عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 27-11-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثمرات الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة الثانوية

ثمرات الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة الثانوية

الثمرات الإيمانية (6)


هند بنت مصطفى شريفي



ثامنا: بناء التصور الإيماني الصحيح للكون والحياة:
يعدّ بناء التصور الإيماني الصحيح للكون والحياة من الثمرات المهمة لدعوة الطالبة، حيث يتم رفع مستوى الوعي عند الطالبة في جميع نواحي حياتها، وتأسيس بنائها الثقافي والمعرفي بشكل يتلاءم مع ما حباها الله به من قدرات، وما كلّفها به من واجبات، لتبني تصورات سليمة عن نفسها وعن الكون الذي يحيط بها، فيقوم تفكيرها على أسس سليمة، تتخذ مواقفها وتقوم بأعمالها بناء عليها، وتقوم بمسؤوليتها المناطة بها كمسلمة ومربية أجيال، ولتكون على بينة من المستجدات المعاصرة، فتحافظ على استقلال شخصيتها وهويتها المتميزة، ولا تقع في التقليد أو الابتداع، أو تكون مطية لتيارات مضللة، تستغل ضعفها كأنثى، حين تخاطب غرائزها، أو تميل بشهواتها عن طريق الخير، فتخرجها من خدرها، وتفقدها طهارتها وسموها.

إن التصور الصحيح للكون والحياة عند طالبة المرحلة الثانوية يجب أن يُستمد من الكتاب والسنة، فهما عميقا وتطبيقا واقعيا وربطا بالواقع المعاصر، وهذا يولد لديها رؤية واضحة، وبصيرة تعينها على مواجهة التحديات الماثلة أمامها، وتحصنها بسياج قوي من قيم الإسلام، وهذا يتطلب إحاطة الطالبة بالجوانب الأساسية التي تحيط بها، ومن أهمها جانب صلتها بخالقها وإلهها الذي تعبده، وأخلاقها الاجتماعية التي تتعامل بها مع الناس حولها، والنظم التشريعية التي شرعها دينها[1].

فهي تعلم أن هذا الكون الفسيح المتقن الصنع، قد سخّره الله لنفع الإنسان، كما قال تعالى:﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾[2]، وترى ما فيه من بديع المخلوقات والإتقان مما يدل على قدرته تعالى وعظمته، ويبعث على التفكر والتدبر، ويثمر توحيده تعالى وخشيته واليقين بحكمته، كما قال عزّ وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 90، 91] [3].

وهذا الكون له سنن إلهية نافذة، تظهر من خلاله حكمته وسنته تعالى في معاملته للبشر والمجتمعات بناء على سلوكهم وأفعالهم، وموقفهم من شرعه وأنبيائه[4]، وهي سنن مطردة ثابتة لا تتغير، يسري حكمها على الخلق كلهم دون محاباة أو تمييز، كما قال تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾[5].

ومن خلال هذه السنن تستقرئ سنن الأولين، وتعرف عوامل البناء والتقدم، وعوامل الهدم والانحطاط، وبإيمانها بها تقوّم سلوكها، وتستشعر الاطمئنان والرضا بقضاء الله وقدره، وتشعر بالأمن النفسي، فلا تتحسر على الماضي ولا تخاف من المستقبل، فهي آمنة على رزقها لأن الله ضمنه لها، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [6].

وآمنة على حياتها لعلمها بأن الآجال مكتوبة وأن لها أجلا مسمى، والموت سنة الله في عباده، قال تعالى:﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾ [7].

أما تصوراتها عن الحياة، فالحياة الدنيا دار عمل وكدح، والآخرة دار حساب وجزاء، والدنيا دار لعب ولهو وفناء، أما الآخرة فهي (الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هي مستمرة أبد الآباد)[8]، لذلك تسخر الدنيا للبناء للآخرة لأن فيها الجزاء والخلود، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾[9].

وحياة الإنسان في هذه الدنيا تدور حول ركيزتين:
الركيزة الأولى: المسؤولية: وهي تكليف للإنسان بما أعطاه الله من عقل وإرادة وحواس، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[10].

وبما آتاه من قدرة على تحمل الأمانة، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ [11].

وهي صفة تلازم الإنسان في فترة ممتدة ذات طرفين:
بداية: حين يُطالب بأداء الواجب، ويناديه منادي العمل، وهي هنا مسؤولية تمكن واقتدار ومطالبة.

ونهاية: بعد أن يؤدي المطلوب، ويقدم ما صنعه لإجابة ذلك النداء، فتكون هنا مسؤولية محاسبة واستجواب وتقدير[12]، قال تعالى:﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[13].

الركيزة الثانية: الجزاء: عن السيئات والحسنات بعدل الله وحكمته وإحسانه، قال تعالى:﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾[14].

