عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-01-2021, 04:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,939
الدولة : Egypt
افتراضي فضل الجهاد في سبيل الله

فضل الجهاد في سبيل الله
د. أمين بن عبدالله الشقاوي






الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..


إن الجهاد في سبيل الله من أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، ونصر عباده المؤمنين، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله، ويقفون في طريقه، ولما يترتب عليه أيضًا من إخراج العباد من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. وغير ذلك من المصالح التي تخص المؤمنين، وتعم الخلائق أجمعين.


قال ابن القيم رحمه الله: «والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، قال تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41]»[1].


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة، فيجب بغاية ما يمكن»[2]، وفي الحديث: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»[3].


وقد وردت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تبين فضل الجهاد، ومكانته العظيمة، فمن ذلك:
أن الجهاد هو التجارة الرابحة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10 - 13].


روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعْ مَا نَالَ مِنْ أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! مَا مِنْ كَلْمٍ، يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ، اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ»[4].


ومنها: أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ»[5].


ومنها: إعانة الله للمجاهد في سبيله، روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ»[6].


ومنها: أنه ذروة سنام الدين، روى الترمذي في سننه من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ، وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ»، قلت: بلى يا رسول الله! قال: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ»[7].


ومنها: أن الغدوة والروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل ابن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ [8] يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ [9] خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»[10]، والمراد في سبيل الله، أي الجهاد.


ومنها: أن درجات المجاهدين في سبيل الله عالية، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ - أُرَاهُ قَالَ: وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ»[11].


وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ»[12].


ومنها: أن للشهيد عند الله ست خصال، روى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»[13].


ومنها: أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة، سُئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169]؟ قال: أما إنَّا قد سألنا عن ذلك [14]، فقال: « أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنادِيلِ، فاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطلاعَةً، فَقالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي، وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا»[15].


وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ[16]نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا»[17].


قال ابن كثير رحمه الله: «وكأن الشهداء أقسام، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر، فيجتمعون هنالك، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح. والله أعلم»[18].


ومنها أن المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[19].


ومنها أن جهاد المسلم خير له من العبادة ستين سنة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مر بشعب فيه عين عذبة، قال: فأعجبه - يعني طيب الشِّعب - فقال: لو أقمت ها هنا وخلوت! ثم قال: لا، حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: «مُقَامُ أَحَدِكُمْ - يَعْنِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ - خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ فِي أَهْلِهِ سِتِّينَ سَنَةً، أَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَتَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ[20]، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ»[21].


ومنها فضل المجاهدين على القاعدين، قال تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 95].


قال ابن دقيق العيد رحمه الله: «الجهاد أفضل الأعمال؛ لأنه وسيلة إلى إعلان الدين ونشره، وإخماد الكفر ودحضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك. والله أعلم»[22].


وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله: «لما بذل الشهداء أنفسهم من أجل الله، أبدلهم الله حياة خيرًا من حياتهم التي بذلوها، وجعلهم جيرانه، يبيتون تحت عرشه، ويسرحون من الجنة حيث شاءوا، لما انقطعت آثارهم من السروح في الدنيا»[23].


وقال أيضًا: «يشرف البذل بشرف المبذول، وأفضل ما بذله الإنسان نفسه وماله، ولما كانت الأنفس والأموال مبذولة في الجهاد، جعل الله من بذل نفسه في أعلى رتب الطائعين وأشرفها لشرف ما بذله مع محو الكفر ومحق أهله، وإعزاز الدين وصون دماء المسلمين»[24].


وليعلم أن الفضل الوارد في الآيات الكريمات والأحاديث النبوية الشريفة لا يكون إلا لمن قاتل لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[25].


وينبغي للمؤمن أن يحدث نفسه بالجهاد، وشرف نصرة الدين، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»[26].


وإذا صدق في سؤال الله الشهادة، بلغه الله منازل الشهداء، روى مسلم في صحيحه من حديث سهل بن حنيف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ»[27].


تنبيه:
من كرامات الشهيد أنه لا يجد ألم الموت الشديد، فقد روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ »[28].


