عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-10-2019, 10:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,502
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الاعتدال عند النقاد في الجرح والتعديل

الاعتدال عند النقاد في الجرح والتعديل




أ. هيام السيد نصير[*], د. فضلان عثمان[**]


مظاهر اعتدال البخاري في منهجه:

ومن مذهبه: التشدد في السماع، حيث يكثر من قول: لا يُعرف له سماع من فلان[18], أما منهج البخاري في نقد الرجال والذي يتضح من خلاله إنصافه واعتداله:

  1. فلم يكن شديدًا في حكمه على الرواة كما هو الحال مع شعبه، وخير مثال على ذلك احتجاجه بالمنهال بن عمرو الذي تركه شعبة، لما سمع في داره صوت الطنبور، وفي رواية أخرى أنه سمع قراءة لحان، فكره السماع منه [19]. قال ابن القطان: "هذا ليس بجرحه إلا أن يتجاوز إلى حد يحرم، ولم يصح ذلك عنه"[20]، وقال السخاوي: "وجرحه بهذا تعسف ظاهر، وقد وثقه ابن معين، والعجلي، وغيرهما كالنسائي وابن حبان، وقال الدارقطني: إنه صدوق"[21]، لذا نجد البخاري قد احتج به في صحيحه.
  2. أن البخاري يذهب إلى صحة الحديث، ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلًا، وأن ذلك لا يقدح في عدالة أصل الراوي ولا في عدالة الفرع الراوي عنه.
  3. لا يرى الإمام البخاري من حرج في الرواية عن شيوخ يأخذون الأجرة في التحديث، فقد روى عن شيوخ مثل: يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدروقي[22]، الحافظ المتقن صاحب المسند، فقد روى النسائي عنه، في سننه، حديث يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، رفعه: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم"[23]، وقال عقبة: إنه لم يكن يحدث به إلا بدينار[24]، ومع ذلك روى له البخاري والجماعة.
  4. روى البخاري لجماعة من أصحاب البدع والأهواء: إذا تأملنا رجال البخاري، رحمه الله، نجد جملة كبيرة منهم قد رموا ببدع اعتقادية مختلفة، وقد أورد الحافظ في "هدي الساري"[25] من رُمي من رجال البخاري بطعن في الاعتقاد فبلغوا (69) راويًا، ومن خلال التتبع لهؤلاء الرواة يمكن أن نستخلص المعايير التي اعتمدها البخاري في الرواية عن أهل البدع، ويمكن أن نجملها في النقاط التالية:
  • ليس فيهم من بدعتهم مكفرة.
  • أكثرهم لم يكن داعية إلى بدعته، أو كان داعية ثم تاب[26].
  • أكثر ما يروي لهم في المتابعات والشواهد.
  • أحياناً يروى لهم في الأصول لكن بمتابعة غيرهم لهم.[27]
  • كثير منهم لم يصح ما رموا به.
  1. أما عن مسألة الجهالة: يتضح لنا أن الإمام البخاري لم يرو في صحيحه عن مجهول قط، وذلك لأن جهالة الراوي لا يمكن معها تحقيق عدالته، التي هي شرط في صحة الحديث، أما بالنسبة للرواة غير المشهورين فالبخاري لم يعتمد على أحاديثهم، وما يرويه لهم أحاديث يسيرة جداً لها طرق وشواهد كثيرة.
6- رواية البخاري عن رواة اتهموا بالضعف: إذ روى عن ضعفاء لم يصلوا إلى حد الترك, ولكن لم يرو لهم إلا ما صح من حديثهم، وتعرف صحة حديثه بأمرين:
الأول: موافقة هذا الراوي لغيره ومتابعتهم له, وهذا أمر يلاحظ في صحيح البخاري فإنه يكثر من ذكر المتابعات والشواهد، فإنه يروي الحديث ثم يقول: تابعه فلان وفلان … إذا كان راوية ضعيفاً، أو كان الراوي ثقة لكن وقع فيه اختلاف في سنده ومتنه. كما سيأتي توضيحه في "منهج البخاري في تعليل الأحاديث".
الثاني: مراجعة أصول الراوي والنظر فيها؛ فإنه ولو كان ضعيفاً في حفظه فإنه يقبل حديثه الموجود في أصوله، إذا كان الراوي صدوقاً في الجملة، ومثال هذا أحاديث إسماعيل بن أبي أويس[28].

