عرض مشاركة واحدة
  #180  
قديم 23-09-2020, 03:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )





تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (96)
الحلقة (103)




تفسير سورة البقرة (63)

كان النبي صلى الله عليه وسلم أول مقدمه المدينة يتوجه في صلاته إلى بيت المقدس، وكانت نفسه تهفو إلى التحول تجاه البيت الحرام، ثم أذن الله عز وجل له بذلك مبيناً له أن أهل الكفر والنفاق والجدال بالباطل سيستغلون هذه الحادثة، وسيثيرون حولها الشبهات، وسيشغبون بها عليه وعلى المؤمنين، ورغم علمهم وقناعتهم بأن هذه القبلة هي الحق، ولكنهم لا يقبلونها لأنهم لا يقبلون الحق، فهذا هو حالهم وهذه هي سجيتهم.
تابع تفسير قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ...)
تطلع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحويل القبلة لمخالفة اليهود

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر الله شيئاً ولا يضر إلا نفسه. أما بعد:معشر الأبناء والإخوان! ما زالت السورة -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:144-151].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قد عرفنا من درسنا الماضي أن السفهاء من المنافقين واليهود، وهم حقاً سفهاء لا رشد لهم، فالذي يقدم على الكفر ويقدم على النفاق ويتحلى بأسوأ الأخلاق كيف لا يكون سفيهاً؟عرفنا ذلك وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة ثلاث سنوات يصلي، وقد صلى به جبريل عليه السلام، وكان يقف في صلاته ما بين الركنين اليماني والحجر الأسود، ويصبح الشام أمامه والكعبة أمامه، فلما هاجر إلى المدينة الطيبة المباركة استقبل بيت المقدس، واستقبلها المؤمنون والمؤمنات نحواً من ستة أو سبعة عشر شهراً، ثم كان صلى الله عليه وسلم يتطلع متى ينزل الوحي عليه ويحول الله قبلته إلى الكعبة، لم؟ أراد أن يخالف اليهود، لما ظهر مكرهم وخداعهم ونفاقهم أحب أن يخالفهم، وقد عرفتم كيف نهانا عن صيام يوم السبت؛ إنه من أجل مخالفة اليهود، وكنا نصوم يوم عاشوراء فزادنا اليوم التاسع حتى نخالف اليهود، فقال: ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع )، والآن يصوم المسلمون يوم تاسع المحرم وعاشره مخالفة لليهود.وأصبح يعمل ما استطاع على مخالفة أهل الكتاب ليستقل المؤمنون استقلالاً كاملاً، فمن رغب من أهل الكتاب في الإسلام فباب الله مفتوح، فليدخل إلى رحمة الله.ولما حقق الله أمله وأمره بأن يستقبل الكعبة إلى بيت المقدس صرح المنافقون والمشركون واليهود -والكل سفيه- وقالوا الكثير، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142]، فقطع ألسنتهم وأسكت أصواتهم إذ هذا أمر الله، فالمشرق والمغرب كلاهما لله وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وثبت المؤمنون عند هذه الفتنة. ثم قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144]، إذ كان صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى يوم يؤمر فيه باستقبال الكعبة إذ هي القبلة التي استقبلها إبراهيم والأنبياء والرسل من بعده، فنزلت هذه الآية: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144] متطلعاً منتظراً الوحي، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144].ويروى: أنه كان يصلي في مسجد بني سلمة، فنزل الوحي وهو في الصلاة يصلي بأهل ذلك الحي، فاستداروا، كانوا متجهين نحو الشام فاستداروا إلى الكعبة، استدار النساء والرجال بصورة لا يستطيعها الناس اليوم، ولهذا سمي هذا المسجد بمسجد القبلتين، وما زال يعرف بهذا إلى اليوم.

