عرض مشاركة واحدة
  #718  
قديم 27-06-2008, 09:11 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... الإعجاز البلاغي في استخدام الفعل المبني للمجهول

قيل بالبناء للمجهول ولفظ الماضي, لأنه قد ذلك مرارا وتكرارا وليس الغرض متعلقا بالشخص الذي قام بدعوتهم, وإنما تعلق الغرض بالمنزل عند الله – تعالى – وأوثر لفظ الجلالة الله على لفظ الربوبية لأنه مقام عقيدة وتوحيد وإثبات الوحي من السماء، ويقول تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود12]
ويقول تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد27]
ويقول تعالى: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [صّ8]
فبناء هذه الصيغ للمجهول ينبئ عن مكنون نفوسهم من نفي الوحي وإنكاره وفي آية هود جاء أنزل بالبناء للمجهول للدلالة على ذلك, ثبت فاعل جاء, جاء معه ملك لإرادتهم رؤيته ومعاينته رأي عين. والله تعالى أعلم.
الماء دليل دامغ علي قدرة الله – تعالى – وسر الوجود: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء30]، به أحيا الله الكائنات وبعث فيهم الروح والحياة والحركة الدءوب: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم24] وانزل أنزل الماء من السماء فجعله مصدر الحياة علي الأرض التي ترتوي به فتنبت الزرع والنخل والثمار والجنات: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [قّ9]
لذلك ما جاء في كتاب الله – تعالى – بخصوص إنزال الماء من السماء, جاء بالفعل المبني للمعلوم, سواء في سياق الأسلوب الخبري أو الإنشائي, لتتقرر حقيقة قدرة الله ظاهرة معلومة لكل ذي قلب, آخذة بعنان لبه, واضعة يده على دلالة وجود الله وقدرته.
إذا وقفنا أمام مادة خلف نجد أنها جاءت بصيغة الفعل المبني للمجهول في أربعة مواضع هي قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة118]
وقوله تعالى:{ َقالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} [طه97]
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود110]
وقوله تعالى:{ َقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [فصلت45]
الاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله, والخلاف أعم من الضد, لأن كل ضدين مختلفان وليس كل مختلفين ضدان ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يقتضي التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة قال: فاختلف الأحزاب – ولا يزالون مختلفين – واختلاف ألسنتكم وألوانكم، [47] وهذه الصيغة المبنية للمجهول التي وردت في تلك المواضع السابقة, نجدها قد جاءت في سياق العتاب أو الذم للمنكرين والمعرضين، أما آية التوبة فجاءت في حق الثلاثة الذين خلفوا: كعب بن مالك, ومرارة بن ربيعة العامري, وهلال بن أمية الواقفي، وهم جميعا من الأنصار المؤمنين, وقد جاءت الصيغة في حقهم خلفو دون تخلفو مثلا إشارة إلي قبح ذلك الفعل وفداحة التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن هذا العمل ما كان ليصدر من مؤمن موقن مثلهم, وإنما يصدر من منافق أو منكر جاحد، وبناء الفعل خلفو للمفعول فيه دليل آخر على أن هذا التخليف – هو تأخير قبول التوبة – واقع عليهم دون إرادتهم أو رغبتهم، فيه يعيش هؤلاء الصحابة – رضي الله عنهم – مجاهدة نفسية وآلامًا معنوية؛ انتظارا لتوبة الله عليهم.
وقيل: معني خلفو فسدوا, مأخوذ من خلوف الفم[48] وإذا كان الفعل خلفو قد جاء مبنيا لمفعوله, فقد جاء في سياق الآية نفسها الفعل: ضاقت مبينا للمعلوم ومكررا, في سياق الطباق اللفظي بين ضاقت – رحبت وذلك ليظهر مدى المعاناة والعنت النفسي الذي يعانونه, حتى صارت الأرض الرحبة الواسعة أمام الأعين ضائقة بهم, وهم ضائقون بها, ولذلك جاءت شبه الجملة عليهم مقدما على الفاعل الأرض, وهي نفس الصيغة التركيبية في: وضاقت عليهم أنفسهم.
