عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-11-2020, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثمرات الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة الثانوية

ثمرات الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة الثانوية

الثمرات الإيمانية (3)


هند بنت مصطفى شريفي








عناية الطالبة بالعبادات القلبية











إن صلاح القلب وصحته وسلامته هو مناط الفوز والنجاة في الآخرة، كما قال تعالى:﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾[1]، قال الحافظ ابن كثير[2] - رحمه الله -: لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهبا، ولو افتدى بمن في الأرض جميعا، ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله وإخلاص الدين له، والتبرؤ من الشرك والدنس[3].





قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في تعريفه للقلب السليم:


أنه الذي (سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله)[4].





ومن الثمار الزكية لدعوة الطالبة في المرحلة الثانوية، عنايتها ورعايتها لأعمال قلبها وعباداته التي تقوي إيمانها وتزيده في قلبها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:


(والدين القائم بالقلب من الإيمان علما وحالا هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان، فالدين أول ما يُبنى من أصوله ويُكمل بفروعه)[5].





وأساس عبادات القلب وأعماله عند الطالبة المؤمنة؛ تقوى الله، وأعلى مراتبها استحضار قربها منه تعالى، ورؤيته لها، وقد عبّر النبي - صلى الله عليه وسلم عن ذلك بالإحسان في الحديث المعروف، لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))[6].





وإذا قامت الطالبة المؤمنة بعبادة الله؛ فإنها تشعر بأن الله مطلع على أحوالها الظاهرة والباطنة، وأنها بين يديه كأنها تراه وهو يراها، فيوجب في قلبها الخشية والخوف والهيبة والتعظيم له عز وجل، كما يوجب لها النصح في العبادات وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وتكميلها[7].





وعبادة الله تعالى بأعمال القلوب التي تكمل بها الطالبة إيمانها كثيرة متنوعة، منها: (حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضى بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله)[8]؛ لأن العبادة بمفهومها الواسع الشامل هي: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)[9].





ومن أهم أعمال القلوب وأعظمها أثرا: الإخلاص لله تعالى، وهو (أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله تعالى، والتوصل إلى دار كرامته، بأن يكون العبد مخلصا لله تعالى في قصده، مخلصا لله تعالى في محبته، مخلصا لله تعالى في تعظيمه، مخلصا لله تعالى في ظاهره وباطنه، لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله والوصول إلى دار كرامته) [10]، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [11].





فتخلص الطالبة ولا تبتغي إلا وجه الله في طلبها للعلم، تصديقا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من تعلّم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) يعني ريحها [12].





ومن أعمال القلوب التي تثمرها دعوة طالبة الثانوية: التوكل، وهو اعتماد القلب على الله، واستناده إليه وسكونه إليه، واستمداد العون والتأييد منه، وقطع العلائق بغيره تعالى.





وتوكل الطالبة المؤمنة على الله وحده، علامة على حسن ظنها به ورجائها له، إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنها به، أو التوكل على من لا ترجوه[13]، ويتبع هذا التوكل استسلام القلب له تعالى، وتفويض أمورها كلها له طاعة له واستجابة لأمره، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [14].





كما أن توكلها على الله يقوم ويتعلق بإيمانها بالله وبأسمائه وصفاته، فمعرفتها بأنه تعالى الخالق الرزاق، المانع المعطي، المعزّ المذلّ؛ يجعلها تتوكل عليه في طلبها للمعاش والرزق، وفي سائر أحوالها في سعيها في حياتها، فلا تذلّ نفسها لمخلوق، أو تبذل كرامتها لأحد، فالله وكيلها وهو تعالى حسبها، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾[15]، والمؤمن (كلما كان بالله أعرف، كان توكله عليه أقوى)[16].





ومن العبادات المحاسبة والتوبة: وهي من أعمال القلوب التي ترتقي بإيمان الطالبة، فتحاسب نفسها على ما قدّمت من خير وشر، وعلى سلامة نيتها في الأعمال كلها، وعلى إتقانها لعملها، وعلى تحقيقها لأهدافها ومقاصدها، كما تحاسب نفسها على ما فاتها من الطاعات، وما ضيعت من الأوقات، كما تنظر في شكرها الله على ما أنعمه عليها، ثم تُعدّ لغدها ما يعينها على سلوك طريق النجاة، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[17]، أي: (حاسبوا أنفسكم قبل إن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم... واعلموا أنه عالم بجميع أحوالكم، لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير)[18]، والطالبة حين تحاسب نفسها تتدارك ما قصرت فيه وتستزيد مما أحسنت فيه، فتقف بهذه المحاسبة على مواطن الضعف في شخصيتها، لتتمكن من علاجها وتقويتها.





