عرض مشاركة واحدة
  #539  
قديم 04-05-2008, 05:25 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

فذروه في سنبله – معجزة علمية

بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
أستاذ علم النبات في جامعة عين شمس سابقا
ومدير مركز ابن النفيس في البحرين للاستشارات الفنية
نعيش اليوم مع جانب من جوانب التفسير العلمي النباتي في قوله تعالى : ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) يوسف (47-48) .
وسوف يكون تركيزنا في التفسير العلمي على قوله تعالى : ( فذروه في سنبله )، وقوله تعالى :( إلا قليلاً مما تحصنون ).
قال الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله في التفسير المنير :
دأبًا: أي متتابعة على عادتكم المستمرة.
فذروه: أي فاتركوه وادخروه .
إلا قليلاً مما تأكلون: في تلك السنين فادرسوه , ( والدراس كما نعلم زراعيًا هو العملية التي يقوم بها الفلاح بفصل الحبوب من الأغلفة المحيطة بها، ثم بعد ذلك يقوم الفلاح بعملية التذرية لفصل الأغلفة تمامًا عن الحبوب.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير التحرير والتنوير :
الإحصان: الإحراز، والادخار، أي الوضع في الحصن وهو المطمور .
وقال أبو بكر الرازي – رحمه الله – في مختار الصحاح .
المطمورة : حفرة يطمر فيها الطعام، أي يخبأ، وقد طمرها أي مَلأها.
قال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي – رحمه الله – في تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : ( تزرعون سبع سنين دأبًا ) أي متتابعات .
( فما حصدتم ) من تلك الزروع.
( فذروه ): أي اتركوه .
( في سنبله )لأنه أبقى له وأبعد من الالتفات إليه .
( إلا قليلاً مما تأكلون ) : أي دبروا أكلكم في هذه السنين الخصبة ، وليكن قليلاً ، ليكثر ما تدخرونه ويعظم نفعه ووقعه .
( إلا قليلاً مما تحصنون ) : أي تمنعونه من التقديم لهم .
قال الدكتور وهبه الزحيلي أيضًا:
أرشدهم إلى ما يفعلونه في سني الخصب . فقال : مما جنيتم في هذه السبع السنين الخصب من الغلال والزروع، فادخروه في سنبله، لئلا يأكله السوس، إلاَّ المقدار القليل الذي تأكلونه . فادرسوه ، ولا تسرفوا فيه لتنتفعوا بالباقي في السبع الشداد ، وهن السبع السنين الجدب التي تعقب هذه السنوات السبع المتتاليات .. لأن سني الجدب ، يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب ، وهن السنبلات اليابسات.
ففي سني القحط لا تنبت الأرض شيئًا ، وما بذوره (فيها) لا يرجع منه شيئًا ، لهذا قال سبحانه ( يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا ) ، أي أن أهلها يأكلون كل ما ادخرتم في تلك السنين السابقة لأجل السنين الجدباء ، إلا قليلاً مما تخزنون ، وتحرزون ، وتدخرون لبذور الزراعة ويلاحظ أنه نسب الأكل للسنين والمراد به أهلها .
قال القرطبي - رحمه الله – في الجامع لأحكام القرآن (1).
آية ( تزرعون سبع سنين .. )، أصل في القول بالمصالح الشرعية ، التي هي حفظ (الدين) (2)والنفوس والعقول والأنساب والأموال ، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة ، وكل ما يفوت شيئًا منها فهو مفسدة ، ودفعه مصلحة ، ولا خلاف في أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية ، ليحصل لهم التمكين من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله عز وجل، ورحمة رحم بها عباده من غير وجوب عليه ولا استحقاق .
نصيحة العالم المخلص :
هذه نصيحة سيدنا يوسف عليه السلام مما علمه الله من تفسير الأحلام وتدبير الشؤون الاقتصادية، وما تعلمه في بيت العزيز من كيفية تدبير شؤون الدولة ، إنها نصيحة للملك، والوزراء، والمسؤولين عن الشؤون الزراعية، والمتنفذين لتفادي المجاعة، نصحهم بأن يزرعوا باجتهاد في سنوات المطر والماء الوارد من نهر النيل، ثم علمهم كيف يدخرون أهم المحاصيل المنتجة في السنين الممطرة، بأسلوب علمي تقني اقتصادي .
أرشدهم إلى طريقة تخزين إبداعية علمية متميزة فقال لهم: اتركوا الحبوب في سنابلها، واطمروها وحصنوها للأيام القادمة، وقد تولى بعد ذلك توزيعها بنفسه على الناس كما جاء في باقي آيات سورة يوسف .
والإحصان كما قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور - رحمه الله - هو الوضع في الحصن، وهو المطمور .
وعلمنا أن المطمور كما قال الرازي : المطمور حفرة يحفظ بها الطعام ، أي يخبأ ، وقد طمرها أي ملأها .
الرؤية العلمية للآية القرآنية :
قال لهم : ( فذروه في سنبله ) أي فاتركوه في سنبله .
والسنبلة ( Spike): عبارة عن مجموعة من الأزهار تجمعت بطريقة معينة ، وبترتيب معين على محور يسمى محورالسنبلة، ويسمى هذا التجمع بالنورة Inflorecence.
والسنبلة نوع من النورات غير محددة النمو لأن طرف المحور لا ينتهي بزهرة توقف نموه, ولذلك يزداد المحور في الطول، وتزداد عدد الأزهار التي يحملها بزيادة طوله.
وينتمي القمحTriticum vugariوالشعير Hordum vulgariوالذرة الشامية Zea maysوالذرة العويجة Sorghum vulgariوالأرز Oryza sativaإلى العائلة النجيلية Family : Gramineaeوهي أصل الغذاء في الأرض وتتركب سنبلة القمح ( أو نورة القمح ) من عدد من السنيبلات spikelet، تتكون كل سنبلة من عدد الأزهار الجالسة (بدون عنق) على محور (Rachilla) قصير مفصلي.
وتنظم الأزهار في صفين وتغلفها جميعًا قنابتان يطلق على السفلية منها اسم القنبعة الأولى (Firist Glume) وعلى الثانية العلوية القنبعة الثانية (Second Glume) وهي تنتمي إلى رتبة القنبعيات Order: Glumiflora.
الشكل التالي يبين أقسام سنبلة القمح
وتحيط بكل زهرة قنايتان، أحدهما سفلية خارجية تقع في الجانب الآمامي من الزهرة وتسمى العصيفة السفلى (Lemma)، والأخرى علوية داخلية تقع في الجانب الخلفي من الزهرة تسمى العصيفة العليا (Palea) .
إذًا الحبوب تحاط من خارجها بالاغلفة التالية :
القنابع Glumes.
العصيفة العليا Palea.
العصيفة السفلى Lemma.
علاوة على أغلفة الحبة نفسها الملتصقة بالحبة , كل هذه الأغلفة لها دور رئيس في حفظ الحبوب بعيدًا عن التأثيرات البيئية الخارجية وعوامل التلف والأنبات.
وفي الذرة الشامية Zea maysتنشأ النورة المؤنثة (كوز الذرة) في جانبي ساق النبات ووسطه .
والنورة المؤنثة (كوز الذرة ) سنبلة مُحوَّره، تتركب من محور وسطي (القولحة التي ينتظم عليها الحبوب التي نأكلها) تحمل السنبلات المؤنثة مرتبة في أزواج في صفوف طولية، يتركب كل زوج من سنبلتين جالستين، وتتكون الزهرة من عصيفة قصيرة وإتْب، وهناك الذرة المغلفة (Pod Corn)، وفيها يغلف كل حبة غلاف من القنايات كما يغلف الكوز بأغماد الورق.
ولأغلفة الحبوب، وكوزالذرةأهمية في حفظ الحبوب عند التخزين بشرط الجفاف التام لجميع الأغلفة .
وفي الأرز تغطى الحبوب بأغلفة من القنابع والعصيفة والأتب.
والحبوب عبارة عن ثمار جافة ذات بذرة يخزن فيها الغذاء النشوي في نسيج الأندوسبرم .
الأغلفة ودورها في حماية الحبوب :
نخلص من الوصف السابق أن حبوب القمح، والشعير، والأرز، والذرة، مغطاة بأغلفة خاصة من الأوراق هي : القنابع, والعصيفات، وأغماد الأوراق، علاوة على أغلفة ( جُدُر ) الحبة الملتصقة بتركيب الحبة تمامًا بطريقة يصعب إزالتها باليد، وهي الأغلفة التي تميز الحبوب عن البذور، وتجعلها من الثمار، فالحبوب ليست من البذور، وهي من الثمار الجافة من النوع بُرَّه (Coryopsis) وهي كربلة واحدة تحتوي على بذرة واحدة – غلاف الثمرة يلتصق تمامًا بالقصرة .
صورة للأغلفة التي تحيط بحبة القمح

