عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-06-2019, 03:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: طفولتي الفيسبوكية

طفولتي الفيسبوكية (3)
أميرة محمود عبدالله




ومسك الختام (3)


الدردشة:
الدردشة تُشبهُ ما نفعلُه عندما نتعرَّف على شخصٍ ما في مكان عام، أو في المناسبات، أو عند الأقارب والأصدقاء، والناس متفاوتون في التجاوب مع الغير لسببٍ أو لآخرَ، وعلى الفيسِ قد تكون وهميَّةُ الصداقة السببَ في النفور وعدم الرغبة في التواصل عن طريق الدردشة أحيانًا.

قمتُ بالدردشةِ مع صديقةٍ لها اهتمامٌ بنَشْر أقوال علماء دين وحكماء، بادرتها بالسؤال عن طبيعة عملها، فرفضت الإجابةَ عن سؤالي قبل التعريف بنفسي؛ لأنني أنا مَن طلبت صداقتَها، التمستُ لها العذرَ، وتخيَّلت نفسي مكانَها، عرَّفتُها بنفسي؛ فارتاحت لتكملة الدردشة.

جاءتني محادثةٌ، طلبْتُ التعرُّف على الاسمِ؛ ففوجئتُ بأنه "عبدالله" فاعتذرتُ منه، وأخبرتُه أنني لا أُحادِثُ الرجالَ، فدعا لي بالتوفيق، وألغيت صداقتَه، علمًا أن اسمَ صفحته الشخصية كان عبارةً عن جملة مفيدة وطيِّبة، ووصلْتُ إليه عن طريق صديقةٍ.

الحذفُ وأسبابُه:
الحذفُ الأول - من قِبَلي - لسيدةٍ لم أكن أعلمُ مَن هي، فلما سألتُ أولادي كيف أصبحَتْ صديقتي أخبرني أصغرُهم أنَّها والدةُ صديقِه، كان قد طلب صداقتها منذ البداية ووافقت، لها اهتماماتٌ بالأحذية والإكسسوارات، فجاءتْ إحدى الصور بين منشورَيْنِ طيِّبينِ؛ فتسرَّعت بالحذف، ولم أكن أتوقَّعُ أنه سيمرُّ عليَّ صورٌ دعائيَّة من هذا القبيل بل أكثر قبحًا، بعدَ فترة فتحتُ صفحتها، فوجدت أنَّ ما يظهر للعامةِ يختلف عمَّا يُنشر للأصدقاء.

الحذف الثاني - من قِبَل إحدى صديقاتي:
وصلني منشورٌ يحمل عبارة متداولة بين الكثيرين "اللي ما له حظ لا يتعب ولا يشقى"، فعلَّقْتُ على منشورها بأنَّ هذه العبارةَ لا تصحُّ شرعًا؛ لما فيها من سوء ظنٍّ بالله عز وجل، واعتراض على قضائه وقدره، يبدو أن نصيحتي أزعجَتْها؛ فأسرعَتْ بإغلاق نافذتها المطلَّة على نافذتي، وأراحتْني من عناء التعليق على منشوراتها.

الحذفُ مُؤلمٌ - خاصَّة إن كان للأقارب والأرحام والأصدقاء - ويبقى العتابُ جميلًا ومريحًا إن كان لمعرفةِ سببِ الحذف (النفور)؛ فقد تعرَّض حسابي لغزوٍ غيرِ أخلاقي أزعجَني جدًّا؛ فسارعتُ قبل أن أستوضِحَ من أولادي عن الطريقة المثلى للتخلُّص من هذا الغزو، وقمت بحذفِ الأصدقاء حتى لا يُشاهدوا شيئًا مما شاهدتُ، حيث يظهر للجميع بأنني بهذه المنشورات غيرِ الأخلاقية معجبةٌ - والعياذُ بالله أن أُعجب بها - فيُسيئوا الظنَّ بي، وعزمت على الخروج من هذا العالم الافتراضيِّ بسلام.

بعد يومين أتاني العتابُ الأول هاتفيًّا، وكان من شقيقتي رحمها الله تعالى، سألتني عن السببِ في حذف بناتها؟ فطيَّبتُ خاطرَها، وأخبرتُها بأنني حذفتُ زوجي وأولادي كذلك، وعتابٌ آخرُ من صديقةٍ صغيرةٍ في السِّنِّ أرسلَتْ برسالة إلى ابنتي - صديقة مشتركة – طالبةً توضيحَ سبب الحذف، فأخبرَتْها ابنتي.

لم أستَطِعِ الثباتَ على رأيي بتركِه، فعُدْتُ إليه بعد عدَّة أيام، وبعدَ تنظيفه من الشوائب، وما هي إلا فترةٌ وجيزة ووصلني طلبُ صداقةٍ من كنزي الأول.

