13-08-2020, 05:04 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة :
|
|
رد: لعن الله من ذبح لغير الله
هذا هو التوحيد الذي يوصل إلى رضا العزيز الحميد وأما بذل الأعمال والعبادات لغير الله فإنها تعود وبالاً على صاحبها وخسراناً في الدنيا قبل الآخرة فلا هو ربح دنياه ولا ربح أخراه فيا لها من خسارة هي الخسران المبين.
والفطرة السوية النقية شاهدة ناطقة بأن الذبح عبادة تختص بخالق السموات والأرض ليست لأحد غيره على الإطلاق، فها هو رجل من الحنفاء عرف الله تعالى حين هدته فطرته السوية النقية وعقله وقلبه الطاهر الصافي إلى التوحيد، وذلك في بيئة مليئة بالشرك والوثنية إنه زيد بن عمرو بن نفيل الذي عاش ومات قبل أن يبعث النبي بالرسالة والذي بحث عن دين الله في الأرض كلها فلم يجده عند اليهود أو عند النصارى ولا في قومه المشركين فعاد أدراجه إلى الكعبة يشهد الله تعالى عندها قائلاً: اللهم إني أشهدك أني حنيفي علي دين إبراهيم الخليل، وفي طوافه بالكعبة كان يرى المشركين يأتون بالذبائح الشياه والأبقار والإبل ليذبحوها أمام الأصنام من دون الله يزعمون - كما نسمع بنفس العبارة من أصحاب القبور والأضرحة اليوم – أنها تقربهم من الله تعالى وتزلفهم إليه وترفع إليه حوائجهم - فيقول الرجل الذي ما تعلم قرآنا ولا سنة ولا اطلع على كتاب أو وحي وإنما فطرته السوية هي التي تنطق بالحق يقول وهو يصرخ فيهم: " يا أهل مكة! الشاة خلقها الله وأنزل لها الماء من السماء وأنبت لها العشب من الأرض، وأنتم تذبحونها لغيره " فكانوا يعرضون عنه ولا يسمعون لقوله فكان يرفع صوته جهيراً ويقول:
أربٌّ واحد أم ألف ربٍّ
أدينُ إذا تقسمت الأمورُ
تركت الّلات والعُزّى جميعاً
كذلك يفعل الرجل البصيرُ
فلا العزى أدينُ ولا ابنَتَيْها
ولا صَنَمَي بني عمرو أزورُ
ولكن أعبد الرحمنَ ربي
ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفورُ
وهكذا نطقت فطرته السوية بحرمة ما يصنعون من الذبح والنحر تقرباً لغير الله تعالى الذي خلق وربّى وكبّر وأطعم وسقى وغذى ونفع فماذا يقول من يذبحون مئات الشياه عند قبر ولي أو نبي تقرباً إليه وتزلفاً له من دون الله تعالى؟ وماذا نقول لهم نحن؟
إننا نقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: " لا إله إلا الله تفلحوا " [12] تلك الكلمة التي صدع بها النبي بين ظهراني المشركين يطالبهم بها ففهموا مراده من ذلك وهم عرب خلص يعرفون ما تحتها من المعاني وما وراءها من الواجبات وما تقتضيه من المقتضيات ومن ضمنها أن يتركوا تلك الأصنام وما يذبحون عندها فلهذا هاجوا وماجوا وأرعدوا وأزبدوا ودقوا طبول الحرب وأوعدوا ضانين على الله تعالى بحقه مدافعين عن الأصنام التي يذبحون لها آلاف النوق عن طيب خاطر ولم لا وهم الذين كانت تقوم فيهم الحرب فتستمر أربعين سنة لأجل ناقة واحدة فليحموا ويدافعوا ما يذبحون له آلاف النوق ولذلك لم يسلموا، هؤلاء الذين حاربهم النبي باللسان والسنان حتى رد بعضهم إلى التوحيد حين عقلوا ورد غيرهم على ظهورهم في النار حين أبوا إلا الكفران، فها نحن نعيد عليكم أيها القبوريون قولة النبي الخالدة: قولوا: " لا إله إلا الله تفلحوا " ومن ضمن ذلك أن تتركوا الذبح عند الأولياء.