وفي آية طه جاء الفعل – أيضا – مبنيا لمفعوله, وهذه الآية خطاب من موسي عليه السلام للسامري الذي فتن الناس بالعجل, فكان وعيده بالعذاب يوم القامة جزاء وفاقا لما فعل وضل وأضل.
أما آية هود وآية فصلت فقد جاء الفعل فيهما فاختلف غير مسمي الفاعل, للدلالة – والله أعلم – علي أن هذا الاختلاف ناشئ من خارج ذلك الكتاب – وهو التوراة- الذي آتاه الله موسي عليه السلام, وليس خلافا ناشئا من داخله، وقد وقع الاختلاف " في شأنه وتفاصيل أحكامه, فآمن به قوم، وكفر به آخرون, وعمل بأحكامه قوم, ترك العمل ببعضها آخرون, فلا يضيق صدرك يا محمد صلى الله عليه وسلم بما وقع من هؤلاء في القرآن"[49].
ويصور الفعل المبني للمجهول – أيضا – ذلك الشيء الناشئ أوالطارئ على الحجة أوالبينة التي أتاها الله نوحا عليه السلام يقول تعالى:{ َقالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود28]
فالبينة واضحة بذاتها, ناصعة البيان والبرهان, وإنما قام الفعل المبني للمجهول بتصوير ذلك التطور الطارئ عليها من خارجها, وليس كما ذهب الزمخشري إلى جواز إطلاق العمى على الحجة ذاتها, فيقال: حجة عمياء قياسا على: حجة ظاهرة أو بصيرة، فالفعل المبني للمجهول دل على " أن التعمية واقعة عليها لا منها, وفي عميت حينئذ استعارة تبعية حيث شبه الإخفاء بالتعمية, بجامع عدم الرؤية في كل، هذا هو اللائق بمعجزات الله أو رسالته إذا كان المراد من البينة هي النبوة أو الوحي أو المعجزة, ولوسلمنا بأن المعجزة تكون عمياء إذا لم تهد إلى الحق, لما سلم كتاب سماوي ولا نبوة ولا معجزة من هذه الوصمة "[50]، ويقال عميت عن كذا, وعمي على كذا: إذا لم أفهمه، قيل وهو من باب القلب, لأن البينة أو الرحمة لا تعمي, وإنما يعمي عنها, فهو كقولهم: أدخلت القلنسوة رأسي[51]وهذا الفعل عميت بهذه الصيغة, قد جاء منفردا وحيدا في القرآن الكريم كله.
ويصور الفعل المبني للمجهول – أيضا – في مقام الحديث عن المنكرين والمعرضين الذين يزعمون إنهم مسحورون، يقول تعالى: {وَلَوفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُون َلَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر14-15]
لوحدث هذا لما آمنوا, وإنما يزعمون أنهم سحروا فخرجت أبصارهم عن إرادتهم فأغلقت رغما عنهم، وهذا الفعل سكرت بهذه الصيغة, جاء منفردا وحيدا في القران الكريم كله.
ومما جاء من صيغ بناء للمجهول الفعل قطع وذلك في معرض الحديث عن المنكرين والمعرضين ذما لهم وتقبيحا, قوله تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأنعام:45
دابرهم يعني: غابرهم وآخرهم, أصلهم وآخرهم. [52] فينصرف الذهن إلى حدث القطع وظهوره في شكل حسي يتراءى أمام العين مع من يقع عليهم ذلك القطع.
ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَويُصَلَّبُوا أَوتُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَويُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة33]
وقوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج19- 20]
بدأت الآية الكريمة بالإجمال هَذَانِ خَصْمَانِ هما الكافرون والمؤمنون, وقال اخْتَصَمُو على معنى الجمع ثم التفصيل الذي بدأ بذكر الذين كفروا, وجاءت الأفعال في حقهم مبنية للمجهول قُطِّعَتْ- يُصَبُّ- يُصْهَرُ- أعيدو للدلالة على الذم والتقبيح وهم في مقام التجهيل والإهمال, فينصرف الذهن لمتابعة الحدث ومعموله, فيتراءى أمام العين مشهد التقطيع بصوته المدوي ولم يقل قطعت بالتخفيف.
