عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 31-10-2020, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس

لكنه، ورغم سخريته مِن بعض القضاة الّذين تولوا المناصب عن غير استحقاق، نراه يلجأ في شكاواه إليهم، وهاهوذا يرفع شكوى طريفة إلى القاضي بركات بن موسى المحتسب تبنئ عن تذمر مِن ارتفاع سعر حلوى "المشبك" و"المنفوش" سنة 917ه، ويبدو أنه يتحدث باسم الشّعب فيقول ممازحًا:






فلا عيبَ فيها غير أن محبَّها

يبدد فيها مالَه ويضيَّعُ




فيا قاضيًا بالله محتسبًا عسى

ترخّصْ لنا الحلوى نطيبُ ونرتعُ[11]












لكن الرّجل - كما رأيناه مع الغوري - يعاقب بقلمه حين يجب أن يعاقب، ويكافئ بقلمه حين يجب أن يكافئ، فنراه يرثي بوجع مَن يستحق الرِّثاء وها هو ذا يرثي الزيني أبي بكر بن مزهر كاتب السّر بالدّيار المصرية، وكان عالمًا فاضلاً عارفًا بالفقه بقوله:






صارت مراملُه كمثل أرامل

تبكي بأعينِها دمًا وتتربُ




وكذا الدَّواةُ تسودَتْ أقلامُها

حزنًا عليه وأقسمَتْ لا تكتبُ[12]












وما أروع ما كتب راثيًا دولة السّلاطين الشّراكسة الّتي طالما وقف فيها بقلمه يصطاد الخطأ ويقومه بمحبة غير ناجمةٍ عن عقدة نقصٍ ولا هي تهدف إلى التجريح من أجل التّجريح.







فالسّلاطين يجري دمهم في عروقه، والبلد أصبح بلده كما هو بلدهم، يغار عليه ويريد له الأفضل.







ذلك الشّركسي "نفسًا وعقلاً وعاطفة وثقافة"[13] سجَّل لفتاته النّفسية وهمساته القلبية وتأثراته العاطفية "باعتباره مصريًّا وطنيًّا صحيحًا بإزاء ما يدون مِن الحوادث.







ومن هنا، تشعر تمام الشّعور - وأنت مصري - أن رجلاً مصريًّا على غرارك يحدثك بحوادث بلادك وأخبار آبائك وأجدادك بشيء كثير مِن الحق والصّدق والعاطفة الضَّافية والجيشات القلبية"[14].







قام ابن إياس يرثي - باسم الشّعب - كما كان يثور باسم الشّعب ويفرح باسم الشّعب ويطالب باسم الشّعب، يرثي الدّولة الّتي حملت الازدهار لمصر حتى صارت أمَّ الدّنيا:






نوحوا على مصر لأمرٍ قد جرى

من حادث عمَّت مصيبته الورى




زالتْ عساكِرُها مِن الأتراك في[15]

غمض العيون كأنها سنة الكرى[16]




الله أكبر.. إنَّها لَمصيبةٌ

وقعَتْ بمصر ما لها مثل يُرى




لهفي على عيشٍ بمصر قد خلَتْ

أيَّامه كالحلمِ ولَّى مُدبرا












ما مهمة الأديب؟



أو ليست في النُّزول مِن البرج العاجي للمشاركة؟



هل كان ابن إياس مؤرخاً فذًّا وفريدًا فقط، أم كان شاعرًا فذًّا وفريدًا أيضًا؟







لعله كان الاثنين معًا، تمامًا كما كان المصري والشّركسي معًا.











[1] ابن إياس، 4/11.




[2] "بعد استيلاء العثمانيين على القاهرة، التجأ طومان باي إلى الدلتا، واختبأ عند العربان، فخانوه وسلموه للسلطان سليم، مغلول الأيدي، وقد علا وجهه القنوط لما حل ببلاده من الذل والدمار، وبعد عشرة أيام، أمر السّلطان سليم بقتله، فشنقوه في 19 ربيع الأول سنة 923 (1517م) على باب زويلة، وعلقوا جثته بكلاب من حديد، وبقيت معلقة عدة أيام إلى أن أمر السّلطان سليم بإنزالها وصرح بالدفن [انظر: راسم رشدي، ص105 - 106].




[3] ابن إياس، 4/208.




[4] ابن إياس، 4/209.




[5] محمد رجب النجار، ع.س، ص102 - 103.




[6] نفسه، ص104.




[7] نفسه، ص813 - 814.




[8] ابن إياس، 4/44 - 45.




[9] إن تناول الشّعراء القضاة بالهجاء والسخرية، إنما يعبر عن ضيق المجتمع الشّعبي بالوساطة والرشوة واتباع الهوى في الأحكام ووصول بعض القضاة عن غير كفاءة إلى هذا المنصب، ولكن هذا التناول يكون لفئة قليلة من القضاة إذ إن "الوجه الإيجابي الّذي يعكس نزاهة بعض القضاة، كان أيضًا موضع إعجاب العامة وإطرائها في إبداعهم الفني الجاد، فإن عصرًا يشهد أمجاد ابن تيمية والشيخ العز بن سلام، وابن دقيق العيد، وشمس الدّين الركراكي، وشمس الدّين الديروطي، وشمس الدّين بن عطاء الأذرعي، وأمين الدّين يحيى بن الأقصر، والشيخ أبي السعود، والشيخ حسن الجداوي، والنداوي، وأضرابهم، ليحفل بصفحات مشرقة مضيئة في تاريخ القضاة الرسمي والشّعبي في مصر والشّام في مثل تلك العصور" [انظر: محمد رجب النجار ص18].





[10] نفسه، ص217.




[11] ابن إياس، 4/247.




[12] ابن إياس، 3/255.




[13] محمود رزق سليم: عصر سلاطين الممالك، 4/290.




[14] نفسه، 4/294.




[15] قصد دولة الشّراكسة ورجالها.




[16] شوقي ضيف، الشّعر وطوابعه الشّعبية على مر العصور، ص169 - 170.














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.16 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]