وهذه الأغلفة تحمي الثمرة وقت وجودها على النبات وبعد حصاده، وتمنع إنباتها على النبات الأم أو في وقت الدراس والتخزين .
أهمية ترك الحبوب في سنابلها :
- ترك الحبوب في أغلفتها وعلى محورها ( السنبلة ) يحفظ الحبوب من التلف لمدة طويلة للأسباب التالية :
-الأغلفة بها مواد ( مثبطة للنمو ) تمنع إنبات الحبوب وهو على النبات الأم وبأغلفة الحبة مواد مثبطة للإنباتأيضاًتمنع إنبات الحبوب وقت الدراس والتذرية والتخزين السليم .
-الأغلفة تحمي الحبوب من الجفاف أيام الصيف وحمايتها من الرطوبة الخارجية أمام الشتاء.
-تحفظ الأغلفة درجة حرارة الحبوب من الارتفاع في الصيف ، والانخفاض في الشتاء , لأن هذه الأغلفة عازلة للحرارة ، وهذا يحفظ البذور بعيدًا عن التأثيرات الخارجية,ويساعد على حيوية الجنين ، وصلاحية الغذاء المدخر فيها لمدة أطول .
-الأغلفة المحيطة بالحبوب تمنع وصول الرطوبة إلى الحبوب أو إلى فقدانها لرطوبتها الذاتية ، خاصة أن تلك الأغلفة المحيطة بالحبوب ملجننه الجدر ولا تتشرب الرطوبة بسهولة، وبذلك لا تنمو الفطريات وخاصة الجنس اسبرجيللاس Aspergillus وعفن الخبزRhizopus والبنسليوم Penicillus، وهذا يحمي البذور من التحلل والتعفن أو احتوائها على السموم خاصة الأفاتوكسين التي ينتجها الفطر اسبرجيللاس فلافس Aspergillus flavus، وهذه المادة السامة تؤدي إلى سرطان الكبد ، وهي من أخطر آفات البذور والحبوب المحتوية على الزيوت والمخزنة بطريقة سيئة .
-وجود الأغلفة بين الحبوب يؤدي إلى تهويتها وعدم تكدسها ، وعدم التهوية فالتكديس يؤدي إلى سرعة تعفن الحبوب وعزلهاعن البيئة الخارجية تساعد على حيوية الجنين وعدم موته ، وبذلك يمكن زراعته وإنباته بسهولة .
-الأغلفة المغطاة للحبوب تمنع عملية الأكسدة الضوئية للمحتويات الغذائية المدخرة من الحبوب ، وتمنع تزنخ Rancidityالمواد الدهية فيها، وتحافظ على البروتين من التغيير، فالضوء يؤدي إلى الأكسدة الضوئية، والإسراع في تزنخ الدهونوتغيير تركيب المواد الغذائية في الحبوب وغيرها.
-الأغلفة تحمي الحبوب من سقوط جراثيم الفطريات، والخلايا البكتيرية على الحبوب مباشرة أو وصولها إليها فلا تنمو عليها وتتلفها بسهولة .
وكما قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الإحصان في قوله تعالى : ( إلا قليلاً مما تحصنون )، هو الوضع في الحصن وهو المطمور .
وكما قال الرازي المطمورة: حفرة يطمر فيها الطعام أي يخبأ، وقد طمرها أي ملأها .
صورة لسنبلة قمح

