عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-09-2021, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم

وقد يضطر الشاعر إلى إعلان حبه وإعجابه الشديدين بقبيلة أخرى لمجرد وقوفها معه موقفا نبيلا، كالذي حدث مع قريط بن أنيف؛ فالشاعر نظر إلى قومه فوجدهم ضعافا، لا يلبون نداء المستغيث بهم، ولا يستطيعون حماية أحد أفرادها من ظلم قد يقع به، فلامهم لوما لا يخلو من التهكم والسخرية، وأراد أن يستبدل بقومه قوما آخرين، يتسابقون في نصرة من يلجأ إليهم، مستعينا بهم، فقال قريط بن أنيف متهكما بقومه، مادحا بني مازن الذين نصروه(البسيط):
لَو كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبلي
بَنُو اللّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بنِ شَيبَانَا

إِذَنْ لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ
عِنْدَ الكَرِيهَةِ إِنْ ذُو لوثَةٍ لَانَا

قَومٌ إِذَا الشَّرُّّ أَبْدَى نَاجِذَيه لَهُمْ
طَارُوا إِلَيهِ زُرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا

لَكِنّ قَومِي وَإِنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ
لَيسُوا مِنَ الشَّرِّّ في شَيءٍ وَإنْ هَانَا

يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً
وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا

كَأَنَّّ رَبَّّكَ لَمْ يخْلُقْ لِخِشْيَتِهِ
سِوَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِنْسَانَا

فَلَيتَ لِي بِهِمْ قَوماً إذَا رَكِبُوا
شَنّوا الإغَارَةَ فُرْسَانا وَرُكْبَانَا

لا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ
في النَّائبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا

لَكِنْ يَطِيرُونَ أَشْتَاتا إِذَا فَزِعُوا
وَيَنْفِرُونَ إِلَى الغَارَاتِ وُحْدَانَا[3]




فالشاعر في هذا الموقف في خصومة مع قومه؛ لأن قومه -كما قال – لم ينصروه، بل خذلوه، وأنجده بنو مازن، وذلك عندما أغار على بعض إبله بنو شيبان، وأخذوا ثلاثين بعيرا، فهو في حيرة شديدة: إما الوفاء لقومه، والإخلاص لهم، والانصياع لأوامرهم، كما كان يفعل دُرَيد بن الصِّمَّةِ؛ وإما أن يهجرهم، ولا يبالي مغبة ذلك، وأيا كانت النتائج فالمهم إبله والحصول عليها، فهو لاشك واقع تحت مطرقة العادات، وهذا ما جعله يختار الاختيار الأصعب، وهو الانحياز لقبيلة غير قبيلته، يحتمي بها؛ لأنه نشد فيها بغيته، ووجد ضالته، فراح يمدحهم،ويشيد بنجدتهم، ونصرتهم للصريخ،بل أعلن عن شدة إعجابه بهم، وببسالتهم، وأنهم قوم لا يسألون المستغيث بهم برهانا على ما يدعي. وفي الوقت نفسة راح يتهكم بقومه، ويلوم عشيرته، ويعلن في صراحة تامة نقمته على قومه، وازدراءه من كثرة عددهم، بسبب ضعفهم، وجبنهم[4].

وإذا حاولنا توكيد هذه العلاقة المضطربة بين الشاعر وقبيلته فإننا لا نكون منصفين، وإنما هو صوت من أصوات الشعراء الجاهليين تجلى في بعض القصائد، وفي مجال الدراسات الأدبية يجدر بنا أن نتناول كل الأصوات التي تعبر عن مضامين فكرية، وآراء مغايرة لما عليه العرف العام في هذا العصر أو ذاك. وفي سبيل توضيح علاقة الشاعر بقبيلته على أساس أنها انحراف مسار عن نظام متصل، لا بد من الوقوف أمام قصيدة الحارث بن وَعْلَة الشيباني الذي وقع في خصومة أشد من الشاعر قريط بن أنيف؛ لأنه في هذه الخصومة يعرض فكرته بكل حزن، وغضاضة نفس، وذلك لأن قومه قتلوا أخاه، والخصومة هنا أشد من تخاذل القبيلة السابقة مع شاعرها؛ لأنها تجاوزت أهم خصوصيتها، وهي الحفاظ على الأفراد، وحمايتهم، والذود عنهم. وموقف الشاعر هنا موقف أشد صعوبة من سابقه، فيقول[5](الكامل):
قَومِي هُمُ قَتَلُوا أُمَيمَ أَخِي
فَإِذَا رَمَيتُ يُصِيبُني سَهْمي

فَلئنْ عَفَوتُ لأعْفُوَنْ جَلَلا
ولئنْ سَطوتُ لأوهِنَنَّ عَظْمِي

لا تَأْمَنَن قَومَاً ظلمْتهم
وبدأتهم بالشتم والرغمِ


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.21%)]