عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-10-2020, 03:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي قانصوه الغَوري السُّلطان الشاعر

قانصوه الغَوري

السُّلطان الشاعر (1)

(906 - 922هـ / 1501 - 1516م)



د. إيمان بقاعي



-1-

هو قانصوه بن عبد الله الشّركسي، السّلطان الأشرف المشهور بالغَوْري[1]، وسمَّاه ابن طولون: "جندب" وجعل قانصوه لقبًا له، قال: والغوري نسبة إلى طبقة الغور.

قال ابن الحنبلي: إحدى الطَّبقات الّتي كانت بمصر مدة تعليم المؤدبين[2]، وهو الّذي ذكره المتنبي وهو يمدح كافورًا:
يدبّرُ الملكَ مِن مصر إلى عدن
إلى العراقِ فأرضِ الرُّومِ فالنّوب[3]




وكان الغوري - رغم تسلّمه مصر وهي في أحرج ساعاتها[4] - مهتمًّا بالعلم والفن والأدب. وقد عاش في عصره علماء كبار كجلال الدّين السّيوطي والسّنحاوي والقسطلاني وزكريا الأنصاري وفخري الدّين عثمان اليمي، ونور الدّين الأشموني ومحمد ابن النَّار الدّمياطي وابن إياس الحنفي.

كذلك عرفت مصر في عهده عددًا لا بأس به من المهندسين والأطباء والمشاهير والصُّناع. وكان مهتمًّا بإنشاء الأبراج والمعامل وسفن الأسطول[5]، كما كان مهتمًّا بمنشآته الخاصة وزخرفة مبانيه وإنشاء البساتين وغرس الفاكهة والأشجار فيها. وكان لديه أماكن عدة يقيم فيها أيامًا يجمع إليه الأمراء ويقيم الموائد والزّينة ويجلب الأزهار، ويستقدم إلى ذلك طائفةً مِن القراء والوعّاظ للقراءة من الذِّكر[6].

أما اهتمامه بالعلم والتَّعليم: فقد توجه إلى العناية بالعلوم الدّينية والعربية، فكانت المساجد والمدارس مفتوحة لأبناء الشّعب، مزودة بمجموعات مِن الكتب، ولها أوقاف ينفق مِن ريعها وبجوارها خوانق وزوايا للصّوفية.

وقد أنشأ مسجدًّا بحي الشّربشيين وبنى إزاءه مدرسة وقبة ومدفنًا ومكتبًا لتعليم الأيتام، ووظف له من كبار شيوخ عصره. وكان التَّعليم في عهده مقسَّمًا إلى ثلاثة مراحل: مرحلة الطّفولة، ومرحلة المراهقة والشّباب، والمرحلة التي يجلس الطَّالب فيها باختياره إلى عدد مِن كبار شيوخ العلم في مسجد أو أكثر فيشافههم مستعينًا بمحفوظاته حتى إذا نضج، اختبره واحد منهم أو أكثر فيما درسه عليه، فيمنحه "إجازة" بالفتوى أو التَّدريس أو رواية الحديث، ومن ثم يفتح له باب العمل والوظيفة.

أما الحياة الأدبية في عهده، فنجد أن العربية الفصحى كانت لغة الرّسائل والمكاتبات الدِّيوانية ولغة التّأليف والشّعر. وقد اشتهرت الخطابة المنبرية لضرورتها الدّينية، وكان الخطباء ينشؤون خطبهم كما ينشئ الكتاب رسائلهم.

وكانت الخطبة ميدانًا للمنافسة بين الخطباء أحيانًا وذلك لاهتمام الجماهير بها. وكان الغوري شديد العناية باختيار خطبائه كما كانت العناية بالكتابة الفنية عناية بالغة؛ فمنذ زمن بعيد وديوان الإنشاء بالقاهرة قائم يتولى تسلم الرَّسائل والمكاتبات الواردة باسم السّلطان ويرد عليها ويلقب رئيسه بـ: (كاتب السّر)، ويُختار مِن بين أفاضل الكتَّاب وأبرعهم إنشاء، وأعرفهم برسوم المكاتبات الدِّيوانية، فضلاً عما يتَّصف بها من الذَّكاء والعلم والسِّياسة وبُعد النظر، فكان وجود هذا الدِّيوان سببًا في تنافس فحول الكتاب في إجادة الكتابة.

وكان لكلٍّ مِن الكتابة الدّيوانية وغير الدّيوانية، قيود فنية والتزامات بديعية ظلت على مدى العصر تزيد وتكثر ألوانها حتى أثقلت كاهل الكتابة آخر الأمر[7]. واتًّضح ذلك في عهد الغوري أكثر مما كان قبله واشتهر مِن رؤساء ديوان الإنشاء في العهد المذكور: القاضي محمود بن أجا الحلبي (كاتب السّر بمصر)، ونائبه القاضي: شهاب الدّين أحمد بن الجيعان[8].