ونحذر الذابحين عند القبور والمشاهد الوعيد الشديد الصارم الذي توعدهم إياه الله تعالى على لسان رسوله الكريم ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض " [13]
" لعن الله من ذبح لغير الله " وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء، لعن الله من ذبح لغير الله - أيها الإخوة - هذا حكم الذي لا ينطق عن الهوى – صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام يقول: " لعن الله من ذبح لغير الله " وهل تدرون ما هو اللعن؟ اللعن معناه: الطرد من رحمة الله تعالى وهذا بذاته دليل كافٍ على خطورة الذبح لغير الله من الأصنام والأولياء والسادة وآل البيت على نحو ما كان الجاهليون يفعلون، وما يفعله الآن الجاهلون سواء كان المتقرب به كبيراً أو صغيراً عظيماً أو حقيراً.
أيها الإخوة!
قال أهل العلم: إن الله تعالى قال: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2] فأمر نبيه أن يصلي وينحر له حكماً له ولأمته، فكما أنه لو صلى أحد لغير الله كفر؛ فكذلك من نحر أو ذبح لغير الله أيضا يكفر، لأن النحر أو الذبح معطوف على الصلاة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه سواء بسواء.
قال العلامة السعدي - رحمه الله - تعالى:
" نصوص الكتاب والسنة صريحة في الأمر بالذبح لله وإخلاص ذلك لوجهه، كما هي صريحة بذلك في الصلاة، فقد قرن الله الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه.
قال: وإذا ثبت أن الذبح لله من أجلِّ العبادات وأكبر الطاعات، فالذبح لغير الله شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام.
فإن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده: (أن يصرف العبد نوعاً من أفراد العبادة لغير الله)..[14]
فالذبح لغير الله - أيها الإخوة - إساءة في حق الله - عز وجل - وهي جريمة شديدة وشنيعة من فاعليها إن لم يتوبوا إلى ربهم ويرجعوا إليه كان مآلهم عنده يوم القيامة أسوأ المآل ومصيرهم بئس المصير، نعوذ بالله من الخذلان.
هذا - أيها الإخوة - هو حكم من ذبح لغير الله وفي الحديث كلمات غير واضحات نلقي عليها في عجالة بعض البيان حتى لا تبقى استفهاماً عند مستفهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من لعن والديه " اللعن من البشر الإيذاء والسب والشتم فمن سب والديه أو تسبب في ذلك بأن سب أبا رجل فسب أبا الساب فيكون الابن بذلك قد سبهما، وهذا قد حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم باللعن وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من أكبر الكبائر أن يشتم الرجل والديه قيل: وكيف يشتم الرجل والديه يا رسول الله؟ يتعجب الصحابة من رجل يشتم والديه ما يتصورون وقوع هذا أبداً وعندنا في هذه الأيام: من يشتم والديه ويضرب والديه بل ويقتل والديه!!! فرحماك ربي من هذا الكرب العظيم.
قالوا: يا رسول الله وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال: " يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه ".[15]
هذا ملعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليه الرسول أن يلعنه الله تعالى أيضاً.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -:
" لعن الله من آوى محدثًا " : المحدث هو الذي فعل جرماً يستحق عليه الحد وإيواؤه يعني حمايته يحول بينه وبين إقامة الحد عليه إما بجاهه أو بسلطانه أو بشفاعته الجائرة الظالمة حتى يخلصه مما استحق عليه من العقاب.
