عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 18-10-2020, 05:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (54)
- تفسير البغوى
الجزء الثانى
سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ

الاية 13 إلى الاية 17
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ( 13 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ) وَلَمْ يَقُلْ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ ، وَالْآيَةُ مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّهُ رَدَّهَا إِلَى الْبَيَانِ أَيْ قَدْ كَانَ لَكُمْ بَيَانٌ ، فَذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى .

وَقَالَ الْفَرَّاءُ : إِنَّمَا ذُكِّرَ لِأَنَّهُ حَالَتِ الصِّفَةُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ الْمُؤَنَّثِ ، فَذُكِّرَ الْفِعْلُ ، وَكُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَذَا وَجْهُهُ ، فَمَعْنَى الْآيَةِ : قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ أَيْ عِبْرَةٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُ إِنَّكُمْ سَتَغْلِبُونَ ( فِي فِئَتَيْنِ ) فِرْقَتَيْنِ وَأَصْلُهَا فَيْءُ الْحَرْبِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَفِيءُ إِلَى بَعْضٍ ( الْتَقَتَا ) يَوْمَ بَدْرٍ ( فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) طَاعَةِ اللَّهِ وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، سَبْعَةٌ [ ص: 14 ] وَسَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَمِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَصَاحِبُ رَايَةِ الْمُهَاجِرِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَصَاحِبُ رَايَةِ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا وَفَرَسَانِ فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو وَفَرَسٌ لِمَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ وَأَكْثَرُهُمْ رَجَّالَةٌ وَكَانَ مَعَهُمْ مِنَ السِّلَاحِ سِتَّةُ أَدْرُعٍ وَثَمَانِيَةُ سُيُوفٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ) أَيْ فِرْقَةٌ أُخْرَى كَافِرَةٌ وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ وَكَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ رَأْسُهُمْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَفِيهِمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَكَانَتْ حَرْبُ بَدْرٍ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ يَعْنِي تَرَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَهْلَ مَكَّةَ مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا حَضَرُوا قِتَالَ بَدْرٍ لِيَنْظُرُوا عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ فَرَأَوُا الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَرَأَوُا النُّصْرَةَ مَعَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً وَآيَةً ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهِ : فَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الرُّؤْيَةَ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَهُ تَأْوِيلَانِ ، أَحَدُهُمَا يَرَى الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْهِمْ كَمَا هُمْ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ قَالَ مِثْلَيْهِمْ وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ؟ قِيلَ : هَذَا مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ وَعِنْدَهُ دِرْهَمٌ أَنَا أَحْتَاجُ إِلَى مِثْلَيْ هَذَا الدِّرْهَمِ يَعْنِي إِلَى مِثْلَيْهِ سِوَاهُ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي - وَهُوَ الْأَصَحُّ - كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ أَنْفُسِهِمْ ، قَلَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى رَأَوْهُمْ سِتَّمِائَةٍ وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ قَلَّلَهُمُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فِي حَالَةٍ أُخْرَى حَتَّى رَأَوْهُمْ مِثْلَ عَدَدِ أَنْفُسِهِمْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : نَظَرْنَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَرَأَيْنَاهُمْ يُضْعَفُونَ عَلَيْنَا ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَيْهِمْ فَمَا رَأَيْنَاهُمْ يَزِيدُونَ عَلَيْنَا رَجُلًا وَاحِدًا . ثُمَّ قَلَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى رَأَوْهُمْ عَدَدًا يَسِيرًا أَقَلَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ] حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي : تَرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ قَالَ : أَرَاهُمْ مِائَةً قَالَ بَعْضُهُمُ : الرُّؤْيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَعْنِي يَرَى الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْهِمْ قَلَّلَهُمُ اللَّهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ لِيَجْتَرِئَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْصَرِفُوا فَلَمَّا أَخَذُوا فِي الْقِتَالِ كَثَّرَهُمُ اللَّهُ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ لِيَجْبُنُوا وَقَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَجْتَرِئُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى " وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ " ( 44 - الْأَنْفَالِ ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( رَأْيَ الْعَيْنِ ) أَيْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصَّنْعَةِ ( وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ ) الَّذِي ذَكَرْتُ ( لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ) لِذَوِي الْعُقُولِ ، وَقِيلَ لِمَنْ أَبْصَرَ الْجَمْعَيْنِ
( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ( 14 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) جَمْعُ شَهْوَةٍ وَهِيَ مَا تَدْعُو النَّفْسُ إِلَيْهِ ( مِنَ النِّسَاءِ ) [ ص: 15 ] بَدَأَ بِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ ( وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ ) جَمْعُ قِنْطَارٍ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ : الْقِنْطَارُ الْمَالُ الْكَثِيرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [ وَالضَّحَّاكُ ] أَلْفٌ وَمِائَتَا مِثْقَالٍ وَعَنْهُمَا رِوَايَةٌ أُخْرَى اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَلْفُ [ دِينَارٍ ] دِيَةُ أَحَدِكُمْ ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْقِنْطَارُ دِيَةُ أَحَدِكُمْ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ : هُوَ مِائَةُ أَلْفٍ وَمِائَةُ مَنٍّ وَمِائَةُ رَطْلٍ وَمِائَةُ مِثْقَالٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَلَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ يَوْمَ جَاءَ وَبِمَكَّةَ مِائَةُ رَجُلٍ قَدْ قَنْطَرُوا ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ : ثَمَانُونَ أَلْفًا ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ سَبْعُونَ أَلْفًا ، وَعَنِ السُّدِّيِّ قَالَ : أَرْبَعَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ ، وَقَالَ الْحَكَمُ : الْقِنْطَارُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَالٍ ، وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ : مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً

وَسُمِّيَ قِنْطَارًا مِنَ الْإِحْكَامِ ، يُقَالُ : قَنْطَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَحْكَمْتُهُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَنْطَرَةُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الْمُقَنْطَرَةِ ) قَالَ الضَّحَّاكُ : الْمُحَصَّنَةُ الْمُحْكَمَةُ ، وَقَالَ قَتَادَةُ : هِيَ الْكَثِيرَةُ الْمُنَضَّدَةُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ . وَقَالَ يَمَانٌ : [ الْمَدْفُونَةُ ] وَقَالَ السُّدِّيُّ الْمَضْرُوبَةُ الْمَنْقُوشَةُ حَتَّى صَارَتْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ، وَقَالَ [ الْفَرَّاءُ ] الْمُضَعَّفَةُ ، فَالْقَنَاطِيرُ ثَلَاثَةٌ وَالْمُقَنْطَرَ ةُ تِسْعَةٌ ( مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) وَقِيلَ سُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ وَلَا يَبْقَى ، وَالْفِضَّةُ لِأَنَّهَا تَنْفَضُّ أَيْ تَتَفَرَّقُ ( وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ) الْخَيْلُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَاحِدُهَا فَرَسٌ ، كَالْقَوْمِ وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمَا ، الْمُسَوَّمَةُ قَالَ مُجَاهِدٌ : هِيَ الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ : تَسْوِيمُهَا حُسْنُهَا ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : هِيَ الرَّاعِيَةُ ، يُقَالُ : أَسَامَ الْخَيْلَ وَسَوَّمَهَا قَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ : هِيَ الْمُعَلَّمَةُ مِنَ السِّيمَاءِ وَالسِّيمَاءُ الْعَلَامَةُ ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : سِيمَاهَا الشَّبَهُ وَاللَّوْنُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَقِيلَ : الْكَيُّ

( وَالْأَنْعَامِ ) جَمْعُ النَّعَمِ ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ( وَالْحَرْثِ ) يَعْنِي الزَّرْعَ ( ذَلِكَ ) الَّذِي ذَكَرْنَا ( مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا مَتَاعٌ يَفْنَى ( وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) أَيِ الْمَرْجِعِ ، فِيهِ تَزْهِيدٌ فِي الدُّنْيَا وَتَرْغِيبٌ فِي الْآخِرَةِ
( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ( 15 ) )

( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( 16 ) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِين َ وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالْأَسْحَارِ ( 17 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ) قَرَأَهُ الْعَامَّةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الرَّاءِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْعُدْوَانِ وَالْعِدْوَانِ .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبُّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ : أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ : يَا رَبُّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ : أَحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا " .

قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )

( الَّذِينَ يَقُولُونَ ) إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ مَحَلَّ الَّذِينَ خَفْضًا رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ ( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ) وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا تَقْدِيرُهُ أَعْنِي الَّذِينَ يَقُولُونَ ( رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ) صَدَّقْنَا ( فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) اسْتُرْهَا عَلَيْنَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا ( وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ) إِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهَا عَلَى الْمَدْحِ ، وَإِنْ شِئْتَ خَفَضْتَهَا عَلَى النَّعْتِ ، يَعْنِي الصَّابِرِينَ فِي أَدَاءِ الْأَمْرِ وَعَنِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ ، وَعَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ، وَالصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ ، قَالَ قَتَادَةُ : هُمْ قَوْمٌ صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُم ْ فَصَدَقُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَة ِ ( وَالْقَانِتِينَ ) الْمُطِيعِينَ الْمُصَلِّينَ ( وَالْمُنْفِقِين َ ) أَمْوَالَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ( وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالْأَسْحَارِ ) قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ : يَعْنِي الْمُصَلِّينَ بِالْأَسْحَارِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ : هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَقِيلَ بِالسَّحَرِ لِقُرْبِهِ مِنَ [ ص: 17 ] الصُّبْحِ وَقَالَ الْحَسَنُ : مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ اسْتَغْفَرُوا ، وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحْيِي اللَّيْلَ ثُمَّ يَقُولُ : يَا نَافِعُ أَسْحَرْنَا؟ فَأَقُولُ : لَا فَيُعَاوِدُ الصَّلَاةَ فَإِذَا قُلْتُ : نَعَمْ قَعَدَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ ، أَنَا قُتَيْبَةُ [ بْنُ سَعِيدٍ ] أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيهِ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ " .

وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ لَا تَكُنْ أَعْجَزَ مِنْ هَذَا الدِّيكِ يُصَوِّتُ مِنَ الْأَسْحَارِ وَأَنْتَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِكَ .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]