ومشهد الثياب المقطعة, ثم يبرز من بعده مشهد صب الحميم وهو الماء المغلي – عافانا الله – فوق الرءوس، وقد تقدم ذكر الرءوس علي الحميم في قوله: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ لأن الغرض متعلق بأثر الصب علي الرءوس، ثم يأتي مشهد الصهر ومشهد الإعادة في عنف بعد محاولتهم الهروب وظنهم استطاعة الخروج، فهذا المشهد بأجزائه " مشهد عنيف صاخب, حافل بالحركة المتكررة, مطول بالتخييل الذي يبعثه النسق, فلا يكاد ينتهي الخيال من تتبعه في تجدده" [53] .
وقد يقتضي المقام ذكر الفاعل اسما ظاهرا أو ضميرا يعود على اسم ظاهر؛ لتتمثل الصورة حاضرة في أتم وضوح فتؤدي الغرض الذي من أجله جاء, كقوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة166].
وقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوخَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد15] وقد ظهر ذلك جليا كما في الآيتين السابقتين في الحديث عن مشاهد العذاب وما تخلفه من تهويل وترهيب تقشعر منه الجلود والأبدان.
البِنَاءُ لِلْمَجْهُولِ فِي مَقَامِ التَّنْزِيهِ عَنِ الذِّكْرِ
قد يأتي المقام مقتضيا عدم ذكر لفظ الفاعل تنزيها له وصيانة وحفظا, ولا سيما أنه معلوم من السياق واضح في الأذهان، وقد جاء ذلك في عدة سياقات من آيات القرآن الكريم, يقول تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان3]
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء28]
{خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء37]
{إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج19]
وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق5- 6]
وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [لنجم45]
وقوله تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة37]
فهذه مقامات توجه نظر الإنسان وتدفعه إلي التدبر والتأمل, ليري حقيقة كونه وبداية خلقه وتكوينه من ضعف وهلع وشيء مهين مستقذر!
هذا بخلاف التصريح والبناء للمعلوم للفعل خلق في موضع آخر كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون 12- 14] وقوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات11]
وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة58]
وقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان2]
فتعين في هذه الآيات بناء الفعل للمعلوم وإظهار الفاعل, لأن هذه الآيات بسياقاتها تمثل مقام إثبات قدرة الله عز وجل وإفراده بالوحدانية خالقا بارئا.
الخَاتِمَةُ
نستطيع -بفضل الله- أن نلخص إلي بعض النتائج المستقاة من تفاعل الكلم القرآني وتعاطفه مع سياق الموقف وسياج المشهد الذي خاطب العقل والقلب وهز الوجدان في تضرع وخشوع؛ ليلقي في الروع ببعض نفحات الإعجاز وهمسات البيان, ومن ذلك:
إن الفعل المبنى للمجهول يتطلب سياقا ذا دلالة خاصة تنبئ عن مكنون المشهد وخفاياه المطوية, فقد يأتي؛ ليصور مجهول النفس وما طوي أو أضمر فيها, كتصويره خبايا النفس وخفي النيات في دروب الباطن, كما في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة27], فَتُقُبِّلَ بعدم تسمية الفاعل إشارة لتعليق قبول العمل علي ما انطوي عليه القلب من إخلاص وتقوى وإيمان، فتقبل الله من أحدهما هابيل لإيمانه وتقواه, ولم يتقبل من الآخر قابيل لكفره وحسده, وهذا وذاك محله القلب.
قد يأتي الفعل المبني للمجهول ليمثل عنصر المفاجأة وليصعد بجو المشهد إلى ذروة الحركة وعنفها, كما في قوله تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} [الأحزاب61] فاللعنة تلاحقهم في كل مكان وجدوا فيه, ثم يأخذون عنوة ويقتلون تقتيلا، ثقفوا، أخذوا، وقتلوا تقتيلا.