تحديد قبلة الكائن في المسجد الحرام وخارجه

إذاً: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، فمن هنا أصبحت القبلة التي يصلي إليها المؤمنون والمؤمنات هي شطر المسجد الحرام، وقد روى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من كان في المسجد الحرام فقبلته البيت )، فالذي يصلي داخل المسجد الحرام بمكة قبلته الكعبة بعينها، فلو صلى إلى غيرها ما صحت صلاته، وأهل الحرم قبلتهم المسجد الحرام، حيثما كانوا في أنحاء الحرم فقبلتهم المسجد، ومن كان من وراء الحرم من أهل المشرق والمغرب فقبلتهم شطر المسجد الحرام، وهذا هو قوله: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، والشطر يطلق على نصف الشيء وعلى الجزء منه، فقبلة المؤمنين والمؤمنات في المسجد الحرام الكعبة، وفي مكة والحرم قبلتهم المسجد، وفي خارج الحرم شرقاً أو غرباً شمالاً أو جنوباً قبلتهم شطر المسجد الحرام، أي: الجهة التي فيها المسجد الحرام.وقوله تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144] لأنه كان يتطلع ويرغب ويحب أن يحوله ربه تعالى إلى الكعبة، فها هو ذا تعالى يبشره: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] حيث ما كنتم أيها المؤمنون فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام، ولولا هذه الجملة من كلام الله لقال الناس: هذا خاص بأهل المدينة، هم الذين يستقبلون الكعبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطلع إلى ذلك، والله عز وجل أفرحه وأثلج صدره ووجهه إلى المسجد الحرام، فهذا لأهل المدينة، ولكن قوله: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ [البقرة:144] أيها المؤمنون فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام. وذكرنا ما ينبغي أن يعرف: وهو أن على المؤمن أو المؤمنة أن يجتهد حتى يصلي إلى القبلة، فإن اجتهد وما وفق وصلى فصلاته صحيحة ولو صلاها بعيدة عن جهة الكعبة، وإذا صلى فلا يعيد، أما الذي لا يجتهد ويقوم يصلي وما يسأل الناس ولا ينظر إلى الكوكب وإلى السماء ويصلى كما يرى؛ فإن صلى إلى غير القبلة فصلاته باطلة، وعليه أن يعيدها، أما من اجتهد فلا حرج إن أخطأ في القبلة: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115].

الجمع بين أقوال العلماء في موضع نظر المصلي

وقوله: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] أي: جهته، هنا الإمام مالك رحمه الله تعالى خالف الأئمة الثلاثة، في هذه القضية خالف أبا حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله أجمعين؛ إذ الثلاثة يقولون: المصلي ينظر مكان سجوده، والإمام مالك يقول: قال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، إذاً: لا بد أن تولي وجهك شطر المسجد الحرام، بمعنى: أن تنظر أمامك ووجهك مستقيم إلى الكعبة. والذي يجمع بين أقوال هؤلاء الأعلام رضوان الله عليهم أنك عندما تحرم بالصلاة فتقول: الله أكبر تكون مستقيماً ووجهك إلى القبلة، وحين تحرم وتدخل في القراءة لا تطأطئ رأسك، ولكن في اعتدال وأنت تنظر إلى مكان سجودك، وهذا هو الجمع بين آراء الأئمة رحمهم الله.أعيد هذه القضية: مالك يرى فهماً من قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] أن من أحرم بالصلاة يكون وجهه إلى القبلة، أما أن يطأطئ رأسه فهذا مكروه، ففي هذه الحالة قد لا يستطيع أن ينظر مكان سجوده ورأسه مستقيم معتدل. فالقول الجامع أنك عند الإحرام تكون مستقيماً ووجهك إلى القبلة، ثم حين تأخذ في القراءة حينئذ تنظر وأنت معتدل إلى مكان سجودك، أخذاً من قوله تعالى: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144].

معنى قوله تعالى: (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون)