أما أشهر الكتَّاب في هذا العصر، فكانوا: "فضل الله العمري وابن نباته ومحيي الدّين بن عبد الظّاهر"[9]، والأخير أشهرهم.

وكان الشّعر في عصره أكثر رونقًا وجودة مِن الكتابة. وقد تضمَّن الشّعر أغراضًا متعددة منها: النَّقد الاجتماعي والهجاء والمدح والمديح النَّبوي والغزل والتَّشوق والعتاب والوصف والرِّثاء.

كما تناول شؤون التّربية والحكمة والنَّصيحة والتَّصوف، وكذلك رثاء الدّولة الزَّائلة، والإخوانيات بعامة[10].

وكان الشّعراء كثيري العدد، إذ ذكر ابن إياس أن مائتي شاعر انبرى للرَّدِّ على الشَّاه إسماعيل الصُّوفي، ملك العجم الّذي أرسل متهكمًا بيتي شعر للغوري مع رسول له يحمل رأس أزبك خان ملك التّتار، فاختار السّلطان رد الشّاعر صفي الدّين الحلي وأرسله إلى الشَّاه.

وبيتا إسماعيل الصُّوفي اللّذان تهكَّم فيهما على الغوري لاهتمامه بغرس الرَّياحين عن الحروب والقتال هما:
السَّيفُ والخنجرُ ريحانُنا
على النّرجس والآسِ

مُدامنا مِن دمِ أعدائِنا
وكأسُنا جمجمة الراسِ


أما بيتا الحلي فهما:
ولي فرسٌ للخيرِ بالخيرِ ملجمٌ
ولي فرسٌ للشَّرِّ بالشَّر مسرجُ

فمَن رامَ تقويمي فإني مقومٌ
ومَن رامَ تعويجي فإني معوجُ[11]




وقد اشتهر عدد كبير مِن الشّعراء في عصره فكانت الحركة الأدبية ذات نبض وحياة ونتاج[12].

قانصوه الغوري أديبًا


كان السّلطان الغوري أديبًا شاعرًا محبًّا للعلم والأدب، واسع المعرفة بثقافة عصره. وله شعر بالعربية والترُّكية، وشعر ملمّع (بعض أبياته بالعربية وبعضها بالتركية - أو بعض أقسام كل بيت مِن الأبيات بالعربية وبعضها الآخر بالترُّكية[13]، وكان ذا ملَكة يتفهم بها الأدب...

وكان مُشاركًا في علوم العربية مِن نحو وبلاغةٍ وغيرها[14]، كما كان عارفًا بلغات عديدة؛ ففي مجالس السّلطان الغوري ينقل عبد الوهاب عزام فيما يتعلق بهذا الموضوع:
"ثم قال مولانا السّلطان: أنا أعرف كثيرًا مِن الألسّن، فتكلم في كل لسان مثل فصحائهم:
الأول: العربي، والثّاني: اللِّسان العجمي، والثّالث: التركي، والرّابع: الكردي، والخامس: الأرمني، والسَّادس: الشّركسي، والسَّابع: أوزه وأخوخ راسي"[15]. ويشرح عبد الوهاب عزام الأمرَ قائلاً:
"وأما معرفة اللُّغات، فالعربية والتركية لا تحتاجان إلى بيان، وقد ذكر الشّريفي في الشَّاهنامه معرفته الفارسية، وروى مؤلف النَّفائس أن السّلطان قال في أحد المجالس: إنه يعرف كثيرًا من الألسّن وعدَّ سبع لغات"[16]. وطبعًا كانت معرفة السّلطان للّغة الشّركسية لا تحتاج إلى بيان.

أما محمود رزق سليم في كتابه: (الأشرف قانصوه الغوري)، فيقول:
"كان يتكلم العربية، بل كان عارفًا بالفصحى وشيء مِن نحوها وبلاغتها. وكان أديبًا ينظم الشّعر الفصيح"[17]. ومعرفته بالعربية والشّعر تتوضح لنا في المجلس الثَّامن مِن كتاب النفائس:
"السؤال الرّابع: "الفصحاء يذكرون الكلام بلا مؤكد، وإذا أنكر المخاطب يؤكدون بأن ثم باللام؛ فما حكمة التأكيدات الثَّلاث أولاً في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 16]"؟
الجواب: "قال مولانا السّلطان: قاعدة علم البيان أن أداة التَّأكيد على قدر إنكار المخاطب، فالله يعلم ما تكنّ صدورهم، فذكره بحسب إنكارهم"[18].

إن معرفة اللّغات أعطت السّلطان ثقافة واسعة وصفها الشَّريفي مترجم الشّاهنامة بقوله:
"ما تُذكر كلمة من العلم والمعرفة إلا أنت محيط بها، وقد أوتي قلبك حظًّا مِن كل معرفة، كأن ضميرك اللَّوح المحفوظ"[19].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]