وهذه هي طريقة البخاري، أيضاً ولكن قد يختلف اجتهاد الأئمة في تقدير ضعف الراوي ومرتبته، فقد يكون الراوي ضعيفاً متروكاً عند مسلم بينما يكون عند البخاري ضعيفاً ضعفاً يسيراً محتملاً، أو على العكس كل بحسب اجتهاده[29]

3-عبد الرحمن بن مهدي.
ابن حسان بن عبد الرحمن، الإمام الناقد المجود الحافظ أبو سعيد العنبري، وقيل: الأزدي، مولاهم البصري اللؤلؤي، ولد سنة خمس وثلاثين ومائة هجريًّا.
أبرز الذين سمع منهم:

سمع من أيمن بن نابل، وعمر بن أبي زائدة، ومعاوية بن صالح الحضرمي، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وسفيان، وشعبة، والمسعودي، وعبد الجليل بن عطية، وعكرمة بن عمار، وعمران القطان، ويونس بن أبي إسحاق، وحماد ابن سلمة، وأبان بن يزيد، ومالك بن أنس، وأممٍ سواهم, وحدَّث عنه: ابن المبارك، وابن وهب، وهما من شيوخه، وعلي، ويحيى، وأحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة، وبندار، وأبو خيثمة، وأحمد بن سنان، والقواريري، وأبو عبيد، وأبو ثور، وعبد الله بن ها، وعبد الرحمن بن عمر رستة، ومحمد بن يحيى، وهارون بن سليمان الأصبهاني، وعبد الرحمن بن محمد الحارثي كربزان، ومحمد بن ماهان زنبقة، وخلق يتعذر حصرهم[30].

أهم الأقوال التي تحدثت عن نقد عبد الرحمن بن مهدي ما قاله كل من علي بن المديني والنسائي، قال ابن المديني في تهذيب التهذيب: "إذا اجتمعَ يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي على تَرْك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن؛ لأنَّه أقصدهما، وكان في يحيى تشدد"[31]، أما النسائي فقد قال في الرفع والتكميل: "لا يترك الرَّجل عندي حتَّى يجتمع الجميع على تركه، فأمَّا إذا وثَّقه ابن مهدي، وضعفه يحيى بن القطان مثلًا، فلا يترك؛ لما عُرِفَ من تشديد يحيى، ومن هو مثله في النَّقد".

أما عن اعتداله في منهجه:

مع أن عبد الرحمن بن مهدي في زمرة المعتدلين، إلا أنه يميل في بعض الأحيان للتشدد، وهذا يتضح لنا من خلال استقراء بعض ملامح منهجه في النقد:

  1. أغلب من يحدث عنهم فهم من الثقات:
ونقل الأثر عن أحمد بن حنبل قوله: "إذا حدَّث عبد الرحمن بن مهدي عن رجل فهو ثِقَة"[32]، قال عبد الرحمن بن مهدي عن هذا: "لا ينبغي للرجل أن يشغل نفسه بكتابة أحاديث الضعاف، فإنه أقل ما فيه أن يفوته بقدر ما يكتب من حديث أهل الضعف أن يفوته من حديث الثقات"[33]، وكان رحمه الله يترك الرواية عن مرتكب الكبيرة، ويرى أنه فاسق خارج عن العدالة، فكيف يستأمن على حديث رسول الله e، ويرى أن الكذب من الكبائر وسببٌ في ترك الرواية، وقال في هذا الشأن: "لا يترك حديث رجل إلا رجلًا متهمًّا بالكذب أو رجلًا غالب عليه الغلط"[34]، وما قاله أحمد: "عرضت على ابن مهدي أحاديث الهيثم بن عبد الغفار عن همام فقال: هذا كذاب"، ونضرب مثالًا لذلك، وكان كذلك يرى أن سبَّ الصحابة كبيرة، إذ سأله عمرو بن علي عن حديث إسرائيل الملائي، فأبى أن يحدثه عنه، وقال: "كان شيخًا يشتم عثمان".

