عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-11-2020, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي شعر الشتات الشركسي المعرب والعربي

شعر الشتات الشركسي المعرب والعربي (1)







د. إيمان بقاعي









من القرن العشرين - الشَّتات والغربة

(أولاً: شعر الشَّتات المعرب والعربي - 1)


مدخل
فيصل حبطوش خوت أبزاخ: (أحزان شركسية).

إذا تتبعنا جذور مسألة الشَّتات، وجدناها قديمة قدم الحروب الّتي عاناها الشّراكسة على أرض الوطن والّتي كان آخرها تلك الحرب الّتي استمرت أكثر مِن مائة عام وانتهت في 21/5/1864 وذلك عبر الطّريق البحري مِن الموانئ القفقاسية مثل: تامان، توآبسة أنابا، تسميز، سوتشي، آدلر، سوخوم، بوتي باتوم وغيرها إلى الموانئ العثمانية: ترابزون، سامسون، سينوب، اسطمبول، فارنا، بوركاز وكوستنجة.


أما التَّهجير الَّذي حصل بين عامي 1865 - 1866 أوذاك الَّذي وقع عام 1878 بعد الحرب العثمانية - الرّوسية، فقد تم عبر الطّريق البري. وقد تم تهجير شعوب الشّيشان والدَّاغستان والأسيتين والقبردي عبر الطّريق الشَّرقي، واستمرت الهجرات بعد ذلك عبر الطّريق البري أيضًا[1].


صحيح أن الحروب السَّابقة للحرب الأخيرة المنتهية عام 1864 قد شتَّتت الشّراكسة وأحرقت قراهم وأفنت منهم الكثير، لكنَّ الحرب الأخيرة كانت العامل المهمُّ في اقتلاعهم مِن موطنهم وتشريدهم خارجه في رحلة للتَّأقلم لم تكن سهلة على الإطلاق.


ويعتبر تهجير الشّراكسة من "أكبر عمليات التَّرحيل السُّكاني في التّاريخ، إذ تم اقتلاع ما يقارب المليوني إنسان مِن جذورهم وإجبارهم على الهجرة إلى بلاد غريبة. وتم معظم هذا النّزوح الجماعي عبر مرافئ البحر الأسود[2] الّتي كانت غير مهيئة للتَّعامل مع هذا العدد الهائل مِن النّاس وبوسائل نقل بحرية غير صالحة كانت تغرق في وسط البحر لرداءتها والإفراط في زيادة حمولتها البشرية[3]. وقد هلك من هؤلاء المهجَّرين نصف مليون شخص مِن جراء الغرق والمرض والجوع"[4].


أما مَن بقي في الوطن الأم، فقد خضع لسياسة التَّرويس مِن: إخلاء للسُّكان الأصليين ليحل محلّهم سكان روس موالون للدَّولة، إلى قتل جماعي أو تحويل الدّيانة الإسلامية إلى المسيحية، إلى عزلة طبقت عليهم.


لقد ظلَّ الشّركسي المُزاح إلى السَّهل يرنو بعينيه وآماله إلى جبله المغادر قسرًا:
"في عُرفهم
جبليٌّ أنت يا شعبي
يقولون
زيُّك عباءةٌ لبَّادية
وحصان
وأنا
أعدُّ مِن العمر ما مضى
فخورًا بهذا النَّسبِ الغالي"[5]

وإذ يفخر المُغادر إلى السّهل بنسبه الجبلي، يسمع صوت الجبل - الوطن يناديه هامسًا في أذنيه الأسرار.
أتراها غير أسرار العودة إليه؟
"تلك الدُّروبُ الجبليةُ
كانت يومًا مسالك الأجداد
يخيل إليَّ أنها تناديني
وتهمس في أذني بالأسرار
وبكل ما يعجز اللِّسان عن القولِ
وأنا أتجولُ في البراري باحثًا في صدورها"


إن التَّهجير لا يعني النّسيان، بل لعله يعني العكس تمامًا، فهو ينمِّي الحنين والشَّوق فيدفع المرءَ إلى سلوك الدَّرب إلى الوطن - الأم:
"مددت جذور جبالي
في رحم السُّهول المترامية
رسمْت في فضائك الرَّحب
حيث لغتي الأديغية
نجومه المتناثرة"[6]

ويعلن الشّاعر (قادربتش قومبل) كما سبق وأعلن اعتزازه بجبليته:
"وأنا عنيد... عنيد
لن أنسى مكاني"[7]

وإذا كان التَّهجير مِن الجبل إلى السَّهل يحمل كل هذا الحنين وكل هذه الرغبة وكل هذا الوجع، فماذا عن التَّهجير خارج الحدود؟


إذا كان السَّهل غربة، فماذا تكون البلاد الجديدة بمناخها ولغتها وأناسها وعاداتها وتقاليدها؟ يصرخ الشّاعر (علي شوجن تسوكر) على لسان طفل شركسي وجد نفسه غريبًا في مدينة استنبول التركية فبحث عن جذوره، عن أمه وأبيه ووطنه فما وجد إلا بلدًا غريبًا، فكان عليه أن يتجاوز غربته ويصارعها ليعود إلى وطنه:
"هل تدرين بابنك الصَّغير
مفكرًا، يائسًا على شاطئ البحر
مِن دونِ أمٍّ أو أبٍ في البلدِ الغريب
يصارع للوصول والعودة إلى الجبال الشَّامخة"[8]

يهتف قلبه لرؤية (أوشحه مافه) القمة المباركة الّتي تتجه إليها أنظار الشّراكسة هدفًا مرتجى مناديًا:
"إنَّني هنا لا يمرُّ بي يومٌ
يمكنني فيه رؤية أوشحه مافه
ولا توجد هنا أم
يا أماه، تربتُ يدُها رأسيَ مثلك"[9]


1- من قصيدة (ثلاثة أقمار لمايكوب)

قمرٌ ينزفُ مِن دمي

قمرٌ ينهضُ في دمي

قمرٌ يتأرجحُ ما بين سُلّم عينيك

وصوتي

مثلما كنتِ شاهِد موتي،

أتمنى لو تكونين شاهِدَ بعثي



مايكوب! يا مايكوب!

يا مُهرتي التي تعدو عبر ماء – فارز- والكوبان!

يا أنّةً تنسجُ في هنيهةٍ.. كواكبَ من الأحزان.

يا صفصافتي..

يا مَن أوى إلى أكمامها السُّهاد

ستُبعثينَ ثانيةً مِن الرّماد

كطِفلةٍ جميلةٍ شقراء تُبعثين



2- من قصيدة (وطني دفتر كل العشّاق)

وطني.. يا قمرًا أخضر يسكنُ في الكوبان!

يا حُزمة بللّورٍ، أغصانًا تتمدّد

عبر صباحِ البحرِ الأسودِ والشُطآن! يانجماً يتألّقُّ في كلِّ مكان

ياعشبًا.. يانهرًا.. ياشجرًا

يملأُ قلبي بالأعراس!

يا حلمًا يتجلّى بين حناياي

كواكِب من إحساس!

وطني.. يا أجمل أسورةٍ، حقلاً في زمني!

يا حبّي!

اليوم أتيتك ضيفًا من خلفِ رمادِ التَّاريخ، غُبارِ الأحزان

قبّلتُ جبينك يا وطني،وأخذتك بالأحضان.


يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]