إذا جاء الفعل المبني للمجهول في سياق الاستفهام أو النفي أو الشرط أفاد العموم, وقد تبين ذلك من خلال الوقوف على الأفعال: دعي, نودي, ظلم, عفي الواردة في مثل هذه السياقات.
يأتي المبني للمجهول ليسلط الضوء ويلفت الانتباه إلي حقيقته الحدث وطبيعته ومدي علاقته وتعلقه بالمفعول الأصلي, فيحقق الغرض الأساسي من إبراز عناصر المشهد ويتيح لها المجال الأكبر لتأدية دورها في قوة ووضوح, دون مزاحمة لفظية أو حضور لغوي لا يتعلق الغرض به، قد يأتي الفعل المبني للمجهول جاريًا مع سياق الآيات متوافقا على انتظام السياقات وتوافقها اللفظي والمعنوي، كقوله تعالى: {وَلَوأَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوقُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوكُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً}[الرعد 31] فجاءت هذه الأفعال سُيِّرَتْ - قُطِّعَتْ - كُلِّمَ مبنية للمجهول اتساقا مع قوله تعالى حكاية عن قول الكافرين قبل هذه الآية: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد27].
المرَاجِعُ
§ ابن الأثير – المثل السائر – تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد – المكتبة العصرية – بيروت – 1995.
§ ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – اختصار وتحقيق: أحمد شاكر وأنور الباز – الطبعة الأولي – دار الوفاء – المنصورة – 2003.
§ ابن هشام الأنصاري – أوضح المسالك الي ألفية إبن مالك – دار الطلائع – القاهرة – 2004.
§ الألوسي – روح المعاني – في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني – دار التراث – القاهرة.
§ د. بكري شيخ أمين – البلاغة العربية في ثوبها الجديد – الطبعة الرابعة – دار العلم للملايين – بيروت – 1995.
§ د. عبد العظيم المطعني – دراسات جديدة في إعجاز القرآن- الطبعة الأولي – مكتبة وهبة – القاهرة – 1996.
§ د. محمد عبد المطلب – البلاغة العربية – قراءة أخري – الطبعة الأولي – الشركة المصرية العلمية للنشر – القاهرة – 1997.
§ د.أحمد مصطفي متولي – الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية – الطبعة الأولي – دار إبن الجوزي – القاهرة – 2005.
§ د.عبد العظيم المطعني – التفسير البلاغى للإستفهام في القرآن الكريم – الطبعة الأولي – مكتبة وهبة – القاهرة – 1999.
§ د.عيد يونس – التصوير الجمالي في القرآن الكريم – الطبعة الأولي – عالم الكتب - القاهرة – 2006.
§ الدامغاني – الوجوه والنظائرلألفاظ كتاب الله العزيز – الطبعة الأولي – دار الكتب العلمية – بيروت - 2003.
§ الراغب الأصفهاني – المفردات في غريب القرآن.تحقيق: وائل عبد الرحمن – المكتبة التوفيقية – القاهرة – 2003.
§ الزركشي – البرهان في علوم القرآن – تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم – الطبعة الثانية – دار التراث – القاهرة.
§ الزمخشري – الكشاف – تحقيق: مصطفى حسين – الطبعة الثالثة – دار الريان – القاهرة – 1987.
§ السدي – تفسير السدي الكبير – تحقيق: محمد عطا – الطبعة الأولي – دار الوفاء – المنصورة – 1993.
§ سيد قطب – التصوير الفني في القرآن - ط14 – دار الشروق – القاهرة – 1993.
§ سيد قطب – مشاهد القيامة في القرآن – ط12 – دار الشروق – القاهرة – 1993.
§ السيوطي – الإتقان في علوم القرآن – تحقيق: محمد ابوالفضل إبراهيم – دار التراث – القاهرة – 1997.