  1. تشدَّدَ بآخِرِهِ في نَقد الرِّجال، فأعرض عن الرِّواية عمَّن يَكثُر الوهم في مرويَّاته بما يُبرر تركه، ومن هؤلاء: عليُّ بن صالح الهمداني، وقد وثَّقه من بعده يحيى بن معين، والنَّسائي رَغْمَ تشدُّده في الرِّجال، إلا أنه كان منصفًا في مسألة الاختلاط، فكان صاحب دراية بأحوال الرواة، وتواريخ اختلاطهم، ومعرفة من روى قبل الاختلاط، ومن روى بعده، وقال علي بن المديني في هذا الشأن: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "أتيت أبان بن صمعة، وقد اختلط البتة، قلت: قبل موته بكم؟ قال بزمان"[35]
  2. رغم أنَّ ابن مهدي كان من أئمة فقهاء المحدِّثين، غير أنَّه كان لا يميل إلى أصحاب الرَّأي، وهم أحد أئمة المدرسة الفقهيَّة، لذا فقد أعرض بالرِّواية عن زفر بن الهذيل، رغم توثيق ابن معين له، واتَّخذ نفس الموقف مع الفقهاء الذين لم يكن الحديث صِناعتهم، فأعرض عنهم، نذكر مثالاً على ذلك: عبد العزيز بن أبي حازم، وهو أحد فقهاء زمانه.
1- ولعل أبرز ما يُظهر لنا إنصافَه واعتدالَه هو رجوعُه عن رأيه، وسماحته عندما يتبين له الصواب، وخير مثال على ذلك ما رواه علي بن المديني: "كان عبد الرحمن بن مهدي يطعن على روح وينكر عليه أحاديث ابن أبي ذئب عن الزهري مسائل كانت عنده، فلما قدمت على معن بن عيسى بالمدينة سألته أن يخرجها لي، فقال: هي عند بصري لكم يقال له روح، كان عندنا ها هنا حين قرأ علينا ابن أبي ذئب هذا الكتاب، يقول علي بن المديني: فأتيت عبد الرحمن بن مهدي، فأخبرته، فأحسبه قال: استحله لي"[36]، وهذا المثال يوضح لنا رجوع عبد الرحمن بن مهدي عن مقاله في الراوي بعدما تبين له سماعه من ابن أبي ذئب، وذلك بعبارة (استحله لي).

2- أقواله في الرجال غالبًا ما تتوافق مع المتشددين، كالإمام يحيي بن معين: مثل قوله في: "إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير، الأسدي المكي أبو عبد الملك ابن أخي عبد العزيز بن رفيع، قال عنه ابن حبان في المجروحين: "تركه ابن مهدي، وضعفه يحيى بن معين، سيئ الحفظ، رديء الفهم، يقلب ما يروي"[37]، ونقل عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: "أستجير الله أستجير الله أضرب على حديثه يقول عن عطاء إنما حرمت الشربة التي أسكرتك وهذا قول أهل الكوفة"[38]

  1. الإمام أحمد بن حنبل:
هو ابن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام، ولد سنة أربع وستين ومائة في أولها في ربيع الأول.

- روى عن: بشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى القطان، وأبي داود الطيالسي، وعبد الله بن نمير، وعبد الرزاق الصنعاني، وعلي بن عياش الحمصي، والشافعي، وغندر، ومعتمر بن سليمان، وجماعة كثيرين.
- وروى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأسود بن عامر شاذان، وابن مهدي، والشافعي، وأبو الوليد، وعبد الرزاق، ووكيع، ويحيى بن آدم، ويزيد بن هاورن، وهم من شيوخه، وقتيبة، وداود بن عمرو، وخلف بن هشام، وهم أكبر منه، وأحمد بن أبي الحواري، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والحسين منصور، وزياد بن أيوب، ودحيم، وأبو قدامة السرخسي محمد بن رافع، ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة، وهؤلاء من أقرانه، وابناه: عبد الله، وصالح، وتلامذته: أبو بكر الأثرم، وحرب الكرماني، وبقي بن مخلد، وحنبل بن إسحاق، وشاهين بن السميدع، والميموني، وغيرهم، وآخر من حدث عنه أبو القاسم البغوي"[39].

