عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-01-2021, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,372
الدولة : Egypt
افتراضي ذكرى مولد الرسول وكيف نحييها باختصار وإجمال

ذكرى مولد الرسول وكيف نحييها باختصار وإجمال


مصطفى برهام


يؤلِمُني أن أضعَ هذا العنوان لهذه المقالة، لولا أنِّي أردتُ به إشارةً إلى ذلك الواقع المؤلِم في هذه المناسبة، وكيف الخروجُ منه.
لَم يكن الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالشكليِّ في حياته، ولا بِما جاء به من تشريعاتٍ حتَّى نَظهر في ذكرى ميلاده بتلك المظاهر الشَّكلية، التي تَقْرب في كثيرٍ من الأحيان من مظاهر الوثنيَّة، وأعمال عُبَّاد الأوثان.
كذلك لَم يكن مُتألِّهًا، ولا متغطرِسًا، كملوك الدُّنيا، وحُكَّام الطواغيت، لقد قال لِمَن أراد أن يُقبِّل يدَه: ((لا تفعلوا بي كَما تفعل الأعاجم بِمُلوكها))، فكيف نأتي ونُحْيي ذكرى ميلاده بما درَجَ عليه عبيدُ الملوك، أو كهَنةُ الأوثان؟
إنَّ ما نراه من زينات شكليَّة، أو احتفالٍ بأكل الحلوى، أو إحياء اللَّيالي، بالتغنِّي في جَماله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحديث عن نوره، والرَّقص الذي يُسمُّونه الذِّكْر... إلخ مما يدور في تلك البلاد الإسلاميَّة، كلها أشياء ومظاهر سطحيَّة، لا تُغيِّر شيئًا في باب الفضيلة والأخلاق، ولا تصل إلى تجميل النَّفس، وإصلاحها، وأخذها بآدابه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبأخلاقه كما لا تَبْلغ بالنَّفس مبلغ البطولة التي كان يتحلَّى بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والتي تحدث عنها عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله: "كُنَّا إذا اشتدَّ البأس، واحمرَّ الحدقُ، اتَّقَينا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -"، كذلك لا تبلغ هذه المظاهر الشكليَّة من النفس مبلغ الثقة والإيمان بالله سبحانه اللَّذَين تجلَّيَا في موقفه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة حُنَين وثَباتِه مع بضعة عشر رجلاً من اثني عشر ألفًا كلهم فرَّ في أوَّل المعركة مِن أول جولة، ووقف النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحده واثقًا بنفسه، مؤمنًا بربِّه، مُرددًا نشيدَ الثِّقة والإيمان:
((أنا النبِيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطَّلب))، حتَّى رجع المسلمون وانتصروا، وهكذا موقفه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صلح الحُدَيبية، وقد تراءى في ظاهره أنه في جانب المشركين، وفيه حيفٌ على المسلمين، وأراد عمر - رضي الله عنه - أن يَثْنِي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن هذا الصلح، وقال له: ((علام نُعطى الدنيَّة في ديننا؟))، فردَّ عليه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((إنِّي رسول الله، ولن يضيعني))، وهكذا إذا جئنا نُضاهي ما نقوم به اليوم أو ما يَقوم به مجتمعنا الإسلاميُّ في هذه الذِّكرى المَجيدة - بتلك العَظَمة التي تبَوَّأها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجدنا أنَّنا بعدنا كثيرًا، ورجعنا إلى الوراء، نلتمس شكليَّات الأمم الزائلة، ونترك مفاخر ديننا، وعناصر العظمة في حياة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودينه وأعماله.
إنَّ الألْيَق بنا في هذه الذِّكرى المَجيدة أن نَستعرض العامَ إلى العام، ونأتي في هذا اليوم ننظر ما قُمنا به من أعمالٍ، أو اجتازَتْه أمَّتُنا من مفاخر العزَّة والخلود، وما قطعَتْه من أشواطٍ في طريق بِناء مجد الأمَّة، وفي سبيل توطيد أركان بناء الإسلام.
أنا لا أقول بأنَّ ميلاد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو يوم معيَّن، أو شهر معيَّن، وإنَّما هو كل يوم، وكل شهر، يجب أن نَذْكر هذه الذِّكرى الطيِّبة في كل يوم وفي كل شهر، ونعرف أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنَّما جاء لِيُخرج النَّاس من الظلمات إلى النور - بإذن ربِّه - ونوازن بين ما كانت عليه حالُ الأمة العربيَّة، وحال الدُّنيا جميعها قبل مبعثه وبعد مبعثه؛ لقد كان العرب في جاهليَّةٍ جَهْلاء، وغطرسة ظالِمة، وعبادةٍ للأصنام، وبُغضٍ للعدل، وإقبالٍ على الشر، وإدمانٍ للخمر، ووأدٍ للبنات، وفي طبقيَّة أثارت البَغضاء بين الأغنياء والفقراء، وأنانيةٍ لَم تسكت الحرب بين مختَلِف القبائل في يومٍ من الأيام.
فجاءَهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِهَديه، وإيمانه وإسلامه بِما اشتملَ عليه مِن مُثلٍ عُليا، وقِيَم في الخلق، وطريق التَّعامل النبيل، وبِما امتازَ به من تشريعاتٍ أحالَتْ ذلك المجتمعَ الظالم إلى مجتمع العدل والإخاء والمساواة، فمنع قَتْل القاتل (بِدْعة الثَّأر) التي طالَما أنشبَتْ حروبًا لمدَّة أجيال، وقطع يد السَّارق، أحال تلك الجزيرة العربيَّة إلى تلك المنطقة الآمنة التي بشَّرَ بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في أحلك أوقاته، وأشدِّ ظروف اضطهاده من قومه، وقال: ((والله لَيُتِمنَّ الله هذا الأمر، حتَّى يسير الراكبُ من الحيرة إلى صنعاء، لا يَخاف إلاَّ الله، أو الذِّئبَ على غنمه)).
وقد ذكَّرَهم الله سبحانه بنِعْمة الإسلام هذه، ونعمة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليهم، ووازَنَ لهم بين الحالتين، فقال: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103].
كذلك لَم تكن حالُ أكبر دولتين في هذا الوقت بأحسَنَ من حال العرب، كما قال أميرُ الشُّعراء يُصوِّر ذلك مُخاطبًا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
أَتَيْتَ وَالنَّاسُ فَوْضَى لاَ تَمُرُّ بِهِمْ
إِلاَّ عَلَى صَنَمٍ قَدْ هَامَ فِي صَنَمِ

