عرض مشاركة واحدة
  #208  
قديم 04-10-2020, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (110)
الحلقة (117)




تفسير سورة البقرة (76)

بعد أن ذكر الله حال الكفرة المقلدين لآبائهم في الشرك، وما أقدموا عليه من تحريم ما أحل سبحانه وتعالى من الأنعام، نادى هنا سبحانه وتعالى عباده المؤمنين آمراً لهم بأن يأكلوا من طيبات ما رزقهم، وأن يشكروه على ما أنعم به عليهم من حلال اللحوم، ولا يحرموها كما حرمها مقلدة المشركين؛ لأنه ليس لهم إلا أن يحرموا ما حرمه الله عز وجل من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيره تعالى.

تحقق الكمال والطهر في تعلم الكتاب والحكمة في المساجد

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين المباركة- ندرس كتاب الله، آملين، راجين، طامعين في ذلك الموعود الذي جاء على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .ولم يرغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية بالذات؟ لعلمه أن هذه الأمة لن تكمل ولن تسعد، لن تسمو ولن ترتفع إلا إذا اجتمعت في بيوت ربها على كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن طالبنا بالدليل وقال: ما البرهنة على ما تقول؟ نقول: أيام كانت هذه الأمة تتعلم الكتاب والحكمة في بيوت ربها من أهل الكتاب والحكمة بلغت من الكمال شيئاً -والله- ما بلغته أمة على وجه الأرض، كمال الطهر والصفاء، كمال العزة والكرامة والسمو والعلو والآداب والأخلاق، في خلال خمس وعشرين سنة فقط حملت راية الكتاب والسنة إلى ما وراء نهر الصين شرقاً وإلى ديار الأندلس غرباً، ولا تملك صواريخ ولا هيدروجين ولا ذرة، وإنما إيمان صادق ويقين ثابت ومعرفة، علم بالكتاب والسنة. ومن أراد أن يرد علينا فليتفضل، فليجمع أهل قرية من قرى العالم الإسلامي سواء كانوا عرباً أو عجماً، يجمعهم بنية أن يتعلموا الكتاب والحكمة ليزكوا ويسموا ويطهروا، ويجمعهم بنسائهم وأطفالهم وذلك كل ليلة وطول العام من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويجلس لهم رباني يعلم الكتاب والحكمة كجلوسنا هذا، ليلة آية والتي بعدها حديث، الليلة آية والتي بعدها حديث طول العام. ولينظروا: فإن بقي جهل فليطالبونا بغرامة، وإن انتفى الجهل فوالله! ما يبقى زناً ولا قمار ولا رباً ولا سرقة ولا تلصص ولا حسد ولا بغضاء ولا كبر ولا ظلم، ويصبح أهل تلك القرية كأنهم أسرة واحدة متحابين في الله، متآخين في دين الله، متعاطفين متراحمين برحمة الله، وتعالوا بالعالم ليشاهد من بعيد أنوار تلك القرية. وقد جربتم الشيوعية والاشتراكية والمبادئ الغربية، فأين وصلت هممكم وأخلاقكم وآدابكم وعزتكم وسيادتكم أيام كنتم تقولون: اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعاديها؟ أرونا عزنا وكمالنا وسعادتنا وطهرنا وصفاءنا، هل هناك من يرد على هذا غير المجانين؟ أما العقلاء فحاشاهم. إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، واقرءوا دائماً: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، ومن ثَمَّ فالطعام يشبع، ترقت الشعوب ووصلت إلى القمر فهل استغنوا عن الطعام، فما أصبح الطعام يشبعهم لا خبز ولا تمر ولا لبن؟ والنار تحرق، فهل تعطلت هذه السنة وأصبحت النار ما تحرق؟ والحديد يقطع، فهل أصبح الحديد الآن ما يقطع؟إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير شاءها كذلك، ومن ذلك سنته في أن من عرف الله فأنتجت له المعرفة حب الله فأحبه، أنتجت له خوف الله فخافه؛ فإنه بذلك يستطيع أن يستقيم على منهج الحق والعدل والخير والطهر والصفاء، سنن لا تتبدل أبداً. ونطالب ببرهنة: فنقول: هيا نذهب إلى أية قرية من قرى العالم الإسلامي في صدق، فنجد أن أعلمهم بالله أتقاهم له، أقلهم شراً وفساداً، وأن أجهلهم بالله ومحابه ومساخطه أكثرهم فسقاً وفجوراً وخيانة وكذباً، فمن يرد؟ لم إذاً؟ ما الذي يمنع أمة الإسلام أن تعود إلى بيوت ربها؟ تحمل نساءها وأطفالها ساعتين من المغرب إلى العشاء فقط يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم، ما المانع؟ ما وجدنا لذلك مانعاً أبداً، رأينا اليهود، النصارى، البوذيين، المشركين، الشيوعيين، الكل إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة يقف دولاب العمل، لا مصنع ولا متجر ولا مطعم ولا مقهى، وتذهب تلك الجماعات من النساء والأطفال والرجال إلى الملاهي، إلى المقاهي، إلى الملاعب، إلى المساخط، ولا لوم فإنهم أموات: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]. فما المانع لنا؟ هيا نجرب في قرية فقط، فإن قيل: ما نستطيع، قلنا: لم ما نستطيع؟ ما الذي يقف في وجهنا؟ هل التجارة تتعطل، هل الصناعة تقف؟ إن أرباب التجارة والصناعة الذين نجري وراءهم ونقلدهم يوقفون أعمالهم مع غروب الشمس، لم ما قالوا: تعطلت تجارتنا وصناعتنا؟

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ...)