أهم النصوص التي تحدثت عن اعتدال الإمام أحمد:

وأبدأ بما ذكره الحافظ في النكت على ابن الصلاح، حيث قال: "وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الأولى شعبة وسفيان، وشعبة أشد منه، ومن الثانية يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن، ومن الثالثة يحيى بن معين، وأحمد، ويحيى أشد من أحمد، ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري"[40].

وكذا ما ذكره الذهبي في الموقظة: "ومن ثم قيل تجب حكاية الجرح والتعديل، فمنهم الحاد في الجرح، ومنهم المعتدل ومنهم المتساهل، فالحاد فيهم يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتم وابن خراش وغيرهم، والمعتدل فيهم أحمد بن حنبل والبخاري وأبو زرعة، والمتساهل كالترمذي والحاكم والدارقطني في بعض الأوقات"[41].
شروط الإمام أحمد في الرواة

أقوال بعض العلماء في شرط الإمام أحمد: قال ابن تيمية: "نَزَّه أحمد مُسندهُ عن أحاديثِ جَماعةٍ يَروي عنهم أهلُ السُّننِ, كأبي داود والترمذي، مثل نُسخَةِ كثير بن عبد الله بن عمرو بن عبد عوفِ المزني، عن أبيه، عن جده، وإن كان أبو داودَ يروي في سُنَنِهِ منها، فشرطُ أحمدَ في مُسنَدِهِ أجودُ من شَرطِ أبي داودَ في سُنَنِه"، وقال أيضًا: "وليسَ كُلُّ ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده، بل يروي ما رواه أهل العلمِ، وَشَرطُهُ في المسنَدِ: أن لا يروي عن المعروفينَ بالكذِبِ عنده، وإن كان في ذلكَ ما هو ضَعيفٌ، وَشَرطُهُ في المسنَدِ مثلُ شرطِ أبي داود في سُنَنِهِ"[42]

قال ابن القيم: وهم الحافظ أبي موسى المديني في قوله: "إنَّ ما خرَّجه الإمام أحمد في "مسنده" فهو صحيح عنده"، ويدل على هذا قول ابن تيمية: "وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم؛ لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك، ليُعتَبَر بها ويُستشهدَ بها، فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ، وقد يكون صاحبها كذبها في الباطن ليس مشهوراً بالكذب، بل يروى كثيرًا من الصدق فيُروى حديثه"[43].

وقد استشكل بعض الحفاظ هذا من أحمد، وقال: في الصحيحين أحاديث ليست في المسند، وأُجيب عن هذا بأن تلك الألفاظ بعينها، وإن خلا المسند عنها، فلها فيه أصول ونظائر وشواهد، وأما أن يكون متن صحيح لا مطعن فيه ليس له في المسند أصل ولا نظير فلا يكاد يوجد ألبته"[44].
مظاهر اعتدال الإمام أحمد:

لا يخفى على أحد من طلبة العلم المحنة التي مر بها الإمام أحمد، وموقف العلماء منها، وموقفه هو ممن أجابه ونصره فيها، وممن خذله، وفي هذا الصدد قال علي بن المديني، عن الميموني: سمعت عَلِيّ بْن المديني يقول: ما قام أحد بأمر الإسلام، بعد رَسُول اللَّهِ e، ما قام أحمد بن حنبل، قَالَ قلت له: يا أبا الحسن، ولا أبو بكر الصديق؟ قَالَ: ولا أَبُو بَكْرٍ الصديق؛ لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب، وقال كذلك: إن الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين، ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة"[45], وقال أبو محمد بن تميم الحنبلي، وهو يصف الإمام أحمد، رحمه الله: "وكان شديدًا على أهل البدع، أو من قاربهم، إن لم يباينهم، وإن كان صحيح الاعتقاد، قد هجر رحمه الله على بن المديني، ويحيى بن معين، والحسين الكرابيسي، إلى أن تاب يحيى عنده.