خصام الفيس بوك:
يَحصُل سوءُ فهمٍ وخلاف بين الناس - ربما يَصِلُ إلى حدِّ الخصامِ - وجدْتُ - وهذا رأي شخصي - أننا نُمارِسُه (الخصام) على الفيس بوك أحيانًا لسبب تافهٍ؛ كالتقصير في الزيارة، أو أداءِ الواجب، أو لخلافات عائليَّة، أو لكثرةِ الثرثرة، أو للاعتراض الكثير، أو لأنَّ منشورات الأصدقاء لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، فنقومُ بإغلاق نوافذنا الوهميَّة المطلَّة على نوافذهم، ويبقى لهم علينا حقُّ القرابة أو الأُخوَّة في الله.

الحظر:
كنت أبحثُ - على فترات متباعدة - عن صديقات لي في الغُرْبة، فوصلت إلى إحداهنَّ، فسارَعْتُ إلى طلب صداقتِها، فقامَتْ بحظري، وأخرى لم تُجِبْ، والسبب أظنُّه الاسمَ المستعارَ الذي يجعل المرءَ يتردَّدُ في القَبول؛ لخفائه - أَحمدُ اللهَ عز وجل أنَّه اسم صحابية.

بعد عدَّة أشهر قرَّرت أن أكتب اسمي صريحًا وباللغة العربية، بعد أن كان بغير العربيَّة، وأبقيت على اسم الصحابيَّة الجليلة التي درَّستُ سيرتَها سنوات عديدة في مدرسة تحمِلُ نفسَ الاسم.

وجوب التأكُّد قبل النشر:
المنشورات تُشبه أحاديثَ الناس؛ فليس كلُّ ما يُقال صحيحًا، فنرى البعض:

يُسارع إلى نشر أخبارٍ قبل التأكُّد من صحتها؛ لينال شرفَ السَّبق في الإعلان، ونشر الأخبار، وسرعان ما يتبيَّن أنَّها مجردُ إشاعةٍ لا أساس لها من الصحة.

يأمرُنا الله عز وجل بالتثبُّت من نقل الخبر في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

رُبَّ كلمةٍ غيرِ صحيحةٍ ألحقَتِ الضررَ بالكثيرين.

روى أبو هريرة عن رسول صلى الله عليه وسلّم قولَه: ((كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سمع))؛ رواه مسلم.

والبعض يُسهم في نشر الأحاديث الموضوعة؛ وهي أحاديثُ مكذوبة، نُسِبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهتانًا وزورًا دون أن يُكلِّفَ نفسَه عناءَ البحث عن صحَّتِها، علمًا أنَّ البحث عن صحَّة الأحاديث ودرجتها بات سهلًا؛ كسهولة النشر، في المقابل - ولله الحمدُ - هناك مَن أنشَأَ صفحاتٍ على الفيس بوك للدفاع عن السُّنة النبويَّة الشريفة؛ لتحذير الناس من تداول هذه الأحاديث؛ حتى لا يُساهموا في الكذبِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن كذب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأْ مقعدَه من النار))؛ متفقٌ عليه.

كان الصحابةُ رضي الله عنهم يُشدِّدون في مسألة التحدَّيث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتحرَّوْنَ الدقَّة في الألفاظ؛ ولذا كان أنسُ بنُ مالكٍ إذا أراد أن يُحدِّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم تغيَّر لونُه، ثم قال: أو كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

مسك الختام:
إبداعاتُ أصدقائي الكتابيَّة بَهَرتْني؛ فتحمَّسْتُ للكتابة على هذا العالم الأزرق، كانت لي مساهماتٌ بسيطة، من أوائلها التعريف بالصحابيَّة أم سلمة رضي الله عنها، بَيْدَ أنَّ الظروفَ الصحيَّة لم تساعدني على الاستمرار؛ فتوقَّفْت فترة بسيطة، تواصلت خلالها مع صديقةٍ وسألتُها عن شروط النشرفي الألوكة، فأجابَتْ بلطفٍ شديد، وختَمَتْ محادثتَها معي بقولها: "كلنا نتعلَّم"، كلامها ذكَّرني بمقولة تعلَّمناها من آبائنا بأن الحياة "مدرسة"؛ ففي كل يوم نتعلَّم جديدًا، فالقراءةُ، وجمع المعلومات، ثم الكتابة ليقرأَ لنا غيرنا فيها فوائدُ عظيمةٌ تعود علينا وتفيد غيرنا.

وصولي إلى الألوكة مسكُ ختام طفولتي الفيسبوكيَّة، وبداية الانطلاق لمرحلة النُّضْجِ والعطاء؛ فزكاةُ العلم بذلُه.

ما بين طفولتي الحقيقيَّة وطفولتي الفيسبوكيَّة خمسةُ عقودٍ ونيِّفٌ؛ الأولى قضيتُها بين ربوع طبيعةٍ ساحرة في فلسطين الحبيبة، والثانية أمام شاشةٍ ثابتة أو متنقِّلة، في الأولى علَّمني والداي وأشقائي أبجديَّات الحياة، أما في الثانية فساعدني أبنائي وعلَّموني أبجديَّات الفيس بوك، وشجَّعني الزوج على الكتابة.

جزى اللهُ الجميعَ خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.28 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]