وفي بعض الروايات بفتح الدال " لعن الله من آوى محدَثاً " والمحدَث معناه: البدعة، ومعنى آوى المحدَث أي: رضي به. فمن رضي بالبدعة، ولم يُنكرها وهو يقدر فقد آواها، يعني: من رأى البدع وسكت ولم يتكلم في إنكارها والبيان للناس أنها بدع، فقد آواها، يعني حماها بسكوته وتَرْكِه لها، فيكون مستوجباً للعنة، فكيف إذا دعا إليها ودافع عنها - والعياذ بالله -.[16]
فمن رضي بالبدعة ملعون، فاحذر عبد الله أن تشفع في مجرم استحق عقاباً فتمنع بشفاعتك أن ينزل عليه العقاب فضلاً عن الذين يدافعون عنه ويحامون عنه فليحذروا غضب الله وسخطه، واحذر كذلك - عبد الله - من الرضا بالبدعة وحماية المبتدعة والزم طريق السنة وأحب أهلها، أسأل الله أن يجعلنا رفقة نبيه صاحب السنة في الجنة.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: " لعن الله من غير منار الأرض ".
والمنار هي العلامات التي تجعل حدّاً فاصلاً بين الجيران أو التي ترشد الناس إلى طريقهم ومواصلاتهم، وأول ذلك علامات الحرم التي تدل عليه وتعرف الناس مناسكهم، فمن غير شيئاً من هذه العلامات والحدود وحولها عن مكانها فهو ملعون مطرود من رحمة الله تعالى فاحذر عبد الله من ذلك ولا تجورن على جارك.
فقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – من اقتطع شبراً من الأرض بغير حق طُوِّقَهُ من سبع أرَضين يوم القيامة " [17]، يا ألله يكلف أن ينقلها على ظهره يحمل ترابها ذرة ذرة فاحذروا عباد الله من هذا، احذروا الذبح لغير الله، احذروا التسبب في لعن الآباء، احذروا إيواء المحدثين والمحدثات، احذروا تغيير منار الأرض احذروا من هؤلاء الأربع.
والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن هؤلاء الأربع جميعاً وبدأ بأخطرها فجعله في أولها لما أنه جرم كبير ومفسدة عظيمة على عقيدة المسلم ومصيره فحذر من جرمه أولاً فقال: لعن الله من ذبح لغير الله.
ثالثاً: - أيها الإخوة - حتى لا أطيل على حضراتكم: أحكام وتنبيهات:
ونلتقي معها بعد جلسة الاستراحة أسأل الله أن يخلصنا له وألا يجعل في أعمالنا لغيره نصيباً.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.
أما بعد، فيا أيها الإخوة!
ثالثا: - أيها الإخوة - أحكام وتنبيهات:
وأول هذه الأحكام: لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله.
أحبتي في الله إن بعض الذين يذبحون عند الأولياء والمشاهد من إذا قلت له: لا تذبح عند هذه المشاهد والمقابر والأضرحة فإن من ذبح لغير الله فقد أشرك يقول لك: ومن قال لك إني أذبح لغير الله إنما أذبح هناك لله وليس لهذا الولي والقبر والضريح وإنما أذبح هناك لله وحده، فإن قلت له: فما هناك وبيتك إلا سواء فاذبح في بيتك يقول لك: أنا أقصد المكان الذي يجتمع فيه أكبر عدد من المساكين والمحتاجين بصنوفهم فأذبح بهذا المكان لأعطيهم، وهذه حجة ربما تروج على بعض الناس ويصدق بها لكن الشرع نظر إلى هذا الأمر من بُعد، نظر إلى زوايا الأمر كله واحتاط لدين الناس بما يعلمه الله من حاضرهم ومستقبلهم ومما يخفى عليهم، فحرم الذبح بالمكان الذي قد يذبح فيه لغير الله ولو كان صاحبنا هذا الذابح يذبح لله.
