عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-02-2020, 04:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا

تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا


الشيخ وليد بن فهد الودعان







تعريف الاجتهاد لغةً واصطلاحاً




















درج الأصوليون على تأخير مباحث الاجتهاد إلى آخر مباحث علم الأصول، ولا يعني ذلك تقليلهم لشأنه، أو تهوينهم لأمره، بل إن لمباحث الاجتهاد أهمية في الشرع عظيمة، ومنزلة في نفوس العلماء كبيرة، وإنما كان تأخير العلماء لمباحثه من باب ترتيب الثمرة على المثمر، والطريق على الأصل؛ فالاجتهاد ثمرة معرفة علم الأصول، كما أنه طريق معرفة الأحكام الشرعية، فلما فرغ الأصوليون من مباحث الأصول ناسب أن يذكروا ما يترتب على معرفتها.












وقد اعتاد العلماء على بَدْء العلوم والمباحث بالتعريف؛ لأنه يصور المعرَّف قبل الدخول فيه، بل جعله بعض الأصوليين حقًّا من حقوق العلم أو المبحث المطروق؛ قال الآمدي: "حق على كل مَن حاول تحصيل علم من العلوم، أن يتصور معناه أولًا بالحد ..." [1]، وقال الأسنوي: "اعلم أنه لا يمكن الخوض في علم من العلوم إلا بعد تصور ذلك العلم، والتصورُ يستفاد من التعريفات"[2].












وسيرًا على سنة العلماء، نبدأ بتعريف الاجتهاد في اللغة، وبيان حده في الاصطلاح؛ ليكون واضح المعالم، بيِّن المدارك.











المبحث الأول





تعريف الاجتهاد





من المعلوم أن كل فن، أو مصطلح، أو نحو ذلك يمكن تعريفه من جهتين:





الأولى: من جهة أصله اللغوي.





والثانية: من جهة ما اصطلح عليه وتعارف عليه أصحاب ذلك الفن، ولما أن كان الاجتهاد من مباحث الأصول، فإنه يرجع فيه إلى تعريفات الأصوليين، وفيما يلي نعرض لتعريفه في اللغة، ثم لتعريفه في الاصطلاح.












المطلب الأول: تعريف الاجتهاد في اللغة:





الاجتهاد[3]: افتعال من الجهد، وهو مصدر جهد كنفع، وجُهْد كحلو، وهما من المصادر الثلاثية.





والأصل اللغوي لمادة جهد بينه ابن فارس حيث قال: "الجيم والهاء والدال أصله المشقة، ثم يحمل عليه ما يقاربه: جهدت نفسي وأجهدت، والجهد: الطاقة؛ قال الله تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ï´¾ [التوبة: 79]، ويقال: إن المجهود اللبن الذي أخرج زبده، ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونصَب، قال الشماخ:





تُضْحِ وقد ضمِنَتْ ضرَّاتها غُرَقًا ♦♦♦ مِن طيِّب الطعم حُلْو غير مجهود[4]












ومما يقارب الباب الجهاد، وهي الأرض الصُّلبة، وفلان يجهد الطعام إذا حمل عليه بالأكل الكثير الشديد، والجاهد: الشهوان، ومرعًى جَهِيد: جهده المال لطيبه فأكله"[5].












وبالرجوع إلى معاجم اللغة يتبين أنهم ذكروا لمادة: "جهد" عدة معان، ومن أهمها:





(أ) المشقة؛ فكلمة: "جهد" بالفتح والضم، كما قال أبو عبيدة والليث، وقيل بالفتح ليس غيره، وقيل الجهد: بالضم لغة أهل الحجاز وبالفتح لغيرهم، وخصها بعضهم بأهل نجد.





وهي تدل على المشقة، وجعلها ابن فارس أصلًا لمعاني الكلمة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((تعوَّذوا بالله من جَهد البلاء)) [6]؛ أي: مِن الحالة الشاقة التي تأتي على الإنسان يختار عليها الموت، وقيل: تعوَّذوا من كثرة العيال، وقلة الشيء[7]، وهذا المعنى راجعٌ إلى المعنى الأول.





والجهد: ما جهد الإنسان من مرض أو أمر شاق، فهو مجهود، والجهد: بالضم تفيد هذا المعنى أيضًا على قول الليث وأبي عبيدة، وجهدت فلانًا: بلغت مشقته، والجهدان: من أصابه الجهد؛ أي: المشقة، ومنه أيضًا ما في حديث الأقرع والأبرص والأعمى: ((فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذتَه لله))[8]؛ أي: لا أشق عليك.





ومنه الجهاد، وهي الأرض الصُّلبة، وقيل: المستوية الملساء ليس بها أكمة، وقيل: لا نبات فيها، وقيل: الغليظة، وقيل: أظهر الأرض وأسوؤها، وأجهد القوم: أخذوا في الأرض الجهاد[9]، ومنه قولهم مجازًا: أجهدت رأيي؛ أي: أتعبته بالفكر، ومنه حديث معاذ بن جبل: (أجتهد رأيي) [10].