قال ابن القيم رحمه الله: «لا يجد الشهيد من الألم إلا مثل مس القرصة، فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو معتاد لبني آدم، فمن عد مصيبة هذا القتل أعظم من مصيبة الموت على الفراش فهو جاهل، بل موت الشهيد من أيسر الميتات، وأفضلها، وأعلاها»[29].


قال المناوي رحمه الله: «يعني أنه تعالى يهون عليه الموت، ويكفيه سكراته وكربه، بل رُبَّ شهيد يتلذذ ببذل نفسه في سبيل الله طيبة بها نفسه»[30].


وأختم بهذه الأبيات التي أرسلها عبد الله بن المبارك رحمه الله إلى الفضيل بن عياض من طرسوس:
يَا عَابِدَ الحَرَمْينِ لَوْ أَبصْرتَنَا
لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ خَدَّهُ بِدُمُوعِهِ
فَنُحُورُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ
أَوْ كَاَن يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ
فَخُيولُنَا يَوْمَ الصَّبِيحةَِ تَتْعَبُ
رِيحُ العَبِيرِ لَكُمْ ونَحْنُ عَبِيرُنَا
رَهْجُ السَّنَابِكِ[31] والغُبَارُ الأَطْيَبُ
وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا
قَوْلٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لَا يَكْذِبُ
لَا يَسْتَوِي غُبْارُ خَيْلِ اللهِ فِي
أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلْهَبُ
هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنطِقُ بَيْنَنَا
لَيْسَ الشَّهِيدُ بِمَيِّتٍ لَا يَكْذِبُ
فألفيت الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه وبكى، ثم قال: صدق أبو عبدالرحمن ونصح[32].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آل هوصحبه أجمعين.


[1] زاد المعاد (3/ 64).

[2] الفتاوى الكبرى (5/ 538).

[3] سنن أبي داود برقم 2504، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج أحاديث مشكاة المصابيح (2/ 1124) برقم 3821.

[4] صحيح البخاري برقم 3123 إلى قوله: أو غنيمة، وصحيح مسلم برقم 1876.

[5] صحيح البخاري برقم 26، وصحيح مسلم برقم 83.

[6] برقم 1655، وقال: هذا حديث حسن.

[7] برقم 2616، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

[8] الروحة: المرة الواحدة من الرواح، وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها. النهاية في غريب الحديث (3/ 346).

[9] الغدوة بالفتح: المرة الواحدة من الغدو، وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه. النهاية في غريب الحديث (3/ 346).

[10]صحيح البخاري برقم 2892، وصحيح مسلم برقم 1881.

[11]صحيح البخاري برقم 2790.

[12] صحيح البخاري برقم 2817، وصحيح مسلم برقم 1877.

[13] برقم 1663، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح الترمذي (2/ 132) برقم 1358.

[14] يعني: النبي صلى الله عليه وسلم. انظر شرح صحيح مسلم (13/ 34).

[15] صحيح مسلم برقم 1887.

[16] بارق: أي على جانب نهر. الفتح الرباني للبنا رحمه الله (13/ 28).

[17] (4/ 220) برقم 2390، وقال محققوه: إسناده صحيح. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 262): وهو إسناد جيد.

[18] تفسير ابن كثير رحمه الله (3/ 263).

[19] صحيح البخاري برقم 2787، وصحيح مسلم برقم 1878.

[20] فُواق ناقة: بضم الفاء وتفتح، هو ما بين الحلبتين من الراحة.

[21] (15/ 474) برقم 9762، وقال محققوه: إسناده حسن.

[22] فتح الباري (6/ 8).

[23] أحكام الجهاد وفضائله ص84.

[24] المرجع السابق ص54.

[25] صحيح البخاري برقم 2810، وصحيح مسلم برقم 1904.

[26] برقم 1910.

[27] برقم 1909.

[28] برقم 1668، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الشيخ الألباني رحمه الله - كما في صحيح الترمذي (2/ 133) برقم 1362: حسن صحيح.

[29] إغاثة اللهفان (2/ 194).

[30] فيض القدير (4/ 182).

[31] الرهج: الغبار، والسنابك جمع سنبك، طرف حافر الخيل وجانباه من قدام.

[32] انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 378-421).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]