كما قال الله تعالى لنبيه ينهاه عن الإقامة بمسجد الضرار الذي أقامه المنافقون لا تقم فيه أبدا فهل ذلك لأن النبي كان سيصلي فيه لغير الله؟ قطعاً لا، ولكن لأن ذلك يلبس على الناس دينهم، لأن الشيء أصلاً لغير الله فمنع الله نبيه من الصلاة فيه لأنه ذريعة إلى الشك والريبة: هل هذه مشاركة أو مؤازرة للمنافقين أم لا، فقطع جذور الشك ونهى عن الصلاة فيه، فكذلك نهى الشرع عن الذبح في المكان الذي يذبح فيه لغير الله تعالى، ولو كانت نية الذي يذبح أنه يذبح لله تعالى وهذا ما قاله نبينا المختار صلى الله عليه وسلم فيما روى أبو داود بسند صحيح من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا قال: " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ ". قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم".[18]
فهذا رجل أراد أن يذبح لله فاستأذن النبي فسأله - وهو يعرف أنه موحد سيذبح لله - فسأله هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ هل كان فيها عيد من أعيادهم، يتثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيذبح في مكان لم يكونوا يذبحون فيها، فلما تيقن من أنه لا يوجد شيء من ذلك قال أوف بنذرك وهذا يدلنا - أيها الإخوة - على شيئين:
الأول: حرمة الذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله.
الثاني: خطورة الذبح لغير الله وعظم جرمه فهذا ذبح لله ومع ذلك منع منه فما بالنا بالذبح لغير الله تعالى.
والخلاصة: لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله.
ثانياً: من أحكام وتنبيهات: الأكل من الذبيحة على هذا الوجه حرام.
أيها الإخوة!
لو ذبح إنسان ذبيحة شاة أو بقرة أو غيرها فذبحها تقرباً إلى الضريح أو ذبحها استجلاباً لبركته أو ذبحها خوفاً من الجن أو ذبحها تقرباً إليهم أو ذبحها لله في مكان يذبح فيه لغير الله فلا ينبغي أن يأكل المسلم منها أما في كل ما سبق فإنه حرام وأما الذي ذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله فلا يؤكل من ذبيحته تنفيراً للناس من عمله وردعاً له على جرمه والدليل على الأول ما قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 3].
وأكتفي بهذا حتى لا أطيل على حضراتكم وفي النهاية أهمس همسة رقيقة في أذن كل سامع وأذن المتكلم - بلا شك- أقرب أذن سامعة فأقول: يا حبيبي! " فكِّرْ في نِعَمِ اللهِ الجليلةِ وفي أعطياتِهِ الجزيلةِ، واشكُرْهُ على هذهِ النعمِ، واعلمْ أنكَ مغمورٌ بأعطياتِهِ. قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾.
وقال: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾. وقال سبحانه: ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾. وقال سبحانه - وهو يقررُ العبدَ بنعمِهِ عليهِ -: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾.
نِعَمٌ تَتْرَى: نعمةُ الحياةِ، ونعمةُ العافيةِ، ونعمةُ السمعِ، ونعمةُ البصرِ، واليدينِ والرجليْن، والماءِ والهواءِ، والغذاءِ، ومن أجلِّها نعمةُ الهدايةِ الربانية: (الإسلاَمُ). يقولُ أحدُ الناسِ: أتريدُ بليون دولار في عينيك؟ أتريُد بليون دولارٍ في أذنيك؟ أتريدُ بليون دولار في رجليك؟ أتريدُ بليون دولارٍ في يديك؟ أتريدُ بليون دولارٍ في قلبك؟ كمْ من الأموالِ الطائلةِ عندك وما أديتَ شُكْرَها!! ". [19]
ففكر في نعم الله أخي واصرف شكرها إلى المنعم بها فإنه وحده معطيها، وهو وحده المستحق لشكرها، ولا تصرفن عبادة إلى غير ربك فإنه الضلال المبين ومن عرف بكم تقدر هذه النعم سبحان ربي بل النعمة من هذه النعم سبحان ربي بل الجزء من النعمة من هذه النعم من عرف بكم يقدر ما عصى الله بنعمه طرفة عين ومن لا يعرف فليلق القلب والسمع والبصر بين يدي هذا الحديث العظيم الجليل الذي رواه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّ لِلَّهِ تعالى عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ عَبَدَ اللَّهَ - عز وجل - خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبُعِ تَبِضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَيَسْتَنْقِعُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ وَشَجَرَةَ رُمَّانٍ تُخْرِجُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً يَتَعَبَّدُ يَوْمَهُ فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ الْوُضُوءَ وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَامَ لِصَلَاتِهِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عَنْ وَقْتِ الْأَجْلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلًا حَتَّى يَبْعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، قَالَ: فَفَعَلَ فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا فَنَجِدُ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ فَيُجَرُّ إلَى النَّارِ فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِك أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رُدُّوهُ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي مَنْ خَلَقَك وَلَمْ تَكُ شَيْئًا؟ فَيَقُولُ أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ مَنْ قَوَّاك لِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ؟ فَيَقُولُ أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ مَنْ أَنْزَلَك فِي جَبَلٍ وَسَطِ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَك الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنْ الْمَاءِ الْمِلْحِ وَأَخْرَجَ لَك كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ وَسَأَلْته أَنْ يَقْبِضَك سَاجِدًا فَفَعَلَ؟ فَيَقُولُ أَنْتَ يَا رَبِّ، قَالَ فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُك الْجَنَّةَ أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْت يَا عَبْدِي فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قَالَ جِبْرِيلُ إنَّمَا الْأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ".[20]، نسأل الله أن يبصرنا بقدره وأن يعرفنا بنعمه وأن يوفقنا لشكره، وأن يجزل لنا أجره، وأن يعصمنا من أن يكون في قلوبنا شيء من التأله لغيره.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، الدعاء.
[1] أخرجه البخاري (5458).
[2] فتح الباري (15 / 377).
[3] إحياء علوم الدين (3 / 185).
[4] أخرجه البخاري (1).
[5] أخرجه الترمذي 3154، وابن ماجه (4203)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (3).
[6] أخرجه ابن ماجه (4202)، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (34).
[7] تفسير ابن كثير - (3 / 381)، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، بتصرف.
[8] إعانة المستفيد (1 / 304).
[9] أخرجه مسلم 5240.
[10] أخرجه أحمد في الزهد (22) وأبو نعيم في "الحلية" 1 / 203 موقوفا على سلمان.
[11] من شعر ابن القيم طيب الله ثراه انظر: زاد المعاد (3/ 64)، ومدارج السالكين (3/ 8).
[12] أخرجه أحمد (4/ 341)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 22: رجاله رجال الصحيح.
[13] أخرجه مسلم (1978).
[14] القول السديد شرح كتاب التوحيد - (ص 54).
[15] أخرجه البخارى 5973، ومسلم 273.
[16] إعانة المستفيد (1 / 306).
[17] أخرجه البخارى 2452، ومسلم 4222.
[18] أخرجه أحمد (3/ 419)، وأبو داود 3313، وصححه الألباني في المشكاة (3437).
[19] لا تحزن.
[20] أخرجه الخرائطي في " فضيلة الشكر " (133 - 134) والعقيلي في " الضعفاء " (165)، وتمام في " الفوائد " (265/ 2 - 266/ 1) وابن قدامة في " الفوائد " (2/ 6/ 1 - 2) والحاكم 7745، قال ابن القيم شفاء العليل - (1 / 114): والإسناد صحيح ومعناه صحيح لا ريب فيه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، فإن سليمان بن هرم العابد من زهاد أهل الشام، والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" وتعقبه الذهبي فقال: " لم يصح هذا، والله تعالى يقول: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)، ولكن لا ينجي أحدا عمله من عذاب الله كما صح، بل أعمالنا الصالحة هي من فضل الله علينا ومن نعمه لا بحول منا ولا بقوة، فله الحمد على الحمد له "، وضعفه الألباني في الضعيفة 1183.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|