عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14-12-2019, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية

ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية(4)
عادل عبدالوهاب عبدالماجد


(الكتاب والحديد)


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فتقوم الدولة في الشريعة على ركيزتينِ:
الأولى: الكتاب الهادي، الثانية: الحديد الناصر؛ قال تعالى: ï´؟ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ï´¾ [الحديد: 25]، قال ابن تيمية: (فذكَر تعالى أنه أنزَل الكتاب والميزان، وأنه أنزل الحديد لأجلِ القيام بالقسط، وليعلمَ اللهُ من ينصره ورسله؛ ولهذا كان قِوامُ الدِّين بكتاب يَهدي، وسيف يَنصر، وكفى بربِّك هاديًا ونصيرًا)؛ أمراض القلوب، ج1 ص40.

فالكتاب: يرمزُ إلى الوحي المعصوم، والمنهج الشامل، والرِّسالة القيمة، والمبادئ السامية، وبه يكونُ جهاد الحجَّة والبرهان، وهو أكبرُ أنواع الجهادينِ؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ï´¾ [الفرقان: 52].

والحديد: يرمُز إلى القوةِ الواعية، والهيبة البنَّاءة، والنفوذ الواسع، وبه يكون جهادُ السَّيف والسنان، وهذه وسائلُ الإصلاح المتوازن، والتربية القويمة، والقيادة الرشيدة، وإلى ذلك أشار الشاعرُ بقوله:
فما هو إلا الوحيُ أو حدُّ مُرْهفٍ
تُميلُ ظُبَاهُ أَخْدَعَيْ كلِّ مائلِ

فهذا شفاءُ الداءِ مِن كل عاقلٍ
وهذا دواءُ الداءِ مِن كلِ جاهلِ


احتمالات العلاقة بين هذين العنصرين لا تخرج عن أربعةِ احتمالات:
الاحتمال الأول: اجتماع الكتابِ مع الحديد؛ فالكتاب يشيرُ إلى المبادئ، والأخلاق، والعدالة الاجتماعية، والإنصاف في قسمة السلطة والثروة، والحديد يرمُز للقوة والهيبة، وبسط الأمن، وإقامة الحدود، ورَدْع المجرمين، وفي هذا الوضع يكون الاستقرارُ والبِناء والتعمير، ويتبادل الرَّاعي مع الرعية شعورَ الحبِّ والودِّ والإيثار، كما جاء في الحديثِ عن عوفِ بنِ مالِكٍ الأشجعِيِّ، عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((خِيار أئمَّتِكم الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، وتُصلُّون عليهم، ويُصلُّون عليكم))؛ رواه مسلِمٌ، والصلاة: هنا الدعاء؛ أي: تدعون لهم، ويدعون لكم، وقيل: يحبونَكم في حياتكم، ويصلُّون عليكم بعد مماتكم.
عندها تأوي الكلاب
إلى متاهات الهضاب
وتهيم في البيداء
قطعان الذئاب
حتى الثعالب تَنْزوي
لا تستطيع المكر
أو ترجو الخراب
وتطير أسراب الحَمام
تظلل الأجواءَ تمحو
كل وهم أو سراب
والأرض خضراء
تزينها الفراشات الجميلة
ماؤها عذب يغطيها السحاب
فالعدل مبسوط
بحُكم الشرع
من وحي الكتاب
والأمن محفوظ
وسيف الحق
في الأرجاء هادر

وفي ظل هذه الأوضاع الراقية تستقر الدولةُ وتستمر، وقد كان ذلك واقعًا حيًّا في خيرِ العصور، مع خير القادةِ وخير الشعوب؛ فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظمَ قائدٍ، وكان مجتمعُ الصحابة أطهرَ مجتمع.

الاحتمال الثاني: أن يوجد الكتابُ، ويغيب الحديد، وهنا يحضُر العدل وتغيبُ القوة، تظهر الأخلاقُ وتتلاشى الهيبة، فتكون الدولةُ ذاتَ قيم بلا حماية، ولها مبادئ بلا وقاية، ولها قانون محنَّط لا يقوى على الحركة، فيدبُّ الضعفُ في أوصالها، وتسري الآفاتُ في مفاصلِها، فتتآكل ثم تتهاوى وتنهار؛ لأنه لا يطاع لقصيرٍ أمرٌ، ومن كان الضعيفَ فإن حجتَه ضعيفة.
ومَن لم يذُدْ عن حوضِه بسلاحِه
يُهدَّمْ، ومَن لا يتَّقي الشَّتْمَ يُشتَمِ


الاحتمال الثالث: أن يوجدَ الحديد ويختفي الكتاب، وهنا يقعقع السلاح، وتُباد الأخلاق، وتظهر مخالب الظُّلم، وتقطع شرايين الفضائل، فيقهر الشعب، وتئنُّ الرعية، وتحتقن القلوب، وتطفح الضغائنُ، ثم تنفجر براكين الثورات؛ لتهلك الحرث والنَّسل، وتزهق الأرواح، ويظهر في الأرض الفساد، ويطل برؤوسهم دعاة الإفساد؛ ليصِلوا إلى ما يريدون من شهواتٍ ونزوات، وهذا ما حذَّر منه الحديث الذي ذكرنا طرَفًا منه سابقًا عن عوف بن مالك الأشجعي: ((وشِرار أئمتِكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتَلعنونهم ويلعنونكم))، قالوا: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذُهم عند ذلك؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاةَ، لا، ما أقاموا فيكم الصلاةَ، ألا مَن وَلِيَ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكرَهْ ما يأتي من معصيةِ الله، ولا ينزِعَنَّ يدًا من طاعة))؛ رواه مسلمٌ.


وهناك تنتحر العدالة
بل يواري جسمها
وحلُ التراب
يَسوَدُّ وجه الأرض
ينعِق في نواحيها الغراب
وتجول في الأرجاء تنبِح
كل قطعان الكلاب
وهناك ينتحب العفاف
فأهله قتلوا
وقد فقد المُوَاسي
والمُعَزِّي والصحاب
وهناك تغدو
كل حملان القطيع
وحوش غاب
تتطاول الجرذان
في سفه
على الأسد الجريح
تذيقُه من كل أنواع العذاب
والحاكم السفاح يبطش
ليس يذكر حين يلقى الله
أو يخشى العقاب
يؤيده بخُبث
كل فاجرة وفاجر
وتصول في الميدان
دون تحرُّج
كل المخالب والأظافر

الاحتمال الرابع: ألاَّ يوجدَ كتاب ولا حديد، لا أخلاق ولا قوة، لا دين ولا دنيا، فهنا يتحولُ المجتمع إلى غابة؛ القوي فيها يأكلُ الضعيف، وسرعان ما تتآكلُ الدولة، وتتلاشى إلى زوالٍ وانهيار، وهنا يكون الحشَف وسوء الكيلة، ومن لم ينتفِعْ بعينه لم ينتفع بأُذنِه.
ولا خيرَ في اليد مقطوعةً
ولا خيرَ في الساعدِ الأجذَمِ


والله المستعان!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.54 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]