ثم قال تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:144] أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن أهل الكتاب اليهود والنصارى يعلمون أن القبلة هي الحق، كيف يعلمون ذلك؟ لوجوده في التوراة والإنجيل، فعندهم أن نبي آخر الزمان المنعوت بكذا وكذا قبلته الكعبة، وهم يعلمون هذا، ولكن اليهود مصرون على قبلتهم والنصارى كذلك، وأبوا أن يستقبلوا بيت الله، مع أن الكعبة هي أول قبلة عرفتها البشرية، ويكفي أن علمنا أن هذا البيت بنته الملائكة لآدم عليه السلام وحواء، لما نزلا من السماء من الملكوت الأعلى استوحشا في تلك الأرض في هذا العالم الذي ليس فيه إنسان سواهما، فمن باب رأفة الله ورحمته بعبديه آدم وحواء بنى لهما البيت، فإذا طلبا شيئاً استقبلاه، فإذا احتاجا إلى شيء جاءا إليه وطافا به وسألا ربهما.فالكعبة هي قبلة البشرية من عهد آدم، واستقبال اليهود بيت المقدس والنصارى المشرق وطلوع الشمس استقبال لا شرع فيه ولا حق لهم فيه. وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [البقرة:144] وهم اليهود والنصارى قطعاً، لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:144] أي: تحول القبلة واستقبالك بيت الله الكعبة هو الحق. وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة:144] ومعنى هذا: أنه سيعذبهم على كتمانهم الحق وجحودهم له، مع علمهم واعترافهم بأن هذا هو الحق، ومع ذلك آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

تفسير قوله تعالى: (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ...)

ثم قال تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [البقرة:145]، الله هو الذي غرز الغرائز وطبع الطبائع وعرف القلوب، أخبره بخبر الصدق، فقال له: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ [البقرة:145] على أن يستقبلوا معك بيت الله ما فعلوا، وكذلك كانوا، فما استقبل يهودي ولا نصراني الكعبة أبداً إلى اليوم وإلى يوم القيامة، مع علمهم أنها الحق، وهذا الكلام مؤكد: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145] واستمر الوضع إلى اليوم، اليهودي لا يستقبل الكعبة والنصراني لا يستقبل بيت المقدس، واليهودي لا يستقبل الكعبة ولا يستقبل مطلع الشمس، إذ القبلة ثلاث: الكعبة وبيت المقدس ومطلع الشمس، فقبلة النصارى إلى الآن المشرق طلوع الشمس؛ لأن الشيطان يدخل تحت الشمس ويجعلها على رأسه حتى يعبد، واليهود قبلتهم بيت المقدس، وهذا الخبر العظيم ما تغير ولا تبدل: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145]، هل اليهود استقبلوا الآن مطلع الشمس مع النصارى في كنسائهم؟ لا. هل النصارى استقبلوا بيت المقدس؟ الجواب: لا. والمؤمنون من باب المحال أن يستقبلوا غير بيت الله، غير الكعبة التي فرض الله استقبالها عليهم.

معنى قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين)

ثم قال تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [البقرة:145] أي: أهواء أهل الكتاب مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:145]، وهذا -معشر المستمعين- عام، فاتباع الأهواء يسقط العبد وينزله من علياء السماء إلى الأرض، يبعده عن ساحة الهدى وطريق الخير، فالهوى -والعياذ بالله تعالى- وميل النفس إلى ما تشتهيه، إلى ما يزينه الشيطان لها ويرغبها فيه؛ هذا جزاؤه الخسار والدمار، وهذا الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: ولئن اتبعت يا رسولنا أهواء أهل الكتاب مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:145].وهنا: هل المسلمون وقفوا موقف نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ لقد اتبعنا أهل الكتاب في مجالات كثيرة، نذكر منها: أننا حلقنا وجوهنا اتباعاً لهم، نذكر منها: أننا كشف وجوه نسائنا اتباعاً لهم، منها: أننا فتحنا أبواب الربا وأقمنا له البنوك اتباعاً لهم منها: أن المسلمين -باستثناء هذه القطعة من الأرض- أعرضوا عن الكتاب والسنة وحكموا شرائع أهل الكتاب، بل ولا شرائع أهل الكتاب، وإنما أهواء اليهود والنصارى، ومن هنا فإننا لمن الظالمين، إن لم يعف الله ويصفح ويتكرم فسيجزينا بظلمنا، وقد جازى آباءنا وأسلافنا وسلط عليهم أعداءه وأعداءهم، لم؟ جزاء الانحراف عن هدي الله عز وجل وصراطه المستقيم. فهذا تهديد عظيم يوجه إلى رسول الله، فيقول له وقوله الحق: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:145] والظالم جزاؤه معروف.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.45 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]