عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-10-2020, 05:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف تكتب بحثا شرعيا

ز- الأمانة في نقل الأفكار وعزوها:
وذلك بنسبة الأقوال والأفكار إلى أصحابها، دون أدنى غضاضة من صغير وكبير، من مسلم أو كافر من برٍّ أو فاجر، من متقدم أو متأخر.

ولقد ضرب علماء المسلمين الأقدمون المثل الأعلى في الأمانة العلمية؛ لأن القرآن الكريم أرسى ذلك، فقد ذكر القرآن عقائد الملل الضالة كما هي - بما فيها - وردَّ عليها وفندها.

وانظر إلى كتب الأشعري و الباقلاني والفخر الرازي، والغزالي وابن تيمية وابن القيم، الشافعي و الطحاوي والبغدادي، وغيرهم، لتجد هذه النماذج القمم في الصدق والأمانة، واستيعاب الفكرة ولو كانت ضالة؛ لبيان وجه الضلال فيها، وما ذاك إلا ليرفعوا الحرج عن الأمة في الحوار والمناظرة، وليوفُّوا قبل ذلك الأمانة حقها.

ويجب علينا أن تكون على حذر شديد من المعاصرين ممن يعبث بالنصوص نقلا وبتراً، وحذفا لما لا يعجبه، أو يتعارض مع أهوائه وتوجيهاته أو يأتي على حججه ودعاواه بالهدم والسقوط بذلك في بعض كتب التراث التي يخرجونها.

وقد وجدنا بعضهم يقحم رأيه الفاسد، وفكره الخاسر الكاسد، في نصوص لها قيمة ووزن، دون تمييز أو إشارة على أنه من المحقق أو الناشر أو الطابع،ادعاءً منه للفهم، والاجتهاد العلمي العظيم؟!

ولا بد من التأكيد على أن نقل قول السابق إن أخذه بلفظه تعين العزو لصاحبه، وكذا إن أخذه بالمعنى المحاذي للفظ من غير زيادة عليه، بالإشارة لوجه النقل؛ وإلا كان الناقل مدلِّساً.

ح - الفهم الصحيح للنصوص، وتحديد مدلولاتها:
وذلك بالالتزام بضوابط الفهم الصحيح للنصوص، وتحديد مدلولاته على هدي هذه الضوابط، وهي القضية التي نسميها اليوم الموضوعية و النزاهة والإخلاص في فهم مراد كلام الله تعالى وفهم كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الفهم الحق لمراد الشارع، إضافة إلى كونه واجبا دينيا، فإن نتيجته هي صمام الأمان للحياة الإنسانية، وسر السعادة البشرية.

وأيضا من الموضوعية والنزاهة الاجتهاد المباشر وأخذ الأحكام من نصوص القرآن والسنة مباشرة؛ بما لا يَلفت معه الزمام، ويتحلى كل مأفون بحلية الإمام، مع الحذر الشديد من جعل النص تابعاً لرأيه وهواه، ورغباته وأفكاره، بجعله الأصل وجعل النص هو الفرع.

ويلزمه بعدها عدم التعجل في إصدار الأحكام؛ قبل تمام النظر فيما هو بصدده، وتجنب التهور.

ط- الرجوع في كل علم إلى أهله:
فأهل كل علم مقدمون على غيرهم فيه، بل لا يلتفت فيه إلى سواهم؛ لأن أهل كل علم هم الذين جمعوا مسائله وضبطوا أصوله، وألفوا كتبه وذلَّلوا صعابه.

لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن البسملة قال: (سلوا عن كل علم أهله، وإمام الناس في القراءة نافع)، وقال جار الله: (.. أن على كل آخذ علماً أن لا يأخذه إلا مِن أقتل أهله علما، وأنحرهم دراية، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج أن يضرب إليه أكباد الإبل، فكم من آخذ عن غير متقن قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النحارير أنامله ).

وإن ما ينبغي التنبه له مسألة النقل في المذاهب الفقهية والعقدية، والأديان والفرق والمذاهب السياسية، فيجب أن يرجع فيه إلى مصنفاتهم الصادرة عن أهله، حتى لا يقع الباحث في الخطأ.

ويرجم بالظنون، وكثير من الكاتبين عن الإسلام تركوا مصادر العلوم المتقنة، وتصيدوا الأقوال هنا وهناك، بقيل ويقال، ويحكى ويروى، دون تثبت وتأكد.


