عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-12-2019, 11:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية

ثنائيات رباعية في العلوم النقلية والعقلية(3)
عادل عبدالوهاب عبدالماجد








(القوة والأمانة)

















الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وآله وأصحابه أهل الأمانة والوفا، وبعد:


فالقوة والأمانة صفتان محبوبتان بين الناس، مرغوبتان عند البشر، والقوة تشمل القوةَ البدنية، والشجاعةَ القلبية، والفصاحة اللِّسانية، والحصيلة العلمية، والمكانة الاجتماعية المتمثلة في الشُّهرة والمال والأتباع، وكذلك الهمة العالية، والعزيمة الماضية، والمبادرة الفاعلة، فكل واحدة من هذه الصفات تمثل مظهرًا من مظاهر القوة، وهي متفاوتة بين البشر.





أما الأمانة، فجوهرها الصدق، وحُسن الخُلق، ونقاء السريرة، والمروءة، وكل ما جاءت به الرسالات من مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، والناس فيها كذلك منازلُ متباينة، ومراتبُ شتَّى، وقد انقسموا باعتبارهما إلى أقسام أربعة:


الأول: من له أمانة وليس له قوة:


وهذا أوسطهم حالاً، اجتمع فيه خير وشر، وخيره غالب على شرِّه، فيكون أمينًا صادقًا، تقيًّا ورِعًا، مخلصًا، حسَنَ الخُلق، لكنه ضعيف في بدنه، أو فقير لا يملِك شيئًا من حطام الدنيا، أو سلبي ليس له أثر فيما حوله، أو قليل العلم، أو عاجز عن التعبير السليم عن نفسه أو عن غيره.





وهذا النوع هو الذي استعاذ منه عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قال: "اللهم إني أشكو إليك جَلَد الفاجر، وعجزَ التَّقي".





والضَّعف قد يكون عارضًا يزول بزوال أسبابه كما كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين في بداية الدعوة، ودعاؤه مشهور بعد حادثة الطائف وتطاول السفهاء عليه حين قال: ((اللهم إليك أشكو ضَعْف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين...))؛ فيض القدير ج2 ص150.





فالضَّعف يكون ابتلاء من الله دون تقصير، وصاحبه مخفوض عند الناس، لكنه مرفوع عند رب الناس، كما قال الرسول-صلى الله عليه وسلم -: ((ربَّ أشعثَ أغبَرَ ذي طمرين، مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَم على الله لأبرَّه))؛ أخرجه الحاكم وغيره، وقال الشاعر:




رُبَّ ذي طمرين نِضْوٍ

يأمَنُ العَالَمُ شَرَّهْ




لا يُرى إلا غنيًّا

وهو لا يملِكُ ذَرَّهْ




ثم لو أقسمَ في

شيءٍ على اللهِ أَبَرَّهْ








ومن صور ذلك:


الدعاة والمصلحون الذين يعانون من محدودية العلم، أو الضَّعف البدني، أو ضعف اللغة، أو قلة الإمكانيات، أو غيرها من مظاهر النقص والتقصير، وقد يكون ذلك بسبب سوء الفهم، أو وهن العزيمة، وفتور الهمة، وهنا يظهر القصورُ الذاتي، والنقص الشخصي، فيصدُق قول المتنبِّي:




ولم أرَ في عيوب الناسِ شيئًا

كنقصِ القادرين على التَّمامِ








وهذا من عجائب الأمور؛ قربُ الدواء، واستفحال الداء، واستحكام المرض مع تيسر اللقاح والعلاج، وصدَق من قال:




ومن العجائبِ والعجائبُ جمَّةٌ

قُرْبُ الشفاءِ وما إليه وُصُولُ




كالعِيسِ في البَيْداءِ يقتُلُها الظَّما

والماءُ فوق ظهورِها محمولُ








الأمة الإسلامية منهاجُها خيرُ مِنهاج، ورسالتها أسمى رسالة، لكنها ضعيفة بين الأمم، لا قوة لها ولا كلمة، بل أصبحت تَبعًا لغيرها، تتلقى المعونات، وتستقبل الضربات، وترضى بالفتات من خيراتها المسلوبة، وثرواتها المغصوبة، وما دامت على هذه الحال، فلن تزداد إلا ضعفًا وتبعيَّة؛ لأن ما أُخِذ بالقوة لا يستردُّ إلا بالقوة، ولا يفُلُّ الحديدَ إلا الحديدُ، ولا يُغني الشجب والتنديد، ومن كان الضعيف فإن حجَّتَه ضعيفة، ولا يُطاع لقصيرٍ أمرٌ، (وهذا هو عجزُ الثِّقة).





هذا الواقع المرير يمكن تغييرُه، وتلك الصورة المشوَّهة يمكن تحسينها؛ فالقوة كامنة في رسالتنا، متغلغلة في مبادئنا التي سُدْنا بها العالم زمنًا ليس بالقصير، وحكمنا بها الدنيا:




والليثُ ليثٌ ولو كَلَّتْ مخالبُه

والقردُ قردٌ وإن لبِس العمامة












يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.00%)]