ومنه أيضًا قول رؤبة بن العجاج:





أشكو إليكَ شدةَ المَعِيشِ ♦♦♦ وجهد أعوامٍ نَتَفْنَ ريشي





نَتْفَ الحُبَارى عن قَرًا رَهِيشِ[11]












(ب) الغاية وكل ما يحصل: الجهد بالفتح بلوغك غاية الأمر الذي لا تألو عن الجهد فيه، والجهد: شيء قليل يعيش به الرجل المقل، وأتاني بجُهد له - بضم الجيم - أي: لبن ممزوج، وكل شيء مزجته فقد جهدته، وقريب منه: أجهد لك هذا الأمر فاركبه؛ أي: أمكنك.












(ج) الطاقة والوسع: جهد بالفتح، وقيل بالضم أيضًا بمعنى الطاقة، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]، قرئت بالضم، وبالفتح[12]، ومنه حديث: أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل)) [13]؛ أي: طاقته[14]، وأيضًا منه حديث معاذ السابق: (أجتهد رأيي) [15]؛ أي: أبذُلُ طاقتي[16].





ومنه: الجهاد في سبيل الله، وهو: أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمُّل المشقة، ويقال: اجهد جهدك؛ أي: ابذل طاقتك، وهذا جهدي؛ أي: وُسْعي وطاقتي.












(د) المبالغة والجد في الشيء: الجهد بالفتح المبالغة، ومنه قوله تعالى: {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 53]؛ أي: بالَغوا في اليمين، واجتهدوا فيها[17]، ومنه حديث: ((ثم جهدها، فقد وجَب الغُسل))[18]؛ أي: دفعها وحفزها، يقال: جهد الرجل في الأمر إذا جدَّ فيه وبالغ[19]، وكل من بالغ في الشيء فقد جهد، وجهدت الطعام أكثرت من أكله، ومجازًا: جهد فيه الشيب إجهادًا إذا بدا فيه بكثرة.












(هـ) الإشراف والظهور: يقال: أجهدنا؛ أي: أصحرنا وبرزنا، قال الفراء: "أرض فضاء، وجهاد وبراز بمعنى واحد"[20]، ومنه:





لمَّا رأيتُ القومَ قد أجهدوا ♦♦♦ ثُرْتُ إليهم بالحُسام الصَّقِيل[21]





ومجازًا يقال: أجهد لك الحق؛ أي: برز وظهر ووضح.





وبهذا يعلم أن المشقة ذاتها لا تفي بمعاني هذه المادة، غير أن هذه المعاني متقاربة تقاربًا كبيرًا، حتى إن بعض تلك المعاني لا تسلم من التداخل؛ ولذا جاز لابن فارس - وهو الضليع في اللغة - أن يقول: "ثم يحمل عليه ما يقاربه"[22]؛ أي: ما يقارب أصل المشقة، وإذا نظرنا إلى المعاني الأخرى وجدناها لا تخلو من مشقة؛ فالغاية والشيء المحصل لا يكون إلا بمشقة تحصل قبل حصوله، أو تكون قبل تحصيل الغاية غالبًا، وعليه فالشيء المحصل عن طريق مشقة ثمرة للمشقة، والمشقة أصل له، ولا غرابة أن يطلق على الثمرة والفرع ما يطلق على الأصل.












وأما الطاقة والوُسْع فهما يدلان على بذل المشقة، فمن بذل طاقته فقد تحصلت له المشقة ولا شك، وأما المبالغة والجد في الشيء فهما أيضًا تلازمهما المشقة، ويتبين ذلك بأن نقول: هما من أسباب المشقة، فالمبالغة في الشيء والجد فيه يكونان بتعب ومشقة، ولو قلَّت وضعُفت تلك المشقة.












ولا يبعد عن ذلك الإشراف والظهور؛ إذ هما مما يوجد المشقة، ويظهر هذا بقولهم: أجهدنا؛ أي: أصحرنا، فمن دخل في الصحراء وبرز فيها، ناله مِن أتعابها بقدر بروزه فيها، وكذلك إبراز الحق وإظهاره يحتاج إلى نوع من المشقة.





وعمومًا لا تخلو معاني كلمة: "جهد" من المشقة، وقد تأتي للمشقة ذاتها، أو لِما هو محصل لها وسبب لوجودها.





وما سبق من المعاني هي المعاني الممكنة لكلمة: "جهد" عند أهل اللغة، وأما علماء الأصول، فإنهم تطرقوا لمعنى كلمة: جهد، وشاركوا أهل اللغة في إبراز معنًى جامع للاجتهاد في اللغة، ومما قيل في ذلك:





استفراغ الوُسْع في أي فعل كان[23].





بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل[24].





استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة[25].





بذل الجهد في فعل شاق[26].





تحمل الجهد، وهو المشقة، في أمر[27].





استفراغ الوسع في تحصيل الشيء[28].





بذل الوسع[29].





استفراغ الوسع لتحصيل أمر شاق[30].





هذه جملة من تعريفات الأصوليين، وغالب ما لم يذكر من تعريفات الأصوليين لا يخرج عما ذكر.












