عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-02-2020, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا

تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا


الشيخ وليد بن فهد الودعان




رابعًا: في تقييد نتيجة الاجتهاد بالعلم أو الظن: قال الشَّاطبي في تعريفه: العلم أو الظن:







ولم يوافق أحد - ممن ذكرنا تعريفه - الشَّاطبي في طريقة تعبيره لما ينتج عن الاجتهاد، ولكن كثيرًا من الأصوليين عبر بما يفهم منه تعميم نتيجة الاجتهاد للعلم والظن، فقال بعضهم: لدرك حكم شرعي، وقال بعضهم: في تعرُّف الحكم الشرعي، وقال بعضهم: في نيل حكم شرعي:





ويفهم هذا الرأي من تعريف التاج الأرموي، والقَرافي، والبيضاوي، والطوفي، وابن مفلح، وابن جزي، والزركشي، والمرداوي، وابن النجار، وقد ذكر الأسنوي أن قول البيضاوي: لدرك: يريد به الإدراك العام لما كان على سبيل القطع أو الظن[98]، وبقية الألفاظ مقاربة لذلك.





وخالفه آخرون، فقصروه على الظن: كالآمدي، والتبريزي، وابن الحاجب، وابن السبكي، والتفتازاني، والبرماوي.





أما الرازي فإنه عبر بما يفيد قصره على الظن، فقال: استفراغ الوسع فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع، وتبعه على ذلك السراج الأرموي، والصفي الهندي، واختصره القرافي، فقال: استفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه لوم شرعي[99].





بينما الغزالي قصره على العلم، فقال: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة، وتبعه في لفظة العلم ابن قدامة.












ويلاحظ مما سبق ما يلي:





أولًا: أن الغزالي ومن تبعه قيد التعريف بطلب العلم، وفي هذا إخراج للظن عن حيز الاجتهاد، ولا ريب أنه لا سبيل إلى إخراجه؛ لأن الفقه كما قيل ظنون، فلا يكون الاجتهاد حينئذ متناولًا للفقه[100].





وأجيب عن هذا الاعتراض بأجوبة:





الجواب الأول: أن العلم هنا يراد به الظن مجازًا، وعلاقته المجاورة الذهنية؛ لأن العلم مجاور للظن في الذهن، ويتواردان فيه على التعاقب[101].





وهذا الجواب فيه ضعف؛ لاعتماده على المجاز في التعريف.












الجواب الثاني: أن الفقه قطعي لا ظني، وينسب هذا لأكثر الأصوليين؛ فالحكم مقطوع به والظن في طريقه، فإذا ظن المجتهد حكمًا وجب عليه الفتوى والعمل به قطعًا للدليل القاطع بوجوب ذلك عليه[102]، فالفقه حينئذ هو العلم بوجوب العمل عند قيام الظنون.












الجواب الثالث: أن العلم هنا مطلق الإدراك، فيتناول اليقين والظن؛ كقوله تعالى: ï´؟ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ï´¾ [الممتحنة: 10][103].












الجواب الرابع: أن أكثر الفقه قطعي، ومنه ما هو ظني، وهو أقله، ويؤيد ذلك أن جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس ثابتة بالنص أو الإجماع، وإنما يقع الظن والنزاع في قليل منها، وكثير من مسائل الخلاف هي في أمور قليلة الوقوع ومقدرة، وأما ما لا بد للناس منه، فهو مقطوع به، وما يعلم من الضرورة جزء من الفقه، وإخراجه منه قول لم يقله أحد من المتقدمين، وجميع الفقهاء يذكرون ذلك في كتب الفقه، كوجوب الصلاة والزكاة والحج واستقبال القِبلة ونحو ذلك[104]، ثم ما يعلم من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ونحوه قد لا يعلم وجوب الحج مثلًا، فضلًا عن كونه يعلمه بالضرورة، وكثير من العلماء يعلم ضرورة بوجوب سجود السهو ونحوه، والناس لا يعلمون، وأيضًا: أن الفقه لا يكون فقهًا إلا من المجتهد المستدل، وهو قد علم أن هذا الدليل أرجح، وهذا الظن أرجح، فالفقه هو علمه برجحان هذا الدليل، وهذا الظن، وليس الفقه قطعه بوجوب العلم، بل القطع من أصول الفقه وليس من الفقه، والفقيه إذًا علم رجحان هذا الدليل على الآخر، فهذا الرجحان معلوم عنده قطعًا، وهذا الفقه الذي يختص به الفقيه هو علم قطعي لا ظني، ومن لم يعلم كان مقلدًا لا مجتهدًا[105].





