عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 03-03-2024, 06:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,952
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة




الأربعون الوقفية (14)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاماً وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملاً, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث الرابع عشر دليل على مشروعية الوقف، وصحة وقف المنقول، من الأعتاد والدروع، وجواز وقف كل ما جاز بيعه، وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه، كالعقار، والحيوان، والسلاح، والأثاث، وأشباه ذلك.

الحديث الرابع عشر
وقف الأدرع والأعتاد في سبيل الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما إنكم تظلمون خالداً، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله».
امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، على وقفه أَعْتَاده وأدراعه. فقال: «فإنكم تظلمون خالداً»: والمعنى إنكم تظلمونه بطلبكم الزكاة منه، إذ ليس عليه زكاة «فقد احتبس» أي وقف قبل الحول «أدراعه» جمع درع الحديد، (وأعتاده) جمع عتد، وهو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح. وقيل: الخيل خاصة.
وفي شرح النووي على مسلم: «قال أهل اللغة: الأعتاد: آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها، والواحد عتاد بفتح العين، ويجمع أعتاداً وأعتدة. ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم علي، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن خالداً منع الزكاة، فقال لهم: إنكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها، فلا زكاة فيها. ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه؟».
والسبيل هي الطريق، وسبيل الله في القرآن تطلق على معنيين: الأول: معنى عام، وهو كل طريق يوصل إلى الله، فيشمل كل الأعمال الصالحة كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وكقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} أي: دينه. والثاني: خصوص الجهاد، وهذا مثل قوله: {ِإنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}... {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}. أي: الغازون في سبيل الله، ويشمل الغزاة وأسلحتهم، وكل ما يعين على الجهاد في سبيل الله من سلاح وغيره.
واستدل أهل العلم بهذا الحديث من جملة ما استدلوا على جواز وقف كل ما جاز بيعه، وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه، وكان أصلاً يبقى بقاءً متصلاً. كالعقار، والحيوان، والسلاح، والأثاث، وأشباه ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.
ولا يشترط للوقف مبالغ كبيرة، فقد يكون الوقف مصحفاً، أو غرس نخل، أو حفر بئر، أو جريان نهر، أو عتاد وأدراع في سبيل الله، أو غيرها، مما يصح وقفه؛ وأفضله ما كان أنفع في زمنه للمسلمين ولكل كبد رطب.
والتطبيقات التاريخية للمؤسسات الوقفية أنتجت حضارة إسلامية ما زالت بعض آثارها العملية ماثلة أمامنا، فقد تعدت المؤسسات الوقفية في العهود الإسلامية دور الفاعلية في حالات الطوارئ، إلى دور توفير كل متطلبات ومستلزمات حفظ المسلمين ورعاية أمن الأمة.
والأوقاف التي خصصت للصرف من ريعها على الصناعات الحربية كانت خير معين على الجهاد وحماية الثغور وتوفير العتاد لرد المعتدين على بلاد المسلمين، فنشأت الكثير من المصانع، خاصة في بلاد الشام ومصر أيام الحروب الصليبية على بلاد المسلمين. وقد كان لذلك أثر كبير في رواج الصنعة الحربية وقيام مصانع كبيرة لها في بلادنا، حتى كان الغربيون في الحروب الصليبية، يفدون إلى بلادنا - أيام الهدنة - ليشتروا منا السلاح، وكان العلماء يفتون بتحريم بيعه للأعداء.
وقد بلغت صناعة الأسلحة الحربية الثقيلة والنارية عند المسلمين في أيام الدولة المملوكية مبلغاً عظيماً؛ حيث امتازت في الدقة والإتقـان والمهارة العاليـة في استخدامها مع التجديد والإبداع؛ ما جعلهم ينتصرون على أعدائهم - بتوفيق الله تعالى- في كثير من معاركهم، ولاسيما ضـد الصليبيين والمغول.
وكان للمسلمين باع طويل في تأليف الكتب العسكرية المختلفة التي تبحث في الفنون الحربية كالفروسية والرمي وإدارة المعارك وسياسة الحروب، وبعضها خصص للبحث في صنوف الأسلحة وصفاتها وصناعتها وأساليب استعمالها والتدريب عليها، وكان للوقف دور في توفير البيئة لهذا النتاج. واستمر هذا الإبداع في التصنيع العسكري في العهد العثماني، بل إن زيارة متاحف إسطنبول تؤكد التقنية الصناعية التي بلغت فيها الصناعة الحربية مبلغاً عظيماً؛حيث كان للوقف الدور الكبير في تطور تلك الصناعة وحماية الخلافة لأكثر من خمسة قرون، ومما حققت من انتشار.
والحديث فيه من فوائد جمة: فهو دليل على مشروعية الوقف، وصحة وقف المنقول، من الأعتاد والدروع، وأن الذي يجوز وقف ما جاز الانتفاع به مع بقاء عينه، وكان أصلا يبقى بقاء متصلاً كالعقار والسلاح والأثاث وأشباه ذلك.
وفيه بيان لفضيلة من فضائل خالد بن الوليد رضي الله عنه، أن دافع عنه النبي صلى الله عليه وسلم ورد ما قيل عنه، وامتدح وقفه لأدرعه وأعتاده.وفيه الاعتذار عن أهل الفضل بما لا يُعرف عنهم من العيوب، كما كان النبي مع خالد رضي الله عنه.
وفيه أن ما أوقف لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه خرج من ملكه إلى ملك الله تعالى فلا تجب فيه الزكاة. فالأشياء الموقوفة لا زكاة فيها.
وفيه حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على أن يجعلوا لأنفسهم صدقات جارية بعد موتهم تعود على عموم المسلمين بالنفع، وتعود عليهم بالأجر حتى بعد موتهم.
وفيه فضل واستحباب أن يوقف الإنسان شيئا من ماله ولو بالقليل على المجالات الخيرية، كأن يوقف في سبيل الله، أو على طلبة العلم، أو الأعمال الخيرية، وكلما كان مصرف الوقف نفعه أكثر، كان أفضل.
وفيه أن الوقف ليس محصوراً في الأراضي والدور، بل يتعدى ذلك إلى كل ما جاز الانتفاع به وصح وقفه وإن قل ثمنه؛ فهو باب عظيم من أبواب العمل الصالح الذي يضمن لصاحبه رصيداً جارياً من الحسنات لا ينقطع بعد مفارقته الدنيا.
لا شك أن الوقف كان وما زال مصدر قوة للأمة، والتاريخ شاهد على ما قام به نظام الوقف من إنجازات عجزت عن مجاراتها كل أمم الأرض، فهو من أشرف معالم الحضارة الإسلامية، وجوانبه الإنسانية بلغت في استيفاء حاجات الفرد والمجتمع مبلغاً لم يعرف له مثيل بين الأمم والشعوب، لقد عملت الأوقاف على حفظ بيضة المسلمين، وإسعاد المسلمين بالحفاظ على عقيدتهم وتوحيدهم وعلمهم وكرامتهم وسمو أخلاقهم، وهناء حياتهم، وحمايتهم من كل ما يضرهم.
والوقف أفضل ما يستثمر فيه العبد أمواله؛فهو تجارة رابحة لا تبور وصدقة مستمرة لا تنفد، وكم من ميت مازالت حسناته حية من بعده، بل إن بعض الناس يحصد من الحسنات بعد موته أضعاف ما أدركه في حياته؛ لأن نفع وقفه الذي قدمه في حياته يستمر من بعده، وكلما عمت مساحة الانتفاع زاد الأجر وعظم الثواب.




اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]