وهذا معناه أن السنابل موضوعة في مخازن محصنة، وليست متروكة في الحقول أو الأجران أو في أماكن غير محصنة .
أو أنها مطمورة في حجرات تحت الأرض كما يفعل المصريون هذه الأيام في الفول المكمورة أو المطمورة حيث يخزنون القول في مخازن تحت الأرض مغطاة بتراب الأفران منعًا لتسويتها وأكسدتها ضوئيًا وتلفها .
منع البييضات الداخلية التي وضعتها الحشرات بحقنها داخل الحبوب قبل نضجها من إتمام دورة حياتها داخل الحبة وإفسادها وتسويسها .
حماية السنابل من التغييرات البيئية الخارجية ( الحرارة ، الرطوبة ، الضوء ) .
حماية الحبوب في المخازن المحصنة من الفئران ، والحشرات الخارجية ، والعصافير ، والحيوانات ، واللصوص ، والعبث ، والأمطار ، والسيول .
أثبتت بعض التجارب العلمية أن ترك الحبوب في السنابل لمدة عامين لم يطرأ عليها أي تغيير صحي وبقيت على حالتها100% بخلاف الحبوب المنزوعة الأغلفة.
أن البذور التي تركت في سنابلها فقدت كمية مهمة من الماء وأصبحت جافة مع مرور الوقت بالمقارنة مع الحبوب المفصولة من سنابلها ، وهذا يعني أن نسبة 20.3% من وزن الحبوب المجردة من سنابلها مكون من الماء مما يزيد تعفنها .
تفوقت بادرات الحبوب المتروكة في سنابلها في إنباتها وطول جذورها بنسة (20%) وكذلك طول الرويشات والسيقان بنسبة (32%) على بادرات الحبوب منزوعة الأغلفة .
نقصت كمية البروتين في الحبوب المفصولة عن سنابلها بنسبة (20%) بعد سنة واحدة ، (32%) بعد سنتين .
استخدام الصوامع والمخازن المحصنة :
صورة لصومعة حديثة يخزن فيها القمح

كلمة مما تحصنون تظهر أنهم استخدموا الصوامع والمخازن المحصنة في التخزين .
وهذا لا يمنعنا من استخدام التقنيات الحديثة في تخزين الحبوب ، ولكن سيدنا يوسف دلهم على طريقة علمية وتقنية تصلح لما هو متاح من علم وتقنية يومها .
لذلك نحن نحتاج إلى دراسات علمية بحثية في تخزين الحبوب والبذور والثمار تتلائم مع دعوة القرآن الكريم للعلم واستغلال نواميس الله في الكون .
وهذا غيض من فيض ما تحمله الآية من معاني علمية يمكن للمختصين غيرنا القيام بها ونشرها, فالقرآن لا تنقضي عجائبه لا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
راسل المؤلف:

(1) نقلاً عن التفسير المنير.
(2) في الأصل الأديان وهذا لا يجوز.
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.05 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]