مُسَيْطِرُ الفُرْسِ يَبْغِي فِي رَعِيَّتِهِ
وَقَيْصَرُ الرُّومِ مِنْ كِبْرٍ أَصْمُّ عَمِ

يُعَذِّبَانِ عِبَادَ اللهِ فِي شَبَهٍ
وَيَذْبَحَانِ كَمَا ضَحَّيْتَ بِالغَنَمِ


ثم يبيِّن معجزة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الكبرى، وهي إحياء رُفَات البشرية بعد أن كان قد بَلِي عهدُه، ورثَّ حتَّى لم يَعُد هناك أمل في أمانٍ أو رغد، أو في عيشٍ يَليق بالإنسان كإنسان، إلى أن جاء الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأحيا هذا الرُّفات، وبعثَه أمة متينة البنيان، قويَّةً على الأيام، ملأت الدنيا عدلاً وخيرًا، وعِلمًا وبِرًّا، يقول شوقي في ذلك:
أَخُوكَ عِيسَى دَعَا مَيْتًا فَقَامَ لَهُ
وَأَنْتَ أَحْيَيْتَ أَجْيَالاً مِنَ الرَّمَمِ

وَالْجَهْلُ مَوْتٌ فَإِنْ أُوتِيتَ مُعْجِزَةً
فَابْعَثْ مِنَ الْجَهْلِ أَوْ فَابْعَثْ مِنَ الرَّجَمِ


هذا ما يجب علينا أن نعيش فيه دائمًا، وأن نَذْكر بعثة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وميلاده بهذه الأمجاد وهذه الحيويَّة، وهذه الرحمة وهذه الهداية والنُّور، وأن نعرف دائمًا أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاء رحمةً للعالَمين: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وأنَّ مضمون هذه الرحمة، هو ما جاء به الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أخلاقٍ، وتشريعات ونظُم، كفيلةٍ بإيجاد أسعد حياة وأعَزِّها، ثم نعمل بهذا الدِّين لإيجاد تلك الحياة، ثم نأتي من العام إلى العام، ونَنْظر في كشف الحساب؛ لنرى كم حقَّقْنا من هذه الأمجاد، وكم خطوةً خطَوْنا نحو حياةِ التَّحرير، والعِزَّة والقوة والغلَبة، وكم بقي من الخطوات لِتَكتمل لنا حياةُ العزَّة، وحياة المَجْد، وحياة المؤمنين الأشدَّاء، والله الموفِّق إلى قَدْرِ ميلاد الرَّسول وبعثتِه وشريعته حقَّ قَدْرها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.63 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]