عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 02-02-2007, 06:12 PM
الصورة الرمزية المستغفرة
المستغفرة المستغفرة غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
مكان الإقامة: سوريا
الجنس :
المشاركات: 1,063
الدولة : Syria
افتراضي

الرتق والفتق نظرة علمية قرآنية





بقلم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك


باحث لغوي في الإعجاز البياني
للقرآن الكريم ومدرس للغة العربية
قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ:﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(الأنبياء:30)
تشير هذه الآيةالكريمة إلى حقيقتين من حقائق هذا الكون، تدلان على إلهية الله تعالى، ووحدانيته، وأنه لا مبدع، ولا خالق سواه: الأولى منهما تتعلق بوحدة هذا الكون العجيب الصنع.والثانية تتعلق بسرِّ الحياة في هذا الكون الفسيح.
والخطاب في الآية الكريمة يراد به عموم الذين كفروا، وإن كان في حقيقته موجهًا لليهود؛ لأنهم المعنيون به، فهم الذين كفروا بوجوده سبحانه، وبقدرته، وسرِّ صُنعه؛ ولهذا أنكر الله تعالى عليهمكفرهم بآياته، في أول الآية بقوله:﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، ثم وبَّخَهم على كفرهم في آخرها بقوله:﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ، فجاء آخر الآية مُطابقًا لأولها. أي: أفلا يكفِهم ذلكدليلاً على الإيمان!!
أما الحقيقة الأولى فيشير إليها الشِّقُّ الأول من الآيةالكريمة؛ وهو قوله تعالى:﴿ أََوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾
أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض، كانتا منضمتين إلى بعضهما. أي: ملتحمتين، لا فضاء بينهما، ففصلناهما عن بعضهما. أي: كانتا كرة واحدة، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته!
أخرج الطبري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال:كانتا ملتصقتين . وعن عبيد بن سليمان، قال:سمعت الضَّحَّاك يقول في قوله:﴿ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾، كان ابن عباس يقول: كانتا ملتزقتين، ففتقهما الله .
وقالالبَغَوِيُّ:قال ابن عباس- رضي الله عنهما- وعطاء وقتادة: كانتا شيئًا واحدًا ملتزقتين، ففصلنا بينهما بالهواء .
والرَّتْقُ في اللغة: السَّدُّ. والفَتْقُ: الشَّقُّ. يقال منه: رَتَقَ فلان الفَتْقَ: إذا سَدَّه، فهو يرتقه رَتْقًا ورُتًوقًا، ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجُها ملتحمٌ: رَتْقَاءُ.
وقوله تعالى:﴿ أََوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾استفهام إنكاري، الغرض منه التنبيه، أو التذكير. وكوْنُه كذلك يقتضي أن ما بعده قد وقع، وعلم به الناس إما عن طريق المشاهدة، أو عن طريق السماع؛ نحوقوله تعالى﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ﴾(يس:77). فهذا تنبيه وتذكير للإنسان ممسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعدما شاهدوا في أنفسهم ما يوجب التصديق به.
وقيل في تفسير قوله تعالى:﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بٍأًصْحَابِ الْفِيلِ(الفيل:1):الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو، وإن لم يشهد تلك الوقعة، لكن شاهد آثارها، وسمع بالتواتر أخبارها، فكأنه رآها .
وكذلك قوله تعالى:﴿ أََوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾يقتضي أن الذين كفروا رَأَوْا هذه الظاهرة العجيبة، إماعن طريق المشاهدة، أو عن طريق السماع. ولو لم يكونوا قد شاهدوها حقًّا، لما جاز خطابهم بهذا الخطاب، الذي يقتضي أن ما بعده قد وقع، وأنهم شاهدوه، أو شاهدوا آثاره، وسمعوا به.
قال الفخر الرازي عند تفسير هذه الآية الكريمة:اليهود، والنصارى كانوا عالمين بذلك؛ فإنه جاء في التوراة: إن الله تعالىخلق جوهرة، ثم نظر إليها بعين الهيبة، فصارت ماء، ثم خلق السموات، والأرض منها، وفتق بينها. وكان بين عَبَدَةِ الأوثان، وبين اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوةمحمد صلى الله عليه وسلم، فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلونقول اليهود في ذلك .
والخطاب في الآية الكريمة لم يكن مقتصرًا على الكفار في عصر النبوة من اليهود، والنصارى، وغيرهما؛ لأن المراد به العموم، فيشمل الكفار في كل زمان ومكان. فإن لم تكن الرؤية قد تحققت للكفار في العصور القديمة، فقد تحققت لهم في عصرنا هذا، فرأوا بأعينهم هذه الظاهرة العجيبة، التي أخبر الله تعالى عنها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة مضت.
ومذهب المفسرين أن الاستفهام في الآية الكريمة للتقرير؛ ولهذا قال الزمخشري:فإن قلت: متى رأوْهما رَتقًا، حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أنه واردٌ في القرآن، الذي هو معجزة في نفسه، فقام مَقام المَرْئِيِّ المُشاهَد. والثاني: أن تلاصق الأرض والسماءوتباينهما، كلاهما جائزٌ في العقل؛ فلا بدَّ للتباين دون التلاصق من مخصِّص؛ وهو القديم سبحانه .
وحَمْلُ هذا الاستفهام على التقرير لا يستقيم مع المعنى المراد من الآية الكريمة؛ لأن التقرير هو حَمْلُ المخاطب على أمر قد استقرَّ عنده، وعلم به، ثم جَحَدَه. وهؤلاء لم يَجْحَدوا ما علموا به، ولم ينكروا ما رأوه؛ ولكنهم بدلاً من أن يؤمنوا كفروا عنادًا واستكبارًا. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:
﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ(البقرة:89)
وهذا ما أنكره الله تعالى عليهم بقوله:﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا.. ﴾؟ لأن المتوقع ممن رأى هذه الظاهرة الكونية أن يعترف بوحدانية الخالق جل وعلا، وقدرته، وأن يؤمن به، ولا يشرك به أحدًا من خلقه؛ ولهذا أنكر عليهم سبحانه وتعالى كفرهم به، ثم وبخهم عليه في نهاية الآية بقوله:﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ؟



توصل علماء الفلك أن الكون كله كان مركزاً في كتلة صغيرة بحجم البيضة تم تسميتها بالبيضة الكونية ثم أنفجر هذا الكون لينتج عنه هذا الكون الفسيح وهذا أقرب ما يكون للتفسير القرآني لنشأة الكون



ونحو ذلك قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام:﴿أَوَلَمْ تُؤْمِن ﴾(البقرة:260).
أي: قد ثبت إيمانك بإحياء الموتى، فلمَ تسأل ؟ مشيرًا بذلك إلى قوله:﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى ﴾(البقرة:260)؟ فأنكر سبحانه وتعالى عليه سؤاله عن كيفية الإحياء؛ ولهذا أجاب إبراهيم عليه السلام بقوله:﴿بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾(البقرة:260).
وهذا الاستفهام لا يجوز حمله على استفهام التقرير، لما ذكرنا من أن التقرير هو حمْل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد علمه، واستقرَّ عنده، ثم جحد به عنادًا واستكبارًا. يبين ذلك قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ *وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً(النمل:14).
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.44 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]