ي- النقد النزيه المتزن:
إن الباحث الراسخ لا يقف حيال الأفكار والنصوص مكتوف الأيدي، جامد النظر عديم التدبر، بل له حق النقد والتقويم لكل نص - سوى الكتاب والسنة -، فلا يمر عليه نص في إطار بحثه و يرى فيه ما يستحق التقويم أو بيان الخطأ، إلا وقوَّم وأصلح بما يراه حقا، وإن لم يفهم النص أشار إلى ذلك؛ لئلا يُنسب إليه الرضا به.

وطريق النقد كما قال ابن الهيثم (.. أن يجعل نفسه خصما لكل ما ينظر فيه، ويجيل فكره في متنه، وجميع حواشيه، ويتهم أيضا نفسه عند خصامه، فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه) لتنكشف له الحقائق حينئذ بجلاء.

ثانيا: الشكل الخارجي:

أ - سلامة الأسلوب:

إن الأسلوب هو ثوب المعاني، وبمقدار توشيه وتحبيره وتجميله، تقرب المعاني من الأفهام، وتسرع الدخول إلى القلوب والعقول، فبحثٌ باللغة العربية؛ يجب تجنيبه اللحن، والأخطاء الصرفية والنحوية والإملائية، إذ مَن حُرم فهم العربية والتصرَّف فيها لا يتأتَّى له فهم نصوص القرآن والسنة، وأقوال السلف الصالح، ولن يستطيع ادّعاء قدرته على التعبير عنها حق التعبير في بحثه.

و لا يعني هذا أن تصب الألفاظ والتراكيب في قوالب السجع الثقيل، أو تصيُّد حواشي اللغة ومهجور الكلام، كما لا ينبغي الوقوع في تراكيب العامة، وأساليب الصحافة السائرة اليوم - ولو كانت بمعانٍ سامية - لأن ذلك يهبط بقيمة عمله وجهده.

ب- ضبط النص بالشكل و الإعجام، وعلامات الترقيم:

فهذا من تمام معرفة اللغة وحسن الصياغة، فأما:
1) الشكل والإعجام: فيكون في المواضع التي يحتاج إليها، وخاصة في الكلمات المُشكِلة والملتبِسة من الأعلام والكنى و الألقاب والأنساب وغيرها؛ وفيها مؤلفات تهتم بها - بجانب المعاجم اللغوية؛ التي تضبط بنية الكلمة - مثل: إصلاح أخطاء المؤلفين لإمام حمْد الخطَّابي.

2) علامات الترقيم: فيجب استعمالها على أدق وأكمل ما يكون؛ لأنها تبيِّن المراد، وتوضح الفكرة، وتسهل القراءة، وتيسر الفهم، وفي يذلك كتب مؤلفة، مثل: الترقيم في اللغة العربية لأحمد زكي باشا.

ج- ضبط القراءات القرآنية والأحاديث النبوية:

فيجب على الباحث الاعتماد على قراءة قرآنية معينة، ويشير للقراءات الأخرى - عند المرور بها - في حال كون الآية محلَّ استنباط للأحكام أو نظر.

وكذلك نصوص الأحاديث ورواياته، مع بيان المصدر؛ ليسهُل الرجوع إليه.

د- نفي الاستطراد:

يحسن بالباحث أن يخلي فكرته من الاستطرادات الطويلة، وإن كانت الاستطرادات ضرورية - لا بد منها - فلتكن في حاشية الكتاب، وإن كانت طويلة فليجعلها مضمومةً ملحقة في ختام الباب أو البحث.

هـ- حسن الاقتباس:

الاقتباسات لها حالتان:
1) إن كانت طويلة: فإما أن تختصر ويقتصر على فيها على موضع الشاهد، أو يؤخذ معناها؛ ويشار إلى ذلك. وقد صنع هذا العلماء الأقدمون، فمثلا الإمام البخاري رحمه الله: كان يقطِّع الحديث الواحد في مواضع عديدة من جامعه الصحيح، مقتصراً على ما له علاقة بذلك الباب فقط، وكانوا يأخذون المعنى أحيانا أخر وتركوا اللفظ، وكانوا يقولون: قال فلان: مامعناه.
2) وإن كانت قصيرة: نُقلت كما هي.