وقد يُجازى الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وهذا ( وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا- وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله... بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة)[15]، قال تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[16].

وأما من خالف أمر الله وما أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه، فلا طمأنينة له ولا انشراح صدر في الدنيا، بل صدره حرج لضلاله، وإن تنعّم ظاهره، ويوم القيامة يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة، قد عُمّي عليه كل شيء إلا جهنّم[17]، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾[18].

تاسعا: بناء التصور السليم عن المعارف والعلوم الحديثة ووظائفها في حياة الإنسان:
تعلم المسلمة أن الإسلام دين حضارة وتقدم، وقوة ورقي، دين يحث الإنسان على اكتشاف العالم وقوانينه وأسراره، ويوجه الأبصار والعقول إلى آيات الله في الأرض، (فإن في كل مخلوقاته عبرة للمعتبرين، وموعظة للمتفكرين، سواء كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السموات والأرض، أو من دقائقها من سائر مخلوقاته)[19]، قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [20].


وهذه العلوم والمعارف المكتشفة والمخترعة إن لم ينتفع بها الإنسان، ولم تسخر لخدمة الدين فقد تكون ضررا ووبالا عليه وعلى المجتمع (وعلوم البشر السابقة واللاحقة وما يترتب عليها من المعارف والأعمال والنتائج والثمرات نوعان: علوم دينية وعلوم دنيوية، وكل رُقي ديني ودنيوي وأخلاقي وجسدي، فإنه من ثمرات العلوم، ولكن الرقي يتفاوت تفاوتا عظيما، فأعظم أنواع الرقي وأعلاه وأصلحه وأكمله إذا اتفق العلمان المذكوران واتفقت آثارهما وتعاونا على الخيرات كلها، وعلى زوال الشرور كلها... وأن كل علم ومعرفة وآثار ونتائج مهما عظمت وترقَّت، إذا لم تكن مبنية على الدين فإنها ناقصة نقصا عظيما، وأن شرّها أعظم من خيرها)[21].

ومهما بلغت المعارف والعلوم من الرقي والتطور، فإن التصور الإسلامي لنفعها مرتبط بمحافظة الأمة الإسلامية على هويتها المبنية على قاعدة راسخة من تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة، والتي تتميز بأنها بيّنة، ثابتة، فعّالة.

بيّنة: لوضوح تلك التعاليم في مبادئها العقدية وفي أحكامها الشرعية وقيمها الخلقية.

ثابتة: لقيامها على تلك المبادئ والأحكام المقررة في الوحي، وهي قيم مطلقة أنزلها الله لتكون شرعة دينية إلى قيام الساعة.

فعّالة: متفاعلة مع الزمن عطاءً واكتسابًا، فالمسلم يسير في ضوء الوحي مصححًا مسار الحياة نحو الحق، ومستثمرا في ضوئه ما ينتجه الجهد البشري من خير وصلاح - سواء أنتجه المسلم نفسه أو أنتجه الآخرون - ولهذا يمتاز المسلم الواعي المتبصر بالثبات أمام ما يعترضه من قضايا ومستجدات، فلا يستعجل بالرفض لكونه لم يألفها، ولا ينبهر بها فينساق معها دون روية[22].


[1] ينظر: ثقافة المسلمة بناء وأداء: د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي ص 12.




[2] سورة الجاثية: جزء من آية 13.



[3] سورة آل عمران: الآيتان 190-191.



[4] ينظر: السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية: د. عبدالكريم زيدان ص 13, مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:2، 1414هـ/1993م.



[5] سورة فاطر: جزء من آية 43.



[6] سورة هود: آية 6.



[7] سورة المنافقون: جزء من آية 11.



[8] تفسير ابن كثير 6/301.



[9] سورة العنكبوت: آية 64.



[10] سورة النحل: آية 78.



[11] سورة الأحزاب: جزء من آية 72.



[12] ينظر: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية: د.محمد عبدالله دراز ص 43-59، دار القلم، الكويت ط:4، 1414هـ/1994م.



[13] سورة التوبة: آية 105.



[14] سورة الزلزلة: الآيتان 7-8.



[15] باختصار: تفسير ابن كثير 4/520.



[16] سورة النحل: آية 97.



[17] ينظر: تفسير ابن كثير 5/316-317.



[18] سورة طه: آية 124.



[19] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني 2/271، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، ط:بدون، ت: بدون.



[20] سورة الأعراف: جزء من آية 185.



[21] الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة: الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي ص 125-126، مكتبة المعارف، الرياض ط:3، 1400هـ/1980م.



[22] ينظر: العولمة الغربية والصحوة الإسلامية: د. عبدالرحمن الزنيدي ص 113.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.06%)]