا العملَ الذي تحمل به كذبًا وغشًّا وخِداعًا وأكل الحرام، وكما يَحرُم على المسلم أن يأكل الحرام فإنه يَحرُم عليه أن يوصله لغيره.








فلنتقِ الله تعالى في كلِّ أعمالنا وأقوالنا، ولنُراقِبه؛ فهو يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصدور؛








أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.









[1] المعجم الكبير للطبراني 10/138 برقم (10234)، وصحيح ابن حبان 2/326 برقم (567).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]