عرض مشاركة واحدة
  #696  
قديم 27-06-2008, 06:02 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبـــع موضوع .... من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة ألم نشرح


ومما يبعد أن يكون الاستفهام في هذه الآيات، ونحوها للتقرير أنه يجوز حمله في كل منها على حقيقته من طلب الفهم، وذلك لا يجوز في استفهام التقرير.
خامسًا-وقال تعالى:﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾، بصيغة الجمع، ولم يقل:{ ألم أشرح لك صدرك }، بصيغة المفرد. والجواب- كما قال الرازي-:إما أن يحمل على نون التعظيم، فيكون المعنى: أن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، فدل ذلك على أن ذلك الشرح نعمة، لا تصل العقول إلى كنه جلالتها.
وإما أن يحمل على نون الجميع، فيكون المعنى: كأنه تعالى يقول: لم أشرحه وحدي؛ بل أعملت فيه ملائكتي، فكنت ترى الملائكة حواليك، وبين يديك حتى يقوى قلبك، فأديت الرسالة، وأنت قوي القلب، ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك جوابًا. فلو كنت ضيق القلب، لضحكوا منك.. فسبحان من جعل قوة قلبك جبنًا فيهم، وانشراح صدرك ضيقًا فيهم .
وقال تعالى:﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾، وكان يمكن أن يقال:{ألم نشرح صدرك }، بدون﴿ لَكَ ﴾؛ ولكن جيء به زيادة بين فعل الشرح، ومفعوله لفائدتين:
الفائدة الأولى:هي سلوك طريقة الإبهام، ثم الإيضاح للتشويق؛ فإنه سبحانه، لما ذكر فعل:﴿ نَشْرَحْ ﴾، عَلم السامع أن ثَمَّ مشروحًا. فلما قال:﴿لَكَ ﴾، قويَ الإِبهام، فازداد التشويق. فلما قال:﴿صَدْرَكَ ﴾، أوضح ما كان قد عُلِم في ذهن السامع مبهمًا، فتمكن في ذهنه كمال تمكن.. وكذلك قوله تعالى:
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ،﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
وهذا من الإطناب البليغ. قال علماء البيان:إذا أردت أن تبهم، ثم توضح، فإنك تطنب، وفائدته: إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين: الإبهام والإيضاح. أو لتمكن المعنى في النفس تمكنًا زائدًا، لوقوعه بعد الطلب؛ فإنه أعز من المنساق بلا تعب. أو لتكمل لذة العلم به؛ فإن الشيء إذا علم من وجهٍ مَّا، تشوَّقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت، فإذا حصل العلم من بقية الوجوه، كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة .
ومن الأمثلة على ذلك قول موسى عليه السلام:
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(طه: 25)
فإن﴿اشْرَحْيفيد طلب شرح شيء مَّا، و﴿صَدْرِي ﴾يفيد تفسيره وبيانه. وكذلك قوله:
﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(طه: 26)
والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقى الشدائد. وكذلك قوله تعالى:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
فإن المقام يقتضي التأكيد؛ لأنه مقام امتنان وتفخيم.
والفائدة الثانية:أن في زيادة ﴿ لَكَ ﴾تنبيه على أن منافع الرسالة عائدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قيل: إنما شرحنا صدرك لأجلك، لا لأجلنا. وفي ذلك تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى قد فعل ذلك لأجله.
ومثله في ذلك قول موسى عليه السلام:
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(طه: 25)
فكأن في ذلك اعتراف من موسى- عليه السلام- بأن منفعة الشرح عائدة إليه؛ لأن الله تعالى لا ينتفع بإرسال الرسل، ولا يستعين بشرح صدورهم، على خلاف ملوك الدنيا.
وقال تعالى:﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾، ولم يقل:{ألم نشرح لك قلبك }، مع أنه المراد هنا، ومثل ذلك قوله تعالى:
﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(الناس: 5)
وكان الظاهر يقتضي أن يقال:{يوسوس في قلوب الناس }؛ ولكن عدل عنه إلى الصدر؛ لأن الصدر- كما قال ابن قيِّم الجوزية- هو ساحة القلب وبيته، فمنه تدخل الواردات إليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب، فهو بمنزلة الدهليز له. ومن القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود. ومن فهم هذا، فهم قوله تعالى:
﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾(آل عمران: 154)
فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب وبيته، فيلقي ما يريد إلقاءه فيالقلب، فهو موسوس في الصدر.
ومذهب الجمهور أن الصدر هو محل القرآن والعلم. ودليلهم على ذلك قوله تعالى:﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾(العنكبوت: 49)
وقال محمد بن علي الترمذي:القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذي يقصدهالشيطان. فالشيطان يجيء إلى الصدر، الذي هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكًا نزل فيه هو وجنده، وبث فيه الهموم والغموم، فيضيق القلب حينئذ، ولا يجد للطاعة لذة، ولاللإسلام حلاوة .
سادسًا-وقوله تعالى:﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾(2- 3)قراءة العامة، وقرأ أنس:{حططنا }و{حللنا }بدلاً من قوله:﴿وَضَعْنَا ﴾. وقرأ ابن مسعود:{عنك وقرك }، بدلاً منقوله:﴿وِزْرَكَ ﴾.