§ الشوكاني – فتح القدير – تحقيق: دكتور/ عبد الرحمن عميرة – الطبعة الثانية – دار الوفاء – المنصورة – 1997.
§ الطبري – جامع البيان في تفسير القرآن – الطبعة الثانية – دار المعرفة – بيروت – 1972.
§ عباس حسن – النحوالوافي – الطبعة الثانية عشر – دار المعارف – القاهرة – 1995.
§ عبد الدائم الكحيل – التناسق البياني لكلمات القرآن الكريم – موسوعة الإعجاز في القرآن والسنة – www.55a.net
§ عبد القاهر الجرحاني – دلائل الإعجاز – تحقيق: عبد المنعم خفاجي – مكتبة القاهرة – مصر – 1980.
§ عبد الكريم الخطيب – إعجاز القرآن – الطبعة الأولي – دار الفكر العربى – مصر – 1964.
§ الفخر الرازي – التفسير الكبير – الطبعة الثانية – دار إحياء التراث العربى – بيروت – 1997.
§ القرطبي – الجامع لأحكام القرآن – الطبعة الأولي – دار الفكر – بيروت – 1999.
§ الكرماني – البرهان في متشابه القرآن – تحقيق: أحمد خاف الله – الطبعة الثانية – دار الوفاء – المنصورة – 1998.
§ مصطفي صادق الرافعي – إعجاز القرآن والبلاغة النبوية – الطبعة الرابعة – مطبعة الإستقامة – القاهرة – 1945.
الهوامش:
[1] د. بكري شيخ أمين – البلاغة العربية في ثوبها الجديد - الطبعة الرابعة – دار العلم للملايين – بيروت – 1995 – 1/15.
[2] عبد الكريم الخطيب – إعجاز القرآن – الطبعة الأولي – دار الفكر العربي – مصر – 1964 – 2/269.
[3] عباس حسن – النحوالوافي – الطبعة الثانية عشرة – دار المعارف – القاهرة – 1995 – 2/97..
[4] سؤدد يقصد الشيخ البيت الذي استشهد به من قول البحتري: تنقل في خُلقي سؤدد سماحا مرجًّي وبأسا مهيبا.
[5] هو من البيت الذي استشهد به الشيخ عبد القاهر من قول إبراهيم بن العباس الصولي يمدح محمد بن عبد الملك الزيات:
فلو إذ نبا دهر وأنكرَ صاحب وسلط أعداء وغاب نصير
تكون عن الأهواز داري بنجوة ولكن مقادير جرت وأمور
وقد علق الشيخ عبد القاهر علي طلاوة هذا الأسلوب من أجل تقديم الظرف إذا نب علي عامله تكون دون كان وتنكير دهر الذي ساقه في جميع ما أتي به من بعد, وبناء الفعل أنكر للمجهول.انظر دلائل الإعجاز ص126,ص127.
[6] عبد القاهر الجرحاني – دلائل الإعجاز – تحقيق عبد المنعم خفاجي – مكتبة القاهرة – مصر – 1980 – ص 128.
[7] د/ محمد عبد المطلب – البلاغة العربية.قراءة أخري – الطبعة الأولي – الشركة المصرية العالمية للنشر – القاهرة – 1997 ص 7.
[8] السيوطي – الإتقان في علوم القرآن – تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم – دار التراث – القاهرة – 1997 – 3/170.
[9] الزركشي – البرهان في علوم القرآن – تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم – الطبعة الثانية – دار التراث – القاهرة – 3/145.
[10] ابن الأثير – المثل السائر – تحقيق مجمد محي الدين عبد الحميد – المكتبة العصرية – بيروت – 1995 – 2/5.وأنظر البرهان في علوم القرآن – 3/325.
[11] ابن هشام الانصاري – أوضح المسالك إلي ألفية ابن مالك – دار الطلائع – القاهرة – 2004 – 2/120.
[12] الدامغاني – الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز – ط– دار الكتب العلمية – بيروت – 2003 – ص 26.