وقد قدم السلف نموذجا عن كيفية محاسبة النفس جاء فيه: (ثم عليه أن يتصفح في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن الليل أخطر للخاطر، وأجمع للفكر، فإن كان محمودا أمضاه، وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموما استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل)[19].





وأعظم ثمرة تجنيها الطالبة من هذه المحاسبة هي توبتها إلى الله العفو الرحيم توبة نصوحا تجبُّ ما اقترفت يداها من السيئات والمعاصي، ويوضح الإمام ابن القيم - رحمه الله - الارتباط المتين والعلاقة الوثيقة بين المحاسبة والتوبة بقوله: (ومن منزلة المحاسبة يصحّ له النزول منزلة التوبة، لأنه إذا حاسب نفسه عرف ما عليه من الحق، فخرج منه وتنصل منه إلى صاحبه، وهي حقيقة التوبة، فكان تقديم المحاسبة عليها لذلك أولى، ولتأخيرها عنها وجه أيضا، وهو أن المحاسبة لا تكون إلا بعد تصحيح التوبة، والتحقيق أن التوبة بين محاسبتين، محاسبة قبلها تقتضي وجوبها، ومحاسبة بعدها تقتضي حفظها، فالتوبة محفوفة بمحاسبتين)[20].





وطالبة الثانوية بشر، من طبيعتها الخطأ والنسيان والتقصير، ومعظم الطلاب يمرون في هذه المرحلة بفترة المراهقة، التي تتميز بعدم الاستقرار النفسي والعاطفي، مما يجعلهم مظنة الوقوع في الزلل والخطأ، لذا جاء في الشرع الحث والثناء على الطاعات في سن الشباب، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة، وفيه: ((شاب نشأ في عبادة الله))[21].






وقد علم الله تعالى الوقوع في الخطأ والذنب من عباده، فشرع لهم الإنابة إليه والتوبة والاستغفار، وقد قال - صلى الله عليه وسلم: (( والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))[22]،كما وعدهم بالمغفرة ومحو السيئات والفلاح عند حدوث التوبة النصوح، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾[23]، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن التوبة النصوح: (أي توبة صادقة جازمة، تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب وتجمعه، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات...هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على ألا يفعل ذلك في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقة)[24]، وهذه هي حقيقة التوبة[25].





وهذا نبينا خليل الرحمن - صلى الله عليه وسلم يضرب المثل المقتدى لأمته في التوبة إلى الله، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول - صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))[26].






[1] سورة الشعراء: الآيتان 88-89.




[2] إسماعيل بن عمر بن ضوّ القرشي البصروي ثم الدمشقي، أبو الفداء حافظ مؤرخ فقيه، ولد في قرية من أعمال بصرى بالشام ورحل في طلب العلم، توفي رحمه الله بدمشق سنة 774هـ. ينظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ابن العماد الحنبلي 6/231، والأعلام: الزركلي ص1/320.



[3] ينظر: تفسير ابن كثير 6/159.



[4] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 1/7.



[5] مجموع الفتاوى 10/355.



[6] صحيح مسلم، سبق تخريجه ص 42.



[7] ينظر: جامع العلوم والحكم ص 126.



[8] العبودية: شيخ الإسلام ابن تيمية ص 38.



[9] المرجع السابق ص 38.



[10] شرح الأصول الستة: الشيخ محمد بن عثيمين ص 144، دار الثريا للنشر، الرياض ط:3، 1418هـ/1997م.



[11] سورة الأنعام: الآيتان 162-163.



[12] مسند الإمام أحمد 2/338، واللفظ له، والمستدرك على الصحيحين كتاب العلم 1/85، وقال: صحيح سنده ثقات رواته على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.



[13] ينظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: الإمام ابن قيم الجوزية 2/120-121، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط: بدون، 1392هـ/1972م.



[14] سورة التغابن: آية 13.



[15] سورة الطلاق: جزء من آية 3.



[16] مدارج السالكين 2/125.



[17] سورة الحشر: آية 18.



[18] باختصار: تفسير ابن كثير 8/102.



[19] أدب الدنيا والدين: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي ص 342، حققه وعلق عليه: مصطفى السقا، دار الكتب العلمية، بيروت ط:4، 1398هـ/1978م.



[20] مدارج السالكين 1/169-170.



[21] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، ح1423 (فتح الباري 3/293)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة 2/715 ح 1031.



[22] صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة 4/2106 .



[23] سورة التحريم: جزء من آية 8.



[24] باختصار: تفسير ابن كثير 8/195-196.



[25] مدارج السالكين 1/182.



[26] صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/2076 ح 2702.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]