والوضع- في اللغة- هو إلقاء الحمل على الأرض، وهو أعمُّ من الحطِّ. والوزر يقال للحمل، ويقال لثقل الذنب، وفي وضعه عنه عليه الصلاة والسلام كناية عن عصمته من الذنوب، وتطهيره من الأدناس، وعبَّر عن ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك.
وقيل: وضع الله تعالى عنه عبئه، الذي أثقل ظهره، حتى كاديحطمهمن ثقله. وضعَه عنه بشرح صدره له، فخف وهان. ووضعه بتوفيقه وتيسيره للدعوةومداخلالقلوب، وبالوحي، الذي يكشف له عن الحقيقة، ويعينه على التسلل بها إلى النفوسفييسر وهوادة ولين.
وقوله تعالى:﴿وَضَعْنَا ﴾معطوف بالواو على قوله:﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ ﴾، وجاز ذلك؛ لأن الأول في معنى الإثبات، فحمل الثاني على معنى الأول. ولو كان محمولاً على لفظه، لوجب أن يقال: ونضع عنك وزرك. ومثله في ذلك قوله تعالى:
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ.
وقوله تعالى:﴿الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَصفة للوزر. قال علماء اللغة: الأصل فيه: أن الظهر إذا أثقله الحمل، سُمِع له نقيض. أي: صوت خفيٌّ. والمراد بهذا النقْض: صوت الأضلاع. وهو مثل لما كان يثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من أوزاره.
قال النحاس:فإن قال قائل: كيف وصف هذا الوزر بالثقل، وهو مغفور له، غير مطالب به ؟ فالجواب: أن سبيل الأنبياء- صلوات الله عليهم- والصالحين، إذا ما ذكروا ذنوبهم، أن يشتدَّ غمُّهم وبكاؤهم؛ فلهذا وصف ذنوبهم بالثقل .
سابعًا-وقوله تعالى:﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)
معناه: أن الله جل وعلا رفع له ذكره في الملأ الأعلى, قبل أن يرفعه له في الأرض، حين جعل اسمه عليه الصلاة والسلام مقرونًا باسمه جل وعلا. ورفعله ذكره في اللوح المحفوظ, حين قدر الله سبحانه أن تمر القرون, وتكر الأجيال,وملايينالشفاه في كل مكان، تهتف بهذا الاسم الكريم, مع الصلاة والتسليم.ورفع له ذكره، حين ربطه بهذا المنهج الإلهي الرفيع. وكان مجردُ الاختيار لهذا الأمر رفعةَ ذكر، لم ينلها أحد من قبل، ولا من بعد في هذا الوجود. وليس بعد هذا الرفع رفعٌ، وليس وراء هذه المنزلة منزلة.. إنه المقام، الذي تفرد به صلى الله عليه وسلم دون سائر العالمين.
وروي عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وغيرهم أنهم قالوا في ذلك: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي. وفيه حديث مرفوع، أخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام، فقال:إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت: الله تعالى أعلم ! قال: إذا ذكرتُ، ذكرتَ معي .
ولا يخفى ما في هذا الرفع لذكره عليه الصلاة والسلام من لطف، بعد ذلك الوضع لأعبائه عنه. هذا الرفع، الذي تهون معه كل مشقة وتعب وعناء، وليس بعد هذا التكريم تكريم، وليس بعد هذا العطاء عطاء !
ثامنًا-ومع هذا كله، فإن الله تعالى يتلطف مع حبيبه المختار, ويسرِّي عنه, ويؤنسه, ويطمئنه، ويطلعهعلىاليسر، الذي لا يفارقه، فيقول:
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5-6)
والعسر: المشقة في تحصيل المرغوب، والعمل المقصود. وتعريفه للعهد. واليسر ضد العسر؛ وهو: سهولة تحصيل المرغوب، وعدم التعب فيه، وتنكيره في الموضعين للتفخيم والتعظيم؛ كأنه قيل: إن مع العسر يسرًا عظيمًا ! والكلام وَعْدٌ له صلى الله تعالى عليه وسلم، مَسوقٌ للتسلية، والتنفيس.
وقوله تعالى في الحملة الثانية:﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًايحتمل وجهين من التأويل:
الوجه الأول: أنه تكرير للجملة السابقة، لتأكيد معناها، وتقريره في النفوس، وتمكينه في القلوب، وهو نظير قولك: إن مع الفارس رمحًا، إن مع الفارس رمحًا، وهو ظاهر في وحدة الفارس والرمح؛ وذلك للإطناب والمبالغة. فعليه يكون اليسر فيها عين اليسر في الأولى، والمراد به ما تيسر من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، أو يسر الدنيا مطلقًا.
والوجه الثاني: أنه ليس بتكرير للأول؛ وإنما هو تأسيس، ويكون الحاصل من الجملتين: أن مع كل عسر يسرين عظيمين. والظاهر أن المراد بذينك اليسرين: يسر دنيوي، ويسر أخروي. وفي حديث ابن مسعودأنه لما قرأ:
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
قال: لن يغلب عسر يسرين . قيل: معناه: أن العسر بين يسرين؛ إما فرج عاجل في الدنيا، وإما ثواب آجل في الآخرة.

يتبــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.02 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]