[13] الزمخشري – الكشاف – ط3 – دار الريان للتراث – القاهرة – 1987 – 2/470.
[14] سيد قطب – التصوير الفني في القرآن– ط 14 – دار الشروق - القاهرة – 1993 – ص 36.
[15] الكرماني – البرهان في متشابه القرآن – تحقيق: احمد خلف الله – ط2 – دار الوفاء – المنصورة – 1998 – ص 319.
[16] الزمخشري – الكشاف – 1987 – 2/44.
[17] د/ عبد العظيم المطعني – التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم – الطبعة الأولي – مكتبة وهبة – القاهرة – 1999 – 2256.
[18] ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – اختصار وتحقيق احمد شاكر وأنور الباز – الطبعة الأولي – دار الوفاء – المنصورة – 2003 – 2/653.
[19] القرطبي – الجامع لأحكام القرآن – الطبعة الأولي – دار الفكر – بيروت – 1999 – المجلد السادس – 12/181.
[20] سيد قطب – مشاهد القيامة في القرآن – ط 12 – دار الشروق – القاهرة – 1993 – ص 192.
[21] د/عيد يونس – التصوير الجمالي في القرآن الكريم – الطبعة الأولي – عالم الكتب – القاهرة – 2006 – ص129-130.
[22] الألوسي – روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني – دار التراث – القاهرة – 16/260..
[23] د/ احمد مصطفي متولي – الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية – الطبعة الأولي – دار ابن الجوزي – القاهرة – 2005 – ص 293.
[24] الفخر الرازي – التفسير الكبير – الطبعة الثانية – دار إحياء التراث العربي – بيروت – 1997 – 11/235
[25] سيد قطب – مشاهد القيامة في القرآن - ص 67.
[26] عبد الدائم الكحيل - التناسق البياني لكلمات القرآن الكريم – موسوعة الإعجاز في القرآن والسنة www.55a.net.
[27] الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية ص 106.
[28] الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية ص 106.
[29] الكرماني – البرهان في متشابه القرآن – ص 236.
[30] مصطفي صادق الرافعي – إعجاز القران والبلاغة النبوية - ط4- مطبعة الاستقامة بالقاهرة 1945 – ص 157.
[31] ابن كثير – تفسير القران العظيم – 3/451.
[32] دكتور عبد العظيم المطعني – دراسات جديدة في إعجاز القران – الطبعة الأولي– مكتبه وهبة – القاهرة – 1996- ص 268.
[33] الشوكاني – فتح القدير – تحقيق دكتور عبد الرحمن عميرة – ط 2 – دار الوفاء – المنصورة – 1997- 4/625.
[34] ابن كثير – تفسير القران العظيم – 3/177.
[35] فتح القدير 4/625.
[36] الراغب الاصفهاني – مفردات في غريب القران – تحقيق وائل عبد الرحمن – المكتبة التوفيقيه- القاهرة -2003- ص 342.
[37] الكشاف – 2/253.
[38] د/عبد العظيم المطعني – التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم – 3/112.
[39] د/عبد العظيم المطعني – التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم - 2/112.
[40] السدي – تفسير السدي الكبير – تحقيق د. محمد عطار – الطبعة الأولي – دار الوفاء – المنصورة – 1993 – 486.
[41] ابن كثير – 3/541.
[42] القرطبي – 4/285.
[43] التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم 3/ 28- 29.
[44] الطبري – جامع البنيان في تفسير القرآن – الطبعة الثانية – دار المعرفة – بيروت – 1972 – 8/87.
[45] الكشاف 1/42.
[46] الكشاف – 1/42.
[47] الأصفهاني – المفردات في غريب القرآن – ص162.
[48] الشوكاني – فتح القدير 2/ 584.
[49] فتح القدير 2/734.
[50] د/عبد العظيم المطعني – التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم – 2/102.
[51] الشوكاني – فتح القدير – 2/689.
[52]الدامغاني – الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز – ص 211.
[53] سيد قطب – مشاهد القيامة في القرآن – ص257.
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.71 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]