عرض مشاركة واحدة
  #63  
قديم 07-10-2020, 06:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (48)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 269 إلى الاية 274
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( 268 ) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ( 269 ) )

( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) أَيْ يُخَوِّفُكُمْ بِالْفَقْرِ يُقَالُ وَعَدْتُهُ خَيْرًا وَوَعَدْتُهُ شَرًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْخَيْرِ " وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً " ( 20 - الْفَتْحِ ) وَقَالَ فِي الشَّرِّ " النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا " ( 72 - الْحَجِّ ) فَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ قُلْتَ فِي الْخَيْرِ : وَعَدْتُهُ وَفِي الشَّرِّ أَوْعَدْتُهُ وَالْفَقْرُ سُوءُ الْحَالِ وَقِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ وَأَصْلُهُ مِنْ كَسْرِ الْفَقَارِ وَمَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّ الشَّيْطَانَ يُخَوِّفُكُمْ بِالْفَقْرِ وَيَقُولُ لِلرَّجُلِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ فَإِنَّكَ إِذَا تَصَدَّقْتَ بِهِ افْتَقَرْتَ ( وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ) أَيْ بِالْبُخْلِ وَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : كُلُّ الْفَحْشَاءِ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الزِّنَا إِلَّا هَذَا ( وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ ) أَيْ لِذُنُوبِكُمْ ( فَضْلًا ) أَيْ رِزْقًا خَلَفًا ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ ) غَنِيٌّ ( عَلِيمٌ )

أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ " وَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ [ ص: 334 ] وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ ( قَالَ ) وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقِسْطُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا " أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ) قَالَ السُّدِّيُّ : هِيَ النُّبُوَّةُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ : عِلْمُ الْقُرْآنِ نَاسِخُهُ وَمَنْسُوخُهُ وَمُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ ، وَأَمْثَالُهُ وَقَالَ الضَّحَّاكُ : الْقُرْآنُ وَالْفَهْمُ فِيهِ وَقَالَ : فِي الْقُرْآنِ مِائَةٌ وَتِسْعُ آيَاتٍ نَاسِخَةٌ وَمَنْسُوخَةٌ وَأَلْفُ آيَةِ حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَا يَسَعُ الْمُؤْمِنِينَ تَرْكُهُنَّ حَتَّى يَتَعَلَّمُوهُن َّ وَلَا تَكُونُوا كَأَهْلِ نَهْرَوَانَ تَأَوَّلُوا آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ جَهِلُوا عِلْمَهَا فَسَفَكُوا بِهَا الدِّمَاءَ وَانْتَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَشَهِدُوا عَلَيْنَا بِالضَّلَالَةِ فَعَلَيْكُمْ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مَنْ عَلِمَ فِيمَ أَنْزَلَ اللَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ : هِيَ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ : الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْأَشْيَاءِ وَفَهْمُهَا .

( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالْحِكْمَةُ خَبَرُهُ ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ - يُؤْتِ الْحِكْمَةَ بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ مَنْ يُؤْتِهِ اللَّهُ الْحِكْمَةَ دَلِيلُ قِرَاءَةِ الْأَعْمَشِ وَمَنْ يُؤْتِهِ اللَّهُ حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ) قَالَ : الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ ( فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ ) يَتَّعِظُ ( إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ذَوُو الْعُقُولِ .
[ ص: 335 ] ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ( 270 ) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 271 ) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُم ْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ( 272 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ ) فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ( أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ ) أَيْ : مَا أَوْجَبْتُمُوهُ [ أَنْتُمْ ] عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَوَفَّيْتُمْ بِهِ ( فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ) يَحْفَظُهُ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ وَإِنَّمَا قَالَ : يَعْلَمُهُ وَلَمْ يَقُلْ : يَعْلَمُهَا لِأَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى الْآخَرِ مِنْهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا " ( 112 - النِّسَاءِ ) وَإِنْ شِئْتَ حَمَلْتَهُ عَلَى " مَا " كَقَوْلِهِ : " وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ " ( 231 - الْبَقَرَةِ ) وَلَمْ يَقُلْ بِهِمَا ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ ) الْوَاضِعِينَ الصَّدَقَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا بِالرِّيَاءِ أَوْ يَتَصَدَّقُونَ مِنَ الْحَرَامِ ( مِنْ أَنْصَارٍ ) أَعْوَانٍ يَدْفَعُونَ عَذَابَ اللَّهِ عَنْهُمْ وَهِيَ جَمْعُ نَصِيرٍ مِثْلُ : شَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ ) أَيْ تُظْهِرُوهَا ( فَنِعِمَّا هِيَ ) أَيْ : نِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ وَ " مَا " فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ " وَهِيَ " فِي مَحَلِّ النَّصْبِ كَمَا تَقُولُ : نِعْمَ الرَّجُلُ رَجُلًا فَإِذَا عُرِّفَتْ رُفِعَتْ فَقُلْتَ : نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ وَأَصْلُهُ " نِعْمَ مَا " فَوُصِلَتْ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَرْشٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ : فَنِعْمَا بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ بِكَسْرِهِمَا وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .

( وَإِنْ تُخْفُوهَا ) تُسِرُّوهَا ( وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ ) أَيْ تُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فِي السِّرِّ ( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) وَأَفْضَلُ وَكُلٌّ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ صَادِقَةً وَلَكِنْ صَدَقَةُ السِّرِّ أَفْضَلُ وَفِي الْحَدِيثِ " صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ .

[ ص: 336 ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " .

وَقِيلَ : الْآيَةُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَمَّا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ فَالْإِظْهَارُ فِيهَا أَفْضَلُ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ وَالنَّافِلَةُ فِي الْبَيْتِ [ أَفْضَلُ ] وَقِيلَ : الْآيَةُ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَانَ الْإِخْفَاءُ فِيهَا خَيْرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْإِظْهَارُ أَفْضَلُ حَتَّى لَا يُسَاءَ بِهِ الظَّنُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَبُو بَكْرٍ بِالنُّونِ وَرَفْعِ الرَّاءِ أَيْ وَنَحْنُ نُكَفِّرُ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ بِالْيَاءِ وَرَفْعِ الرَّاءِ أَيْ وَيُكَفِّرُ اللَّهُ وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالنُّونِ وَالْجَزْمِ نَسَقًا عَلَى الْفَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ " فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ " لِأَنَّ مَوْضِعَهَا جَزْمٌ بِالْجَزَاءِ وَقَوْلُهُ وَمِنْ سَيِّئَاتِكُمْ قِيلَ " مِنْ " صِلَةٌ تَقْدِيرُهُ : نُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَقِيلَ : هُوَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّبْعِيضِ يَعْنِي : نُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ مِنَ الذُّنُوبِ ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )

( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) قَالَ الْكَلْبِيُّ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ لَهُمْ قَرَابَةٌ [ ص: 337 ] وَأَصْهَارٌ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَلَمَّا أَسْلَمُوا كَرِهُوا أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِمْ وَأَرَادُوهُمْ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَمَّا كَثُرَ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّصَدُّقِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَيْ تَحْمِلَهُمُ الْحَاجَةُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) فَتَمْنَعُهُمُ الصَّدَقَةَ لِيَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ حَاجَةً مِنْهُمْ إِلَيْهَا ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) وَأَرَادَ بِهِ هِدَايَةَ التَّوْفِيقِ أَمَّا هُدَى الْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ فَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطُوهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ .

( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ) أَيْ مَالٍ ( فَلِأَنْفُسِكُم ْ ) أَيْ تَعْمَلُونَهُ لِأَنْفُسِكُمْ ( وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ) وَمَا جَحْدٌ لَفْظُهُ نَفْيٌ وَمَعْنَاهُ نَهْيٌ أَيْ لَا تُنْفِقُوا إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ) شَرْطٌ كَالْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ حَذَفَ النُّونَ مِنْهُمَا ( يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) أَيْ يُوَفَّرُ لَكُمْ جَزَاؤُهُ وَمَعْنَاهُ : يُؤَدِّي إِلَيْكُمْ وَلِذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ إِلَّا ( وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) لَا تُنْقَصُونَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا وَهَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُوضَعَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَّا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا إِلَّا فِي الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ السُّهْمَانِ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ .
( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( 273 ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 274 ) )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ هَذِهِ اللَّامِ قِيلَ هِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى مَوْضِعِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ " فَلِأَنْفُسِكُم ْ " كَأَنَّهُ قَالَ : وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِلْفُقَرَاءِ وَإِنَّمَا تُنْفِقُونَ لِأَنْفُسِكُمْ وَقِيلَ : مَعْنَاهَا الصَّدَقَاتُ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا وَقِيلَ : خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ كَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ وَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسَاكِنُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا عَشَائِرُ وَكَانُوا فِي الْمَسْجِدِ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَيَرْضَخُونَ النَّوَى بِالنَّهَارِ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ فِي كُلِّ سَرِيَّةٍ يَبْعَثُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ ، فَحَثَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ النَّاسَ فَكَانَ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ أَتَاهُمْ بِهِ إِذَا أَمْسَى .

( الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) فِيهِ أَقَاوِيلُ; قَالَ قَتَادَةُ - وَهُوَ أَوْلَاهَا - حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ ) لَا يَتَفَرَّغُونَ لِلتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْمَعَاشِ وَهُمْ أَهْلُ الصُّفَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ وَقِيلَ : حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ حَبَسَهُمُ الْفَقْرُ وَالْعُدْمُ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارُوا زَمْنَى أَحْصَرَهُمُ الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ عَنِ الضَّرْبِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلْجِهَادِ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : مَعْنَاهُ : مِنْ كَثْرَةِ مَا جَاهَدُوا صَارَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا حَرْبًا عَلَيْهِمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ مِنْ كَثْرَةِ أَعْدَائِهِمْ ( يَحْسَبُهُمُ ) يحسبهم وبابه بفتح السين وقرأ الآخرون بالكسر [ ص: 338 ] ( الْجَاهِل ) بحالهم أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) أَيْ مِنْ تَعَفُّفِهِمْ عَنِ السُّؤَالِ وَقَنَاعَتِهِمْ يَظُنُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُمْ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ وَالتَّعَفُّفُ التَّفَعُّلُ مِنَ الْعِفَّةِ وَهِيَ التَّرْكُ يُقَالُ : عَفَّ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا كَفَّ عَنْهُ وَتَعَفَّفَ إِذَا تَكَلَّفَ فِي الْإِمْسَاكِ .

( تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ) السِّيمَاءُ وَالسِّيمِيَاءُ وَالسِّمَةُ : الْعَلَامَةُ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الشَّيْءُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا هَاهُنَا فَقَالَ مُجَاهِدٌ : هِيَ التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ وَقَالَ السُّدِّيُّ : أَثَرُ الْجُهْدِ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ : صُفْرَةُ أَلْوَانِهِمْ مِنَ الْجُوعِ وَالضُّرِّ وَقِيلَ رَثَاثَةُ ثِيَابِهِمْ ( لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ) قَالَ عَطَاءٌ : إِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ غَدَاءٌ لَا يَسْأَلُونَ عَشَاءً وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ عَشَاءٌ لَا يَسْأَلُونَ غَدَاءً وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا أَصْلًا لِأَنَّهُ قَالَ : مِنَ التَّعَفُّفِ وَالتَّعَفُّفِ تَرْكُ السُّؤَالِ وَلِأَنَّهُ قَالَ : تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ شَأْنِهِمْ لَمَا كَانَتْ إِلَى مَعْرِفَتِهِمْ بِالْعَلَامَةِ مِنْ حَاجَةٍ فَمَعْنَى الْآيَةِ لَيْسَ لَهُمْ سُؤَالٌ فَيَقَعُ فِيهِ إِلْحَافٌ وَالْإِلْحَافُ : الْإِلْحَاحُ وَاللَّجَاجُ .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْإِسْمَاعِيلِ يِّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَذْهَبَ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَان ِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَان ِ " قَالُوا : فَمَنِ الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى فَيُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ " .

وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا " . [ ص: 339 ]

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّارُ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ عُذَافِرَ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ : إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحِمَالَةٍ فِي قَوْمِي فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي وَأَتَيْتُكَ لِتُعِينَنِي فِيهَا قَالَ : " بَلْ نَتَحَمَّلُهَا عَنْكَ يَا قَبِيصَةُ وَنُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ " ثُمَّ قَالَ " يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ : رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشِهِ ثُمَّ يُمْسِكُ وَفِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ الْقِوَامَ مِنَ الْعَيْشِ ثُمَّ يُمْسِكُ وَفِي رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحِمَالَةٍ فَيَسْأَلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَمْسَكَ وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتًا " .

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ " خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ " .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ) مَالٍ ( فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) وَعَلَيْهِ مَجَازٍ

( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لَيْلًا وَبِدِرْهَمٍ نَهَارًا وَبِدِرْهَمٍ سِرًّا وَبِدِرْهَمٍ عَلَانِيَةً . [ ص: 340 ]

وَعَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) بَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِدَنَانِيرَ كَثِيرَةٍ إِلَى أَصْحَابِ الصُّفَّةِ ، وَبَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ بِوَسَقٍ مَنْ تَمْرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) الْآيَةَ عَنَى بِالنَّهَارِ عَلَانِيَةً : صَدَقَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَبِاللَّيْلِ سِرًّا : صَدَقَةَ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِي ُّ : نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ يَرْتَبِطُونَ الْخَيْلَ لِلْجِهَادِ فَإِنَّهَا تُعْلَفُ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَعَلَانِيَةً . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) قَالَ الْأَخْفَشُ : جَعَلَ الْخَبَرَ بِالْفَاءِ لِأَنَّ " الَّذِينَ " بِمَعْنَى " مَنْ " وَجَوَابُ مَنْ بِالْفَاءِ بِالْجَزَاءِ أَوْ مَعْنَى الْآيَةِ : مَنْ أَنْفَقَ كَذَا فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ( وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]