وهذا جواب قوي، ولكنه لا يستقيم مع رأي الغزالي، ونحن إنما نريد بيان التعريف على ما يراه الغزالي؛ ولذا فالأظهر والأقرب إلى مراد الغزالي هو الثاني أو الثالث.












ثانيًا: أما تعريف الرازي، وقوله: "فيما لا يلحقه فيه لوم"[106]، فهو يريد بهذا القيد إخراج المسائل الأصولية؛ لأنه يلحق فيها اللوم إذا لم يصادف الحق، ولو مع استفراغ الوسع[107]، وعلى هذا فهو قد أخرج ما سبيله القطع من حيز الاجتهاد، فيكون بذلك موافقًا للقول الثاني ومخالفًا للشاطبي.












ثالثًا: أن من الأصوليين من قيد التعريف بالظن، ويراد من ذلك أمران:





الأمر الأول: أنهم يريدون بذلك قصر نتيجة الاجتهاد على الظن دون اليقين، وعلى هذا فلا يكون الاجتهاد مفضيًا إلى اليقين، وإنما غايته أن يفضي إلى الظن.





وهذا محل نظر، لا سيما وقد سبق القول بأن الفقه قطعي وليس بظني عند كثيرين، أو على الأقل هو شامل للقطع والظن بإطلاق، وقد اعترض القرافي على تعريف الآمدي، بأنه اقتصر على الظن، وهذا لا سبيل إليه؛ لأن المجتهد يطلب أحد أمرين، فأيهما ظفر به أفتى به؛ فتقييده بالظن يقتضي عدم الجمع، فيبطل[108].





ولذا؛ فالأصح شمولية نتيجة الاجتهاد للقطع والظن.












الأمر الثاني: أن بعض من قيده بذلك رأى أن هذا القيد مخرج للأحكام المتعلقة بالعقيدة وأصول الفقه؛ لأنها أحكام قطعية، والأظهر في نظري أن الظن قد يتعلق بالأصول كما قد يتعلق القطع بالفروع؛ ولذا فهذا القيد لا يخرج الأحكام المتعلقة بالعقائد أو أصول الفقه.












وإذا أردنا أن تخرج هذه الأحكام عن حيز الاجتهاد المعرَّف، فلا بد أن نضيف ما يدل على ذلك، كقولنا: الفروعية، فيختص الاجتهاد بالأحكام المتعلقة بالفروع.












رابعًا: مما يلاحظ: أن الشَّاطبي فصل الجملة: فقال: العلم أو الظن، بينما اختصر بعض الأصوليين ذلك بكلمة واحدة تفي بالغرض، مثل قول بعضهم: لدرك، أو لنيل، أو في تعرف، أو نحو ذلك، فهذه الكلمات شاملة للقطع والظن، وطريقتا الاختصار أو التفصيل لكل منهما ما يسوغها، فالاختصار مطلوب في التعريف، كما أن الوضوح والبيان من متطلبات التعريف.












خامسًا: قيْد الحكم في التعريف: قال الشَّاطبي في تعريفه: بالحكم:





وقد وافق الشَّاطبي في إطلاق هذا اللفظ وعدم تقييده: ابن السبكي، فقال: لتحصيل ظن بحكم، وتبعه البرماوي في أحد تعريفيه، إلا أنهما خالفاه في عدم تعريف الحكم.












