عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 02-10-2023, 11:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (25)

«إذا اشتريت اليوم ما هو كمالي تبيع غدا ما هو ضروري».



هذه الكلمة الحكيمة تتناول سلوكا اجتماعيا منتشرا في مجتمعاتنا - وللأسف - وهو الرغبة في الشراء والتملك دون ضوابط شرعية أو معايير اقتصادية؛ مما يعود بالآثار السلبية على الأفراد والأسر والمجتمعات.
فسوء تنظيم الإنسان لأموره المالية، وعدم كبح جماح طموحاته الاجتماعية يدفعانه إلى التمادي في الاستهلاك والاقتراض، وكثير من الآباء والأمهات لا يرفضون لأولادهم طلبا لكيلا يشعروهم بالنقص مع أقرانهم، في حين أنه من أساسيات التربية تنشئة الأبناء على التفريق بين ما يحتاجون إليه وما يريدونه؛ ليميزوا بين الحاجيات والكماليات، وما يلزم تحقيقه وما يمكن تأجيله، ليغرسوا هذا المبدأ في أبنائهم في المستقبل.
كما أن حب التقليد والمحاكاة للطبقات الغنية، من التفاخر والمباهاة بالمقتنيات، وتقييم الإنسان من خلال لباسه وسيارته وبيته وأثاثه وقيمة مقتنياته، والتركيز على المظاهر الجوفاء دون المعاني والقيم والمبادئ من أسباب تفشي هذه الظاهرة.
وللإعلام دور خطير في غرس هذا النمط الاستهلاكي عند الناس، فمن الأصول التسويقية: إن استطعت إقناع الزبون بشراء سلعتك مع أنها أكثر تكلفة من مثيلاتها فأنت مروج ناجح، أما إذا أقنعته بشرائها مع أنه لا يحتاجها فأنت أكثر نجاحا، أما أكثر المروجين نجاحا فهو الذي يقنع عميلا بشراء سلعة أكثر تكلفة وهو لا يحتاجها ولا يملك ثمنها.
أما آثار هذا السلوك فهي عديدة، منها:
1- الذل والهم : الذي يخيم على نفوس كثير من أرباب الأسر بسبب الديون والأقساط، وقد كان النبي[ يستعيذ بالله من الجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال؛ لما يترتب على ذلك من آثار نفسية عميقة، ومشكلات صحية وأمراض مزمنة.
2- كثرة السؤال: انتشر بين الناس كثرة السؤال المكروه شرعا كما جاء في الحديث: «وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»، وقال[: «من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمر جهنم فليستقل منه أو ليستكثر» أخرجه مسلم، وقال[: «من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح» قيل: وما الغنى؟ قال:«خمسون درهما أو قيمتها من الذهب»أخرجه أحمد والأربعة.
3- عدم القناعة بما قسم الله عز وجل للعبد من رزق فيتطلع إلى ما ليس في وسعه ولا استطاعته، ويسعى لمحاكاة الآخرين بالديون والأقساط، وقد حثنا الدين على القناعة فقال [: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» أخرجه مسلم.
4- كثرة المشكلة الأسرية: إما بسبب كثرة مطالبات الزوجة والأبناء لرب الأسرة مع ضعف إمكانياته المادية وما يتبع ذلك من مشاحنات وسوء العلاقات الأسرية، وإما بسبب تورط رب الأسرة في الديون والشيكات بغير رصيد وما يتبع ذلك من سجنه وضياع عمله وتشتت أبنائه وانحرافهم لغياب رقابة الأب عليهم.
5- تربية الأبناء على الإسراف والبذخ والتبذير ، والظهور بمظهر الرفاهية المزيفة، فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ فقال[: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» أخرجه مسلم، قال النووي: «معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده، يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور».
ويكمن أساس هذا السلوك الاجتماعي السلبي في غياب الوعي الشرعي بأهمية حفظ المال واستثماره وخطورة الديون وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة.
فالشارع يقرر أن المال مال الله، ونحن مؤتمنون عليه ومسؤولون عنه كما قال تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، وقال: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}، وقال[: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، وقال[ لأبي ذر لما أبصر أحدا: «ما أحب أنه يحول لي ذهباً يمكث عندي مائة دينار فوق ثلاث إلا دينارا أرصده لدين» أخرجه البخاري، وقال[: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه» أخرجه الترمذي.
وقد أكد الشارع أهمية الاعتدال والتوسط في الإنفاق دون إسراف ولا بخل، فقال عز وجل: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}، قال الجرجاني: «الإسراف هو إنفاق المال الكثير في العرض الخسيس، وقيل: هو تجاوز الحد في النفقة»، وقال ابن القيم في تفسير الآية: «أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهلهم فيقصرون في حقهم، فلا يكفونهم، بل عدل خيار، وخير الأمور أوسطها».
وقال عز وجل: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}، قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم: «هم الذين ينفقون المال في غير حقه».
وقال ابن سعدي معللا اقتران المبذرين بالشياطين: «لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان على البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير، والله تعالى إنما يدعو بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}، وقال هنا: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك}، كناية عن شدة الإمساك والبخل {ولا تبسطها كل البسط}، فتنفق فيما لا ينبغي، وزيادة على ما ينبغي {فتقعد} إن فعلت ذلك {ملوما} أي: تلام على ما فعلت {محسورا} أي: حاسر اليد فارغها، فلا يبقى ما في يدك من المال ولا خلفه مدح ولا ثناء»اهـ.
وقال رسول الله[: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة» أخرجه أحمد، وقال[: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» أخرجه البخاري.
قال الشيخ ابن سعدي: وقوله: «وإضاعة المال» وذلك إما بترك حفظه حتى يضيع، أو يكون عرضة للسراق والضياع، وإما بإهمال عمارة عقاره، أو الإنفاق على حيوانه، وإما بإنفاق المال في الأمور الضارة، أو غير النافعة، فكل ذلك داخل في إضاعة المال.قال: «وما كرهه الله لعباده، فهو يحب منهم ضدها» وذكر أنه سبحانه يحب من عباده «أن يحفظوا أموالهم ويدبروها، ويتصرفوا فيها التصرفات النافعة، ويصرفوها في المصارف النافعة»اهـ.
ونختم بوصية نفيسة لابن الجوزي حيث يبين حال العاقل في فقره أو غناه فيقول: «العاقل يدبر بعقله معيشته في الدنيا، فإن كان فقيرا اجتهد في كسب وصناعة تكفّه عن الذل للخلق، وقلّل العلائق، واستعمل القناعة، فعاش سليما من منن الناس عزيزا بينهم، وإن كان غنيا فينبغي له أن يدبر في نفقته خوف أن يفتقر فيحتاج إلى الذل للخلق، ومن البلية أن يبذر في النفقة ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنه يتعرض بذلك - إن أكثر - لإصابته بالعين، وينبغي التوسط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، وإنما التدبير حفظ المال، والتوسط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره».


اعداد: د.وليد خالد الربيع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-04-2024 الساعة 10:28 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.65 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.25%)]