عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24-09-2021, 11:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم


فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعا
وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بالجبوب

وشيبةَ قدْ تركنا في رجالٍ
ذَوِي حسبٍ إذَا نُسبوا حَسِيبِ[25]



وفي هذا الشعر نجد حسانا يصف أعداء المسلمين بأن أعدادهم كانت كبيرة، وكانوا مُعَلَّمِين غير متخفيين، وهذا ديدنهم جميعا في القتال، فلم يسلبهم حقهم من إظهار الشجاعة وحسن التخطيط للقتال، كما مدح أصلهم وشرف نسبهم، وسيادتهم على قرنائهم، وأنهم كانوا أندادا في القتال.


وفي غزوة أحد يتجلى لنا موقف عبد الله بن الزِّبَعْرَى، وقد كان من أشد الشعراء عداوة للمسلمين، وكان يناقض حسان، ويرد على المسلمين فخرهم، ويشمت بقتلاهم، ويبكي المشركين، ومع ذلك فقد أنصف المسلمين عندما قال(الرمل):

كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيِّدٍ
مَاجِدِ الجَدَّينِ مِِقْدَامٍ بَطَلْ

صَادِقِ النَّجْدَةِ قَرْمٍ بَارِعٍ
غَيرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الأسَلْ[26]

فَقَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أشْرَافِهِمْ
وَعَدَلْنَا مَيلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ[27]







فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، إنصافا بإنصاف فقال[28](الرمل):
ذَهَبَتْ يِابنِ الزِّبَعْرَي وَقْعَةٌٌ
كانَ مِنَّا الفَضْلُ فِيهَا لَو عَدَلْ

وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُم
وَكَذاكَ الحَرْبُ أَحْيَاناً دُوَلْ



وفي إجابة حسان-اقتداء بالمنهج القرآني في إنصاف الخصم – حيث يحرص على تحري الصدق في القول عندما يقول له إنكم نلتم منا، ونحن نلنا منكم أيضا، وأن الأيام دول بين الناس، وكذلك الحرب سجال، يوم لك ويوم عليك. ولم يقل حسان إننا ننتصر عليكم دائما، وأنتم قوم ليس لكم في الحرب. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على إدراك الشاعر ووعيه بمفهوم الإنصاف.


وثمة موقف آخر يجسده شاعر من شعراء الكفار هو حِماس بن قيس الكناني، وهو أحد بني بكر بن كنانة، حيث كان يعد سلاحا ويصلحه قبل قدوم سيدنا رسول الله –صلى الله عله وسلم – مكة يوم الفتح فقالت له امرأته: لماذا تعد هذه ؟ فقال: لمحمد وأصحابه، وإني لأرجو أن أُخْدمك بعضهم: ثم أنشأ يقول(الرجز):
إِنْ يُقْبِلُوا اليَومَ فَمَا بِي عِلَّهْ
هَذَا سِلاحٌ كَامِلٌ وَأَلَّهْ

وَذُو غرارَين سَرِيعُ السَّلهْ[29]

ولقيهم خالد بن الوليد وقتل من المشركين أناسا، ثم انهزموا؛ فخرج حِماس بن قيس منهزما حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته أغلقي عليّ بابي قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال(الرجز):
إنَّكِ لَو شَاهَدْتِ يَومَ الخَنْدَمَهْ
إذْ فَرَّ صَفْوانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ[30]

وَأَبُو يَزِيدَ قَائمٌ كَالمُوتمهْ
وَلَحِقَتْنَا بِالسّيوفِ المُسْلِمَهْ[31]

يَفْلِقْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ
ضَرْباً فَلا يُسْمعُ إلا غَمْغَمَهْ

لَهُم نَهِيتٌ خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ
لَمْ تَنْطَقِي في اللومِ أَدْنَى كَلِمَهْ[32]



والشاعر في هذه الأبيات يقر بهزيمته، ويتعرض للوم زوجته على ما بدر منها، وفي الأبيات يذكر أسماء المنهزمين وهم: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو. وتتجلى ملامح الإنصاف في الآتي:
إقرار الشاعر بفرارهم منهزمين أمام جيش المسلمين.
تشبيه الفارين المنهزمين بالنساء اللائي مات عنهن أزواجهن وخلفن أبناء يتامى. على ما في ذلك من عار.
تصوير جيد لسلاح المنتصر من سيوف ورماح وغيرهما، وأن هذه السيوف حادة قوية تقطع الرقاب، وتمزق الأبدان.
تصوير حال المحاربين من المسلمين بأن لهم جيشا قويا، وقد تمرسوا على القتال، فهم من النظام والترتيب ما يجعلك تشعر بشدة بأسهم.
تظهر في الأبيات صورة سمعية، نابعة من استخدام ألفاظ ذات دلالات سمعية صريحة يستمدها الشاعر من اللغة مثل (يسمع - غمغمة - نهيت - همهمة - تنطقي) وذلك لينتقل إلى المتلقي عن طريق السمع.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]