وقد تأثر أحمد بن حنبل بموقف الذين أجابوا في المحنة، منهم: علي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز، وأبو معمر المعمري القطيعي، وغيرهم من علماء الحديث والسنة، وعن حجاج الثقفي قال: "قلت لأحمد: أكتب عمن أجاب في المحنة؟ فقال: أنا لا أكتب عنهم"[46]، وقد ترك الرواية عنهم بسبب موقفهم هذا، قال أبو زرعة الرازي: كان أحمد لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن أبي معمر، ولا عن يحيى بن معين، ولا أحد ممن أجاب في المحنة، وجميع من ذكرهم أبو زرعة الرازي هم من أئمة الحديث والرواية، وكان أحمد يثني عليهم أشد الثناء قبل المحنة، ولكن بعد المحنة اختلف الوضع، وكان يرى عدم الكتابة عنهم من باب الزجر.

- ومن اعتدال الإمام أحمد أنه اكتفى فقط بزجرهم، وترك الرواية عنهم، ولم يشنع عليهم، ولم يبالغ في تجريحهم، وإضافة إلى ذلك فشرطه في الرجال يعدُّ واسعًا، فهو لم يستثنِ إلا من عرف عند الجميع بالكذب وأجمعوا عليه.

- ومن عدالته كذلك أنه روي عن بعض الضعفاء رواية الإمام أحمد عن الثقات، هو الغالب من فعله، والأكثر من عمله كما هو المعروف من طريقة شعبة، ومالك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وغيرهم، وقد يروي أحمد قليلاً في بعض الأحيان عن جماعة نسبوا إلى الضعف وقلة الضبط، وذلك على وجه الاعتبار والاستشهاد لا على طريق الاجتهاد والاعتماد"، مثل: روايته عن عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام الزبيري الأسدي البغدادي، قال الإمام أحمد: ثقة لم يكن صاحب كذب، وضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الحافظ: متروك الحديث أفرط فيه ابن معين فكذبه، وكان عالِمًا بالأخبار، مات سنة 182ه"[47]، وجاء في معجم شيوخ الإمام أحمد أن الإمام قد روى عنه عشرين حديثًا[48].

- ومثال آخر لذلك: روايته عن محمد بن القاسم الأسدي أبو إبراهيم الكوفي، قال الترمذي: تكلم فيه أحمد بن حنبل وضعفه، وقال النسائي: ليس بثقة كذبه أحمد، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، ولا يعجبني حديثه، وقال ابن حجر: كذبوه، مات سنة (207 هـ)[49]، وجاء في معجم شيوخ الإمام أن الإمام أحمد قد روى عنه حديثًا واحدًا فقط.[50]

5-ابن عدي:

هو الإمام الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن مبارك ابن القطان الجرجاني، صاحب (الكامل في الجرح والتعديل)، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين هجري، وتوفي في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلاثمائة هجري.

ممن تتلمذ على أيديهم وسمع منهم: بهلول بن إسحاق التنوخي، ومحمد بن عثمان بن أبي سويد، ومحمد بن يحيى المروزي، وأنس بن السلم، وعبد الرحمن بن القاسم بن الرواس الدمشقيين، وأبو خليفة الجمحي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وعمران بن موسى بن مجاشع, والحسن بن محمد المديني، والحسن بن الفرج الغزي صاحبي يحيى بن بكير، وجعفر بن محمد الفريابي، وأبو يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان النسوي، وعبد ان الأهوازي، وأبو بكر بن خزيمة، والبغوي، وأبو عروبة، وخلقٌ كثير في الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان.

أما الذين حدثوا عنه: شيخه أبو العباس بن عقدة، وأبو سعد الماليني، والحسن بن رامين، ومحمد بن عبد الله بن عبد كويه، وحمزة بن يوسف السهمي، وأبو الحسين أحمد بن العالي، وآخرون[51].

أقوال من وصف ابن عدي بالاعتدال:

بداية مع ابن حجر في تهذيب التهذيب، قال: "هذا قول منصف"[52]، يقصد به كلام ابن عدي في أبان بن تغلب، ثم الذهبي في السير عندما ترجم له قال عنه: "وهو منصف في الرجال بحسب اجتهاد"[53]
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.31 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]