ولعل من الملاحظ اهتمامهم بجانب ما يحصل المشقة، وهو بذل الوسع أو المجهود، وأيضًا اهتمامهم بأمر آخر نص عليه بعضهم في تعريفه، وعناه بعضهم وإن لم ينص عليه، وهو أن الاجتهاد لا يطلق إلا على ما فيه مشقة وكلفة؛ ولذا لا يقال: اجتهد في حمل رغيف ونحوه؛ لأنه لا مشقة في حمله، وإنما يقال: اجتهد في حمل صخرة ونحوها؛ لملازمة المشقة لذلك[31].












وبذلك يظهر اعتناؤهم بأمر المشقة في تعريفهم للاجتهاد، ومما يؤكد المعنى الأخير أن قولهم: اجتهد فيه تاء، وهي في لسان العرب لفرط المعاناة، وهي تدل على تعاطي الشيء بعلاج وإقبال شديد؛ كاقتلع واقترع، ونحو ذلك[32].












وبهذه المقارنة يحق لنا أن نقول: إن الأصوليين في تعريفهم للاجتهاد في اللغة لم يخرجوا عن تعريف اللغويين لمادة: "جهد".












المطلب الثاني: تعريف الاجتهاد في الاصطلاح:





يمكننا أن نعرف الاجتهاد باعتبارين:





الأول: باعتبار معناه الوصفي:





وهو تعريفه باعتباره وصفًا أو حالًا إذا وجد عليها المرء سُمِّيَ مجتهدًا.





وبهذا الاعتبار تطرق الأصوليون لتعريف الاجتهاد، بل واقتصروا عليه، وأعرض أكثرهم عن تعريفه بالاعتبار الثاني.












الثاني: باعتبار معناه الاسمي:





وهو تعريفه بذاته، باعتباره مَلَكة أو وصفًا منضبطًا يقوم فيمن يؤدي عملية الاجتهاد، ولم يتعرض الأصوليون لتعريفه بهذا المعنى في حدود ما اطلعت عليه إلا بعض المحاولات المتأخرة لبعض علماء الشيعة[33] ومنسوبيهم ولبعض المتأخرين من غيرهم[34].





وقد عرَّف الأصوليون الاجتهاد بالمعنى الأول بتعريفات كثيرة، غير أنها في الجملة متقاربة الألفاظ والمناهج؛ ولذا فسأعرض لتعريف الشَّاطبي للاجتهاد، ثم أكتفي بإيراد أبرز هذه التعريفات مع مقارنتها بتعريف الشَّاطبي، مختارًا بعد ذلك التعريف الأسلم في نظري، وبما أن الشَّاطبي تعرض لتعريف الاجتهاد بالمعنى الأول، فسأقتصر عليه دون أن أتعرض للمعنى الآخر.


















رأي الشَّاطبي:





أوضح الشَّاطبي رأيه في تعريف الاجتهاد، وعرَّفه بأنه: استفراغ الوسع في تحصيل العلم أو الظن بالحكم[35].





شرح التعريف:





قوله: استفراغ الوسع: استفراغ أصلها فرغ، وهو أصل يدل على خلو وسَعة ذرع، ومن ذلك الفراغ خلاف الشغل[36].





والوسع: مثلثة الواو، ووسع كلمة تدل على خلاف الضيق والعسر، يقال: وسع الشيء واتسع، والوسع يطلق على الغنى والجدة والطاقة[37]، ويقال: استفرغت الوسع؛ أي: استقصيت المجهود والطاقة[38].





وقوله: استفراغ الوسع: كالجنس في التعريف[39]، يصلح أن يتعلق بالمقصود المعرف وبغيره[40]، كما يمكن أن يكون ذلك من الفقيه المجتهد وغيره.





وضابط استفراغ الوسع: أن يبذل الباحث جهده، بحيث يُحِسُّ من نفسه العجز عن مزيد طلب حتى لا يقع لوم في التقصير[41].





وفي اللفظ السابق إشارة إلى إخراج اجتهاد المقصر، وهو الذي يقف عن الطلب مع تمكنه من الزيادة على ما فعل من بذل[42].












قوله: في تحصيل: التحصيل افتعال من حصل، ومادة حصل تدل على جمع الشيء، يقال: حصلت الشيء تحصيلًا؛ أي: جمعته، ومنه يقال: حوصلة الطائر؛ لأنه يجمع فيها[43].












قوله: العلم: أصله من علم: وهو أصل يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره، ومنه العلم، وهو ضد الجهل، ويطلق على اليقين والمعرفة[44].





أما العلم في الاصطلاح فاختلف في تعريفه اختلافًا كثيرًا، حتى قال الرازي: "المختار عندنا أنه غني عن التعريف"[45]، ولكن أحسن ما قيل في تعريفه أنه: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع عن دليل[46].












قوله: أو الظن: أصله من ظن، وهو أصل يدل على معنيين مختلفين: يقين، وشك.





فأما الأول: فهو كقوله تعالى: ï´؟ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ï´¾ [البقرة: 249]، وقوله: ï´؟ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ï´¾ [الحاقة: 20].





أما الثاني: فكقوله تعالى: ï´؟ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ï´¾ [فصلت: 23]، وقوله: ï´؟ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ï´¾ [الجاثية: 32].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]