ومن الأصوليين من قيده بالحكم الشرعي، ولم يطلقه:





وهؤلاء اختلفوا: فمنهم من قال: بأحكام الشريعة، أو بأحكام الشرع، أو من الأحكام الشرعية، كالغزالي، وابن قدامة، والتاج الأرموي، والبيضاوي، والآمدي، وابن جزي.





ومنهم من قال: بحكم شرعي، أو نحو ذلك: كابن الحاجب، وابن مفلح، والتفتازاني، والزركشي، والمرداوي، والبرماوي في أحد تعريفيه، وابن الهمام، وابن النجار.





ومنهم من قال: الأحكام الفروعية التي هي مجاري الظنون، وهو التبريزي، وقال القرافي: الأحكام الفروعية الكلية.





ومنهم من قال: بالحكم الشرعي، كالطوفي.





وأما الرازي فقال: فيما لا يلحقه فيه لوم، وهو يريد بذلك الحكم الظني، فيخرج بهذا القيد الأحكام العقدية والأصولية، أما القرافي فقال: فيما يلحقه فيه لوم شرعي.












ومما سبق يلاحظ ما يلي:





أولًا: أن من قيد التعريف بالأحكام الشرعية أو بأحكام الشريعة مراده المأخوذة من أدلة الشرع، وقد اعترض على هذه الجملة باعتراضات:





الاعتراض الأول: أن التقييد بها غير مانع، وبيان ذلك أن من قيد بها عمم الاجتهاد في أحكام الشريعة، فيشمل ذلك الاجتهاد في العقائد والأصول، وهي ليست داخلة في الاجتهاد في عرف الأصوليين، إلا إن أريد بالحكم خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع[109].












الاعتراض الثاني: أن هذا اللفظ يدخل في التعريف ما أخذ من أدلة الشرع مباشرة.





نعم، قد يجاب: بأن ذلك يخرج باستفراغ الوسع، أو ببذل الوسع، ولكن قد يقال: بذل وسعه لتحصيل النص الذي يأخذ منه الحكم مباشرة، والبحث عن النص المتضمن للحكم بحث عن الحكم؛ إذ هو المقصود به.












الاعتراض الثالث: اعترض على هذا اللفظ باستفراغ الفقيه وسعه في بعض الأحكام دون بعض إن قلنا بعدم تجزؤ الاجتهاد، وإن قيل بتجزؤ الاجتهاد، فيخرج اجتهاد من لم يكن مجتهدًا في الجميع؛ لأن الألف واللام في قولهم: "الشريعة"، أو في "الأحكام الشرعية" للجنس، وهي تفيد العموم.












وأجيب: بأنه على القول بعدم تجزؤ الاجتهاد، فلا يلزم ألا يكون استفراغ الفقيه في بعض الأحكام دون بعض اجتهادًا؛ لأن عدم التجزؤ شرط لصحة الاجتهاد، وليس داخلًا في ماهيته، والتعريف إنما يخص الماهية، وعلى القول بجواز تجزؤ الاجتهاد لا نسلم خروج اجتهاد من لم يكن مجتهدًا في الجميع؛ فإن العارف ببعض الأحكام يدعى فقيهًا[110].





وهذا محل نظر؛ فقد علم مما سبق من هو الفقيه في عرف القوم، إلا أن يكون اصطلاحًا خاصًّا لا عرفًا عامًّا.












الاعتراض الرابع: أنه يتوجه عليه الاعتراض باندراج الاجتهاد في قيم المتلفات، وأروش[111] الجنايات، وجهة القِبلة، وطهارة الأواني والثياب في الاجتهاد المعرف، وكل ذلك لا يسمى الناظر فيه مجتهدًا بالعرف الفقهي، وإن كان يطلق عليه ذلك لغة[112].





