عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 07-10-2023, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (30)

المسلمون على شروطهم




من الصفات التي رسخها الإسلام، ومدحها القرآن، ورتب عليها الجزاء الجزيل والثواب الوفير، الوفاء بالعهود، وأداء الالتزامات، فقال تعالى: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، وقال تعالى: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما}، وقال تعالى في مدح المؤمنين: {إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق}، وقال تعالى: {وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}، وغير ذلك من الآيات التي وردت بشأن الوفاء بالعهود والعقود وسائر الالتزامات للخالق سبحانه وللمخلوقين .
والوفاء هو إتمام العهد وإكمال الشرط، وهو ضد الغدر، والعرب تمدح الشخص بهذه الصفة فتقول: فلان برّ، وفيّ، كريم العهد، صادق الوعد، وثيق الذمة، صحيح الموثق، ثابت العقد .
وقد بيـّن الراغب الأصفهاني أن الوفاء من الصفات اللازمة للإنسانية الدال على كمال الشخص ورفعته فيقول: «الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أن الوفاء صدق باللسان والفعل معا، والغدر كذب بهما، وفيه مع الكذب نقض العهد، والوفاء يختص بالإنسان ، فمن فقده فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وجعل الله العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفعت المعايش، ولذلك عظم الله تعالى أمره فقال تعالى: {وأوفوا بعهدي أُوف ِبعهدكم وإياي فارهبون}، وقال تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}، وقال تعالى: {وثيابك فطهر}أي: نزه نفسك عن الغدر، وقال عز وجل: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} وقال عز وجل: {والذين لأماناتهم وعهدهم راعون} ولقلة وجود ذلك في الناس قال تعالى : {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} اهـ.
ومن الأحاديث الجامعة التي أكدت أهمية الوفاء بالعهود والالتزامات حديث عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه قال: قال النبي [ : «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما» أخرجه أبو داود والترمذي .
ومعنى قوله [ : «المسلمون على شروطهم» أي: ثابتون عليها لا يرجعون عنها، فالمسلم يوفي بما عليه من حقوق وواجبات ولا يتهرب منها، ولا يتحايل لإسقاطها والتملص منها، بل إن دينه وإيمانه يحمله على أداء الحقوق والوفاء بالالتزامات .
فهذا الحديث تناول أحكاماً شرعية عدة؛ منها: وجوب الوفاء بالعهود والالتزامات التي يعقدها الإنسان على نفسه سواء مع الله تعالى بمقتضى إسلامه كالقيام بواجب الإيمان والإخلاص ونبذ الشرك والمعاصي، وكأداء العبادات الواجبة، أو ما يعقده الإنسان مع غيره من المسلمين أو غيرهم من معاملات وتبرعات وغيرها من تصرفات لازمة كما قال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
أما الحكم الثاني الذي يستفاد من هذا الحديث فهو أن الأصل في الشروط والعقود هو الحل والإباحة إلا ما قام الدليل على بطلانه كما قال شيخ الإسلام: «الأصل في الشروط الجواز والصحة، والتزامها لمن شرطت عليه، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله» اهـ
وقال أيضا: «فالأصل في العقود كالأصل في الأفعال العادية (عدم التحريم)؛ لأنها ليست من العبادات، وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} عام في الأعيان والأفعال ، وإذا لم تكن حراما لم تكن فاسدة؛ لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة، وأيضا فليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت تحريمه بعينه ، وانتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم، فثبت بالاستصحاب العقلي وانتفاء الدليل الشرعي عدم التحريم فيكون فعلها إما حلالا وإما عفوا» اهـ .
أما استدلال بعض العلماء بقوله [ : «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» -متفق عليه- على أن الأصل في الشروط الحظر إلا ما دل عليه الدليل النقلي، فالجواب عنه بما قاله ابن بطال أن: «المراد بـ (كتاب الله) هنا حكمه من كتاب الله أو سنة رسوله [ ، لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل، لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط، ويشترط في الثمن شروطا - من أوصافه ومن نجومه - ونحو ذلك فلا يبطل «اهـ.
وقال ابن القيم في بيان المراد بـ (كتاب الله في الحديث): «ومعلوم أنه ليس المراد به القرآن قطعا، فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن بل علمت من السنة، فعلم أن المراد بـ (كتاب الله) حكمه، كقوله: {كتاب الله عليكم} وقول النبي [ : «كتاب الله القصاص»، فكتابه سبحانه يطلق على كلامه وعلى حكمه الذي حكم به على لسان رسوله، ومعلوم أن كل شرط ليس في حكم الله فهو مخالف له فيكون باطلا»اهـ.
أما الحكم الثالث الذي دل عليه الحديث فهو أن الشروط نوعان: شروط صحيحة، وشروط فاسدة، فالشروط الصحيحة لازمة، وأما الشروط الفاسدة فهي لاغية.
قال الخطابي في بيان مورد الحديث: «هذا في الشروط الجائزة في حق الدين دون الشروط الفاسدة، وهو من باب ما أمر الله تعالى من الوفاء بالعقود».
وقال الشيخ ابن سعدي: «إن الشروط في جميع العقود نوعان: صحيحة وباطلة:
فأما الصحيحة: فهي كل شرط اشترطه المتعاقدان لهما، أو لأحدهما فيه مصلحة، وليس فيه محذور من الشارع، قال: فإنها شروط لازمة للمتعاقدين، إذا لم يف أحدهما بما عليه منها كان للآخر الفسخ . ثم ذكر أمثلة من الشروط الصحيحة؛ كأن يشترط المشتري أن الثمن أو بعضه مؤجل بأجل مسمى، أو يبيع الشيء ويشترط البائع أن ينتفع به مدة معلومة، ومثل أن يشترط سكنى البيت أو الدكان مدة معلومة أو يستعمل الإناء مدة معلومة وما أشبه ذلك، وكذلك شروط الرهن والضمان والكفالة هي من الشروط الصحيحة اللازمة، ومثل الشروط التي يشترطها المتشاركان في مضاربة أو شركة، ومثل شروط الواقفين والموصين في أوقافهم ووصاياهم من الشروط المقصودة، وكذلك الشروط بين الزوجين، فكلها صحيحة إلا شروطا تحلل الحرام وعكسه كالتي تعود إلى الجهالة والغرر .
وأما الشروط الباطلة : فهي التي تضمنت إما تحليل حرام أو تحريم حلال، ويدخل فيها جميع الشروط الباطلة في البيع والإجارة والرهن والوقف والنكاح؛ فإنها مشتملة على تحريم الحلال أو تحليل الحرام، ومن تأملها وجدها كذلك «أهـ.
فحري بالمسلم أن يفي بالشروط والحقوق، ويحذر من الغدر والخيانة لأنهما من أسباب ورود النار كما قال [ : «المكر والخديعة والخيانة في النار» حديث حسن(ص.ج.6726)، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; يوم أمس الساعة 05:55 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.12 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.33%)]