وفي العصر الحالي تواطأ الباحثون على أمور، هي:
وضع الاقتباس بلفظ بين قوسين.
عند اقتباس الآيات: لابد من ذكر السورة، ورقم الآيات في المصحف المتداول.
عند اقتباس الأحاديث لا بد من إحالة النصوص إلى مصادرها، الأعلى فالأعلى، فلا يذكر جامع الترمذي قبل البخاري.
و يجدر بعد توثيقها أن ينقل درجتها عن أحد الأئمة المعتمدين.
العزو يكون بذكر الكتاب والباب، وإن أضاف إلى الجزء والصفحة؛ فحسن.

و- التزام المصطلحات المتداولة:

إذا كان للباحث مصطلحات متعلقة ببحثه، فمن المستحسن أن يصدِّر بها بحثه بعد المقدمة بوضوح؛ حتى يكون القارئ على بيَّنة منها قبل أن يدلف إلى القراءة؛ لأن استعمال الرموز دون توضيحها يُلبس على القارئ، بل ويجعله يملّ القراءة.

ز- كتابة الأسماء الأعجمية:

يستحب للباحث أن يكتب الأسماء الأعجمية بلُغتها الأصلية - من فرنسية أو انكليزية أو فارسية - ويضعها بين قوسين، ثم يعرِّبها هو، و أما ما اقتبسه منها - وكان قصيراً - وترجمه بنفسه، فلا حرج أن يضعه في حاشية الكتاب بنصه الأجنبي؛ فلعله يُخالَف في ترجمته وفهمه.

ح- المصادر والمراجع:

التي اقتبس منها قليلا وكثيرا، والتي أحال عليها ولو مرة واحدة، فيجب عليه أن يضعها في قائمة كاملة، في آخر عمله، موثقة أدق ما يمكن التوثيق، وذلك بطريقين:
1. إن بدأ باستعمال اسم الكتاب، رتب اللائحة مبتدئا باسم الكتاب.
2. وإن بدأ إحالته باستعمال المؤلف، رتبها باسم المؤلفين.
وإن رتب قائمة المصادر على حسب الفنون العلمية، فلا حرج شريطة توثيقٍ كاملٍ وترتيبٍ دقيقٍ.

ط- صنع الفهارس والكشافات:

لأنه ضرورة لازمة، ولها عدة أنواع:
1) الفهرس الخاص بموضوعات البحث: والأفضل أن يكون في صدر الكتاب، بعد المقدمة.
2) فهرس المتعلق ب-: القرآن الكريم، الحديث النبوي، الأعلام الواردة، المصطلحات الحضارية، الأديان والفرق، الأيام والغزوات، الأماكن، الأشعار..، وبمقدار تنوعها يسهل الرجوع إلى الكتاب والانتفاع به، وتجاهلها؛ دليل العجز والتقصير.

ي - حسن الإخراج:

قيل قديما (( حسن الخط يزيد الحق وضوحاً ))، فيجب على الباحث أن يتناول البحث بالتصحيح والتنقيح من الأخطاء المطبعية قبل أن تصل إلى أيدي القراء؛ لأن بعدم ذلك يكسِف البحث جماله، ويشين كماله.

ك- وضع مختصر ملخص جامع:

من الحسن الجميل أن يتبع الباحث كتابه - خاصة الرسائل و الأطاريح - بملخص مركَّز جدا في عشر صفحات أو أكثر بقليل، على نسق الأبواب والفصول،مركِّزا على النتائج التي وصل إليها؛ لتكون كخلاصةٍ معرِّفة بعمله وعنوان جهده، وهو في دراسات "الماجستير والدكتوراه" الملخص الذي ينشر بين يدي اللجنة، وينشر للتعريف بالعمل في الدوريات والمجلات المتخصصة.

ل- ثمرة العلم:

الدراسات الإسلامية هي ميدان الفضيلة، ولا يجمل بمن وضعه الله في ميدان الفضيلة أن لا يتشبع بها، ولا تظهر على محيَّاه، بعيدا عن طيش الطائشين، ونزق المنحرفين الزائغين.


م- العلم جهاد كبير:

وقد قرر علماء الشريعة الإسلامية بدءاً من السلف الصالح - استهداءًا بالقرآن الكريم والسنة النبوية - أن العلم قمة العبادة، وأفضل شيء بعد أداء الفرائض.. وبهذا الشعور تقدمت الحضارة الإسلامية وازدهرت...

فما أحوجنا إلى إعادة هذا المفهوم وتركيزه في قلوب الجيل الصاعد!!؟

عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من رأى الغدو والرواح إلى العلم ليس بجهاد، فقد نقص عقله).


والحمد لله على التمام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.08 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]