وها نحن مع هذه الآيتين من كتاب الله من سورة البقرة، فهيا نتلوهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:172-173].هذه لو يكررها أهل المسجد ثلث ساعة ويحفظها الأطفال والنساء والرجال ويفهمون معناها ويطبقونه فستتغير الحياة رأساً على عقب، يصبحون خلقاً غير هذا الخلق الهابط، عرف العدو هذا، المجوس واليهود والنصارى عرفوا هذا منذ ألف سنة، عرفوا أن الروح التي بها الحياة هي القرآن العظيم، أن النور الذي به الهداية إلى السعادة والكمال هو القرآن، فصرفوا المسلمين بالسحر والتدجيل والحيل، صرفوهم عن القرآن، وأصبح القرآن لا يقرأ إلا على الموتى، لا تسمع من يقرأ القرآن إلا إذا كان في البيت ميت، وهل أفقنا؟ ما أفقنا. أينزل الله كتابه يحمل العلم والمعرفة والهداية ونعرض عنه ونقرؤه على الموتى؟ لم لا نجتمع عليه في بيوت ربنا ندرسه ونتعلمه؟ لعلنا ما نحن في حاجة إلى هذا، حسبنا كليات العلم ومدارس التربية، أهذا يكفي؟ إليكم صورة ربانية: ماذا تعرفون عن رسول الله؟ أليس هو الذي أنزل عليه القرآن؟ أليس الذي أمر ببيان القرآن وتفسيره؟ يقول يوماً لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( يا ابن أم عبد ) يكنيه تدليلاً له، ( يا ابن أم عبد ! اقرأ علي شيئاً من القرآن. فيعجب عبد الله ويقول: سبحان الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. وأخذ عبد الله يقرأ بإلهام، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] حتى بلغ قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] وإذا بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان وهو يقول: حسبك ) . أين أمة الإسلام؟ أين مظاهر الكمال فيها؟ الآن الركض المتواصل بين طلبة العلم وبين الأمة بكاملها -إلا من رحم الله- على الأكل والشرب والنكاح، إذاً: أصبحنا كالآخرين، ما نستطيع أن نتفرغ ساعة بأبنائنا ونسائنا لنسمع كلام الله ونحثهم ونحضهم على فهمه وتطبيقه والعمل به، لأنه سلم كمالنا ورقينا في الدنيا والآخرة.

علة نداء المؤمنين بلفظ الإيمان ومقاصده

اسمع هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172] لبيك اللهم لبيك، أما نادانا؟ هل نقول: لا، ما نحن بمؤمنين؟ أعوذ بالله! عبد الله بن مسعود يقول لنا: إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، أعطها أذنك. لم يا عبد الله ؟ لأنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه. وهل أنت ترضى بفقدان الخير أو بحلول الشر؟ إذاً: كيف لا تسمع؟ناداهم بعنوان الإيمان، لم يا أبنائي؟ لأن المؤمن حي كامل الحياة يسمع، يبصر، ينطق، يعي ويفهم، يأخذ ويترك، قادر على أن يفعل لأنه حي، لو كان كافراً ميتاً فلن يناديه ولن يكلفه، فهو ميت، أتضع بين يديك ميتاً وتأخذ تأمره: قم صل، قم اغتسل من جنابتك، أد حقوقك؟! فلكمال الحياة يناديهم الله عز وجل إما ليأمرهم بما فيه خيرهم، أو لينهاهم عما فيه شرهم، أو لينذرهم عما فيه مخاوف لهم وعواقب سوء، أو يبشرهم بما يزيد في فرحهم وسرورهم، أو ليعلمهم، أما أن يناديهم لا لشيء فتعالى الله عن اللهو واللعب، تعالى الله علواً كبيراً.

أمر المؤمنين بالأكل من طيبات الرزق

فماذا قال لهم الآن؟ ماذا قال لنا؟ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] أولاً، وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] ثانياً إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، والطيبات جمع طيب، ما الطيب يا أبنائي؟ الحلال، وهو ما انحلت عقدة الحظر منه وأصبح مأذوناً فيه من مالكه مباحاً، هذا هو الحلال. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172] هل من رازق غير الله؟ المرأة تقول: أنا الذي طهوت الطعام وأنا الذي فعلته، نقول لها: وأنتِ من خلقكِ؟ يداك من شغلهما؟ عقلكِ من قاده؟ من علمكِ؟ ما هو إلا الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]