عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 02-10-2023, 11:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (27)

رحم الله عبدا قال فغنم أو سكت فسلم



نعمة الكلام والإبانة عن المراد من أجلّ النعم التي امتن الله تعالى بها على عباده وميزهم بها عن البهائم كما قال تعالى: {الرحمن. علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان}.
قال ابن كثير:» يُخْبِر تَعَالَى عَنْ فَضْله وَرَحْمَته بِخَلْقِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَى عِبَاده الْقُرْآن وَيَسَّرَ حِفْظَهُ وَفَهْمَهُ عَلَى مَنْ رَحِمَهُ، ثم نقل عن الْحَسَن تفسير قوله {علمه البيان} قال: يَعْنِي النُّطْق، وَقَالَ الضَّحَّاك وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا: يَعْنِي الْخَيْر وَالشَّرّ وَقَوْل الْحَسَن هَاهُنَا أَحْسَن وَأَقْوَى لِأَنَّ السِّيَاق فِي تَعْلِيمه تَعَالَى الْقُرْآن وَهُوَ أَدَاء تِلَاوَته، وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ بِتَيْسِيرِ النُّطْق عَلَى الْخَلْق وَتَسْهِيل خُرُوج الْحُرُوف مِنْ مَوَاضِعهَا مِنْ الْحَلْق وَاللِّسَان وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى اِخْتِلاف مَخَارِجهَا وَأَنْوَاعهَا.».
ويرى الطبري أن البيان أشمل من مجرد النطق فقال: «وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَلَّمَ الْإِنْسَان مَا بِهِ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَمْر دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنَ الْحَلال وَالْحَرَام, وَالْمَعَايِش وَالْمَنْطِق, وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا بِهِ الْحَاجَة إِلَيْهِ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَخْصُصْ بِخَبَرِهِ ذَلِكَ, أَنَّهُ عَلَّمَهُ مِنَ الْبَيَان بَعْضًا دُون بَعْض , بَلْ عَمَّ .»اهـ.
قال الطاهر بن عاشور: «{علمه البيان} خبر ثالث تضمن الاعتبار بنعمة الإبانة عن المراد والامتنان بها بعد الامتنان بنعمة الإيجاد، أي علم جنس الإنسان أن يبين عما في نفسه ليفيد غيره ويستفيد هو. والبيان: الإعراب عما في الضمير من المقاصد والأغراض وهو النطق، وبه تميز الإنسان عن بقية أنواع الحيوان فهو من أعظم النعم.
ومعنى تعليم الله الإنسان البيان: أنه خلق فيه الاستعداد لعلم ذلك»اهـ.
ومن يتأمل في أحوال الناس يجد أن في كثير منهم حب الكلام والاستكثار منه فيما ينفع وفيما لا ينفع، فيما يعلم وفيما يجهل فيما يهمه وفيما لا يعنيه ، بل إن بعضهم قد اتصف ببعض الصفات المقيتة كما قيل: فلان متشدق، ثرثار، مهذار، غث المنطق، تافه الكلام، يتمنطق بالهراء، ويتنطع بفضول القول، ويتكثر بلغو المقال، إذا تكلم انصرفت عنه الوجوه، وأعرضت عنه القلوب، وانقبضت منه الصدور، وسئمته النفوس.
ولهذا نجد النصوص الشرعية والآداب الدينية تقرر فضيلتين لا غنى للمسلم عنهما، وهما؛ إما النطق بخير أو الصمت وحفظ اللسان، فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه.
قال النووي: «معناه: أنه إذا أراد أن يتكلم؛ فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه؛ واجبا أو مندوبا، فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه، مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا، وقد قال الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
ونقل عن القشيري أنه قال: «الصمت بسلامة هو الأصل ، والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال»اهـ.
وقال [ : «رحم الله عبدا قال خيرا فغنم, أو سكت عن سوء فسلم» حسنه الألباني، وهو ظاهر الدلالة في تقرير هذا الأصل الكريم في قول الخير أو السكوت والصمت.
والنصوص الشرعية التي تقرر خطر اللسان كثيرة مما يدل على فضل الصمت وقلة الكلام ، منها قول النبي [ : «إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب». متفق عليه، قال النووي: «معناه: لا يتدبرها ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كله حث على حفظ اللسان».
عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال [ : «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»، وقال سفيان بن عبد الله:قلت: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال [ :»قل: ربي الله، ثم استقم»، قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال:»هذا».
وقد تتابع العلماء من الصحابة ومن بعدهم على الحث على حفظ اللسان والصمت عن السوء، قال أبو الدرداء:» أنصف أذنيك من فيك، فإنما جُعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم»، وقال ابن مسعود: «والله الذي لا إله إلا هو، ليس شيء أحوج إلى طول حبس من لساني»، وكان يقول: «يا لسان قل خيرا تغنم ، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم»، وقال أبو الدرداء: «لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصت واع ٍ، أو متكلم عالم»، وقال الأوزاعي: «ما بلي أحد في دينه ببلاء أضر عليه من طلاقة لسانه».
وما أحسن نصيحة أبي حاتم البستي حين قال :«الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في حفظ اللسان حتى يستقيم له؛ إذ اللسان هو المورد للمرء موارد العطب، والصمت يكسب المحبة والوقار، ومن حفظ لسانه أراح نفسه، والرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، والصمت منام العقل، والمنطق يقظته»اهـ
ولا يخفى أن الجدل والاعتراض والنقاش العقيم بين الناس سبب لكثير من البغضاء والخصومات ، فبعض الناس هوايته الجدل وإجبار الناس على قبول رأيه ، ومتعته في تسفيه آراء الآخرين، في حين أن الأمر واسع واختلاف وجهات النظر فيما يتسع فيه المجال للتنوع ليس مبررا للخصومة والجدل؛ فاحفظ للجليس كرامته باحترام رأيه وليس من الضرورة أن توافقه، فالصمت في مثل هذه المواضع خير من الجدل العقيم، كما قال البستي:» الواجب على العاقل ألا يغالب الناس على كلامهم ، ولا يعترض عليهم فيه؛ لأن الكلام - وإن كان في وقته - حظوة جليلة فإن الصمت في وقته مرتبة عالية، ومن جهل بالصمت عيّ بالمنطق، والإنسان إنما هو صورة ممثلة أو صالـّة مهملة ، لولا اللسان ، والله جل وعز رفع جارحة اللسان على سائر الجوارح، فليس منها شيء أعظم أجرا منه إذا أطاع ، ولا أعظم ذنبا منه إذا جنى»اهـ.
فما أحوجنا إلى لزوم الصمت والإقلال من الكلام في زمن أصبح فيه الكلام مصدر للرزق، فهناك من يثري من ثرثرة بعضنا، بل ويحثنا على كثرة الكلام ليستنزف أموالنا، واسمع نصيحة البستي حين قال: «الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم، فما أكثر من ندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت ، وأطول الناس شقاء، وأعظمهم بلاء من ابتلي بلسان مطلق، وفؤاد مطبق».اهـ.



اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; يوم أمس الساعة 05:54 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.29 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.30%)]