وقد يناقش: بأن بعض الأصوليين يرى أن الناظر في ذلك يسمى مجتهدًا؛ إذ هذا النظر من باب تحقيق المناط، وهو في الجملة من أضرب الاجتهاد في العلة[113].












الاعتراض الخامس: اعترض ابن السبكي على ذلك بأنه تقييد للعلم بأنه من أحكام الشريعة، وهذا غير مفيد؛ لأن المجتهد لا يبحث إلا في أحكام الشريعة[114].





وأجيب عن الاعتراض: بأن هذا أيضًا متوجه على قوله هو في تعريفه: بحكم، وقوله: لتحصيل ظن؛ لأن المجتهد لا يبحث إلا في الحكم الظني، لكن يمكن أن يجاب بأن ذكرهما مع الاستغناء عنهما للتنبيه على أن الحاصل ظن الحكم لا العلم به كما يتوهم[115].





وهذا يتوجه في الجواب عن ذكر الظن لا الحكم، وما ذكره ابن السبكي موضع نظر؛ إذ لا غرابة أن يجتهد في بحث حكم غير فقهي، إلا أن يقال: الكلام في الاجتهاد الفقهي دون غيره، فيكون مقيدًا بالعرف الأصولي.












ثانيًا: من قيد التعريف بالأحكام الفروعية، أراد بقوله: الأحكام الفروعية، إخراج أحكام العقائد والأصول، وقد اعترض عليه القرافي بأنه غير مانع من دخول ما ليس من الاجتهاد عرفًا، كالاجتهاد في قيم المتلفات، وأروش الجنايات، والأواني والثياب، ونصب الأئمة ونواب الحكم، ونحو ذلك، مما يسمى اجتهادًا لغة لا عرفًا[116]؛ ولذا أضاف القرافي قيد: "الكلية": وأراد بذلك إخراج قيم المتلفات ونحوها؛ فإنها أمور جزئية لا تتعدى تلك الصور المعينة بخلاف الفتاوى؛ فإنها عامة على الخَلْق إلى يوم القيامة.





ومع ذلك يمكن أن يعترض على تعريف القرافي بأنه لا يتلاءم مع من يرى جواز تجزؤ الاجتهاد؛ لأن الألف واللام في قوله الفروعية تفيد العموم.





كما يمكن أن يعترض عليه أيضًا بأنه يشمل ما أخذ من النص مباشرة؛ ولهذا استفاد الزركشي من تعريف القرافي تقييده بـ: "الفروعية"، وأضاف إليه ما ينفي الاعتراض السابق، فقال: بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط[117].












فتقييده بـ: عملي: يخرج العلمي، وهو علم الكلام، فالمجتهد فيه لا يسمى مجتهدًا في عرف الأصوليين، وإن كان يطلق عليه ذلك في عرف المتكلمين، وقوله: بطريق الاستنباط: يخرج بذل الوسع في نيل تلك الأحكام من النصوص ظاهرًا، أو بحفظ المسائل واستعلامها من المعنى أو بالكشف عنها من الكتب؛ فإنه لا يسمى مجتهدًا في العرف[118].












ثالثًا: أما قول الرازي: فيما لا يلحقه فيه لوم، فاعترض عليه بأنه غير مانع؛ لأنه يندرج فيه الاجتهاد في العلوم العرفية، والعقلية، والحسية، وفي مثل قيم المتلفات، وأروش الجنايات، ونحو ذلك، مما لا يسمى الناظر فيه مجتهدًا عرفًا[119].





أما تعريف القرافي المختصر من تعريف الرازي فقد فسر الشوشاوي قوله: فيما يلحقه لوم شرعي: بأنه يعني أن يلحقه لوم شرعي على تقدير تركه لتحصيل ذلك الظن إذا تعين عليه، واعترض عليه: بأنه إما أن يريد يلحقه اللوم بترك الاجتهاد فيه، أو يلحقه بترك العمل به بعد حصول الاجتهاد فيه.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.09 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]